أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد الله عنتار - من الطريق وإلى الطريق(ملاحظات)















المزيد.....

من الطريق وإلى الطريق(ملاحظات)


عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .


الحوار المتمدن-العدد: 3632 - 2012 / 2 / 8 - 21:21
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


في المساء؛غادرت منزلنا؛غادرت إبن عمي سمير،وأختي،وأمي،وغادرت مكاني المفضل،والحجرة(فتح الحاء) التي كنت أجلس عليها،والأشجار،والدوم،والجحور الواقعة في وسطها،وغادرت التماهي،والتفاعل الذي كان يحصل (ومازال،وسيبقى يحصل) بين هذه الأمكنة ،وذاتي،والكتب؛مبلورا شخصيتي هذه،وتلك الموجودة في الهنا،والآن.
لبست جكيطتي،وسروالي،وجواربي،وحذائي،ثم مسحته،وأعددت محفظتي،ثم مشطت شعري،وفي الأخير وضعت محفظتي على الكتفين؛نظرت نظرة مودعة إلى جرونا المرح،فما كان أمامه إلا ملاحقتي،واللعب معي كما عودته؛إنه جرو يحب المداعبة،والمرح،واللعب؛لكن بعد برهة أحس بأنني لا أريد اللعب،وظن أنني راحل،فغادرني حزينا-متحسرا،فواسيته واعدا إياه بعودتي في أقرب الآجال.
سرت بضع خطوات؛بعدها؛تساويت مع الطريق؛هذه الأخيرة كانت متكلسة تارة،وتارة أخرى مليئة بالبرك المائية،أو مليئة بالغبار؛بينما في جانبها الأيسر؛إستنشقت رائحة كريهة قادمة من إحدى الكلاب الميتة،وهي كلاب تابعة لأحد البيضاويين؛أما فيما يخص الجانب الأيمن؛لاحظت وجود بعض قشور الخضر،والفواكه المرمية إلى جانب بعض العلب البلاستيكية،وريش الدجاج،وبعض العلب الكارتونية.
ويتواجد إلى جانب الطريق؛جدول مائي(سهب العوينات)،ويظهر أنه نال كثيرا من الطريق،بالإضافة إلى أسلاك البيضاويين الشائكة.
في طريقي؛صادفت صاحب دراجة نارية(موطور) متهالكة،وترسل أدخنة،وعوادما من مؤخرتها،وما لاحظت هنا هو:بروز سحابة دخانية مختلطة بغبار كثيف يملأ الجو،ويحول دون رؤية الأشياء القريبة؛كما صادفت أيضا راعيا صغيرا يهش بهراوته قطيعا من الأبقار؛الذي كان مقيدا،ورغم ذلك؛كان لا يتوان في صفعه بالسوط،فيسرع مهرولا؛هذا الراعي إسمه:أمين؛يحب لعبة "البي"،والتجول،والكرة،ويكره الدراسة،والرعي،فهو يتمنى لو طردوه حتى يتخلص من هذا الحبل الذي يمسك من عنقه،وفي نظره:ماذا فعل هؤلاء الذين درسوا؟ إنهم لم يفعلوا شيئا سوى الضياع،والتشرد،والموت البطيء؛إن الدراسة في نظره:"فريع الراس،والمرض"،وأن الذي يناضل من أجلها؛مصيره "التصطية"،وأن الدراسة لأبناء الأغنياء "اللي لاباس عليهم"،وليس لأبناء القرويين المهمشين مثله؛بل هي لأبناء المعلمين،والأساتذة الذين يستهزئون بأبناء القرويين.
وبحكم ما لاحظت حول هذا الراعي أن جميع ما يتلقاه في المدرسة يسير على النقيض منه،فقد قال لي:أنه تلقى دروسا في محاربة التلوث،والبيئة؛لكنه يعتبر ذلك مجرد "تخربيق-تزربيق"،فهؤلاء الذين يدعون إلى الحفاظ على البيئة هم أول من يخترق البيئة،ويدوس على حرمتها،وهو الإتجاه الذي يسير عليه الراعي،فبحكم ما لاحظت أنه يحرق الدوم،ويقتل الثعابين،والحشرات،والطيور؛كما أنه يكسر الأغصان عنوة،ويكسر من أجل أن يكسر،ولما سألته عن الدافع وراء إقدامه على هذا الفعل؛أجابني ببعض الكلمات،وبعض الإشارات من قبيل:رفع يديه إلى الأعلى؛لم أفهم؛هل يريد أن يستغرب،أم تسجيل إعتذاره،أم إبراز عدم معرفته؛إنها إستفهامات،وأسئلة لم يستطع الإجابة عنها كافيا(من منظوري الخاص)،ولست متأكدا ما إن كان قد أقنع نفسه،أم لم يقنعها،وإذا كان قد أقنعها،فلم يقنعني أنا،وظلت الكثير من الأسئلة تراودني،ومنها:ما هي العوامل الكامنة وراء هذا العنف المستعر الذي يشنه هذا الراعي ضد الطبيعة؟
هذا بالنسبة للراعي؛فيما يخص الأبقار؛لاحظت أن شعرها منتوف،ونالت منه "الكملة" كثيرا،بالإضافة إلى "الفطيط"،والأزبال التي تملأ ذيولها،والحواشي التي تحيط بها؛كما أن "القنبة" التي تقيد بها؛ تغلغلت في أعماق ساقها،وخلفت جروحا غائرة،وطفوحات جلدية،وبين الفينة،والأخرى يحط الذباب عليها.
وعلى هذا المنوال؛ سار الراعي،وسرت معه إلى جانب القطيع حتى وصلنا إلى قنطرة "سهب خزيت"،وتظهر أنها عاجزة أمام المد الموسمي للجدول الذي يفيض،ويستولي على جميع جوانبها،وكذلك عندما تتساقط الأمطار تتحول الجوانب المحيطة بها إلى منزلقات أرضية،وترابية يستحيل المرور فوقها.
ومازلت أتذكر اليوم الذي بنيت فيه،والإبتزاز الذي تعرضت له الساكنة المحلية من قبل "الجماعة"،والسلطة من أجل إعداد الكسكس،والشاي للعمال؛لكن هؤلاء الأعضاء في الجماعة،أو السلطة؛لم يتساءلوا:هل من الواجب أن يعد السكان الكسكس لعمال تدفع لهم الدولة أجرا(الذي هو مال السكان في البداية،والنهاية)؟ ولم يتساءلوا:عن الضرائب التي تدفعها الساكنة للدولة في كل ثانية،ودقيقة،وساعة...،وعن حق الساكنة في أن تبني لهم الدولة قنطرة،أو مستوصفا...،فالسكان لا يجب أن يكونوا في خدمة الدولة؛مالم تكن هي في خدمتهم،ويجب أن تكون في خدمتهم،وإلا فهي ليست دولتهم،فالدولة هي التي تخدم سكانها،وتعبر عن غاياتهم.
بالقرب من القنطرة؛ظهرت لي كلبة تبدو منتوفة،ويحيط بها قراد كثيف؛كما تبدو نحيفة،وهزيلة،وعلامات الوهن بادية عليها،إضافة إلى أنها لا تفوت فرصة للشم،و"التسعليك"،وتحريك ذيلها،ولما إقتربت؛فرت مني؛لكنها رجعت تتبعني من الخلف؛الشيء الذي جعلني في كل برهة ألتفت ناحية الخلف مخافة أن تعضني.
وفوق القنطرة؛وجدت مجموعة من الأطفال ينتمون إلى عائلة "المزابيين"؛إستقرت منذ سنين طويلة في الدوار،وكانت من بينهم فتاة صغيرة التي لم تفوت فرصة النداء علي بـ:"المشنتف"؛نظرا لأن شعري كان طويلا،وكان يتمايل حينما يصطدم بالرياح،وفي هذا الصدد يلاحظ في الدوار أن الشعر الطويل مرفوض،وتربى،وتتبلور الفتيات،والفتيان أن الشعر الطويل للنساء،والقصير للرجال،ومن خلال هذا التقسيم يمعير كلا الجنسين،فيستحيل أن يسمع الطفل؛أن الأنثى لها مهبل،والذكر له قضيب،وهذا هو سر في التقسيم،وفي الفصلية التي يتبلور عليها كل واحد،فمن خلال طفولتي،وطفولة العديد من أقراني؛أن الشعر هو السر في التقسيم،ومازلت حتى الآن أسمع أن الطفل الذي يترك شعره يلقب بـ:"المريوة"،والعكس بالنسبة للفتيات،والشابات،ونفس الشيء تقريبا كنت أسمعه في طفولتي،ومن هذه الأشياء أن:"اللي ربا الشعر غادي يولي درية"،وأن الأمهات بإمكانهن أن يعدن أولادهن إلى كروشهن،وعندئد يستطعن تحويلهم إلى ذكور،أو إناث،وأن كل من كان ذكرا،وتشبه بالفتيات،سيطاله هذا الفعل،ونفس الشيء بالنسبة للفتيات.
من هنا؛تعتبر هذه الدلائل المتواضعة كافية لتوضيح السياق الذي جاء فيه كلام الفتاة الصغيرة،فهذه الأخيرة؛هكذا إستدمجت المقولات التنشئوية،وهكذا بلورتها،وإن كانت تدل على شيء،فإنها تدل على التماهي بين الميكرو،والماكرو؛بين الفرد،والمجتمع.
أثناء تجاوزي للقنطرة؛وجدت مجموعة من الكتب الممزقة،والمرمية،وتظهر متسخة؛الشيء الذي دفعني إلى معرفة كنهها،ووجدت أنها كتب مدرسية إنتهى أصحابها،ثم رموها،ففي نظرهم أن الكتب تنتهي صلاحيتها في الوقت الذي تنتهي فيه الدراسة،أو السنة الدراسية؛بعد هذا؛ظهر لي شخص يتبول على إحدى الجدران،ففي هذا الدوار لا توجد مراحيض،وحتى إذا وجدت؛عوادمها تبقى متروكة تجوب الحقول،وباطن الأرض.
عند وصولي إلى الطريق المعبدة؛ظهرت لي مجموعة من الرعاة يرعون ماشيتهم بالقرب من الطريق،ويلاحظ أنهم يلجؤون إلى هذه الطريقة نظرا للجفاف الذي يطال المنطقة،فالأمطار تأخرت عن الهطول،والبرد القارس بات يجتاح المنطقة،كما أن النباتات التي بزغت مع سقوط الأمطار الخريفية قضمت من طرف المواشي؛من هنا يعتبر هذا الخيار ضروريا لأي فلاح بسيط يفلح أرضا،ويربي قطعانا صغيرة من أجل الكفاف،فالفلاحون المحليون لا يتلقون أية مساعدات،أو أي إهتمام؛اللهم ترغيبهم،وترهيبهم للذهاب إلى صناديق الإقتراع،إضافة إلى الضرائب الغير مباشرة التي تنخر كيانهم،والأسعار المرتفعة....
...............عندئد ركبت الطاكسي؛وواصلت سلسلة ملاحظاتي.........
عين عتيق 07-02-2012



#عبد_الله_عنتار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شمس الثورة
- رغما عن أنفكم إنني موجود
- ملاحظات من الواقع السليماني
- طقس صلاة العيد الأضحى وجدلية الحضور والغياب بين المعنى واللا ...
- تأملات كرزازية
- البرتوش(عمل وصفي)
- ذاكرتي والطفولة - طفولتي والذاكرة
- جولات نقدية...من الشارع السليماني!
- يوميات طفل قروي كرزازي (1)
- إكتشاف الحب-جبران خليل جبران-تعريب:عبد الله عنتار ‏‏
- دعوة للنضال من أجل الحرية والإنسانية
- أبو العلاء المعري-إحترام الحياة-تعريب :عبد الله عنتار
- النظرة الأطفالية في المجتمع الكرزازي:(تعبير عن الوجود و مواق ...
- مامعنى الإنفعال؟- فريدريك نيتشه- تعريب:عبد الله عنتار
- عظمة الإنسان - بليز باسكال-تعريب:عبد الله عنتار
- النظرة الأطفالية في المجتمع الكرزازي:(تعبير عن الوجود و مواق ...
- دوارنا بين الماضي والحاضر٬ رصد لموارده الطبيعية والبشر ...
- أرضي-حياتي
- دراسة وصفية:الفضاء العام (الحديقة العمومية-نموذجا)-حديقة الح ...
- عنفوان تحت الرماد


المزيد.....




- شاهد لحظة قصف مقاتلات إسرائيلية ضاحية بيروت.. وحزب الله يضرب ...
- خامنئي: يجب تعزيز قدرات قوات التعبئة و-الباسيج-
- وساطة مهدّدة ومعركة ملتهبة..هوكستين يُلوّح بالانسحاب ومصير ا ...
- جامعة قازان الروسية تفتتح فرعا لها في الإمارات العربية
- زالوجني يقضي على حلم زيلينسكي
- كيف ستكون سياسة ترامب شرق الأوسطية في ولايته الثانية؟
- مراسلتنا: تواصل الاشتباكات في جنوب لبنان
- ابتكار عدسة فريدة لأكثر أنواع الصرع انتشارا
- مقتل مرتزق فنلندي سادس في صفوف قوات كييف (صورة)
- جنرال أمريكي: -الصينيون هنا. الحرب العالمية الثالثة بدأت-!


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد الله عنتار - من الطريق وإلى الطريق(ملاحظات)