|
دعوا الإسلاميين يحكمون
منعم زيدان صويص
الحوار المتمدن-العدد: 3632 - 2012 / 2 / 8 - 17:54
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مهما قلنا عن الإسلاميين في العالم العربي لا ينفي حقيقة أنهم ربحوا من خلال انتخابات ديمقراطية. لقد انتخبهم الناس لأنهم يمثلون ويؤمنون بما يؤمن به السواد الأعظم من المسلمين. ومهما إختلفنا معهم من حيث المبادىء يجب أن نعترف أن عامة الناس يعتقدون أنهم لا يمارسون الفساد كغيرهم من المسؤلين العرب.
قبل عقدين فقط من الزمان لم يكن الإخوان المسلمون، ولا غيرهم من الإسلاميين، يؤمنون بالديمقراطية، وكانوا يعتبرونها غير مقبوله وغريبة عن الإسلام وأنها من مخترعات الغرب "وكذبة من أكاذيبه،" وبعض الإسلاميين وصلوا إلى حد القول أن فكرة الديمقراطية تشبه مبادئ الحرية والإخاء والمساواة التي ادعى بعض شيوخهم أن اليهود نشروها خلال الثورة الفرنسية. وفي سنة 1992 حاول الإسلاميون في الجزائر أن ينضموا للعبه الديمقراطية، واشتركوا في الانتخابات البرلمانية، وقبل أن تقفل صناديق الاقتراع، تيقن نظام العسكر الحاكم أن الإسلاميين سيكتسحونها فالغوها وقمعوا الإسلاميين، ونتيجة لذلك لجأ الإسلاميون إلى الإرهاب وبدأت فترة من عدم الاستقرار في البلاد. وكان لهذا العمل التعسفي من قبل النظام آثار مدمرة من ناحيتين. فمن ناحية اقتنع الإسلاميون أنهم لا يستطيعون أن يصلوا إلى الحكم بهذه الطريقة لأن حكامهم فاسدون ويأتمرون بأمر الغرب، الداعم لإسرائيل، الذي لا يريد للإسلام النجاح، واقتنعت الشعوب الإسلامية انه لو لم يكن الإسلام والإسلاميون على حق لما تصدى لهم الغرب وأسقطهم. ورفع هذا القمع شعبيتهم وأضعف شعبية الليبراليين والمستنيرين وأظهرهم بأنهم ليسوا فقط معادين للثقافة الإسلامية بل هم في الحقيقة عملاء للغرب الذي يضمر الشر للمسلمين. ومن ناحية ثانيه تأخر التنوير والتحول في التفكير في العالم العربي والإسلامي لمدة عقدين. ولو أنه سُمح للإسلاميين أن يحكموا ويتحملوا مسؤولية الحكم لاكتشفوا أن كثيرا من آرائهم وأفكارهم لا يمكن أن تصلح لإدارة الدول في العصر الحديث، وعندها سيضطرون ألى تعديل مبادئهم لتتلاءم مع عالم اليوم وسيظهرون أمام الناس بصورة مختلفة عن صورتهم قبل الإنتخابات، وفي عالم اليوم، عالم ثورة الاتصالات، أصبح كل شيء مفتوح ولم تعد المعلومات حكرا على أحد.
وفي عام 2006 جرت انتخابات في الضفة الغربية وغزه وفازت حماس وكلف محمود عباس إسماعيل هنيه بتشكيل الحكومة الفلسطينية. ونستطيع أن نقول أن نجاح حماس أحدث انقلابا في تفكير الإسلاميين الذين بدأوا منذ ذلك الحين يؤمنون بان الديمقراطية مفيدة لهم. وهنا أيضا وقفت منظمة فتح ومعظم الدول العربية -- وكلها عندها حساسية مفرطة تجاه الإسلاميين -- وكذلك أمريكا وإسرائيل، في وجه حماس، وعندما وجدت الأخيرة أنها مهدده وأنها ستضحي ببعض مبادئها، انقلبت على السلطة الفلسطينية وكونت حكومة لها في غزة. ولم ينتظر أعداء حماس حتى تبرهن هذه الحكومة أنها لن تستطيع أن تنجح فحاربوها حربا شعواء انتهت بحملة إسرائيل عليها بدعم واضح من أمريكا ودعم مستتر من معظم الدول العربية. وأدى هذا إلى زيادة تعاطف العرب والعالم معها واستمرت في العيش حتى الآن.
وهكذا نرى أن الأنظمة العربية والغربية لم تسمح للإسلاميين أن يحكموا ولم تعطهم أي فرصة ليبرهنوا أنهم حكام ناجحون، وبناء على ذلك زاد تأييد عامة الشعب لهم. وكان من الطبيعي أن يتحين الإسلاميون الفرص للثأر من الأنظمة، رغم أنهم طويلوا النفس وعقلانيون. فقد حاربت الأنظمة الحركات الإسلامية في كل مكان ومنعتها من النجاح أو حتى الاشتراك في الانتخابات. فالنظام التونسي حارب الإسلاميين وحزب النهضة، واضطر رئيسه راشد الغنوشي إلى الهروب من البلاد وعاش منفيا في لندن مدة عشرين عاما. والقذافي حاربهم وطور أيديولوجية دينية مختلفة عن أيديولوجيتهم وأنكر صحة الأحاديث النبوية وقال بأن الإسلام مستمد من القرآن فقط وليس من السنه. أما في مصر فقد حاربهم نظام حسني مبارك طوال حكمه وحجّمهم إلى حد كبير، وفي اليمن حاربهم نظام علي عبد الله صالح وتعاون مع الأمريكان ضد ما سماه أتباع القاعدة. ونحن نعرف العداء المستحكم الذي ساد بين الأخوان المسلمين ونظام عائلة الأسد في سوريا، وخصوصا بعد ان هاجمهم حافظ الأسد في حماة سنة 1982 وقتل الآلاف منهم. ويغض النظر عن دور الشباب التقدميين في إشعال الثورات في تونس ومصر وغيرها ألا أن انضمام الإسلاميين لهذه الثورات هو الذي أدى إلى نجاحها. فالإسلاميون هم الوحيدون المستعدون أن يضحوا بحياتهم ويصبحوا "شهداء" في سبيل مبادئهم، وهذا واضح جدا في سوريا حيث أن الإسلاميين مصممون على سقوط النظام الذي سحق تمردهم في حماة عام 1982.
ها قد ربح الإسلاميون الانتخابات في الكويت، وكل الدلائل تشير ألى أنه من المتوقع أن الإسلاميين سيحكمون في العديد من البلدان العربية إذا أجريت انتخابات حرة فيها، ويظهر أن الولايات المتحدة والغرب عموما قد تقبلوا حكم الإسلاميين هذه المرة.
لم يتسنى للإسلاميين، وخاصة السنة، أن يحكموا أي دولة عربية، ولم يحتكوا مع دول العالم الأخرى، لاسياسيا ولا اقتصاديا ولا ثقافيا، ولم يكتشفوا عمليا أن عليهم المساومة أوالتنازل، ولو مؤقتا عن بعض مبادئهم، وأن عليهم أن يخففوا من خطاباتهم التحريضية. ولكننا رأينا الإسلاميين في تونس ومصر بعد نجاح الثورات يتكلمون بطريقة شبه تصالحية حتى بالنسبة لإسرائيل وقالوا انهم لا يستطيعون أن يلغوا المعاهدة المصرية الإسرائيلية على سبيل المثال، ورأينا قادة السلفيين في مصر يقبلون المعاهدة "طالما أن إسرائيل لا تنقضها" و يرحبون بالسياح الأجانب. ونحن نعرف أن المعارضة في الأردن، بقيادة الإخوان، لم تزل حتى وقت قريب تطالب بإلغا المعاهدة الأردنية الإسرائيلية. وبما أن أحوال الشعوب العربية -- ما عدا الخليجييين -- ستسوء، أو على الأقل لن تتحسن في المستقبل المنظور، فسيستمرون في الاعتماد على الدول الأجنبية، وخاصة الدول الغربية التي كانت الأنظمة العربية تتعاون معها قبل الثورات. وهكذا فمن الممكن أن أراء ومواقف الشعوب التي انتخبتهم وجاءت بهم إلى السلطة ستتغيرخلال جيل واحد وستنمو شعبية المستنيرين والتقدميين والمفكرين الأحرار الذين يتقبلون الرأي الآخر، وعندها نستطيع أن نقول أن الديمقراطية الحقيقية بدأت في العالم العربي. وبالنتيجة فإن أي تأخير في تجربة الإسلاميين في الحكم معناه في النهاية تأخير لمرحلة التنوير. لقد تسلم الإسلاميون الحكم في تركيا، وبعد سنوات أعلنوا أنهم علمانيون، وإن كانوا مسلمين، وحث زعيمهم أردغان الإسلاميين العرب أن يختاروا النظام العلماني. أليس هذا تغيير هائل في العلاقة بين الغرب والعالم الإسلامي؟ لقد غير الغرب تعامله السياسي مع العالم الإسلامي، وأصبح همّ الغرب هو أن يربح قلوب وعقول المسلمين لتأمين مصالحه المستقبلية، وقد نجح الغرب في ذلك إلى حد كبير وخاصة بعد أن وقفت الحكومات الغربية إلى جانب الشعوب العربية في التظاهر والاحتجاج ضد الدكتاتوريات، وأيدت التونسيين والمصريين واليمنيين في التخلص من زعمائهم حلفاء الأمس، وساعدت الليبيين عسكريا في التخلص من القذافي رغم أنه أصبح في آخر أيامه خادم الغرب المطيع. ونستطيع أن نقول، وسيسجل التاريخ، أن تحولا عظيما حصل في السنوات القليلة الماضية في علاقة الغرب بالإسلام.
لذلك نقول: دعوا الإسلاميين يحكمون. إنهم سيضطرون لتغيير كثير من أفكارهم وهذا سيقود إلى تغيير أفكار الذين انتخبوهم، وهذا في حد ذاته سيكون انتصارا للتقدم والحرية الفكرية والليبرالية في العالم الإسلامي. والحقيقة أن هذا التغيير بدأ منذ سنوات، فلم نعد نرى المسلمين يتظاهرون ويحرقون سفارات الدول الغربية لأن كاتبا أو جريدة أهانت رمزا إسلاميا، وأصبح كثير من المسلمين أكثر تسامحا تجاه أفكار الآخرين وأصبح النقد الذاتي شيئا طبيعيا. هذه هي بداية الإصلاح الحقيقي.
#منعم_زيدان_صويص (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المطالبة ب -ملكية دستورية- في الأردن الآن تمهيد للوطن البديل
-
هل سيبرهن رجب طيب اردوغان أنه أعظم مصلح اسلامي في العصر الحد
...
-
ذكرى حرب 1967 -- تاريخ منحوت في الذاكرة
-
الثورات الشعبية العربية -- تغيير واضح في الأولويات
-
هل انضمام الأردن لمجلس التعاون الخليجي بداية الحل العملي للق
...
-
هل ستنتهي ثورات الشعوب العربية إلى فصل الدين عن الدولة؟
-
خطاب بشار الأسد -- إهانة بالغه للشعب السوري
-
حسن نصر الله لا يؤيد احتجاجات الجماهير في -دول الممانعة-
-
القذافي وصدام حسين والثورة في التفكير العربي
-
الشعب الليبي يثور على القذافي -- هل يتحقق الحلم؟
-
الظلامية والتخلف في العالم العربي تراجعا خطوة إلى الوراء
-
قناة الجزيرة وعقدة الحرب الصليبية
-
سوريا ولبنان و-قلب العروبة النابض-
-
لماذا يصر العرب على تسليم العراق لإيران؟
-
ردود الفعل على انفجار الإسكندرية -- المقاربة الخاطئة لمعالجة
...
-
فضائية الحوار المتمدن
-
دفاعا عن الحكام العرب!
-
رأيٌ في الحجاب
-
كيف ستؤثر لبرالية الغرب الدينية على المسلمين في عصر الانترنت
...
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|