كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 1072 - 2005 / 1 / 8 - 11:05
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
لا يمكن كسب أي معركة ضد قوى الإرهاب المنظم في العراق والكشف عن أوكار القتلة وإنهاء وجودهم على أرض العراق ومنع تصدير آخرين إليه دون كسب الشعب إلى جانب القوى المناضلة ضد الإرهاب, ودون مشاركته في العملية الجارية. هذا الدرس القديم لم ولن يفقد قيمته وأهميته في كل الأزمان وخاصة في أيامنا الراهنة. وهو الأمر الذي لم تمنحه الحكومة الأهمية اللازمة بأي حال, كما أرى, رغم معرفتها به وترديدها له أحياناً. أما الولايات المتحدة الأمريكية فهي, كما أتابع الوضع في العراق, لم تعر هذا الدرس العالمي أي أهمية ولم تتفاعل معه أو مع القائلين به وفرطت بالترحاب الحسن والحقيقي الذي استقبلت به بعد سقوط الطاغية من خلال سياساتها ذات الأخطاء القاتلة التي سمحت بإعادة تنظيم قوى الإرهاب الداخلي وولوج قوى الإرهاب الخارجي إلى العراق وبدء التنسيق الفعال في ما بين هذه القوى الشريرة وإنزال الكثير من الخسائر البشرية والمادية بالشعب العراق بشكل عام, وبقواها أيضاً.
وقد عاش الشعب العراقي تجارب مريرة نتيجة تلك السياسات, ومنها السكوت الطويل على العناصر التي نادت ومارست العنف في العراق أو التساهل معها مما شجع على انتشارها إلى النجف وكربلاء والحلة والفلوجة والمحمودية واللطيفية والرمادي وبعقوبة والكوت وبغداد والموصل وكركوك ... الخ.
وقد أجبرت القوى العراقية والقوات الأمريكية على استخدام العنف المضاد الشديد ضد العنف الإرهابي في مناطق مختلفة من العراق, بسبب تأخرها عن معالجته في الوقت المناسب وبالطريقة المناسبة. ويحتار الإنسان أحياناً غير قليلة في تفسير أسباب هذه الظاهرة غير المعقولة وغير المنطقية ومن يقف وراء ذلك. ويجد لها الكثير ولكنها تبقى غير معقولة وغير منطقية.
وكانت معارك الفلوجة واجتياح المدينة التاريخية مأساة إنسانية حقيقية لا يستحقها أهل الفلوجة الطيبين بأي حال من الأحوال فهم من أبناء وبنات هذا الشعب وليسوا غرباء عنه. ولم يكن الاجتياح ضرورياً بأي حال لو كانت الجهود قد بذلت باتجاه كسب جماهير الفلوجة, ولو تصدت الحكومة بصرامة لرهانات هيئة علماء المسلمين على العنف وشجعت العمليات المناهضة للحكومة العراقية بحجة مكافحتها قوى الاحتلال, ولو أمكن منع ولوج الإرهابيين من الخارج والتمركز في الفلوجة وإقامة قواعدها الأساسية فيها. ورغم واقع التخلص من أعداد كثيرة من الإرهابيين في الفلوجة, فأن الحكومة لم تكسب أهالي الفلوجة إلى جانبها, وبالتالي يمكن أن يعود الإرهاب إليها في كل لحظة, بسبب وجود ونشوء أرضية صالحة لذلك, خاصة بعد أن رأوا الناس حجم الدمار الذي حل بالمدينة التاريخية المشهورة في تاريخ العراق وسقوط نسبة مهمة من أبناء المدينة في هذه العملية الاجتياحية, وخاصة ممن لم يشارك في القتال ولكنه لم يرغب بمغادرة مدينته لأي سبب كان.
والآن يقف العراق إزاء معضلة جديدة وخطيرة خاصة وأن الانتخابات العامة للبرلمان المؤقت على الأبواب. فمدينة الموصل مفتوحة باتجاهات ثلاثة:
1. باتجاه سورية حيث يمكن للكثير من الإرهابيين التحرك على الحدود العراقية - السورية ذهاباً وإياباً بشكل مناسب ودون عوائق كبيرة. خاصة وأن في سوريا أجواء مؤيدة للنشاط الإرهابي الذي يطلق عليه هناك بنشاطات وعمليات "المقاومة" رسمياً وحزبياً. وبعض قيادات البعث العراقي الميدانية موجودة في سوريا وفي المناطق الحدودية الآمنة وتُسيَّر الجماعات الإرهابية منها لتنفيذ جملة من العمليات الإرهابية ضد قوات الاحتلال المتعددة الجنسيات أو ضد مراكز الشرطة والحرس الوطني العراقي وضد المجتمع الموصلي. وما حصل ويحصل في تلعفر أو على المعسكر الأمريكي أو على مقرات الاتحاد الوطني الكردستاني وعلى مراكز الشرطة العراقية وضد الكرد عموماً أو حتى اغتيال المسؤولين فيها, هي بعض عمليات تلك الجماعات البعثية المتحالفة مع قوى الزرقاوي الهمجية.
2. باتجاه تركيا حيث يمكن استخدام المنطقة الحدودية الجبلية لعبور المسلحين مع المهربين إلى كردستان العراق ومنها إلى الموصل. وتركيا غير حريصة بأي حال على الهدوء والاستقرار في العراق, وبشكل خاصة في محافظة الموصل وفي عموم كردستان لأسباب معروفة تحدثنا عنها في أكثر من مقال سابق. فهذه الحدود غير آمنة بالنسبة للحكومة العراقية وللوضع الأمني في الموصل أو حتى بالنسبة على كركوك. وهناك بعض الطورانيين الذين يفترض أن لا ننسى دورهم في دعم الإرهاب في العراق استجابة للحركة العنصرية في تركيا التي تريد منع قيام فيدرالية كردستان العراق بأي ثمن.
3. باتجاه إيران أيضاً حيث يمكن الولوج من إيران إلى كردستان ومنها إلى مناطق الموصل بطرق مختلفة. وإيران هي الدولة الأخرى التي فيها قوى كثيرة في الحكم وخارجه غير حريصة حقاً على استقرار العراق وأمنه, بقدر ما يهمها إيجاد قواعد مناسبة لزيادة تدخلها وتأثيرها في السياسات العراقية, وهي تحلم بقيام نظام طائفي مماثل لنظام ولاية الفقيه في العراق أيضاً. ولا يهمها في هذا الصدد السبل والوسائل التي تمارسها لتحقيق ما تريد. وهي تخشى انتصار الديمقراطية والفيدرالية في العراق, ومنها ينشأ تنسيقها مع سوريا وتركيا بشكل خاص لمناهضة الوضع الجديد في العراق.
ولا شك في أن هناك طرقاً أخرى من داخل العراق يمكنها إيصال الإرهابيين إلى الموصول, كما حصل في هروب مجموعة مهمة من إرهابيي البعث والزرقاوي وغيرهما من الفلوجة إلى الموصل حين حوصروا في الفلوجة.
تتوزع قوى الإرهاب الرئيسية في العراق حالياً على ست مناطق أساسية, وهي: بغداد, الرمادي وتكريت وبيجي والقائم وما جاورها, الحلة والمنطقة المحيطة بها, ديالى, وخاصة مدينة بعقوبة وما جاورها, وكركوك, وخاصة الحويجة, وأخيراً الموصل وتلعفر. كما في مقدور القوى الإرهابية أن تحرك بيادقها الشريرة في مناطق أخرى لإعطاء الانطباع بأنها تستطيع أن تفعل كل شيء وفي جميع أنحاء العراق. ويمكنها باستمرار, بعد محاصرتها في مدينة ما, أن تهرب إلى مدينة أخرى لتنشر الخراب والقتل والفوضى فيها ما لم تضمن قطع خطوط الهروب عليها. ومن هنا يتأتى على الحكومة العراقية أن تمتلك إستراتيجيتها الواضحة على نطاق العراق كله, والتي تمس البشر والموارد في آن واحد, خاصة وأن الثروة النفطية والغازية هي المستهدفة أيضاً لإشاعة الفوضى والمصاعب أمام الناس في عيشهم اليومي.
لا يمكن تطهير مدينة ثم الانتقال إلى مدينة أخرى, إذ أن ذلك سيأخذ وقتاً طويلاً ويتعب البشر قبل أن يقضي على الإرهابيين, بل يفترض أن يشمل العمل توزيع المهمات كلها في آن واحد على تلك المناطق. إن ما يجلب الانتباه هو أن قوى الشرطة والحرس الوطني لم تستطع حتى الآن وضع الخطط والأساليب المناسبة التي تمنع سقوط ضحايا كثيرة في صفوفها نتيجة عدم العناية الكافية بقواعد الحماية والاستعداد الكافيين للدفاع عن الموقع والنفس, أو ضعف اليقظة والحذر والاستهانة بالعدو الشرس أو ...الخ.
والعمليات التي يراد تنفيذها في الموصل يفترض أن تتخذ أسلوباً آخر غير الذي مورس في الفلوجة أو كاد أن يمارس في النجف. لست مالكاً للخبرة العسكرية أو الأمنية لتقديم مقترحات إلى المسئولين عن هذه المجالات لمواجهة الوضع الأمني المتدهور, إذ أن العراق يفقد يومياً عشرات الناس الأبرياء, كما يفقد كوادر علمية وفنية وكوادر سياسية ونشطاء في مجالات مختلفة. ولكني أرى بأن الإنسان المالك لقدر مناسب من رجاحة العقل والفكر وبعض التجربة لا يمكنه أن يغفل الآتي من الإجراءات:
1. يدرك أهل الموصل بأن المعركة ضد قوى الإرهاب لا يمكن تجاوزها وعليهم التعاون مع القوات الحكومية لمواجهتها. وهذا يتطلب تقديم الدعم والحماية للناس وكسب ثقتهم, لكي يبادروا إلى تقديم الدعم والمساندة الفعلية لقوات الحكومة. إن هذا يتطلب تقديم المكاسب للناس, لكي يحسوا بأنها إلى جانبهم, وهي التي لم تقدم حتى الآن وبالصيغة المناسبة, أو ربما تحققت لفئات قليلة وليس لأكثرية سكان الموصل.
2. يراد جمع المزيد من المعلومات المهمة عن جيوب الإرهابيين في المناطق الحدودية وفي القرى الفلاحية أو المدن الصغيرة, إضافة إلى داخل مدينة الموصل, بحيث تكون العمليات التي يراد تنفيذها ملموسة ومقررة سلفاً وبعيداً عن العشوائية أو الرمي والقصف العشوائي. إن التحضير الجيد للعمليات القادمة يقلل الخسائر إلى العشر ويدفع البلاء عن السكان المدنيين وعن المباني السكنية.
3. من المهم ليس قتل الإرهابيين بل اعتقالهم لأن القتل بحد ذاته عملية مرفوضة أصلاً, كما أن اعتقالهم يساعد في الحصول على المعلومات الإضافية لأغراض حسم الموقف في غير صالحهم الإرهابيينً.
4. يفترض تطويق المدينة بالطريقة التي لا يمكن إفلات أي عنصر إرهابي من قبضة الشرطة والحرس الوطني وعزل الأحياء التي يوجد فيها الإرهابيون وتمشيطها بواسطة قوات المشاة بدلاً من القصف الجوي العشوائي الذي يصيب المدنيين قبل الإرهابيين ويلحق بالمدينة التاريخية أفدح الأضرار, مع الاستفادة من تجارب الأشهر المنصرمة, بما في ذلك احتمالات هجمات الانتحاريين ودور السكن المفخخة وما إلى ذلك من أساليب تعبر عن البؤس والفقر الفكري والسياسي والروحي لهذه العناصر التي تقود العمليات الإرهابية وتجد من المؤمنين الراغبين عبثاً دخول الجنة من يقدم نفسه ضحية لأسيادهم الأوباش الذين حكموا العراق طويلاً ومعهم أوباش القاعدة المجرمين.
5. إن الإرهابيين سيبذلون جهداً خاصاً لاستخدام نهر دجلة للهروب والانتقال من منطقة إلى أخرى, لهذا يستوجب حراسة ضفتي النهر لمنع عبورهم أو تقديم الدعم لهم من مختلف الجهات. ولا بد من الاستفادة القصوى من أهالي مدينة الموصل والمناطق المجاورة لها في هذه العمليات.
6. إن المفروض أن تتعاون قوات ال?يشمر?ة الكردستانية, باعتبارها جزءاً من القوات العراقية المسؤولة عن حماية البلاد, مع بقية القوات العراقية للقيام بالعمليات العسكرية المدروسة وبعيداً عن الاجتياح لضمان التخلص من الإرهابيين ومنعهم من الهرب والانتقال إلى مدن عراقية أخرى أو الهروب إلى سوريا وتركيا وغيرها ثم العودة من جديد إلى العراق لتنفيذ عمليات التخريب والقتل.
إن المهمة الأكبر للقوات العراقية تكمن في اعتقال أكبر عدد ممكن من الإرهابيين بدلاً من قتلهم, إذ أن عدداً غير قليل منهم من أكثر الناس جهلاً وتخلفاً فكرياً وسياسياً, إذ يمكن إعادتهم إلى جادة الصواب والاقتناع بأن الانتحار وقتل الآخر يخالفان أسس الديانات كلها, ومنها الدين الإسلامي, ولن يجدوا أمامهمً طريقاً مفروشاً بالورود والرياحين إلى الجنة الموعودة, بل إلى جهنم وبئس المصير, ما داموا مؤمنينً بوجودهما.
مرة أخرى أقول: نحن أمام مهمة لا بد من إنجازها, مهمة تطهير الموصل وكل العراق من القتلة الإرهابيين المجرمين المحليين أو القادمين من وراء الحدود ولا يمكن بأي حال التوقف عن إنجاز هذه المهمة النبيلة, ولكن لا بد لنا من إمعان الفكر من أجل إيجاد أفضل الخطط والطرق والوسائل وأقلها إيلاماً للإنسان العراقي وللمجتمع وأبعدها عن تدمير دور سكن الناس والمدن العراقية, وهي كلها ذات إرث حضاري يعتز بها كل عراقي أمين لوطنه وشعبه وحضارته وتقدمه.
برلين في 7/1/2005 كاظم حبيب
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟