أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - سعيد مضيه - سلفية العصر الحديث















المزيد.....


سلفية العصر الحديث


سعيد مضيه

الحوار المتمدن-العدد: 3633 - 2012 / 2 / 9 - 17:20
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


اليسار وقضايا الفكر والثقافة ـ 4
سلفية العصر الحديث
يرى البعض وجوب ابتعاد العلمانيين عن الخوض في قضايا الدين وتركها للصراعات ما بين الفرق الفقهية؛ بينما يرى آخرون وجوب المشاركة والبحث المعمق في كل ما يتعلق بالفكر الديني باعتباره نتاجا إنسانيا وأحد أشكال الوعي المشروط بملابسات الواقع الاجتماعي المتغير باضطراد. للفكر علاقة جدلية بالعلاقات الاجتماعية على وجه الخصوص. كما أن التراث العربي الإسلامي، وخاصة بنيته الدينية، تعرض للتشويه والتحريف والتكييف بأشكال لم يتعرض لها أي تراث غيره. وبينما تتم المراجعة بين حين وآخر في النظرة إلى تراث الإغريق والرومان وتراث عصر النهضة الأوروبية فقد فرض الفكر الاستشراقي رؤيته مرة وإلى الأبد للتراث العربي ـ الإسلامي من منظور الإيديولوجيا الامبريالية وتطلعها للسيطرة ؛ ذلك أن ارتباط الاستشراق بالامبريالية وأهدافها في المنطقة العربية ـ الإسلامية لم يطرأ عليه تغيير. وعلى امتداد القرن الماضي قدم السلفيون تغذية ارتجاعية لتلك الرؤية. بل إنه يتوجب القول أن السلفيين شكلوا السند السياسي للبنية الكولنيالية، فدعموا مؤامراتها ضد حركة التحرر والتقدم في المواجهات، وبعضها مفصلي، أهمها الموقف من تقسيم القارة الهندية عام 1948 ودعم الانقلاب ضد الحكم الوطني والبرلمان المنتخب في الأردن عام 1957، وتغطية ردة السادات وسياساته الانفتاحية في عقد السبعينات.
تعمدت الامبريالية بإيديولوجييها ومستشرقيها أن تظهر سيطرتها السياسية والثقافية بمظهر رسالة تحضيرية. وترتب على أجيال لاحقة من المثقفين العرب والمسلمين تقديم رؤية علمية للتراث الفكري والفقهي، اعتبرها السلفيون نظرات إلحادية وحاربوها بضراوة؛ وبذا أدرجت ضمن الصراعات الإيديولوجية الجارية داخل المجتمعات العربية، وعلى الصعيد الدولي . فالإيديولوجيا منحازة طبقيا، ولا يمكن الوقف على الحياد إزاء الصراع الإيديوبوجي؛ وكل تسامح حيال إيديولوجيا الطبقات المهيمنة يشكل أجحافا بأيديولوجيا الجماهير .
وحيث أن دعوة الدين الصريحة هي المساواة والعدالة؛ والناس من منظوره سواسية كأسنان المشط، أفضلهم أتقاهم، فإن تسييس الدين، ينزع منه جوهره الإنساني ويسخره لمصلحة الطبقة المهيمنة، ومن ثم يغلف إيديولوجيتها. في هذا الصدد يتمظهر الصراع الإيديولوجي حول فهم التراث وتوظيفه بمظهر إدراك علاقة الماضي بالحاضر، وبالتحديد التغيرات الجوهرية التي أدخلها صعود الامبريالية على المسرح العالمي. في هذا لمجال تفرض السلفية التماثل بين العلاقات الاجتماعية الراهنة في عصر الامبريالية، والتي تنهض على قاعدة العلاقات البرجوازية، وبين العلاقات الاجتماعية القديمة، محاولة لطمس الواقع الامبريالي. يستند التماثل إلى منطق لا تاريخي لجوهر الواقع والفكر، تنعدم في نظرته حركة التاريخ ويفرض على الواقع الجديد فكرا غريبا لا يرشد حركته المتطورة. وهكذا فالنظرة السلفية، بوعي من أصحابها أم بعفوية، تندمج في إطار الإيديولوجيا الامبريالية، وتشكل جزءا عضويا من التبعية البنيوية للامبريالية. ورغم تقنع هذا التوجه اللاتاريخي بالدين فإنه يشكل جزءا عضويا من إيديولوجيا البرجوازية الكولنيالية، التي ألقت نظرة فوقية على التراث القومي العربي ـ الإسلامي. هذا مع العلم أن إيديولوجيا البرجوازية ليست دينية وإن تمسحت بالدين. تسييس الدين يخاطب جمهورا غير مسيس، فاته قطار التقدم، و فقد الرؤية التاريخية، فاستمر يفكر بمقولات العصور القديمة ويتصرف وفق قيمها المألوفة ، اغترب عن الحاضر وفقد السيطرة عليه، فأضاع المستقبل ، وأدمن التعايش مع علاقات القهر والهدر. حقا لم يبدر من التيار السلفي أي احتجاج ضد قهر الإنسان وتبخيسه وهدره، وذلك على النقيض من حض الرسالة المحمدية على تكريم الإنسان. انطلاقا من هذا الواقع دمج الراحل الدكتور مهدي عامل الرؤية التراثية بعلاقة عضوية مع الموقف السياسي. " ليست معرفة التراث مجرد ضرورة علمية أو ترفا فكريا بل هي ضرورة سياسية لأن هذه المعرفة في إنتاجها أو طمسها أو تشويهها هي موضوع صراع طبقي حاد في حركة تحررنا الوطني"[ أزمة حضارة أم أزمة البرجوازية العربية]. اغتيل الفيلسوف الماركسي بسبب رؤيته الحزبية للتراث، ولقي نفس المصير على نفس الأيدي الملوثة الدكتور الراحل حسين مروة حيث فضح التحيز الإيديولوجي للسلفية: "المضمون الحقيقي للرؤية السلفية إلى التراث هو مضمون ترتبط جذوره بالحاضر وتنغرس في تربة الحاضر. هو صيغة من صيغ الإيديولوجيات المتحاربة المعاصرة، هو استنجاد بالأفكار التي تجاوزها الزمن لتثبيت موقع طبقي متزعزع في بنية اجتماعية تتصدع تحت مطرقة الحاضر، طبقة معينة يعبرون عن إيديولوجيتها ، إما لأنهم في موقعها الطبقي نفسه، أو لسبب آخر يتعلق بتكونهم الفكري وغياب الوعي السياسي والطبقي عنهم ." [ مقدمة "النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية"، الجزء الأول، الطبعة السادسة 1985ـ ص23]
تحولت الرأسمالية في بداية القرن العشرين إلى نظام عالمي للاضطهاد الامبريالي والخنق المالي للأكثرية الهائلة من سكان كوكبنا من قبل حفنة من البلدان المتقدمة. ولم يدر بخلد السلفيين، وهم يلوذون بالتراث ينشدون حماية الكيان الاجتماعي، أن منتجات الصناعة المتطورة مدافع تهدم وتدمر أعتى الحصون. وإحساسا بالعجز عن التصدي للخطر الوافد لاذت السلفية في الأقطار العربية وفي الهند والصين في حينه بتراث الماضي. أما اليابان فتصدت بموقف علمي، رفدت الصناعة بالتقاني المتطورة حيث مضت شوطا في التصنيع وطورت البنية الاجتماعية وبالتفاعل معها بنية الفكر. انتهجت اليابان موقفا علميا إزاء التراث حيث استوعب العلم كل ما يتساوق معه من قيم التراث. تصدت اليابان للامبريالية الأوروبية بالعلوم تطعم بها ثقافتها الموروثة، واستطاعت تجاوز الفكر السلفي؛ فتجنبت بذلك اهتزاز البنية الاجتماعية، وهو ما كابدته المجتمعات العربية ـ الإسلامية بفعل التطور المقحم عليها من الخارج وطبقا لتداعياته.
على غرار سلفية العصر الوسيط، الذي لم يثبت عمليا تقدير الماضي، أو الولاء للمقدس، فإن فإن التأويل السلفي المعاصر للدين اغفل الكثير من قيم الدين الأساس. تنكرت السلفية المعاصرة والقديمة للحركة التاريخية لبنية الواقع الاجتماعي والفكري، بينما حفظ تاريخ الفقه الإسلامي عبر العصر الوسيط رؤى تاريخية تجلت في دعوات لتطوير الفقه تبعا لتغير الزمان والمكان ولتطور العلم، وكذلك الابتعاد عن النسخ أو التقليد، وذلك كي يحتفظ بجوهره الإنساني. وممن بذلوا الجهود في هذا المسعى الشاطبي في كتابه " الموافقات"، حيث استخرج من الشريعة بنودا ومقاصد واضحات تختزل في مصالح العباد. أخضع المستخرَج لضرورات واقع الزمان والعادات المتبدلة وفق متغيرات الزمان وتقاليده ومكانه. اشترط الشاطبي عدم تخلف الاجتهاد عن علوم العصر، واوجب على الفقيه أن يكون ملما بعلوم عصره ومتصلا بواقعه حتى ينزل مصلحة العباد ـ مقاصد الشريعة ـ على الواقع الاجتماعي المتعين. أكد الشاطبي ضرورة أن يراعي الفقيه الواقع المتعين عند الإفتاء. واقترب الشاطبي من أبي حنيفة في الاستحسان العقلي بقوله ، "وحفظت الشريعة أيضا أمور الناس التحسينية، وهي الأخذ بما يليق من محاسن العادات وتجنب الأحوال المدنسات التي تأنفها العقول الراجحات" .
وإلى جانب الشاطبي برز في ظلام العصر الوسيط المعز بن عبد السلام ينعي خلو الشريعة من العدالة الاجتماعية التي نادي بها القرآن وأحاديث الرسول. ومرق كالسهم المضيء في كبد الفضاء الإمام نجم الدين الطوفي، الذي اعتمد العقل والمصلحة العامة معيارا لصحة الإفتاء. وفي هذا يقول الإمام الطوفي "حيث تتحقق مصلحة الناس فثمة شرع الله"؛ ومن ثم فإن علي المفتي ألا يكتفي بنقل بعض مما قرأ في هذا الكتاب أو ذاك وإنما عليه أن يعمل العقل والمصلحة قبل أن يصدر فتواه‏.‏
اشترطت كوكبة الفقهاء ممن اشتهروا في العصر الوسيط على المفتي ، لكي يلتزم الناس فتاواه أو آراءه أو قيادته، ان يدرس المواقع التي يفتي فيها برأيه، فلا يعطي رأيا يضر بالناس الذين يتحركون في هذا الموقع او ذاك، وإلا فقد الثقة به وفقد موقعه. تلك النظرات الثاقبة العبقرية يتم إهمالها ، حتى كادت لا تجد لنفسها مكاناً في أحاديث المشايخ والحركات الدينية، رغم طول الوقت الإعلامي المخصص لهم. وعملا بهذه الضرورة تصدى لفوضى الإفتاء وتحيزها الاجتماعي مرجع فقهي من وزن الراحل ، السيد محمد حسين فضل الله ، يحذر ، في ندوته الأسبوعية(بيروت ـ الحياة - 16/06/05) من "أن العناوين الإسلامية تستغل استغلالاً سيئاً، لتصبح في بعض الممارسات سلعة في البازار السياسي أو الانتخابي، الأمر الذي يؤدي مع الوقت ومع استمرار هذه الممارسات واعتياد الناس عليها، إلى أن تفقد المفاهيم والقيم الإسلامية أصالتها وقيمتها التأثيرية في النفوس".
وعلى غرار تهميش النظرات التطويرية للفقه في العصر الوسيط، نظرا لجدل العلاقة بين الفكر والواقع، فقد همشت أيضا في العصر الحديث نظرات توجهت لتلقيح مبادئ الإسلام بليبرالية تنهي استبداد الحكم. برز فريق من السلفيين الليبراليين،أمثال جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وعبد الرحمن الكواكبي، توجهوا نحو إصلاح الفقه الموروث ليواكب الحداثة. دعا المصلحون إلى تبديد إرث حقبة الظلامية التي امتدت قرابة العشرة قرون، وإلى تنوير الحياة الاجتماعية بالعلم؛ نادى المنورون الليبراليون بفتح المدارس وأسهموا في إصدار الصحف ونشر الكتب، وطالبوا الحكام بإدخال الدستور إلأى نظام الحكم ومنح حريات التعبير أي استبدال الحكم المطلق بنظام ليبرالي. كانوا سلفيين ليبراليين. وبجانبهم برز ليبراليون علمانيون. رد الأفغاني على الصوفيين " أنا لا أفهم الفناء في الله ..وإنما الفناء في خلق الله تعليمهم وتنبيههم إلى وسائل سعادتهم وما فيه خيرهم". وتلاه محمد عبده تلميذا ومواصلا لرسالته ضد الجهل والاستبداد عن طريق "التعليم الصحيح والتربية النافعة". دعا إلى تلقيح مبادئ الإسلام بليبرالية تنهي استبداد الحكم، بالاستناد إلى جهود طبقة وسطى ناهضة في المجتمع. " . ... لم يعهد في أمة من أمم الأرض أن الخواص والأغنياء ورجال الحكومة يطالبون بمساواة أنفسهم بسائر الناس وإزالة امتيازاتهم واستئثارهم بالمال والجاه والوظائف..." . قامت رسالة التنوير على مبدأ تغيير العقل وليس الواقع الاجتماعي بتطوير البنية الإنتاجية ، مثلما حدث في النهضة اليابانية.
حض لينين شيوعيي الشرق أن يهتموا اولا بانتشال شعوبهم من تخلف العصور ويضعوا مجتمعاتهم على درب الحضارة ثم يشرعوا في النضال الطبقي. غير أنهتحتم على الشيوعيين الانسجام مع شروط الأممية الثالثة ويوجهوا خطابا "علميا" لجماهير ترسف في قيود الأمية والجهل وتذعن لتقاليد تبخيس البشر واستلابهم، وتتقبل خطابا متحيزا ضدها بلا تشكيك أو نقد.
خمدت حركة التنوير العربية بعد انتعاش قصير الأمد، وانتكست أمام مد سلفي استمد قوة عاود بفضلها الهجوم وإحياء قيم العصر الوسيط وترويجها. طرأت عوامل أمدت السلفية غير الليبرالية بقوة استثنائية، وأحلتها مركز الصدارة في الحياة الروحية ومنحتها ثقلا وازنا في الحياة السياسية والاقتصادية:
تحولت البرجوازية الناشئة في البلدان التابعة إلى برجوازية كمبرادورية تعايشت مع ظروف التخلف الاقتصادي والفكري. فتر حماسها لتطور مستقل يضمن تكامل جوانب التطور الاجتماعي كافة، واندمجت ضمن البنية الكولنيالية؛ وارتد معظم الليبراليين، سلفيين وعلمانيين، عن الليبرالية وكان أبرز ممثلي الردة محمد رشيد رضا. صيرورة طبقية اتسمت بعجز بنيوي عن تحقيق الضرورة التاريخية في التطور المستقل لازَمَهُ اغتراب وعجز تام عن فض علاقة التبعية البنيوية بالامبريالية.
من جهة أخرى باتت السلفية سلعة رائجة لدى النظام الكولنيالي المهيمن في العالم. فمنذ اندلاع ثورة أكتوبر ناصبها الرأسماليون العداء وأرسلوا الجيوش لخنقها، وهي في المهد. ومضى وليد ثورة أكتوبر 1917 يعزز نفوذه في الحياة الدولية. أعلنت الدولة السوفييتية العداء المطلق للامبريالية وأنظمتها الكولنيالية التي أقامتها لاستعباد الشعوب. أعلن لينين قائد الثورة عن مساعي إقامة تحالف استراتيجي مع حركة التحرر الوطني لشعوب الشرق. ولما فشلوا دبروا مختلف المكائد لإضعاف تأثيرها. وبالفعل فقد علمت الشعوب العربية أخبار الدولة الاشتراكية من أعدائها أولا ؛ وجمعوا معلوماتهم عن الشيوعية والماركسية من خصومها.
ويفضح رياء السلفيين في الدفاع عن الدين أنهم في هذا الوقت ، حيث تستعر عداوة المسيحية الصهيونية للإسلام من داخل الولايات المتحدة الأميركية وتحتل منابر فكرية وسياسية متنفذة، وتنتقل عدواها إلى غرب اوروبا، وتنشط بضراوة لم يحدث مثيل لها في التاريخ، فإنهم حيال هذا التهجم المتجني يلزمون الصمت ويتجملون بالصبر .
كانت الدعاية المتجنية على الاشتراكية طويلة الباع غزيرة الإنتاج، وكانت جسورة في فبركة الأكاذيب ، شأنها في هذه الأيام.أفلحت الدعاية الامبريالية ـ السلفية في إقامة سد في الوجدان الجمعي عزل الجماهير العربية عن النزعات التحررية وتصمها بالإلحاد؛ كما قدمت الماركسية مرادفة للإلحاد وهدم المجتمع. أشاعت في دعاياتها بين الشعوب الإسلامية أن الاشتراكية دعوة لتدمير الأسرة والتقاليد ونشر الإباحية. والشعوب في هذه المرحلة من الوعي لا تنتقد ولا تناقش ولا تتحرى. اشتدت حملات الدعاية المناوئة للماركسية والاشتراكية، وانفردت بالميدان في بلدان عديدة لم تتشكل فيها بعد منظمات شيوعية، بحيث ترسخ في الوعي الاجتماعي توصيف يحط "البلشفيك" لمرتبة البهيمية. ولم يُعرَف الشيوعيون مناضلين وطنيين إلا حين قطعت الجماهير شوطا في النضال الوطني التحرري.
وفي فلسطين أضيفت تهمة التحالف مع الصهيونية . فرغم أن معارضة الماركسية للصهيونية برزت في السنوات الأولى من القرن العشرين ، ورغم مناهضة الماركسيين اليهود للصهيونية ومشروعها لإقامة الدولة اليهودية في فلسطين، ثم تصديهم لممارساتها ، خاصة منع العرب من العمل في بيارات الصهاينة ومشاريعهم الاقتصادية، واختطوا موقفا معارضا للتيار الصهيوني بصدد ضم العرب إلى النشاط النقابي... رغم تعرض الشيوعيون اليهود لاضطهادات قاسية كمناهضين للمشروع الصهيوني، بحي نعت بن غوريون الشيوعيين داخل الحركة العمالية ب " "الفاشلين"... رغم كل ذلك لم تتوقف دعاية تبعية الشيوعية في فلسطين للصهيونية.
ثم صادف أن أقدم كمال أتاتورك على إلغاء الخلافة في 3آذار 1924 فأثار تحركات استنكار وحنين إلى خلافة إسلامية وفق النمط العتيق. وحين عارض علي عبد الرازق هذا التوجه هوجم وطرد من حظيرة الدين. نافقت الأنظمة الكولنيالية سدنة الدين، الذين ردوا التحية بمثلها؛ فتواصل استبداد الحكم مدعوما باستبداد رجال الدين.
ولا ننسى أن الارتباط البنيوي بالامبريالية وحد الرجعية العربية بمختلف فصائلها في إطار التبعية للكولنيالية ، ومن خلال التبعية انفتحت من باب موارب على الحركة الصهيونية. كان تعاون الرجعية العربية مع الصهيونية ولم يزل يتم بأسلوب ضمني عبر بابا موارب، تواصل عبر العقود وساهم في خذلان الشعب الفلسطيني أثناء المواجهات المفصلية. ربما تجنبت بعض شرائح الرجعية التعاون مع الصهيونية، و شارك بعضها في المقاومة دون أن يحدث إضافة نوعية تغير من النتيجة الكارثية للصراع. فقد تطوعت عام 1948 أعداد من المصريين بدوافع دينية، أرسلت على عجل يعبر عن استخفاف؛ وبسبب رداءة التسليح والتدريب لم تحدث تأثيرا على سير المعارك .
يعود فضل توحيد التيار السلفي إلى نشاط محمد رشيد رضا بعد ارتداده في عشرينات القرن الماضي عن تعاليم أستاذه الإمام محمد عبده. اتصل بالحكم السعودي، بعد أن أحكم السيطرة على نجد والحجاز، ووثق الصلات معه وهو يدرك أن الفقه الوهابي يسقط من اعتباره بنية الكولنيالية، ويرتبط بمجتمع بدوي لم ينفتح على الحركة المناهضة للاضطهاد القومي. استتب الأمر للفكر السلفي المعاصر في الصحراء العربية في القرن الثامن عشر. التقى الرجلان سنة 1740 وتحالفا وولد من تحالفهما الحركة الوهابية، الدعوة لمثال "الدين الأصيل والنقي" . انتقى ابن عبد الوهاب من تركة السلف ما وافق دعوته؛ إذ لم يلتزم بالأمر الرباني "وجادلهم بالتي هي أحسن" أو " لا إكراه في الدين"، ولم يلتزم بأمر الله تكريم الإنسان. اختصر الدرب وتوقف عند ابن تيمية وفقه اللاتسامح القروسطي مشفوعا بالشوكة . رفع محمد بن عبد الوهاب شعار "الدم الدم .. الهدم الهدم " الذي قام عليه العهد بين الفقيه والأمير محمد بن سعود في الدرعية( 1158هجرية / 1745ميلادية) .
بموجب العهد سفكت دماء آلاف الأبرياء تحت راية "الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر" ، وبالمقابل ناصب العداء الإصلاح السلمي واعتبر الديمقراطية وحقوق الإنسان وتحكيم العقل رجسا من عمل الشيطان.
استطاعت أنظمة الطغيان في العصر الوسيط صد الغزوات؛ لكنها ( الأنظمة المستبدة) أفضت إلى تدهور مضطرد، اجتماعي وثقافي وسياسي، انتهى على مشارف العصر الحديث بعلاقة دونية تابعة مع الدول الأوروبية التي ظفرت بالديمقراطية وسخرت العلم لتحقيق التقدم. غير أن الاستبداد المعاصر فشل في صد الغزوات وفرط في سيادة البلد وفي ثرواتها وحرية أبنائها. أدخل مجتمعه في تركيبة البنية الكولنيالية.
للمرة الثالثة عاود السعوديون الكرة من اجل توطيد حكمهم في الجزيرة. أعتمد على الإخوان الوهابيين ؛ لكن هذا لم يحل دون التعاون مع الإنجليز. ففي عام انطلق عبد العزيز ومعه نفر من الإخوان الوهابيين، بعد أن وثق علاقته مع القنصل البريطاني في البصرة ـ وكان يتبع المندوب السامي في الهند ـ انطلق إلى الرياض وتسلل ليلا عبر أسوار المدينة وقتل حاكمها. وبمساعدة الإخوان تمكن السعوديون من الاستيلاء على نجد بكاملها وطرد أسرة ابن رشيد، وكانت تدين بالولاء للعثمانيين. وثق عبد العزيز بن سعود علاقاته مع البريطانيين، واصل التعاون مع أتباع بن عبد الوهاب. في عام 1908 أقام للوهابيين مستوطنات زراعية، كي يكونوا بمتناول يده حين يحتاجهم في غزواته. أوكل قيادة الإخوان إلى فيصل بن الداويش وخالد بن لوي مساعده، واعتمد عليهم في توسيع حكمه ليشمل نجد والحجاز .
وبموجب اتفاق عقد مع قنصل بريطانيا في البصرة في الأسبوع الأخير من عام 1915، تعهد السعوديون عدم إقامة علاقات مع دول أجنبية، مقابل اعتراف بريطانيا باستقلال مملكة الحجاز وتقديم دعم مالي سنوي يعادل ما يقدم لشريف مكة ، الحسين بن علي. وصادف أن تلقى الحسين بن علي في نفس الوقت رسالة من سردار وحاكم السودان، وينغيت، تضمنت التعهد أن تبقى الجزيرة العربية والأماكن المقدسة دولة مستقلة موحدة بعد انتهاء الحرب.بقي الإنجليز على أطراف الجزيرة يساندون أمراء القبائل وتحاشوا دخول الجزيرة كي لا يثيروا المسلمين في مصر دخول الجزيرة خشية ثورة المسلمين في الهند ومصر. وحين وصل جورج بيكو ، وزير خارجية فرنسا إلى بريطانيا للاتفاق على تقسيم الامبراطورية العثمانية، كان مكماهون، المفوض البريطاني في مصر، يخط رسالة إلى شريف مكة اقر فيها باستقلال الجزيرة والموافقة على خلافة عربية حالما يعلن عنها. وفي عام 1921 شرع الوهابيون يتصدون لجيش شريف مكة، الحسين بن علي، وأبادوا وحدته المتميزة في خورما. كانت الوحدة تحت قيادة الأمير (آنذاك ) عبدالله، ومزودة بالسلاح الذي قدمه الإنجليز أثناء المفاوضات وتنسيق الجهود (مراسلات حسين ـ ماكماهون) أثناء الحرب العالمية الأولى. تدهورت علاقة الشريف حسين ببريطانيا بعد أن أعلن نفسه ملك العرب؛ فقطعت عنه المساعدة السنوية، وعطلوا وصول الحجاج على مكة. وفي تموز 1921 أعلن عبد العزيز نفسه ملكا على الحجاز. وجه تجار جدة وأعيانها مذكرة إلى الحسين بن علي يدعونه فيها إلى التخلي عن الحكم وتسليمه لولده البكر، الأمير علي. حمل علي المذكرة بنفسه ، واستجاب والده للطلب. وفي عام 1922 احتل الوهابيون خيبر، وقاد خالد بن لوي حملة على مكة في 16 تشرين أول 1924 واحتلها. كما احتل الوهابيون المدينة المنورة في الخامس من كانون أول 1925. وبعد عشرة أيام اتصل الملك علي بالإنجليز وطلب منهم التدخل لدى السعوديين من اجل تامين خروجه من جدة. وفي 20كانون أول 1925 انتهى حكم الهاشميين للحجاز، والذي استمر 1100عام. وأعلن عبد العزيز بن سعود ملكا على الحجاز في 8/1/1926 ، وتم دمج الحجاز ونجد في كيان المملكة العربية السعودية عام 1932.
لدى وصول الملك السعودي مكة في 5/12/1924 أبدى قدرا كبيرا من التواضع ، حتى رفض تقبيل يده. قال وسط حشد من أعوانه الوهابيين، من عادتنا مصافحة الأيدي فقط، فراح الناس يقارنون بينه وبين الهاشميين. وقال في مكة جئنا لدعم عقيدة الله وتحريركم ، وتعهد بأن يقيم القانون على حكم الله وسنة نبيه وإلغاء القوانين التي منحت شرفاء الحجاز مكانة فوق القانون.
شرع الوهابيون ينتقدون ابن سعود لما رأوه يخرج على عهده معهم بأن لا يدخل على المملكة تحديثات من الغرب، وارتفعت احتجاجاتهم بعد أن استشرت الظاهرة، وراح يدخل مستوردات مادية من ترف الحضارة الأوروبية، الأمر الذي رأى فيه الوهابيون خروجا على "معلوم الدين" . بلغ الاحتجاج درجة المعارضة فاستدرجهم الملك في معركة حربية هزمهم وفتك بابن الداويش وابن لوي، وحرم حتى ذكر اسميهما في عشيرتيهما، وأبقى على صلة بوهابيين قبلوا المزاوجة بين حكم السلفية الدينية وانفتاح الحكم على الاستهلاك الترفي، خاصة بعد دخول عائدات النفط والتبذير في استهلاك قشور الحضارة لغربية
يتبع في مقال قادم



#سعيد_مضيه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التكفير يقتحم المشهد الثقافي
- اليسار وقضايا الفكر والثقافة التراث 2
- اليسار وقضايا الفكر والثقافة
- البعد القومي في مهام اليسار العربي ومركزه القضية الفلسطينية
- التحول الديمقراطي.. أعطاب ذاتية
- الحوار المتمدن في العاشرة من عمره المديد
- مصر والثمار المرة للطغيان
- أشباح تحوم في فضاء مصر
- الخروج من متاهة التفاوض
- ردع تدخلات الامبريالية أولا
- بنية نظام الأبارتهايد الإسرائيلي وشروط تقويضه
- غولدستون المغلوب على أمره
- مأساة ليبيا بين آفات القذافي ونهم الاحتكارات النفطية ´- الحل ...
- ليبيا بين الآفات النفسية والذهنية للقذافي وبين نهم الاحتكارا ...
- الحق حين يسخره الباطل
- الدولة الوطنية من حلم إلى كابوس
- بعض الملاحظات على كتا ب -رؤية بديلة للاقتصاد الفلسطيني من من ...
- الديمقراطية الأميركية معاقة بالكساح
- أضواء العلم على تفجيرات نيويورك
- مزيد من الأضواء على أخطر مؤامرات اليمين الأميركي ضد البشرية


المزيد.....




- الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج ...
- روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب ...
- للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي ...
- ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك ...
- السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
- موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
- هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب ...
- سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو ...
- إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس ...


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - سعيد مضيه - سلفية العصر الحديث