|
محمد على بين التأريخ العلمى والأيديولوجيا السياسية
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 3633 - 2012 / 2 / 9 - 09:16
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
محمد على بين التأريخ العلمى والأيديولوجيا السياسية طلعت رضوان يعيب البعض على الأسرة العلوية عدم انتمائها لأصول مصرية ، وبالتالى لم تُحدث أى تطورعلى المستوييْن الاجتماعى والاقتصادى ، بينما الملتزمون بالمنهج العلمى أجمعوا على وصف محمد على ب ((البنّاء العظيم)) وذكرمحمد شفيق غربال أنّ محمد على قال إنّ تاريخى الحقيقى بدأ عندما فككتُ قيودى وأخذتُ أوقظ هذه الأمة من سبات الدهور(كتاب الهلال- أكتوبر1986- ص 71) أرسل محمد على بعثة إلى إيطاليا لدراسة الفنون العسكرية وبناء السفن والطباعة والهندسة. وبعد ذلك أرسل البعثات إلى فرنسا . وحرص على متابعة أخبارالطلاب المصريين وتصرفاتهمم فى بلاد الغربة ويواليهم بالنصائح. ويستحثهم على الاجتهاد . محمد على يصف المصريين ب ((شعبى)) : وفى عام 1838 قرّرمحمد على إرسال بعثة إلى بريطانيا وقال للمندوب الإنجليزى (( إنّ الطفرة محال فى رقى الأمم. وقمتُ ببعض الشىء لمصرويعوزشعبى شىء كثير. لذلك ترانى مرسلا إلى بلادكم أدهم بك ومعه خمسة عشرشابًا ليتعلموا ماتُعلمه بلادكم. وإذا مضوا زمنًا كافيًا بين أهل بلادكم عادوا لبلادهم وعلّموا الشعب)) (تاريخ مصرالسياسى- تأليف محمد رفعت- ط 1934) ونظرًا لدورمحمد على فى النهضة كتب سفيرالنمسا فى تركيا عام 1830 إلى حكومته ((إنّ طموحًا كبيرًا يسيطرعلى حاكم مصرمحمد على . وأعتقد أنه بحاجة إلى عشرسنوات من السلام حتى يجعل مصرالأمة الخامسة فى العالم بعد روسيا وإنجلترا وفرنسا والنمسا)) (حرب الاستعمارضد محمد على والنهضة العربية- تأليف د. جوزيف حجار) فكأنّ سفيرالنمسا كان يتنبأ بما حدث بعد ذلك عندما تواطأت تركيا وأوروبا ضد محمد على الذى كان يسعى لاستقلال مصرعن تركيا. محمد على يشهد بأنّ فى أولاد مصر((نجابة)) : كان التعليم فى مصر- قبل محمد على- قاصرًا على الكتاتيب وأول ما فكرفيه هوإنشاء مدرسة للهندسة وأتمها عام 1816 وذكرالجبرتى أنّ السبب فى تأسيسها أنّ رجلا مصريًا اسمه حسين شلبى عجوه اخترع آلة لضرب الأرز وتبييضه وقدّم نموذجها إلى محمد على فأعجب بها وأنعم على الرجل بمكافأة وأمره بتركيب هذه الآلة فى دمياط وأخرى فى رشيد. وقال محمد على ((إنّ فى أولاد مصرنجابة وقابلية للمعارف)) كما أنشأ مدارس الطب والألسن والمعادن والمحاسبة والصنايع والصيدلية والزراعة والطب البيطرى وغيرها . وبعد أنْ وضع قواعد الدولة الحديثة ، بدأتْ آليات النهضة تشق طريقها مثل وجود دستوروبرلمان ورقابة على المال العام. ومن أمثلة ذلك الخطاب الذى ألقاه شريف باشا يوم 2/1/1882 أمام مجلس النواب حيث قال لهم ((لقد أعطتكم الحكومة الحرية التامة فى إبداء آرائكم وحق المراقبة على أفعال مأمورى الحكومة. ونُصرّح لكم بنظرالموازنة العمومية وإبداء آرائكم فيها ونظركافة القوانين واللوائح)) وعندما اعترضت إنجلترا وفرنسا وأرادتا حرمان مجلس النواب من حق إقرارالميزانية ، فإنّ المجلس قرّريوم 2/2/1882 أنه ((لاحق لمعتمدى الدولتين فى معارضة ماهومن شئون مصرالداخلية)) وفى يوم 6 فبرايرعقد مجلس النظارجلسة بشأن لائحة النواب فأقرها بما فى ذلك نظرالميزانية. وكتب أحمد باشا شفيق ( إلى هنا كان النصرالمبين حليفًا للعرابيين. وكانت الهزيمة شديدة لسياسة الدولتيْن) (مذكراتى فى نصف قرن- هيئة الكتاب- 1999- من132-134) . وعندما أراد رياض باشا فض جلسات شورى النواب دون النظرفى الميزانية ، شهدت مصر جلسة تاريخية يوم 27/3/1879 إذْ قال النائب عبدالسلام المويلحى ((إننا هنا سلطة الأمة. فكيف ينفض المجلس وهوينظرفى القانون الخاص بالشئون المالية ؟ أيّد النواب زميلهم فقال رياض باشا ((يعنى حظراتكم تُقلّدون نواب فرنسا ؟)) فردّ عليه أحمد العويسى ((ياباشا أنت الآن تشتم نواب أمتك التى تعطيك أنت وغيرك مرتباتكم)) وقال عبدالشهيد بطرس (إنّ كلامك هذا وقاحة) وقال أحمد الصوفانى ((أوافق الزميل على رد الإهانة للناظرحتى يعلم أنّ فى البلاد أمة حية ولها نواب يدافعون عن كرامتها)) وقال المويلحى (( أليس من العيب أنْ تكون وزيرًا فى وزارة يزاملك فيها وزيرإنجليزى وآخرفرنسى وهما فى الحقيقة خفيران عليكم وعلى الحكومة ؟)) (عبدالرحمن الرافعى- عصرإسماعيل- ج2 مكتبة النهضة المصرية عام 1948 من ص 177- 188) ولنا أنْ نتخيل أنّ المويلحى وزملاءه قالوا هذا الكلام فى عهد عبدالناصر. أليس معتقل الواحات هوالمكان المفضل لأمثالهم ؟ ويرى المؤرخ محمد الخفيف أنّ شريف باشا كان الأب الحقيقى للدستورفى مصرفكتب ((فإنّ ذلك المجلس الذى تعهده برعايته منذ إنشائه سنة 1866 تمت له السلطة على يديه سنة 1879 فصارالحكم فى مصردستوريًا لاتشوبه شائبة. وما كان دستور23 إلاّ الدستور الثانى للبلاد. أوبعبارة أخرى ماكان إلاّ توقدًا لتلك الجمرة التى ظلت مطمورة تحت رماد الاحتلال)) (أحمد عرابى الزعيم المفترى عليه- دارالهلال- يونيو1971 ص 48). إنّ أى مؤرخ منصف لاينكرأنّ الأسرة العلوية ارتكبت جرائم بشعة ضد شعبنا. ولكنه لاينكر الانجازات العظيمة التى تمت فى عهود هذه الأسرة. مثل إلغاء العبودية بالدكريتوالصادرفى 4/8/1877 وإلغاء السخرة عام 1890 بفضل نوبارباشا وتجنيد المصريين الذى رفضه كل الغزاة بما فيهم العرب وترقية (النفر) إلى رتبة الضابط مثلما حدث مع أحمد عرابى ، وحق المصريين فى تملك الأراضى الزراعية فى عهد سعيد (اللائحة السعيدية) عام 1858 وبذلك صارمن حق المصرى أنْ يمتلك حق الرقبة ، وليس حق الانتفاع فقط . وأعلن سعيد رغبته فى استقلال مصرعن تركيا وهى نفس المحاولة التى حاولها إسماعيل من بعده . كما أنّ المؤرخ المنصف لابد أنْ يضع فى اعتباره الظرف التاريخى عام تولى محمد على الحكم ، حيث كان ظلام العصورالوسطى مازال جاثمًا وعائقًا أمام أى تنويرأوأية نهضة. ولنا أنْ نتخيل عمرمكرم هو الذى حكم مصر، فهل كان سيشعل مصابيح التنوير والنهضة كما فعل محمد على ؟ أم أنّ تحليل عقليته الأزهرية وإيمانه بأنّ البشرأشراف وموالى ( = عبيد) يؤدى إلى استمرارنمط الحكم العثمانى الغاشم ؟ وإذا كان البعض ينتقد محمد على فى حروبه ضد الوهابيين وتهديده للخلافة العثمانية ، فلماذا الصمت عن قتل المصريين فى حروب لاشأن لمصربها. وكمثال واحد- من بين عدة أمثلة- ذكرأ. هيكل أنّ عدد الجنود المصريين فى اليمن بلغ 40 ألفًا. وأنّ حرب اليمن كلفت مصرمابين أربعين إلى خمسين مليون جنيه سنويًا أى مايوازى مائة مليون دولارسنويا بسعرالستينات (الانفجارص 168 ،185) ووصل عدد القتلى إلى خمسة عشرألف جندى مصرى. وفى اجتماع القيادة السياسية الموحدة يوم 11/5/65 قال عبدالناصر((إحنا بنصرف فى اليمن نقدًا 30 مليون جنيه. والاجمالى 45 مليون جنيه)) وأضاف ((القبائل حتى الجمهورية بياخدوا مننا فلوس وأيضًا بياخدوا من السعوديين فلوس)) (عبدالناصروتحرير المشرق العربى- فتحى الديب- مركزالدراسات بالأهرام 2000 من ص 507- 522) وكتب د. عاصم الدسوقى أنّ الرئيس الأمريكى جونسون أرسل خطابًا للأميرفيصل أبلغه فيه أنّ اليمن يمكن أنْ تكون مصيدة لعبدالناصروهكذا بدأ برنامج إطالة الحرب لاستنزاف قوة مصر. وكانت الترتيبات تتم لتوريط الجيش المصرى فى مواجهة مع إسرائيل بعد إنهاكه فى اليمن. وهذه أمورمعروفة لمن يريد أنْ يستخدم العقل ووثائقها الأمريكية مكشوفة (مجلة الهلال- يوليو2002) وطبعًا المصيدة لم تكن لعبدالناصرالذى استمرليُمهّد لكارثة بؤونة /يونيو67. وإذا كانت الأسرة العلوية مستبدة ، فقد كتب كثيرون أنّ عهد عبدالناصركان أشد استبدادًا فذكرأ. عبدالله عنان ((إنّ نظم الحكم التى سارعليها عبدالناصركانت فى جوهرها نظمًا نازية)) (كتاب الهلال يناير88 ص 231) وذكرد. إمام عبدالفتاح إمام أنّ ضباط يوليوحوّلوا دفة الحكم من النظام النيابى الدستورى (رغم ما فيه من ثغرات) إلى نظام دكتاتورى عسكرى وضع البلاد فى معتقل كبير(الديمقراطية والوعى السياسى- نهضة مصر2006 ص 109) فى ضوء ماتقدم من أمثلة قليلة أعتقد أنّ أى رداء أيديولوجى يفسد حياد المؤرخ ويبتعد به عن لغة العلم ويسحبه إلى ضبابات الأوهام التى تؤله أحادية النظر. *****
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تلك المرأة - قصة قصيرة
-
رحم الحياة - قصة قصيرة
-
امرأة البرد والظلام - قصة قصيرة
-
حالة تلبس - قصة قصيرة
-
تلك اللوحة - قصة قصيرة
-
رحلة إلى الواحات- قصة قصيرة
-
كول عناب - قصة قصيرة
-
شخصيات فى حياتى : عمى الحاج متولى
-
شخصيات فى حياتى : عم سعيد
-
شخصيات فى حياتى : الأستاذ أديب
-
الإبداع بأسلوب الحكاء الشعبى
-
العلاقة العضوية بين الكهنوت والعسكروت
-
العروبة والمخطط الصهيونى لاحتلال فلسطين
-
عندما فتح المبدع خزانة الكلام
-
يحيى الطاهرعبدالله وإعادة تشكيل الواقع إبداعيًا
-
جمال البنا والتربص لكل مختلف مع الكهنوت
-
مفهوم الوطن فى رواية بيوت بيضاء
-
شهر زاد على بحيرة جنيف
-
عبدالرحمن أبوعوف وثنائية الإبدع والقمع
-
ثمن الحرية وحصاد عام من الدم
المزيد.....
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
-
إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش
...
-
مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|