حمدي ولد فال
الحوار المتمدن-العدد: 3631 - 2012 / 2 / 7 - 18:47
المحور:
المجتمع المدني
سيدي افني :التعاونيات والصراع من أجل البقاء
نموذج تعاونية اصبويا الفلاحية
يعيش العالم القروي مشاكل جمة بسبب التحولات التي عرفها في السنوات والعقود الأخيرة نتيجة لعوامل طبيعية وبشرية متداخلة فيما بينها ،ففي الوقت الذي كانت فيه البادية إلى حدود غير بعيدة مصدرا للثروة والخيرات ،أصبحت فيه اليوم مركزا مهما لتصدير الأزمات والمشاكل في اتجاه الحواضر بعدما عجز العالم القروي عن احتضان قاطنيه،إنها مفارقة غريبة ،فبعدما كانت الأمور تسير على أحسن ما يرام،فالحالة اليوم لاتسر العدو قبل الصديق،وخاصة في المجالات الشبه الجافة التي تواجه الندرة في كل شيئ،وسنحاول هنا مقاربة مجال اصبويا ،باعتباره مؤشرا مهما لمدى إمكانية التعاطي مع زخم المشاكل المتراكمة في المجالات المطبوعة بالجفاف، والانتقال بها من مجالات هشة تضيق بأهلها نحو فضاءات تزخر بالإمكانيات ما يجعلها قادرة على إغناء أهلها وساكنيها والإسهام في مسلسل التنمية المستدامة.
وبحكم الخصوصيات الطبيعية للمنطقة وتواجدها ضمن النطاقات الشبه الجافة المتسمة بندرة الأمطار وارتفاع درجات الحرارة ،بالإضافة إلى سنوات التهميش والإقصاء من مختلف برامج التنمية التي باشرتها الدولة ،بحكم هذه العوامل وأخرى رزحت المنطقة تحت وطأة الهشاشة، سبب ذلك تهجيرا لسكانها في اتجاهات مختلفة بحرا وبرا بحثا عن الكرامة التي لا تتحدد إلا بالشغل ، فيما حاول الباقون في هذه البقاع التكيف قدر الإمكان مع هذا الواقع، ونظرا لكون الإنسان ابن بيئته يتأثر بها ويؤثر فيها،فان إنسان المنطقة استطاع التكيف مع العوامل الطبيعية ،فانتقل من زراعة الحبوب وتربية الماشية إلى زراعة الصبار بعدما توالت سنوات الجفاف ونيلها من المحاصيل والقطعان.
تعد المنطقة اليوم من أكبر المناطق في المغرب المنتجة للصبار والمسوقة له وطنيا ويخلق هذا المنتوج الموسمي فرصا مهمة للشغل كما يوفر عائدات مالية جد هامة،وبحكم الأفاق الواعدة تشكلت عدد من التعاونيات، بغية تطوير هذا المنتوج، وسبر الأغوار الممكنة لتثمينه واكتشاف مزاياه وتطويرها في منتوجات جديدة بإمكانها خلق مداخيل جديدة لفائدة المتعاونين،وقد شقت عدد من التعاونيات طريقها في هذا ونذكر منها التعاونية النسوية اكناري وكذا تعاونية أهل الدار الحديثة النشأة والتي استطاعت بفضل إمكانياتها والدعم المقدم لها أن تتلمس الخطوات الأولى للنجاح.
في إطار الدور الذي أصبحت تلعبه التعاونيات في التنمية سنتوقف في هذه المحاولة عند نموذج لتعاونية شبابية تحاول ربح رهان التنمية بوسائلها الخاصة دونما الحصول لحدود الساعة على أي دعم من أي جهة من الجهات الداعمة ،إنها تعاونية اصبويا الفلاحية،بالرغم من ضعف إمكانياتها فقد استطاعت أن تنطلق في ظل غياب أي دعم من الجهات المسؤولة سواء تعلق الأمر بالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية والتي لا يتعدى سقف دعمها 20مليون سنتيم في أحسن الأحوال ،أو بالمجالس المنتخبة التي لا تقدم ما يكفي للمساهمة في المشاريع المذرة للدخل خاصة المجلس الإقليمي ،أما مجلس الجماعة القروية لاصبويا فإنه فضل هدم قنطرة بنيت في أقل من سنة وتعويضها بقنطرة أخرى،وهذا مايطرح بإلحاح إشكالية الحكامة لدى الفاعلين المحليين،فبدل تقديم الدعم لمثل هذه المبادرات المقدامة يتم اللجوء إلى هدم قنطرة حديثة وبناء أخرى والسؤال لماذا هذا العبث وكيف يحدث وهل أولوية قنطرة فوق واد لا يسهم في انقطاع الطريق في فترة ممطرة على أحسن الأحوال أفضل من دعم مشروع مذر للدخل؟أين هي الأولويات في هكذا مشاريع ؟؟
تلفيف الصبار
وتتركز أنشطة هذه التعاونية في تسويق المنتوج على الصعيد الوطني والحد من ضياعه في الحقول في فترات ذروة الإنتاج،كما تتلخص مراميها في عمليات تصنيع الصبار واستخراج مستخلصاته من زيوت وغيرها،وكذا في تنشيط عمليات تلفيفه للتمكن من تصديره للأسواق الخارجية ،ويحاول الشباب المنخرط في هذه التجربة السير نحو ربح رهان التنمية في المنطقة وإنجاح تجربتهم التي تعد اختبارا حقيقيا للجهات التي ما فتئت تعبر عن عجزها عن تشغيل الشباب ،وتسوق بديلا عن التوظيف ما بات يعرف بالتشغيل الذاتي ،والذي تشكل التعاونيات إحدى مرتكزاته باعتبارها حاشدة للطاقات الشابة المقتنعة بهذا المسلك،غير أن نجاح هذه الطاقات يبقى رهين الدعم والمساندة المادية والمعنوية ،وهذه مسؤولية الفاعلين في التنمية وصناديق الدعم ،وهذا ما سيمكن من تشغيل أيادي شابة من أبناء القرية وما سيوفر فرصا قوية لاستقرار السكان،نفس الشيئ ينبغي أن تنهجه مقاربات التشغيل بالإقليم والمفروض فيها أن تلتفت لساكنة البوادي وتضع نصب أعينها العاطلين والمعطلين من أبناء المستقرين في هذه البوادي ذكورا وإناثا وكذا الأيتام والأرامل والمستحقين مما يمكن من الحديث عن سلم اجتماعي حقيقي.
بقلم حمدي ولد فال
#حمدي_ولد_فال (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟