أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - جبار قادر - الأنفال: تجسيد لسيادة الفكر الشمولي والعنف و القسوة // 20 مقال وموضوع سابق















المزيد.....



الأنفال: تجسيد لسيادة الفكر الشمولي والعنف و القسوة // 20 مقال وموضوع سابق


جبار قادر

الحوار المتمدن-العدد: 245 - 2002 / 9 / 13 - 04:56
المحور: القضية الكردية
    


 

من المؤسف حقا أن نكون مجبرين في إجتماعاتنا و جلساتنا على الحديث عن المآسي و النكبات التي حلت بنا و عن مظاهر القسوة و العنف التي نكبنا بها خلال عقود طويلة من تاريخنا المعاصر. وموضوع اجتماعنا هذا هو الحديث عن عمليات الأنفال التي قامت بها الحكومة العراقية ضد الكرد عام 1988 .
ويبدو تعبير (( عمليات الأنفال )) تعبيرا مهذبا و محايدا و بريئا على حد تعبير الباحث العراقي فالح عبدالجبار الذي يقترح علينا ان نستبدل على الأقل كلمة (( عملية )) المهذبة بأخرى تنضح ببشاعة الفعل مثل ( المسلخة، الأبادة ، المذبحة أو المجزرة )). أخشى ان لا تعبر هذه الكلمات بمجموعها عن بشاعة الفعل.
بدءا أود أن أعرف الحضور الكرام وبخاصة الذين لم تتوفر لديهم الفرصة للأطلاع على تفاصيل مجازر الأنفال بشئ من الأختصار . الأنفال هي سلسلة العمليات العسكرية التي قامت بها القوات المسلحة العراقية ( نفذتها قوات الفيلقين الأول و الخامس في كركوك و أربيل و قوات منتخبة من الحرس الجمهوري و القوات الخاصة و قوات المغاوير و قوات الأمن و الطوارئ و المفارز الخاصة فضلا عن قوات الجيش الشعبي و أفواج الدفاع الوطني . لستخدمت هذه القوات جميع انواع الأسلحة التي كانت بحوزتها خلال الحرب العراقية - الأيرانية من الدبابات و المدفعية الثقيلة و الطائرات الحربية المقاتلة و السمتية و الأسلحة الكيمياوية ) خلال الفترة من ليلة 22/23 شباط و حتى 6 أيلول من عام 1988 ( رغم ان على حسن المجيد يشير بنفسه الى الفترة من 18 شباط و حتى 4 أيلول - الا ان تقارير منظمة رصد حقوق الأنسان في الشرق الأوسط ( Human Rights Watch / Middle East )التي درست و حللت الوثائق الحكومية الخاصة بالأنفال لمدة 18 شهرا تشير الى 23 /2 - 6/9 / 1988 ).
المعروف ان الحكومة العراقية لم تقم بهذه العمليات بصورة سرية بل كانت القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية تشير في بياناتها العسكرية التي تبدأ بأحدى آيات سورة الأنفال اليها و تتحدث عن الأنتصارات العسكرية في عمليات الأنفال البطولية ضد من كانت تسميهم تلك البيانات بالعدو الغاشم و الخونة و المارقين و تمجد وسائل الأعلام الحكومية هذه العمليات و تضفي عليها كل صفات البطولة و الوطنية التي طهرت ارض الوطن من الخونة و المرتدين و عملاء الأجنبي . وكان الحزب الحاكم و مؤسسات الدولة الرسمية تقوم بتنظيم الأحتفالات والمهرجانات احتفاء بالذكرى السنوية لتلك العمليات و تطلق اسم الأنفال على شركات المقاولات الحكومية و المدارس و غيرها من المؤسسات . حاولت القيادة العامة للقوات المسلحة و الأعلام الرسمي تصوير هذه المسالخ على انها جزء من المجهود الحربي العراقي ضد القوات الأيرانية رغم انها كانت لا تخفي كونها موجهة ضد من كانت تسميهم بعملاء ايران و ادلاء الخيانة و غير ذلك من الألقاب . و نجحت الحكومة العراقية و الأعلام الرسمي الغوبلزي في تمرير الصورة المشوهة لهذه المسالخ على الجزء الأكبر من العراقيين ، فقد كان هناك تصور عام لدى العراقيين بان هذه البيانات الرنانة اشارة الى عمليات عسكرية ضد ايران على الحدود العراقية الأيرانية و اعتقد البعض على انها موجهة ضد الحركة المسلحة الكردية التي تعاونت مع ايران خلال بعض مراحل الحرب العراقية الأيرانية و بذلك لم يدرك معظم العراقيين و لا زالوا حجم الكارثة التي حلت بالشعب الكردي خلال تلك العمليات. ومما يحز في النفس ورغم توفر اطنان من الوثائق ( نقل منها 14 طن الى الولايات المتحدة الأمريكية و تسلمت لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأمريكي مسؤولية الحفاظ عليها) التي اصبحت في متناول الباحثين و منظمات حقوق الأنسان و التي توضح الى حد كبير حجم هذه المجازر ان نجد من بين يدعون معارضة النظام من يستكثر على الكرد التذكير بهذه المسالخ و يعتبرها محاولة لهولكوستتة القضية الكردية في العراق .
استخدمت الحكومة العراقية كلمة الأنفال ككود عسكري في قراراتها العلنية و مراسلاتها الداخلية و كانت معروفة على نطاق واسع في العراق و بخاصة في المناطق الكردية . بدأ التمهيد لمسالخ الأنفال عندما تسلم على حسن المجيد في 29 آذار 1987 مسؤولية امين سر مكتب تنظيم الشمال لحزب البعث العربي الأشتراكي و منحه مجلس قيادة الثورة بموجب القرار رقم 160 في 29 آذار 1987 صلاحيات مطلقة في كوردستان فمبوجب القرار المذكور كان علي حسن المجيد (( ينوب عن القيادة القطرية لحزب البعث و مجلس قيادة الثورة لتنفيذ سياساتهما في الشمال بما فيها منطقة الحكم الذاتي)) و اعتبر مجلس قيادة الثورة في قراره المذكور (( قرارات الرفيق المجيد الزامية لجميع مؤسسات الدولة العسكرية و الأمنية و المدينة وعليها جميعا تنفيذها بما في ذلك المسائل الداخلة في نطاق صلاحيات مجلس الأمن القومي و لجنة شؤون الشمال )). وكانت هذه الصلاحيا ت مساوية لتلك التي يتمتع بها رئيس الجمهورية في هذه المنطقة . و أصدر صدام حسين في 20 ابريل 1987 قرارا آخر منح بموجبه صلاحيات اضافية للمجيد لوضع ميزانية خاصة بلجنة شؤون الشمال.و كان القرار يقضي بربط الفيلقين الأول و الخامس من الجيش العراق النظامي و دوائر الأمن و الأستخبارات العسكرية و قوات الطوارئ و افواج الدفاع الوطني و المفارز الخاصة و غيرها من المؤسسات القمعية بعلي حسن المجيد و تلقي الأوامر منه فقط و ايقاف تنفيذ جميع القوانين والقرارات و الأجراءاب الأدارية العراقية التي كانت تتعارض مع نص قرار مجلس قيادة الثورة . وجعل هذا القرار من علي حسن المجيد حاكما مطلقا على كوردستان و المنطقة الشمالية بأسرها .
كانت سياسات المجيد تنفذ تحت شعار ((حل القضية الكردية و القضاء على المخربين )). وكانت المظاهر الرئيسية لهذه السياسة خلال العامين الذين قضاهما المجيد كحاكم مطلق في كوردستان من 29 آذار 1987 و حتى 15 نيسان 1989 تتلخص في :
1. الأعدام الجماعي و لخفاء أثر عشرات الالآف من المدنيين الكرد بمل فيهم عدد كبير من النساء و الأطفال و أحيانا سكان قرى كاملة.
2. استخدلم الأسلحة الكيمياوية بصورة واسعة كغاز الأعصاب و السارين و الخردل في حلبجة و 40 موقعا آخر خلال الفترة من نيسان 1987 و حتى آب / أيلول 1988 .
3. تدمير لكثر من الفين قرية تشير اليها الوثائق الحكومية بصيغ أحرقت ، دمرت ، سويت مع الأرض و جرى تطهيرها فضلا عن عشرات القصبات و المراكز الأدارية بما فيها مدينة قلعة دزة التي بلغ عدد سكانها اكثر من 70 الف نسمة.
4. تدمير المراكز المدنية كالمدارس ، الجوامع ، الكنائس ، آبار المياه و الينابيع و محطات الطاقة الكهربائية و المباني الأخرى .
5. نهب ممتلكات السكان المدنيين و حيواناتهم من قبل الجيش و قوات الجحوش .
6. القاء القبض على القرويين بحجة التواجد في المناطق المحظورة رغم انهم كانوا في بيوتهم و على ارضهم .
7. الحجز الكيفي لعشرات الالاف من النساء و الأطفال و الشيوخ لأشهر عديدة و في ظروف جد قاسية بدون أوامر صادرة من المحاكم و بدون أية اسباب منطقية سوى الشك في كونهم من انصار الحركة الكردية و مات عشرات الالاف منهم بسبب سوء التغذية و المرض.
8. التهجير القسري لمئات الالاف من القرويين بعد تدمير قراهم الى المجمعات القسرية التي كانت الدعاية الحكومية تطلق عليها ظلما و بهتانا اسم المجمعات العصرية.
9. تدمير البنية التحتية و الأقتصادية للريف الكوردستاني.
و تشير الوثائق الرسمية الى هذه السياسات تحت مسميات (( الأجراءات الأدارية الخاصة ، الأجراءات الجماعية ، العودة الى الصف الوطني و اعادة الأسكان في الجنوب )) و غيرها من التمسيات التي حاولت اخفاء سياسة الأبادة الجماعية بحق الكرد .
بلغت عمليات الأنفال ثمان وشملت ست مناطق جغرافية و كان يسبق كل عملية قصفا مدفعيا و جويا مكثفا مع استخدام الأسلحة الكيمياوية مع زج كل الأمكانيات المتاحة :
1. الأنفال الأولى بدأت بهجوم كبير صبيحة يوم 23 شباط 1988 على مقرات الأتحاد الوطني الكوردستاني في سركلو و بركلو . واستغرقت ثلاثة اسابيع بسبب المقاومة الشديدة التي ابدتها قوات البيشمركة. ويدخل قصف حلبجة رغم انه لم يشكل جزءا من الأنفال في اطار الأنفال الأولى.
2. الأنفال الثانية في منطقة قرداغ و بدأت في 22 آذار اي بعد يوم واحد من عيد النوروز و استمرت حتى نهاية هذا الشهر . وأشك ان يكون اختيار عيد نوروز قد جاء كمجرد صدفة.
3. الأنفال الثالثة و التي شملت منطقة كرميان بمحافظة كركوك و بدأت في 7 نيسان اي في ذكرى تأسيس البعث و استمرت حتى 20 من نفس الشهر . و كانت أوسع و أقسى صفحات الأنفال و أكثرها تدميرا سواء من حيث مساحة المناطق التي شملتها أو عدد المؤنفلين . وكان الهدف هو تدمير كل الريف الكردي في هذه المحافظة و التخلص من اكبر عدد ممكن من الكرد لأستكمال عمليات التعريب التي بدأ البعث بتنفيذها منذ عام 1963 عندما وصل الى السلطة لأول مرة ليعود ألى تبنيها كأستراتيجية منذ السبعينات و لتصل الى مرحلة التطهير العرقي في الثمانينات و التسعينات . و يعتقد بأن أكثر من 150 ألفا من مجموع 182 ألف من المؤنفلين أخذوا من ساحة عمليات الأنفال الثالثة فقط .
4. الأنفال الرابعة و شملت حوض الزاب الصغير في 7 و 8 مايس .
5. شملت الأنفال الرابعة و الخامسة و السادسة المناطق الجبلية بمحافظة أربيل. وبدأت في 15 مايس و استمرت حتى 7 تموز و اضطر النظام أمام المقاومة الشديدة التي أبدتها قوات الأنصار لوقف العملية بأمر صادر من مكتب الرئيس ( و يثبت هذا الأمر الدور المباشر لصدام حسين شخصيا في مسلخة الأنفال ) . وتجددت الهجمات في الأنفال السادسة و السابعة في تموز و آب لتعلن القيادة العامة للقوات المسلحة عن تطهير المنطقة ممن سموا بالمخربين.
6. الأنفال الثامنة أو خاتمة الأنفال و بدأت بعد قبول ايران لوقف اطلاق النار في 8 / 8 / 1988 اذ تفرغت القوات العراقية لخاتمة مسالخ الأنفال و التي شملت منطقة بهدينان بشمال كوردستان العراق و بدأت في 25 آب و استمرت حتى 6 أيلول من نفس العام لتعلن الحكومة عن النصر و العفو العام لصيد البقية الباقية من سكان المناطق المشمولة بالأنفالات.
كانت الخطة المتبعة في عمليات الأنفال هي نفسها تقريبا ، اذ يجري البدء بالقصف المدفعي و الجوي المكثف لعدة أيام مع استخدام الأسلحة الكيمياوية ليبدأ بعد ذلك الهجوم البري بعد ان يكون قد جرى استكمال تطويق المنطقة المستهدفة من كل الجهات من قبل قوات الجيش الشعبي و ما كانت تسمى بافواج الدفاع الوطني و سد جميع الطرق و الممرات لمنع هروب اي شخص الى خارج منطقة العمليات . وادت هذه العمليات الى مقتل عشرات الالاف من السكان المدنيين و القاء القبض على كل من بقي على قيد الحياة و نهب جميع ممتلكاتهم و حيواناتهم و اضرام النار في البيوت و المزارع ، لتأتي بعد ذلك فرق الهندسة العسكرية لتقوم بتدمير القرى و تسويتها بالأرض . وكانت الشاحنات العسكرية تقف على أهبة الأستعداد لنقل القرويين الى مراكز و معسكرات الأعتقال حيث يجري فصل النساء و الأطفال و كبار السن عن الرجال الذين ينقلون الى حيث لقوا مصيرهم المجهول . وتقوم قوات المرتزقة الكرد بعد ذلك بتمشيط المنطقة و سفوح الجبال لألقاء القبض على كل من تمكن من الأفلات ، بينما تقوم قوات الشرطة و الأمن و الجيش الشعبي بتمشيط القصبات و المجمعات السكنية لألقاء القبض على كل تمكنوا من الأفلات من قبضة الجيش . و انخدع الكثيرون بقرار العفو و سلموا انفسهم ليلقوا نفس المصير . و كان مهمة القوات النظامية تنتهي عند هذا الحد لتستلم قوات اخرى يعتقد بأنها قوات الأمن و المخابرات و المهمات الخاصة مهمة نقل و اخفاء أثر القرويين الكرد و عوائلهم الذين بلغ عددهم اكثر من 182 ألفا . و هناك تقارير كثيرة تشير الى دفن عشرات الالاف منهم في الصحراء الغربية على الحدود السعودية و الأردنية .وحدد بعض الناجين من مسالخ الأنفال مواقع عدد من المقابر الجماعية بالقرب من الرمادي و قرب مدينة حضر التاريخية جنوب الموصل و في صحراء السماوة . كما يعتقد بوجود مقبرتين جماعيتين في جبل حمرين احداهما بين كركوك و تكريت و الأخرى الى الغرب من طوز خورماتو . وهناك شواهد عديدة على اخضاع آلاف اخرى من هؤلاء التعساء للتجارب لمعرفة مفعول الأسلحة الكيمياوية و البيولوجية العراقية .و جرى نقل اكثر من 8 آلاف شخص من كبار السن الى سجن نقرة السلمان حيث مات الكثيرون بسبب الحر و الجوع و العطش و الأمراض و اكلت الكلاب السائبة جثثهم . ويروي الناجون العائدون من جهنم البعث قصصا تقشعر لها الأبدان عن حجم المعاناة الأنسانية لنزلاء قلعة نقرة السلمان على يد الملازم حجاج و رفاقه في العقيدة. كما روى بعض الناجين بأن الرجال كانوا يجمعون على شكل صفوف طويلة ثم يطلق النار عليهم ليسحبون بعد ذلك الى الحفر الكبيرة التي هيأت لهم مسبقا . وفيما بعد و بسبب الأعداد الكبيرة من المحكومين بالموت كانوا بوقفون على حافات الحفر ليقعوا فيها بعد ان يطلق النار عليهم او يقذفون الى الحفر الكبيرة و يجري اطلاق النار عليهم من جميع الجهات ليوارى التراب عليهم بعد التأكد من قتل الجميع .
ويعتقد بأن مجموع الكرد الذين قتلوا خلال عامي 1987 و 1988 في عمليات الأنفال و العمليات العسكرية التي سبقتها و قصف حلبجة و اربعين موقعا آخر بالأسلحة الكيمياوية يقارب الربع مليون شخص. وكانت الحكومة العراقية تلاحق ضحاياها وراء الحدود ايضا فقد بعثت من تضع السم في خبز اللاجئين الكرد في تركيا و الذين هربوا بسبب الهجمات الكيمياوية في عمليات الأنفال الثامنة في منطقة بهدينان و الذين بلغ عددهم 80 الف شخص ، كما بعثت طائراتها الحربية لتلقي بقنابلها على رؤوس اللاجئين الكرد في ايران .
إعتمدت الحكومة العراقية في التمهيد لعمليات الأنفال و تنفيذها خطة تضمنت ثلاث مراحل اساسية و ضرورية لتنفيذ أية عملية ابادة جماعية و هي :
1. تحديد أفراد الجماعة المستهدفة بعملية الأبادة .
2. جمعهم في مراكز و معسكرات اعتقال تمهيدا للمرحلة التالية وهي ،
3. التخلص منهم و إخفاء آثارهم الى الأبد بعيدا عن اعين الرقباء و الدخلاء.
قام علي حسن المجيد بتنفيذ هذه الخطة بدقة . فقد وضع خطة على مرحلتين كما يشير بنفسه الى ذلك في شريط مسجل بتاريخ 15 نيسان 1989 وقع في ايدي المنتفضين في اذار 1991 اذ يقول (( في اول اجتماع عقدناه في نيسان 1987 مع قادة الجيش و الأمن و الشرطة و المحافظين و مسؤولي الحزب قررنا ترحيل سكان القرى لفصلهم عن المخربين . ونفذنا هذا القرار على مرحلتين بدأت الأولى من 21 نيسان و استمرت حتى 21 مايس و الثانية من 21 مايس و حتى 21 حزيران . وامرنا بقتل كل من يلقى القبض عليه اعتبارا من 22 حزيران في تلك المناطق التي اعلنت كمناطق محظورة و لازلنا ننفذ هذا القرار حتى هذا اليوم )). رحل عدد كبير من سكان هذه القرى و المراكز الحضرية الى المجمعات القسرية ، اما الذين رفضوا الأنصياع الى هذه السياسة و هربوا الى المناطق الواقعة تحت سيطرة البيشمركة فقد اصبحوا ضمن المجموعة المستهدفة . وتشير التقارير الى تدمير اكثر من 700 قرية خلال تلك المرحلتين . واشار المجيد في اجتماع مسجل آخر الى رسم خط فاصل عرفه بالخط الأحمر ليفصل بين المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة و تلك التي شملتها عمليات الأنفال فيما بعد . وكانت هناك مرحلة ثالثة جرى تأجيلها لكي تنفذ فيما بعد في إطار عمليات الأنفال . ومع بدأ المرحلة الأولى بدأت الهجمات الكيمياوية ايضا و التي بلغت خلال 18 شهرا 40 هجوما كما اصدر المجيد اوامره في تموز 1987 بالقيام (( بالقصف الجوي و المدفعي ليلا و نهارا لقتل اكبر عدد ممكن من المتواجدين في المناطق المحظورة )) . و امر في الفقرة الخامسة من القرار المذكور باعدام كل من يلقى القبض عليه في المناطق من البالغين من العمر 15 - 70 عاما بعد التحقيق معهم و الحصول على المعلومات المفيدة منهم .
اما الخطوة الأدارية الأهم لتحديد المجموعة المستهدفة فكان احصاء السكان العام في اكتوبر 1987 . اذ وضع سكان ما سميت بالمناطق المحرمة بين خيارين اما (( ترك قراهم و بيوتهم و مزارعهم و القبول بالعيش في المجمعات القسرية - التي سميت ظلما و بهتانا بالمجمعات العصرية _ القذرة و تحت رحمة الأمن و المخابرات )) وكان هذا يساوي في الأعلام الحكومي (( عودة الى الصف الوطني)) أو اعتبارهم غير عراقيين و فقدانهم لجميع حقوق المواطنة في الدولة العراقية و اعتبارهم هاربين من الخدمة الألزامية و التي كانت عقوبتها الأعدام .
وكلف المجيد في الوقت نفسه جميع المؤسسات المدنية و الأمنية و الحزبية بتحديد عوائل الهاربين و المتخلفين من الخدمة العسكرية و عوائل البيشمركة وجمع المعلومات التفصيلية عنهم في المدن و القصبات الخاضعة لسيطرة الحكومة و الذين أخذوا من بيوتهم و القي بهم في المناطق الجبلية و أجبروا الى اللجوء الى المناطق المحرمة لتشمل عمليات الأنفال اعداد كبيرة منهم فيما بعد .
هكذا جرى تحديد المجموعة المستهدفة بعناية ليجري جمع الباقين منهم على قيد الحياة خلال عمليات الأنفال الثمانية بعد القاء القبض عليهم في مراكز و معسكرات الأعتقال لتقوم قوات الأمن و القوات الخاصة بفصل الرجال عن النساء و الأطفال و الشيوخ و من ثم يتم التخلص منهم و اخفاء آثارهم بطرق و أساليب مختلفة لا زال الغموض يحيط بالكثير من تفاصيلها الدقيقة. و اتخذت الحكومة العراقية من عملية اخفاء اثر اكثر من 8 آلاف من الرجال البرزانيين الذين اخذوا من مجمع قوشتبة القريبة من اربيل صيف عام 1983 نموذجا للتعامل مع ضحايا الأنفال . ورغم توفر أدلة لا يشك في صحتها بأن عشرات الالاف من المدنيين الكرد الذين غيبتهم القوات العراقية خلال عام 1988 جرى القضاء عليهم ، الا ان هناك الاف العوائل التي لازالت تنتظر حدوث معجزة لمعرفة مصير مفقوديها . وهناك مشاكل اجتماعية و نفسية كبرى تعاني منها هذه العوائل و بخاصة النساء و الأطفال الذين يصعب عليهم ممارسة حياة طبيعة دون التأكد من مصير ذويهم. وللبحث عن تفسير لما حدث خلال هذه العمليات لا بد من القاء الضوء على بعض النقاط :
1. يشير البعض بأن الحكومة العراقية كانت في حرب مصيرية مع ايران وكانت تقاتل الحركات المسلحة الكردية عند قيامها بعمليات الأنفال . وتلجأ حكومات العالم الثالث عادة الى استخدام كل الوسائل المتوفرة لديها للقضاء على الحركات المناوئة لها . ويمكن الرد على هذه الطروحات بأن الأنفال شملت اعداد كبيرة من المدنيين الذين لم يشاركوا بصورة مباشرة في العمليات العسكرية و جرى تحديدهم عندما استثنوا من احصاء عام 1987 و جمعوا في معسكرات وجرى التخلص منهم بعد ايام او اسابيع و حتى اشهر من القاء القبض عليهم. وكانت هناك اقلية من المقاتلين او الذين شكلوا قوة مؤازرة للحركة المسلحة الكردية ، اما الباقي وهم الأكثرية فكانوا من المدنيين و جرى قتلهم لسبب واحد لكونهم سكان تلك المناطق التي اعلنتها مناطق محرمة . و اظهر تحليل الوثائق بأن الأنفال عبارة عن عملية منهجية و سبق ان خطط لها بصورة دقيقة ، كما أظهرت الوثائق بأن فرق الأعدام جرى انتقائها من بين اعضاء النخبة في وحدات الأمن و التي لم تكن مرتبطة بالقوات المسؤولة عن اعتقال الأكراد. ولم تكن هذه المجازر نتيجة لأنفعال قادة عسكريين ميدانيين قاموا بقتل الناس وخالفوا القوانين دون معرفة قياداتهم العليا ، بل تظهر الوثائق بصورة لا لبس فيها الى توفر النية لدى اعلى مراكز القرار و في قمة هرم السلطة لأبادة الكرد بصورة منهجية و بأعداد هائلة و جرى كل ذلك بأوامر صريحة من الحكومة المركزية . لذلك لايمكن ان تقنع مثل هذه الطروحات احدا من الكرد و غيرهم بل يجب ان نبحث عن التفسير في مجمل المنظومة السياسية و الفكرية السائدة في العراق خلال العقود الأربعة الأخيرة.
2. سيادة النظام الشمولي الرافض لأي وجود للآخر و المستعد للجوء الى كل الوسائل المتوفرة لديه مهما كانت قاسية لأستئصال معارضيه و فرض العقاب الجماعي على مناطق و فئات واسعة من السكان بسبب نشاطات مناهضة. وهناك من الأدلة ما لا يتسع وقت اي ندوة لسردها . وفي حالة الأنفال كانت شعارات الأمن الوطني العراقي و تعاون الحركة المسلحة الكردية مع دولة اجنبية في حالة حرب ضروس مع العراق و المطالبة بحقوق قومية و الحفاظ على الخصوصية القومية في ظل نظام شمولي مبررات كافية لأقناع اعداد كبيرة من أنصار النظام بتنفيذ هذه الجرائم .
3. ولا يمكن ان ننسى بطبيعة الحال أن سيادة افكار العنف و القسوة في العراق خلال العقود الثلاثة التي سبقت مسالخ الأنفال هيأت الأرضية لحدوث مثل هذه الجرائم المرعبة. و الغريب ان هذه الأفكار سادت معظم التيارات السياسية العراقية التي تبنت فكرة قلع الآخر من الجذور وبخاصة في العهد الجمهوري الزاهر . ولا زلنا و مع الأسف و بعد كل هذه الكوارث التي حلت بنا نرى مظاهر الغاء الاخر تسود شرائح مهمة من الطيف السياسي العراقي.
4. كانت الحكومة العراقية تدعي قبل و اثناء و بعد قيامها بعمليات الأنفال بأنها تعمل على الحفاظ على وحدة العراق و حماية البوابة الشرقية للوطن العربي و غير ذلك من الشعارات القومية البراقة . نحن لا نناقش هنا مصداقية حزب البعث الحاكم في اخلاصها لمبادئ الحركة القومية العربية ، لأن ذلك يدخل في صلب مهام القوميين العرب و بخاصة العراقيين منهم . ولكننا يجب ان نشير الى ان الحركة القومية العربية تعاني من تخبط فكري كبير في تعاملها مع القضية الكردية و تتبنى أحيانا مفاهيم تناقض حقائق التأريخ و الجغرافيا . لا تدخل مناقشة هذه المسألة المهمة و الملحة في اطار الموضوع الذي انا بصدده و اتمنى ان نخصص ندوات اخرى للبحث فيها . ولكن الشعارات القومية البراقة التي يحاول حزب البعث ان يضفيها على سياسياته لازالت تخدع بعض السذج الناقمين على اوضاعهم و حكوماتهم . منفذ مسالخ الأنفال يوصف الكرد في الأجتماعات العديدة المسجلة على الأشرطة بأوصاف في غاية العنصرية فهم لا يستحقون الحياة (( لأنهم يعيشون مثل الحمير )) (( وهم كلاب يجب ان اطحن رؤوسهم )) و (( ما الفائدة التي نجنيها من هؤلاء )) و (مستحيل ان يكون بينهم انسان جيد ) (( اهتكوا اعراضهم )) (( لن اضربهم بالأسلحة الكيمياوية ليوم واحد بل سأضربهم لمدة 15 يوما ))
(( سادفنهم بالبلدوزرات )) او ((ارسلوهم الى الجبال ليعيشوا كالماعز )) و غير ذلك من الكلمات النابية و المقولات العنصرية. و عن تعريب محافظة كركوك التي لازال البعض من الكتاب و المثقفين العرب لا يريدون الأعتراف بها يقول على حسن المجيد (( اود ان اتحدث عن نقطتين الاولى التعريب و الثانية المناطق المشتركة بين الأرض العربية و منطقة الحكم الذاتي. المسألة التي اتحدث عنها هي مسألة كركوك . عندما قدمت الى هنا لم يزد العرب و التركمان على 51 % . مع كل ماقمنا صرفت 60 مليون دينار حتى وصلنا الى الوضع الحالي . كل العرب الذين جلبناهم الى كركوك لم يوصلوا النسبة الى 60% ، لذلك منعت الكرد في كركوك و المناطق القريبة منها العمل خارج منطقة الحكم الذاتي )). يمكن ان يطول الحديث عن هذا الموضوع ونترك الأمر للقوميين العرب للرد على المجيد و رفاقه .
5. عند الحديث عن عمليات الأنفال رغم وحشيتها و تجاوزها لكل الحدود و رغم عدم اختلاف اثنين من البشر على عدم وجود اي مبرر للقيام بها ، الا اننا لا يمكن ان نخلي ساحة الحركات السياسية الكردية من جزء من المسؤولية التأريخية التي تتحملها بسبب عدم تقييمها للنظام الحاكم ومايمكن ان يقوم به من افعال شنيعة تقييما صحيحا و بسبب تحالفاتها الأقليمية التي لم تسفر الا عن المزيد من الكوارث و الالام للشعب الكردي .
ورغم ادانة عدد كبير من المثقفين و السياسيين العرب العراقيين و غير العراقيين لمسالخ الأنفال و لكننا نعتقد مخلصين بأن مواقف النخب الثقافية و السياسية العربية و بخاصة العراقية لازالت لا تتناسب مع حجم الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب الكردي و تتحمل هذه النخب المسؤولية السياسية و الأخلاقية لأدانة هذه الجرائم في كل المحافل السياسية و الثقافية العربية و العالمية، كما ان النظام القادم يتحمل المسؤولية الأخلاقية للقيام بالتحقيق النزيه في هذه الجرائم و تحديد مرتكبيها والعمل على مثلوهم امام محاكم عادلة لكي لا تتكرر مثل هذه المجازر في المستقبل .

--------------------------------------------------------------------------------
(*) قدمت المداخلة في سمينار نظمته جمعية التقدميين الكوردستانيين في لاهاي ( دنهاغ ) بهولندا ربيع عام 2001 . 
 

 

***********************************************

20 مقال وموضوع سابق

**********************************************

       ملاحظات على مسودة الدستور المقترح من قبل الدكتور منذر الفضل
        الدكتور جبار قادر
بدءا لابد من الأشادة بالخطوة الجريئة التي أقدم عليها الزميل الدكتور منذر الفضل و هو متخصص في القانون في إعداد مسودة دستور دائم للعراق و لبناء دولة عراقية على أسس جديدة بدلا من الدولة العراقية التي لم يحترم فيها الدستور أبدا و لم تتحول الى دولة القانون و المؤسسات و لم تلتزم على مدى تأريخها الحديث ببنود الدساتير التي سنتها بنفسها . أما في العهد الجمهوري فقد شهد الدستور العراقي والذي بقي مؤقتا منذ 1958 و لحد الآن ، أي لأكثر من أربعة عقود من الزمن ، خروقات لا مثيل لها ، بل يمكننا القول بأن الدولة العراقية و بخاصة بعد مجئ البعث الى السلطة أصبحت تحكم دون أية إعتبارات لبنود و مواد الدستور المؤقت . وأعطى الدستور المؤقت صلاحيات مطلقة لرئيس الدولة الذي أصبح يغير في بنوده و مواده وفق أهوائه . ووصلت إستهانة الفئة الحاكمة بالدستور و القوانين الى حالة قلما نجد شبيها لها في أكثر البلدان دكتاتورية .
من هنا فإن التفكير في إعداد مشروع دستور دائم للعراق هو إحساس بالمسؤولية و جهد يصب في صلب العمل المعارض لسيادة قانون الغاب و قوانين العشيرة المتخلفة في العراق . أنا لست متخصصا في القانون و لكنني كمواطن يدرك الى حد ما حقوقه و واجباته وجدت من المناسب أن أشير  الى بعض الملاحظات السريعة بصدد مسودة مشروع الدستور الذي أعده الدكتور منذر الفضل.
أعتقد أن مشروع الدستور بحاجة الى ديباجة عامة تؤسس على القيم الأنسانية العامة و مبادئ القانون الدولي العام و لوائح حقوق الأنسان و الشرائع الأخرى التي يسترشد بها مشرع الدستور . و بسبب الأخطاء القاتلة التي رافقت إقامة الدولة العراقية والأوضاع الشاذة التي شهدتها منذ تأسيسها من خرق للدستور و القوانين و هدر لحقوق الأنسان و تبني للأفكار العدوانية و العنصرية و تشجيع لمفاهيم العسكريتاريا و تهديد الأمن و الأستقرار السياسي و الأجتماعي الداخلي في العراق و في المنطقة أيضا من خلال الحروب و الصراعات الدموية و إنتهاج لسياسات التمييز و التفرقة بين مكونات الشعب العراقي و غيرها من السياسات الخطيرة ، لا بد من التأكيد في هذه الديباجة بصورة واضحة على كون العراق دولة متعددة القوميات و المذاهب و تقوم على أسس و مبادئ وقيم التسامح  و الأعتراف بالحقوق القومية و السياسية و الثقافية و اللغوية لجميع المكونات الأثنية و مساواة الجميع أمام القانون و تكافؤ الفرص أمام العراقيين دون تمييز بسبب القومية أو الدين أو الجنس أو الأنتماء الأجتماعي . كما أنه من الضروري التأكيد على بناء دولة القانون و المؤسسات و مناهضة الأفكار العنصرية و المذهبية و الأيديولوجية المتطرفة مهما كانت مصادرها . و بسبب الحروب المدمرة التي شنتها ضد الشعب الكردي في كوردستان و المواطنين الشيعة في الجنوب و جميع العراقيين و ضد كل من إيران و الكويت لابد من التأكيد على الطابع السلمي للدولة العراقية الجديدة و العمل الدؤوب من أجل إشاعة السلم و الأستقرار في البلاد و المنطقة و التصدي الحازم لروح العسكريتاريا و دعوات الحرب أيا كانت أسبابها . كما أن هذه الدولة و بسبب سجلها في عدم الألتزام ببنود و مبادئ العلاقات الدولية و النكوص عن الوعود و الأتفاقيات و المعاهدات الدولية و الخرق الفاضح لحقوق و كرامة الأنسان ، الأمر الذي يستوجب  التأكيد على إعتبار المعاهدات الدولية و مبادئ الأمم المتحدة و لوائح حقوق الأنسان جزءا مهما من الدستور العراقي .
و أشير فيما يلي الى ملاحظاتي بصدد بعض مواد و بنود الدستور المقترح .
فيما يتعلق بالمادة الأولى من مسودة مشروع الدستور المقترح ، رغم أنني شخصيا لا أعتقد أن مسألة شكل النظام السياسي في العراق ، الأصح الخيار بين النظامين الملكي و الجمهوري ، هي مسألة ملحة و تشغل بال العراقيين في هذه المرحلة من تطور القضية العراقية ، مع ذلك فإن شكل النظام السياسي يتقرر من خلال الأستفتاء العام للسكان وليس الأنتخاب كما ورد في المادة الأولى . 
العراقيون بحاجة ماسة الى صياغة تعريف جديد للدولة العراقية و إقامة عقد جديد بينهم لتأسيس دولة عراقية جديدة . وأنسب تعريف للدولة العراقية الجديدة برأيي هو أن العراق دولة متعددة القوميات و يتكون من قوميتين رئيسيتين هما ( القومية العربية و القومية الكردية ) الى جانب القوميات الأخرى مثل التركمان و الآشوريين و الكلدانيين و الصابئة و الأرمن . و يقر الدستور العراقي ( بدلا من يحترم الوارد في المادة 5 ) خيار الشعب الكردي في النظام الفيدرالي في كوردستان العراق الذي أقره ممثلوه في 1992 . كما يقر الدستور الحقوق القومية و السياسية و الثقافية و الأدارية و اللغوية لسائر القوميات العراقية .
تتضمن المادة الرابعة مبدأين متناقضين الى حد كبير وهما مبدأ ( سيادة و أرض العراق وحدة لا تتجزأ و لا يجوز التنازل عن هذه السيادة أو الأرض العراقية مطلقا ) مع مبدأ ( حق تقرير المصير للشعب الكردي المشروع و المكفول قانونا ). لا بد أن الدكتور الفضل يعرف جيدا أن مبدأ حق تقرير المصير يتضمن قبل كل شئ حق الشعب في تقرير مصيره و في مقدمته حقه في إقامة دولته القومية المستقلة ، الأمر الذي لم يطالب به كرد العراق للأسباب المعروفة للجميع . لابد من إعادة النظر بصياغة هذه المادة بصورة تخلصها من هذا التناقض .
من الضروري دمج المادة الخامسة مع المادة الثالثة و صياغتها صياغة قانونية محكمة و بصورة تجعلها خالية من التكرار و الأطناب  .
يكتسب الحديث عن الجنسية مسألة بالغة الأهمية للعراقيين بسبب السياسات الأجرامية التي انتهجها النظام في هذا المجال من إسقاط و سحب للجنسية عن آلاف مؤلفة من العراقيين و حرمانهم من حقوقهم الطبيعية في المواطنة ، فضلا عن مسألة الجنسية المزدوجة التي أصبحت جزءا مهما من المشهد العراقي ، الأمر الذي لابد أن يأخذه المشرع بنظر الأعتبار . أعتقد بدمج المادتين السادسة و السابعة في مادة واحدة تركز على كون الجنسية حقا طبيعيا للمواطن لا يمكن المساس به مطلقا و لا يمكن لأية جهة ان تسقط عن العراقي جنسيته . كما أنه و بسبب سياسات النظام يحمل ملايين من العراقيين جنسيات أخرى لذلك من الضروري أن يجيز الدستور إزدواجية الجنسية . كما يجب ان يمنع الدستور أية سلطة و جهة في الدولة من منح الجنسية العراقية و إعتبار الممنوح منها غير قانونيا الى أفراد و جماعات معينة من الأجانب بهدف تغيير التركيب الأثني أو الديني أو المذهبي للسكان في العراق .
المبدأ المعمول به في النظام الفيدرالي هو مبدأ التكافؤ بين الوحدات و الأقاليم المختلفة التي تتشكل منها الدولة الفيدرالية على جميع الأصعدة وهذا ما لانجده في مسودة الدستور المقترح من قبل الدكتور منذر الفضل . ففيما يتعلق باللغة الرسمية تؤكد المادة الثامنة على كون اللغة العربية لغة الدولة الفيدرالية الرسمية . بينما تشير المادة التاسعة الى كون اللغة الكردية رسمية الى جانب اللغة العربية في إقليم كوردستان . أي أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية في اقليم كوردستان ، في حين أن العكس هو الصحيح ، اي أن اللغة الكردية يجب أن تكون لغة رسمية في إقليم كوردستان و تكون اللغة العربية اللغة الرسمية الثانية الى جانب اللغة الكردية. في بلد فيدرالي مثل بلجيكا تعتبر اللغتان الفرنسية و الفلامندية ( الهولندية ) رسمية في البلاد ، بينما في بلد فيدرالي آخر وهي سويسرا تعتبر أربع لغات رسمية في البلاد . وهكذا فإن إعتبار العربية و الكردية لغتين رسميتين للدولة الفيدرالية العراقية أمر ينسجم تماما مع مبدأ النظام الفيدرالي ، و هذا مالم يطالب به الكرد ، لا أن تعتبر العربية اللغة الرسمية الأولى في كوردستان و الكردية الى جانب العربية . ويمكن دمج المادتين الثامنة و التاسعة في مادة واحدة تحدد اللغات الرسمية في العراق . فاللغة هي وسيلة للتفاهم و الأنسجام بين الناس لا أداة للهيمنة وفرض طرف على آخر .
وفيما يتعلق بالمادة الحادية عشرة ارى من الضروري الأشارة الى بعض الحقائق . النظام الفيدرالي المقترح لعراق المستقبل يقوم على أساس الأعتراف بالخصوصيات القومية و ليس المذهبية . ولا أرى موجبا الى الأشارة الى منطقة كركوك في النقطة الأولى من هذه المادة و المتعلقة بفيدرالية كوردستان لأن المنطقة الكردية بحدودها الجغرافية و التاريخية معروفة و يجب ان لا تكون موضع خلاف و صراع بين قوى تريد إقامة عقد جديد بين العراقيين لبناء دولة عراقية جديدة . فالمناطق التي إستهدفتها سياسات التهجير و التعريب و محاولات تغيير التركيب السكاني و البنية الأدارية أوسع بكثير من منطقة كركوك و هي أراضي واسعة تمتد من سنجار و حتى مندلي مرورا بكركوك و خانقين و غيرها. وهناك تناقض واضح في الفقرة الثانية من نفس المادة ، فقد ورد فيها ( الفيدرالية في جنوب العراق و تكون على أساس جغرافي لا طائفي وفقا لأحصاء عام 1957 ). ما علاقة إحصاء 1957 بالأساس الجغرافي ، ألسنا نعول على الأحصاء لمعرفة عدد الناس و إنتماءاتهم القومية و الأجتماعية و الدينية و غيرها ؟
كثيرا ما يعتمد الدكتور الفضل عبارة ( تحترم الدولة ) و هي عبارة مطاطية يمكن التلاعب بها برأيي و من الضروري إحلال عبارات ( تقر  الدولة ، تعترف الدولة ، تكفل الدولة و تتكفل الدولة) . كما أنه و في دستور البلاد الذي يعتبر القانون الأساسي و أم جميع القوانين الأخرى لابد أن تحدد الفئات و الجماعات بأسمائها دون الركون الى كلمات الأخرى و غيرهم كما وردت في المواد الخامسة ، الثالثة عشرة و غيرها عند الحديث عن القوميات و الطوائف الدينية .
تتضمن المادة السابعة عشرة تناقضا بين مبدأي الأقتصاد الحر و سيطرة الدولة على الأقتصاد الوطني و توجيهه. أعتقد أن القوى والتيارات السياسية العراقية أخذت تتبنى مبدأ الأقتصاد الحر و أدركت أهمية و ضرورة حرمان الدولة من التحكم برقاب الناس و ارزاقهم ، رغم أن النفط و الموارد الطبيعة الأخرى ستبقى تدر على الدولة أموالا طائلة تفرض عليها القيام بأداء مهام و تقديم خدمات كبيرة للمجتمع . من الضروري إيجاد صيغة قانونية تفتح الأبواب للنشاطات الأقتصادية و المبادرات الحرة للأنسان و تحمي في الوقت نفسه المواطن و المستهلك من قسوة المرحلة الأنتقالية وجشع القطط السمان .
من الضروري ان يكون مبدأ تعويض العراقيين عن الأضرار المادية و المعنوية التي اصابتهم جراء سياسات النظام القمعية مادة قائمة بذاتها و عدم دمجها مع حق الملكية . و يجب أن تحدد الأضرار و صيغة التعويض و القضايا المتعلقة بها بقانون خاص.
بسبب سيادة العنف و القسوة و التعذيب في العراق لفترة طويلة من الزمن و تعود أعداد كبيرة من رجال الشرطة و الأمن و منفذي القوانين على ممارسته و انتزاع الأعتراف من المتهمين بأية وسيلة لا بد من تحريم و تجريم التعذيب و معاقبة منفذيه لوضع حد له و ذلك بسن مادة خاصة به من مواد الدستور الجديد . يمكن أن تكون المادة الرابعة و العشرون خاصة بتحريم التعذيب و معاقبة مرتكبيه في حين تخصص المادة الثانية و العشرون للحديث عن عدم جواز القبض على أحد و حبسه و تفتيشه الا وفقا للقانون و حرمة المنازل و استحداث مادة جديدة لتحديد طريقة المحاكمة و حق الدفاع و أساليب التحقيق و غيرها .
لا يفهم المقصود بحل النزاعات في المادة الثامنة و العشرون. هل المقصود بها النزاعات التي تحدث بين الأطراف السياسية ؟ أعتقد بصورة عامة ليس من مهام المشرع و واجباته شرح المواد كأن نقول ( الجمعيات و المؤسسات الحرة الأختيارية التي هي ركيزة المجتمع المدني وفقا لأغراض الدستور و القانون ). هذا ما يلاحظ  في العديد من المواد عندما يلجأ الدكتور الى شرح المواد ن بينما النص القانوني دقيق و لا يقبل التأويل و الأطناب.
تتضمن المادة التاسعة والعشرون مجموعة من المواضيع كالتعليم المجاني و الألزامي و مكافحة الأمية و حرية البحث العلمي و الوصول الى منابع المعرفة و إزالة الفوارق بين الريف و المدينة . وهذه مواضيع متشعبة و تحتاج الى العديد من المواد و البنود القانونية لتنظيمها و تحديد صيغة التعامل معها . وتعاني المادة الثلاثون من نفس الحالة . أعتقد بأنه من الضروري إعادة النظر في المادتين و صياغتهما من جديد .
من المعروف أن البرلمان في الدولة الفيدرالية يضم مجلسين أحدهما للنواب الذين ينتخبون من قبل الناخبين بموجب الأقتراع العام و على أساس عدد السكان ، بينما الآخر وهو مجلس الأقاليم أو القوميات يضم عدد متساو من الممثلين عن كل إقليم من أقاليم الدولة الفيدرالية لخلق آلية تمنع سيطرة الأقليم الأكثر عددا على الأقاليم الأخرى . بينما يحدد الدكتور الفضل عدد أعضاء البرلمان المركزي ب 600 يمثلون الأقاليم الثلاثة بمعدل 200 عضو للأقليم الواحد كما ورد في المادة السادسة و الثلاثون و التي تضمنت أمورا أخرى مثل الأحصاء السكاني العام و نسبة تمثيل النساء في البرلمان المركزي .
رغم أن توزيع المناصب على أساس الأنتماء القومي يكون على حساب الكفاءة و تكافؤ الفرص بين المواطنين و هو أمر لا تحبذه القوانين العصرية ، إلا أن السياسات السابقة للحكومات العراقية  فرضت هذا الأمر كوسيلة للحفاظ على الحقوق القومية و المساهمة في القرار السياسي على أعلى المستويات . إلا أن تعيين نائبين كرديين و نائب تركماني أمر له مخاطره . فإذا كان الدستور يعترف بكون العراق يتكون من قوميتين رئيسيتين هما القومية العربية و القومية الكردية و من هنا كان تعيين نائب للرئيس من بين الكرد أمر يقره الدستور ، فإن التوصية بتعيين نائب تركماني يدعو الى التساؤل المشروع : لماذا لا يعين نائب آشوري و آخر كلداني و ثالث صابئي و رابع أرمني ياترى ؟
لكي تتمكن الدولة العراقية من إزالة الآثار السياسية و الأجتماعية و النفسية و الثقافية لروح العسكريتاريا التي سادت البلاد لعقود طويلة و لكي تتحول الى دولة القانون و المؤسسات و تعمل على إشاعة السلم الأجتماعي في الداخل و في المنطقة و العالم ، من الضروري إلغاء الخدمة العسكرية الألزامية و تشكيل جيش وطني من المتطوعين الراغبين في الأنخراط في صفوفه و منع أفراده من ممارسة العمل السياسي و إخضاعه للسلطة المدنية  و البرلمان و إزالة أساليب الأستبداد و الأستعباد في علاقات الرؤساء بالمرؤوسين في الجيش . وهذا يتناقض الى حد كبير مع ماورد في المادة السابعة و الأربعون من مسودة مشروع الدستور المقترح من قبل الدكتور منذر الفضل .
أرى من الضروري إعادة النظر في صياغة العديد من بنود و مواد الدستور المقترح و مناقشته من قبل  المتخصصين القانونيين من ذوي الخبرة في القانون الدستوري لأغنائه وسد جميع الثغرات القانونية التي يمكن أن تظهر من خلال تطبيق بنوده في عراق المستقبل .
أود أن أشير في النهاية الى أن الملاحظات المتواضعة التي أوردتها لا يمكن ان تقلل من أهمية الجهد المبذول في إعداد مسودة مشروع الدستور .

 


حول قضية نزار الخزرجي
    د.جبار قادر
من المعروف أن عددا من ضحايا و أقارب حملات الأنفال و الأسلحة الكيمياوية سجلوا دعاوى بحق نزار الخزرجي في الدانيمارك و فتحت السلطات القضائية في ذلك البلد التحقيق بشأن هذه الدعاوى و إستمرت التحقيقات لأكثر من عام كامل و لازالت و يبدو أن بحوزة السلطات الدانيماركية من الأدلة و الشواهد ما يكفي لتوجيه التهمة للرجل بالمشاركة في التخطيط ل و تنفيذ جرائم حرب و جرائم ضد الأنسانية و بخاصة ضد الكرد خلال حملات الأنفال وضرب كوردستان بالأسلحة الكيمياوية . ولازالت القضية أمام القضاء الدانيماركي ليقول كلمته الأخيرة في الموضوع .
خلال فترة التحقيق قيل الكثير و دخلت قوى سياسية و أعلامية و منظمات حقوقية على الخط و بدأت هذه القوى توزع الأتهامات على الذين قاموا بتسجيل الدعوى أو الذين قاموا بدعم العملية . ويعرف المتابع للشأن العراقي و سلوك السياسيين العراقيين سواء كانوا في السلطة أو معارضين لها ظاهرة توزيع الأتهامات و التخوين بحق كل من يختلف معهم في الرأي و الأجتهاد ولكن حجم الأتهامات المتناقضة التي وجهت الى هؤلاء المنكوبين من ضحايا القسوة و العنف و التي لا يجمعها جامع تجاوز كل الحدود . فمن عملاء للسلطة و المخابرات العراقية التي تريد تشويه سمعة الخزرجي الى أناس طائفيين  مدفوعين بدوافع طائفية ويريدون النيل من بطل قومي عراقي كان له الباع الطويل في الدفاع عن البوابة الشرقية للوطن العربي الى أدوات بأيدي التيارات السياسية المتنافسة في صفوف المعارضة العراقية التي تريد حرق ورقة الخزرجي و القوى التي تصتف الى جانبه بل والى محاولة أمريكية لتنفيذ مخططاتها من خلال المرتبطين بمشاريعها و إزاحة اولئك الذين رفضوا الرضوخ لتلك المشاريع . كما شملت الأتهامات كذلك قوى كوردستانية من خارج العراق والقائمة طويلة و لا مجال لذكرها تفاصيلها هنا . ونظرة سطحية على قائمة القوى المتهمة بالوقوف وراء تقديم الخزرجي الى المحاكمة كافية لتظهر سطحية وضحالة هذه الأتهامات و عدم صمودها أمام النقد النزيه . مالجامع بين المخابرات العراقية و المعارضة و الحكومة الأمريكية و القوى الطائفية ياترى؟؟ لذلك أعتقد أن هذا الموضوع أي موضوع الأتهامات لا يستحق منا التوقف عنده . و الأنكى من كل ذلك أن هذه الأتهامات وردت كلها على لسان الخزرجي في مقابلاته الصحفية و التلفزيونية التي قامت بها ميليشيات إعلامية معروفة بالشوفينية و الطائفية لتلميع صورة الخزرجي و إنقاذه من محنته . هذا التناقض في توزيع الأتهامات الجزافية دليل على حالة الهلع التي يعيشها الخزرجي لمعرفته بحجم الجرائم الكبرى التي ساهم فيها .
نحن في الحركة التحررية الكردية تعودنا على الأتهامات بالعمالة للجميع و بذلك فهذا الأمر لا يشكل شيئا جديدا بالنسبة لنا . وإذا ألقينا نظرة على قائمة الأتهامات التي أطلقت بحق الحركة الكردية في العراق و غيره على مدى القرن الماضي سنرى العجب . فقد أتهم الكرد بالعمالة للأنجليز في الوقت الذي كانوا أول من تصدى للأحتلال البريطاني للعراق و كوردستان الجنوبية و للبلاشفة في نفس الوقت . ومع ظهور إسرائيل أصبحت تهمة العمالة للكيان الصهيوني هي المحببة لدى أعداء الحركة القومية الكردية .  مع الأسف لم يكن من المتوقع أن تحذو بعض القيادات الكردية في هذا المجال حذو أعداء الكرد في إطلاق الأتهامات جزافا. ولكن يبدو أن هذا السلوك أصبح جزءا متميزا في الثقافة السياسية العراقية التي لا يمكن أن تشهد الخلاص إذا لم تتخلص منه أحزاب المعارضة العراقية . 
يمكن للمرء أن يبرر مواقف السياسيين و الحركات السياسية لأنها محكومة بعوامل و ظروف سياسية لا تستطيع القفز عليها . أنا أفهم بأن المعارضة العراقية تتبنى عامة موقفا يشجع على إنسلاخ كبار الضباط و المسؤولين عن النظام وذلك لأضعاف موقف الأخير كمقدمة للتخلص منه . وتقديم نزار الخزرجي و وفيق السامرائي يمكن أن يعيق مثل هذا التوجه برأيها . و مهما قيل عن مواقف الأحزاب العراقية و من بينها الحزبين الكرديين الرئيسيين فهو لا يخرج عن إطار هذا التحليل . لم يترك نزار الخزرجي و وفيق السامرائي و كل الضباط و المسؤولين الآخرين النظام الا بعد طردهم من مواقعهم و هروبهم كان لأنقاذ أنفسهم ليس إلا وكل ما يقال عن تحرير العراق من سورو المدينة التي يقبع بها الخزرجي و لندن ليس إلا ثرثرة سمجة . ولن يرضى الشعب العراقي بعد كل هذه المآسي أن يحكمه مثل هؤلاء الجلادين. وإذا كان الجيش العراقي بالنسبة للعديد من الحالمين بالوصول الى دست السلطة في العراق لا يزال يمثل رمزا للبطولة و الوطنية فهو بالنسبة لي و أعتقد ملايين من العراقيين يشاركونني هذا الرأي لا يمثل إلا رمزا للتدمير و القمع و الكوارث ، من هنا كانت هذه الدعوة الى التخلص من هذا الجيش و إقامة جيش حرفي يقوم على أسس جديدة و مهمته الأساسية الدفاع عن الوطن و يخضع للسلطة التنفيذية و تسود العلاقات الأنسانية بين أفراده لا العلاقات العبودية القائمة حاليا بين الضباط و الجنود و المراتب .
الغريب أن تتصدى منظمات حقوقية و قانونية للدفاع عن الخزرجي في تناقض واضح مع ما ورد في بياناتها و المبادئ التي بشرت بها عند قيامها و التي إدعت بأنها ستقوم بالدفاع عن حقوق العراقيين المظلومين و المقموعين من قبل النظام العراقي . أنا في الحقيقة تعجبت من التصريحات التي أدلى بها ممثلوا هذه الجمعيات . فقد إعتبرت إحدى هذه الجمعيات بأن تقديم الخزرجي الى المحاكمة لا تفيد العراقيين . هذا يدخل برأيي في باب التحليل سياسي و ليس الكلام القانوني .هل مهمة رجال القانون هو خدمة السياسة أم إحقاق الحق ؟ هل من الأنصاف و العدالة الوقوف الى جانب الخزرجي و هو هنا يمثل ما قام به النظام من ممارسات ضد الشعب الكردي في الأنفالات و حلبجة و ببيانات رسمية صادرة عن القيادة العامة للقوات المسلحة التي كان الخزرجي الى جانب رئاسته لأركان الجيش و عضو فرع الشمال للحزب و المسؤول عن التخطيط ل و تنفيذ حملات الأنفال الهمجية عضوا فيه و لازالت صور البرقيات التي كان يرسل بها الى رئيسه و يخبره فيها ببطولات قطعانه و تدميرهم لكل شئ في كوردستان و التي لا تزال محفوظة في صحف النظام و يمكن الأطلاع عليها . رجال القانون الأفاضل هؤلاء لا يتحدثون عند تفنيدهم للتهم الموجهة للخزرجي عن الأدلة و القرائن الثبوتية التي يمتلكونها لدحض أتهامات الطرف المقابل ، بل يشيرون الى علاقات مزعومة للخزرجي مع القيادات الكردية التي كان يضرب مقراتهم بالكيمياوي خلال رئاسته لأركان الجيش أو الى حملهم لرسائل من الأحزاب الكردية . هل أصبحت رسائل الأحزاب رسائل غفران و تحل محل الأدلة و الشواهد القانونية . في هذه القضية يحق لضحايا القمع و أقاربهم فقط أن يقولوا الكلمة الأخيرة . أليس من الواجب على هؤلاء السادة أن يذهبوا و يستمعوا الى اولئك المنكوبين و الذين يمكن الوصول اليهم بسهولة ؟ أم إن هؤلاء السادة يدافعون فقط عن الذي يؤمن هذا الحزب أو ذاك نفقات سفرهم و نزولهم في فنادق راقية في العواصم الأوربية ؟
نحن شاهدنا في ربيع هذا العام مع بعض الأفاضل الموجودين حاليا في هذه الغرفة بأم أعيننا بعضا من ضحايا هذه الحملات الوحشية في كوردستان و أعتقد بأن هؤلاء الذين يدافعون عن موقف الخزرجي و رفاقه إذا إطلعوا على أوضاع أولئك المنكوبين و معاناتهم الأنسانية التي لا توصف سيكون موقفهم مغايرا تماما . أماإذا كان هذا حال قانون ما بعد صدام فلنقرأ الفاتحة جميعا على العدالة من الآن في عراق الديمقراطي !!!

 


           عود الى موضوعة التركيب الأثني لسكان كركوك
        ( تعقيبا على كركوكيات الدكتور توفيق آلتونجي )
                                                                   د.جبار قادر
أثارت كتابات الدكتور توفيق آلتونجي ، التي تهيأت لي فرصة الأطلاع على بعضها و رغم عدم اتفاقي معه في العديد من آرائه و طروحاته و التي تفتقر برأيي الى الدقة و الموضوعية في نقل النصوص و المعطيات الأحصائية، أثارت إنتباهي كونها حملت في ثناياها روحا جديدة قلما نتلمسها في كتابات الكتاب التركمان التي تتسم عموما ، مع وجود استثناءات بسيطة ،  بالتشنج الواضح و الأفتقار الى المعلومات التاريخية و الجغرافية و الأجتماعية و السياسية و الثقافية و محاولة إنكار الآخر الأمر الذي يتقاطع مع حقائق التاريخ و الجغرافيا ، و هي عناصر تحدد مسبقا عدم موضوعية النتائج و التحليلات التي تؤسس على تلكم المقدمات .
يدعو الدكتور توفيق آلتونجي في كتاباته الى التعايش بين المكونات الأثنية المختلفة في كركوك و الأبتعاد عن إثارة الكراهية و الحقد و العنصرية بين أناس جمعتهم الجغرافيا الواحدة و القيم السماوية و الأنسانية و الأعراف الأجتماعية قبل أن تتسلل الأفكار المتطرفة و مثيروا الفتن الى صفوفهم و تحاول ان تنال من جمالية التنوع الثقافي و الأثني و اللغوي للمجتمع الكركوكي. وهذه دعوة لا يجد أي شخص يؤمن بالقيم الأنسانية و لم تعمه الأفكار العنصرية عن رؤية الحقائق بد من التضامن معها و الدعوة الى  تبنيها و إحلالها محل الأفكار المتطرفة التي لم تجلب غير الشقاء و المآسي على البشرية و أكتوينا نحن بنارها أكثر من الآخرين .
جاء المقال الأخير للدكتور توفيق آلتونجي و الذي حمل عنوان ( التركيب الأثني لمدينة كركوك بين البحث العلمي و الطروحات القومية - التاريخية ) ، و يبدو أنه تعقيب على مقال لي نشرته مجلة ((كولان العربي )) التي تصدر في أربيل في عددها الأخير لشهر نيسان تحت عنوان ( التركيب الأثني لسكان كركوك خلال قرن 1850 - 1958 ) ليلقي بظلال من الشك على التوجهات الحقيقية للكاتب . وورد في مقاله هذا بعض الآراء و الأفكار التي تحتاج الى التوضيح و التعقيب .
بدءا أود ان أشير الى أنني مع الحوار العلمي الموضوعي و الهادئ الذي يهدف الى توضيح الحقائق بعيدا عن التشنج و الأهواء السياسية خدمة للقراء و من أجل بناء علاقات صحية بين البشر عموما و المكونات الأثنية في العراق و بخاصة في كركوك المدينة و اللواء .
يجد المرء صعوبة في فهم الأمر الذي دفع بالدكتور التونجي الى الحديث عن البيريسترويكا و زوال الأتحاد السوفيتي و التحولات الفكرية التي أعقبت ذلك و غير ذلك من الأمور التي وردت في مقدمة المقال . إذا كان الهدف هو إيجاد رابط بين ما أطرحه من آراء في كتاباتي و بين حقيقة كوني أكملت دراستي للدكتوراه في الأتحاد السوفيتي السابق و درست الفلسفة الماركسية كجزء من متطلبات دراسة الدكتوراه ،  وهو أمر لازلت أؤمن بأنه أفادني كثيرا في حياتي العملية و العلمية دون أن أكون ماركسيا بمعناه السياسي في يوم من الأيام ، فإني لا أعتبر هذا أمرا يهم القارئ  الذي يود ان يطلع على حقائق تتعلق بالتركيب الأثني لسكان كركوك خلال القرنين الماضيين .
كما أنني سأتجاوز الفقرات المطولة التي كرسها الدكتور آلتونجي للحديث عن سيرتي الشخصية و تاريخ عائلتي ، وهو أمر لا أجد له مبررا على الأطلاق .فنحن بصدد موضوع التركيب الأثني لسكان كركوك . ماعلاقة هذا الأمر بسيرتي الشخصية و تاريخ عائلتي و من أين جاءت و أين سكنت ؟ . يعلم الله أن أكره الأمور الى نفسي هو الحديث عن الذات ، و أشعر بالغثيان حقا عندما أرى أناسا لايملون من الحديث عن تاريخهم الشخصي و يخترعون القصص و الأساطير عن أصولهم و تأريخ عوائلهم و بطولاتهم !!
أشير فقط في هذه المناسبة الى ان أكثر المعلومات التي أشار اليها الدكتور آلتونجي عن مواطن عائلتي و تاريخ قدومها الى كركوك غير صحيحة.
لم يرد في مقالي ما يشير الى أنني ذكرت أن إسم كوردستان استخدم في العصور القديمة. كل من له إطلاع بسيط على التاريخ الكردي و تاريخ المنطقة يعرف ان السلجوقيين اطلقوا اسم كوردستان لأول مرة على إحدى مقاطعات امبراطوريتهم المترامية الأطراف في عهد السلطان سنجر . و قبل هذا التاريخ كانت كوردستان تعرف بأسماء أخرى مثل كوهستان و  أقليم الجبال  و  بلاد الكرد  . أما في العصور القديمة فكانت البلاد المعروفة اليوم بكوردستان تحمل أسما أخرى و تدخل شأنها في ذلك شأن البلدان الأخرى في عداد الأمبراطوريات المعروفة في التاريخ. هل يعرف الدكتور آلتونجي متى بدأ استخدام إسم تركيا من قبل الأوروبيين و من ثم الأتراك ؟ أو متى طلب رضا شاه رسميا من الدول الأخرى استخدام اسم ايران بدلا من بلاد فارس ؟ .ان ما قلته في مقالي هو أن  منطقة كركوك كانت على مدى التاريخ المعروف لدينا تدخل ضمن الدول و الكيانات التي قامت في كوردستان من قبل الأقوام التي سكنت كوردستان و ساهمت فيما بعد في تشكيل الأمة الكردية أو امبراطوريات سيطرت على كوردستان . ما علاقة اسم كوردستان بما كتبه الكاتب الألماني كارل ماي ؟ كان الأجدر ان نتحدث عن رحلة ماركو بولو و غيره.
يعيب علي الدكتور التونجي استخدامي لمصطلح ( العثمنة ) و هو مصطلح شائع في الأوساط العلمية و المهتمين بالتاريخ العثماني . كانت الأوساط الحاكمة في الدولة العثمانية تتحدث عن الأمة العثمانية . ألم يقرأ الدكتور عن محاولات السلطان عبدالحميد الثاني و عدد من كبار رجال الدين لأقامة الجامعة العثمانية ؟ ألم تحاول الدولة العثمانية خلق أمة عثمانية لمواجهة نزعة الأستقلال لدى شعوب الأمبراطورية و الوقوف بوجه زحف الدول الأوربية ؟ . ألا يعرف الدكتور ان لفظة التركي كانت تطلق في الدولة العثمانية على فلاحي الأناضول حصرا و للسخرية من الناس ؟ .
أما عن حركة تركيا الفتاة و جمعية الأتحاد و الترقي التي قامت بثورة 1908 و جمعية التعاون و الترقي الكردي و ليس ( كردية الفتاة ) كما يذكر الدكتور التونجي ،  و غيرها فهو خارج عن موضوع بحثنا و هناك دراسات علمية كثيرة و بمختلف اللغات يمكن للمرء الرجوع اليها .
إنه لأمر غريب حقا ان يشكك الدكتور آلتونجي بنزاهة و موضوعية المؤرخ محمد أمين زكي الذي يشهد له غير الكرد قبل الكرد بالموضوعية و النزاهة و التسامح . وقد بدأ محمد أمين زكي بتأليف كتبه قبل ان تظهر الحركة النازية بأكثر من عقد من السنين و قبل وصول الحزب النازي الى دست الحكم في ألمانيا بعقدين من الزمن . و نشر أكثر دراساته قبل ان يسمع العالم بهتلر و حزبه . يبدو أنه لم يكلف نفسه بالأطلاع على مؤلفات محمد أمين زكي و يردد هنا رأي كويتب لا ترقى مستوى معلوماته عن المنطقة و التركمان الى مستوى معارف تلميذ في الثانوية . الآراء التي أسسها الكاتب على افتراضاته السابقة لا تستطيع الصمود أمام النقد العلمي.
إذا كان الدكتور آلتونجي مطلعا على بعض ما نشرته في هذا المجال لا بد أنه مدرك لحقيقة أنني أعتمد في دراساتي على المصادر العلمية و بخاصة الأجنبية المحايدة في المسائل الشائكة لمعرفتي المسبقة بالتهم الجاهزة لكل رأي لا ينسجم و رغبة هذا الطرف او ذاك . و يبدو ان السيد آلتونجي يتناول مواضيع وردت في مقال آخر لي دون أن يشير اليه و قد أشرت هناك و في موضوع أصول العوائل الكركوكية الى رأي المستشرق الجورجي ألبرت مينتاشيفيلي و أدموندز و غيرهما .
أما حقيقة بناء الكوتيين لمدينة كركوك و قلعتها فقد أصبحت من الحقائق التاريخية المعروفة التي لا يتجادل المؤرخون و علماء الآثار بشأنها . و كون كركوك كانت جزءا من الدولة الميتانية و الهورية و الميدية و غيرها ايضا أصبحت حقائق معروفة لدى القاصي و الداني . و لا يتجادل أثنان حول كون هذه الشعوب و الأثنيات أجدادا للكرد الحاليين و شاركوا في تشكيل الأمة الكردية في الربع الأول من الألفية الأولى .
لم يتمكن الدكتور التونجي بالأستناد الى مصدر علمي موثوق و حتى غير موثوق ان يطعن في صحة و موضوعية اية معلومة واردة في مقالى المنشور في مجلة كولان العربي و لم يقتبس من المقال ولو لمرة واحدة نصا أو معلومة بصورة دقيقة ، بل تصرف وفق قاعدة (( ولا تقربوا الصلاة ….)) دون ان يشير (( و أنتم سكارى )) . فقد اشار مثلا الى عدد التركمان ( و ليس عدد السكان الذين اعتبروا اللغة التركمانية أو التركية لغتهم الأم كما وردت في أحصاء عام 1957 ) في مدينة كركوك حسب إحصاء عام 1957  كما ورد في مقالي المنشور كحقيقة مطلقة لأنه وجد أن الرقم هو لصالح طروحاته .  لا يمكن التعويل كثيرا على مبدأ اللغة الأم لتحديد الأنتماء القومي للسكان . و يعرف الدكتور الذي قضى سنوات طويلة في تركيا أن مبدأ اللغة الأم هو المبدأ المتبع في تركيا لتحديد انتماء الناس القومي . كم يبلغ عدد الذين يعتبرون لغتهم الأم التركية في تركيا ؟؟؟ أترك حرية الجواب على هذا السؤال للدكتور التونجي  ، لنعرف هل هناك كردي أو عربي أو لاظي ، أو يوناني ….الخ واحد في تركيا .
ولم يشر الدكتور الى تحليلي لنتائج إحصاء 1957 و قصة ال 5284  شخصا الذين لم تعرف لغتهم الأم في كركوك عام 1957 !!! و قصص تزوير العدادين لحقيقة اللغة الأم للسكان والتي أشغلت محاكم كركوك و دوائر النفوس فيها  !!!
في النهاية أضم صوتي الى صوت الدكتور ألتونجي للدعوة الى التسامح و إجراء الحوار البناء وأخذ العبر من الماضي القريب و عدم تحميل الأجيال الحالية أخطاء الأجيال السابقة و التحرر من شباك الأفكار المتطرفة التي لن تجلب سوى الشقاء و العذابات للجميع .


الكردوفوبيا            د.جبار قادر
المعنى اللغوي للفوبيا (Phobia  ) هو الرهاب ( بضم الراء المشددة ) او هوس وهلع مرضي من شئ معين أو طائفة معينة من الأشياء أو الحالات . هناك حالات من الفوبيا تعتبر أمراضا و تتطلب تدخل الأطباء النفسانيين كالخوف من ركوب الطائرات أو من الأرتفاعات الشاهقة أو الأماكن المظلمة و المغلقة . كما أن هناك فوبيا من نوع آخر يتمثل في الخوف الشديد من الحركات أو الأفكار أو الجماعات السياسية أو الإجتماعية أو الأيديولوجية أو القومية …الخ .
تجاوزت الأسلاموفوبيا بالنسبة للعالم الغربي في أيامنا هذه ، مثلا ، كل الحدود المعقولة ، كما أن الخوف من الديمقراطية و العولمة تشكل فوبيا حقيقية في الكثير من بلدان العالم الثالث و بخاصة بلدان الشرق الأوسط والتي لم تمسها التحولات الديمقراطية التي جرت في العديد من مناطق العالم نتيجة لزوال الأنظمة الشمولية في روسيا و دول أوربا الشرقية.
لن أتناول هنا بطبيعة الحال هذه العناوين الكبيرة بل أشير الى فوبيا جديدة - قديمة و هي ما يمكن أن نسميها بالكردوفوبيا أو الخوف من الكرد الى حد الهوس . هل من المعقول أن يثير هذا الشعب المحروم من أبسط الحقوق الأنسانية الهلع في نفوس كل هذه الدول و الدوائر و الأفراد ؟ لماذا تثير مطالبة الكرد بحقوقهم القومية المشروعة كل هذه الفوبيا لدى أناس لا تتضرر مصالحهم من قريب أو بعيد من جراء تمتع الكرد ببعض حقوقهم ، بل أن الكثيرين من المنغمسين في هذه الحملة الغير مقدسة ضد الكرد سيكونون على رأس المستفيدين من تطور الأوضاع بإتجاه تحقيق الأماني القومية للكرد ؟ أليس من الغريب أن تثير مطالبة كرد العراق ذات الأمكانيات العسكرية المحدودة بحقوقهم الهلع في نفوس جنرالات يمتلكون ثاني أكبر جيش في دول حلف شمال الأطلسي ويمارسون سياسة التهديد و الأبتزاز بحق الدول المجاورة ؟
بطبيعة الحال يمكن للمرء أن يتفهم أسباب تخوف الأوساط الحاكمة في الدول التي تقتسم بلاد الكرد من أن حصول الكرد في إحدى هذه الدول على حقوقهم سيشكل نموذجا يحتذى به من قبل كرد البلدان الأخرى . ولكون الأنظمة السائدة في هذه الدول جميعها أنظمة استبدادية لاتعترف بالآخر أيا كان ، فكيف الأمر مع الكرد ، فإنها ترى في مثل هذا التطور للأوضاع مقدمة لجلب العديد من الأحتقانات السياسية و الأجتماعية و الصداع للمستبدين.
وإذا كانت بعض الحركات السياسية القومية المتطرفة و الشوفينية للأمم السائدة ترى في مثل هذا التطور خطرا على حالة التحكم التي تتمتع بها مما يشكل حسب تقويمها خروجا على مبادئ و أسس سياسات التهميش التي أعتمدتها الحكومات المذكورة بحق الكرد خلال القرن الماضي ، فبماذا تبرر حركات التحرر الوطني و القوى و التنظيمات المنادية بضرورة تحقيق  العدالة و إقامة دولة القانون و الديمقراطية و سيادة مفاهيم حقوق الأنسان ، نقول بماذا تبرر مخاوفها من حصول الكرد على حقوقهم ؟ الغريب أن بعضها لا يتردد في الأصطفاف مع الجلادين ضد الشعوب المقهورة رغم معرفتها قبل غيرها أن حركات التحرر القومي ، مهما كانت الأنتقادات التي يمكن أن توجه اليها، تبقى حركات ديمقراطية في مضامينها العامة .
وإذا تركنا العروبيين و الطورانيين و البان أيرانيين و من يدور في فلكهم جانبا و ركزنا الحديث على الدوائر الشعبية و السياسية و الأجتماعية و الثقافية العراقية كونها تمثل العراقيين الذين قدر لهم أن يعيشوا مع بعضهم البعض جميعا في تلك البقعة الجغرافية و الذين تراكمت فيما بينهم عبر السنين و القرون نتيجة لحوار الحياة اليومي كتلة هائلة من الروابط الأجتماعية و الثقافية و الأقتصادية و السياسية وغيرها ، و عليهم اليوم قبل الغد أبتداع آلية جديدة للتعايش السلمي وعقد عهد إجتماعي جديد يقوم على مبادئ التسامح و الأعتراف بالآخر أفرادا و جماعات وطوائف ، عقدا يقوم على النقيض مما فرض عليهم قسرا في الربع الأول من القرن الماضي و كان سببا لكل المآسي و الكوارث التي حلت بالجميع .
هناك ظاهرة غريبة أخذت تسود كتابات بعض الكتاب العراقيين أتمنى أن تكون نابعة من حداثة التجربة مع الكتابة و التأليف و التحرر من الكبت السياسي و القومي و الأجتماعي و إمكانية التعبير الحر عن الرأي في ظل الديمقراطية و الثورة المعلوماتية . الخوف كل الخوف أن تكون هناك دوائر خفية تدفع بهذه الطروحات الى الواجهة . نقصد ظاهرة البحث في كتب التاريخ الصفراء عن حوادث متفرقة و منتقاة بأسلوب بعيد عن اية أمانة تأريخية و تهويلها و تحميلها مفاهيم جديدة لم تكن تخطر ببال القائمين بها ، هذا إذا ما كانت هذه الحوادث قد وقعت أصلا أو جرت  بتلك الطريقة التي ترد في كتابات هؤلاء الكتاب . من بديهيات الكتابة التاريخية النزيهة و العلمية الأحاطة بالمصادر و الروايات المتنوعة المعبرة عن وجهات النظر المختلفة للأطراف صاحبة الدور في الحدث التاريخي موضوع البحث . كما أن من المبادئ الأولية للبحث العلمي في التاريخ هو دراسة الأحداث في إطار الزمان و المكان و المفاهيم التي كانت سائدة آنذاك في تلك البقعة الجغرافية من العالم . لا يمكن أن نسقط مفاهيم اليوم السياسية و الأجتماعية و الفكرية و القومية على أحداث وقعت قبل عدة عقود من الزمن فكيف بالحديث عن أحداث تاريخية مرت عليها قرون عديدة . لا يمكن تقويم الأحداث التاريخية التي وقعت في عصور تاريخية و مناطق مختلفة في ضوء المقاييس نفسها . فعلى سبيل المثال لا الحصر لا يمكن الحديث عن أمم و شعوب في عصور كانت القبيلة تشكل التنظيم الأعلى في المجتمع الأنساني . إن من يقرأ بعض الكتابات التي تتناول المواضيع التاريخية يملكه العجب من تراجع الأمانة التأريخية الى هذا الحد البائس . لا أعتقد بأن الأغلبية الساحقة من هؤلاء قد درسوا التاريخ دراسة أكاديمية يوما ما أو إمتلكوا أدوات البحث العلمي في التاريخ . إنه لأمر مؤسف حقا أن هؤلاء الكتاب الأفاضل الذين يعيشون في أوربا و أمريكا حيث مئات المكتبات الغنية بالدراسات التاريخية الرصينة في المواضيع التي يكتبون فيها لا يكلفون أنفسهم عناء البحث في هذه المصادر و التعمق في دراستها لألقاء الأضواء على الصفحات المظلمة من تأريخنا بدل البحث عن كل مايثير الحقد و النزعات العدوانية الشريرة التي لن يستفيد أحد من إثارتها و محاولة إحيائها . أي منطق هذا الذي يحاول أن يحمل الأجيال الحالية المكتوية بنار الدكتاتورية وزر ما قام به الأمبراطور أو الملك أو زعيم القبيلة الفلاني قبل ألف عام أو أكثر ؟ !!
ماالذي يهمني من أمر صراع إباطرة روما و شاهات إيران ، أو ملوك ميديا و آشور ؟ أليس هذا هو العبث بعينه ؟ هل تستطيع حضارة 5000 سنة في بلاد الرافدين أن تشبع جوع طفل عراقي محاصر بالحصار و الدكتاتورية ؟ ماذا يغير حكم صلاح الدين الأيوبي و الأيوبيين الكرد لمصر و الشام و السودان و اليمن …الخ من وضع الكرد البائس اليوم ؟
 هناك تطورات تأريخية هائلة شهدتها البشرية في مناطق العالم المختلفة و لن نستطيع إهمال نتائجها و القفز فوقها و خلق أوهام تأريخية نبني عليها آمالا تسبح في الفضاء . الشعوب التي تحررت من أوهام العظمة التاريخية و أساطير الأبطال الغابرين أحرزت التقدم و التطور ، فيما بقيت الشعوب المتمسكة بأوهام التاريخ الغابر تسبح في بحور التخلف و الأمية و الفقر . يدرس التاريخ لا للأشادة بالأمير أو الأمبراطور أو الداهية الفلاني بل لتكون دروسه محفزة للناس للتقدم الى الأمام و أخذ العبرة من الماضي و عدم الوقوع في أخطاء الأولين ، أما التاريخ الذي يتحول الى عبئ و يعيق المجتمع من التطور فموضعه المتاحف و رفوف المكتبات. لن تعود أسطنبول عاصمة للدولة البيزنطية . ولن تعود روما مركزا للكون . لن نقيم الأمارات و الممالك و الأمبراطوريات من وراء كمبوتراتنا في أوربا وأمريكا و أستراليا . يجب أن تساعد الكتابات أولئك الملايين الذي قدر لهم أن يتعايشوا على تلك البقعة الجغرافية للخروج من النفق الذي أدخلهم فيه النظام .
لم تقتصر هذه الظاهرة على الكتابات حول المواضيع التاريخية بل تعدتها الى مجالات الجغرافيا و و الدراسات الأحصائية و الحياة الأجتماعية و السياسية . فرغم توافر المعلومات و المعطيات الأحصائية و إمكانية الأطلاع عليها و التدقيق فيها ، إلا أنك يمكن أن تكتشف في كتابات بعض هؤلاء الكتاب أن الكرد وبعكس كل ما تعلمته في كتب التاريخ و الجغرافيا و كتب الرحالة و الباحثين على مدى القرنين الماضيين يعيشون في محافظة واحدة من محافظات العراق . أو تكتشف أن عدد الكرد الذين يبلغون حوالي ربع سكان العراق البالغ 23 مليونا لا يتجاوز عددهم عدد أقلية قومية لا تتجاوز نسبتها 1 أو 2 % في أحسن الأحوال !!. ويمكن أن ترتفع نسبة أقلية قومية في مدينة ما من 1%  الى 70 % ، بل وتكتشف من خلال بعض تلك ( الكتابات ) أن الأنتفاضة العارمة التي لم تجف بعد دماء شهدائها و يتذكر الجميع أدق تفاصيلها و لازال المشاركون فيها على قيد الحياة لم يقم بها الكرد بل قام بها أبطال صناديد لم يسعف الحظ أحدا من المشاركين فيها أن يراهم وهم يزحفون لدك مواقع النظام !!!. هل يمكن أن تصل اللاواقعية بالأنسان الى هذا الحد ؟! ويمكن أن تقرأ عن مجازر وحشية خططت لها قيادات كردية أسفرت عن مقتل أنسان واحد . رغم إدانتي لكل قتل مهما كانت أسبابه و مطالبتي بالتحقيق النزيه في أية جريمة تقع في أي مكان في العالم و بخاصة في بلدنا ، إلا أن تصوير جريمة أو جناية تحدث في كل مكان وكأنها محاولة لأبادة جماعية هو عمل صبياني لا يخدم العدالة في شئ .
من الممكن بل ومن الواجب على كل من ينتمي الى قومية مقهورة أن يتصدى للدفاع عنها و المطالبة بحقوقها المشروعة في الحفاظ على هويتها القومية و تطوير ثقافتها و مشاركتها على قدم المساواة مع الآخرين ، لكن هذا لن يمر أبدا عبر التهجم على التطلعات القومية الكردية و تشويه تاريخ الكرد و تضحياتهم الجسيمة . لا يمكن لهذا التوجه أن يحقق الحقوق القومية للقوميات الأخرى فحسب بل يمكن أن يؤدي الى تعطيل العملية الديمقراطية و الأعتراف بحقوق القوميات . 
من المؤسف أن هذه الكتابات تحمل في ثناياها كما كبيرا من الحقد و العنصرية و الكراهية ضد الكرد . و يبدو أن سنوات الغربة و العيش في مجتمعات مفتوحة و متحضرة في أوربا و أمريكا و أستراليا لم تتمكن من تهذيب هذه الخصال القبيحة ، وإن دل هذا على شئ فإنما يدل على أن هؤلاء لم يصلوا الى مستوى تؤهلهم للأستفادة من حالة الأنفتاح و التنوع الثقافي و الحضاري و تبني قيم التسامح في هذه البلدان بل بقوا يعيشون على هامش هذه المجتمعات وقد عمقت حالة التهميش هذه من حقدهم و نقمتهم على البشرية جمعاء.
الغريب في الأمر أن هذه الأصوات لا تنبس ببنت شفة عن جرائم النظام بحق الشعب العراقي بمختلف قومياته أو تشير بصورة خجولة الى بعض سياسات النظام وهذا ما يجعل من طروحاتها وفي هذا الوقت بالذات موضع شبهة وداخل دائرة علامة إستفهام كبيرة .
الكتاب ملزمون قبل غيرهم بطي جروح الماضي و نشر ثقافة التسامح و التعايش السلمي ويتحملون مسؤولية أخلاقية و وطنية أمام قرائهم عن ما يكتبونه . وكثيرا ما هيأت الكتابات اللامسؤولة و نكأ جروح الماضي الأرضية المناسبة لخلق العنعنات و الحزازات بين بسطاء الناس و التي أسفرت عن نتائج كارثية بالنسبة للجميع.  دعوة مخلصة لكل من يحمل القلم أن يغتنم نعم الثورة المعلوماتية لنشر ثقافة التسامح و المودة و الأعتراف بالآخر و يتصدى للأفكار التي تنشر الحقد و الكراهية بين أبناء البشر تحت أية مسميات كانت .
ليطمأن الجميع أن حصول الكرد الذين عانوا و لازالوا يعانون من سياسات التهميش و القهر القومي و القمع على حقوقهم هو أمر لصالح الجميع ، إذ لن تتحقق التطلعات القومية الكرية إلا بسيادة الديمقراطية ولا ديمقراطية بدون تمتع جميع القوميات و المكونات الأثنية بحقوقها . لن يكون أمرا مقبولا أن يقوم الكرد الذين تعرضوا الى كل هذه المآسي بإضطهاد الآخرين . وسنكون نحن حملة الآقلام الكردية المؤمنين بقيم التسامح و الأنفتاح و الأعتراف بالآخر أول من نتصدى لمثل هذا التوجه فيما إذا ظهر في كوردستان العراق .
علمتنا تجارب التاريخ أن الشعوب صغيرها و كبيرها ستحقق حتما أمانيها و تطلعاتها القومية و ستندحر في النهاية الأفكار العنصرية و محاولات زرع بذور الحقد و الكراهية و ستسود قيم التسامح و الأنفتاح و إحترام الآخر .
الفوبيا الكردية تستند الى أرضية هشة و مفتعلة و ستندثر مع أولى نسمات الحرية التي لا بد ان تهب على العراق و المنطقة في المستقبل القريب. 

 

 


كركوك : قرن و نصف من التتريك و التعريب

دكتور جبار قادر

لن أضيف جديدا إذا قلت بأن الإنصياع الى حقائق العلم و قيمه لا بد أن يبقى رائد الأنسان الباحث عند تصديه لدراسة أية مسألة تاريخية كانت أو تلك المرتبطة بالواقع اليومي المعاش . ومثل هذا الموقف هو أمر لصالح الجميع ، فكلما كانت طروحاتنا مبنية على الحقائق العلمية كلما كان النقاش مفيدا و مثمرا على الصعيدين العلمي و السياسي . وقبل الخوض في دقائق سياسات التتريك و التعريب في كركوك المدينة و اللواء ( المحافظة) لابد من الإشارة الى ظاهرة تشويه حقائق التاريخ
و الجغرافيا ذات الصلة بالكرد و كوردستان و التي تسود صفحات العديد من المطبوعات التي تصدر باللغة العربية . ونالت كركوك هنا أيضا كما هو شأنها دائما حصة الأسد من هذه الحملة الظالمة لتشويه تأريخها المديد على أيدي أناس لاتمت كتاباتهم الى العلم و حقائق التاريخ و الجغرافيا بصفة ولن تنفع ماتقوم به هذه  الصحف من إضفاء ألقاب المتخصص و الباحث و المخطط الأستراتيجي على كتاب تلك المقالات و الذين لا تتجاوز معارفهم حول المسائل التي يتصدون لدراستها و يكتبون فيها معارف تلميذ في الثانوية . وقد أدت هذه الظاهرة الى نشر مجموعة من الأراء و الطروحات البعيدة عن الحقائق العلمية المعروفة لدى القاصي و الداني في أوساط فئة واسعة من القراء. وتعتبر الكتابات المتعلقة بماضي كركوك و حاضرها نموذجا صارخا لتشويه الحقائق و الإبتعاد عن العلم و قيمه.
قلما تعرضت مدينة في العصر الحديث مثل كركوك الى هذا الكم الكبير و المتشعب من المحاولات  المحمومة و لمدة تقارب القرن و النصف لتدمير شخصيتها الكوردستانية و تغيير سمتها القومية الكردية. وقد غطت سياسة التعريب التي مارستها الحكومات العراقية المتعاقبة بحق كركوك المدينة و المنطقة منذ قيام الدولة العراقية عام 1921 والتي  وصلت خلال العقود الأربعة الأخيرة على يد البعث المجرم الى مرحلة التطهير العرقي و حرب الإبادة الجماعية ، غطت على أخرى سبقتها و وضعت لبناتها الأساسية ألا وهي سياسة التتريك التي مورست بحق هذه المدينة و القصبات التابعة لها منذ منتصف القرن الماضي.
من المعروف أن كركوك في حدودها التاريخية و الجغرافية المعروفة كانت عبر القرون جزءا من الجسم الكردي. فقد كانت خلال القرون الأخيرة جزءا من إمارة أردلان الكردية و قد كلف السلطان مراد الثالث أمير الموكريين عام 1583 بإدارة أقاليم الموصل و شهرزور و أربيل . ومنذ أواخر القرن السابع عشر أصبحت ضمن ممتلكات الإمارة البابانية التي حلت محل أردلان في الكثير من الأصقاع التي تعرف اليوم بكوردستان العراق . وكانت الإمارة البابانية تضم في عصرها الذهبي  قةلاَضؤلان،  كركوك ، أربيل ، كوي ، رواندوز، حرير ، بانة ، كفري ، قرةتثة ، مندلي ، بدرة ، داودة ، عسكر ، شوان ، ضمضمال، قرةداغ حتى نهر ديالى، سردشت ، مرطة، ثشدر، ماوةت ، ئالان ، طةلاَلة، ضوارتا ، سويل ، شينك، قزلجة ، قرةحسن ، قصر شيرين و زهاو.  وقد بلغت الإمارة درجة من السعة دفعت بلونطريك أن يسميها بإمبراطورية السليمانية. وكل من لديه إلمام بسيط في التاريخ العثماني يعرف بأن كركوك كانت مركزا لأيالة شهرزور والتي كانت تشمل محافظات كركوك و أربيل و السليمانية بحدودها التاريخية و الجغرافية المعروفة . وحتى بعد التغييرات التي أحدثها مدحت باشا في العراق ومن ثم إستحداث ولاية الموصل عام 1879 و إلحاق كركوك بها ظلت تسمية شهرزور (شارزور) تطلق على منطقتي كركوك و أربيل ، بينما بقيت شهرزور التاريخية جزءا من سنجق السليمانية المستحدث. 
ولم تلاحظ تأثيرات تذكر للعثمنة خلال تلك الفترات في كركوك و توابعها رغم أنها أصبحت رسميا ضمن الممتلكات العثمانية بموجب معاهدة أماسيا بين العثمانيين و الصفويين عام 1555. وحتى القبائل التركمانية التي رافقت حملة  الشاه عباس الصفوي عام 1623 و بخاصة حملة نادر شاه الأفشاري عام 1743 على كركوك و أربيل و الموصل والتي تخلفت بعضها و إتخذت من بعض الأراضي القريبة من كركوك والموصل مراعي لحيواناتها ، كانت تعادي الدولة العثمانية و تناصر الدولة الصفوية التي كانت الإنتماءات المذهبية و العرقية و الأجتماعية توحدها مع هذه القبائل. و لم تكن تلك القبائل تثير مخاوف السلطات المحلية الكردية لقلة عدد أفرادها و إنشغالها بتربيةالحيوانات و إبتعادها عن ممارسة أي دور سياسي أو إجتماعي ، لذلك لم تتعرض لها و تركتها تمارس نمط حياتها و طقوسها الدينية.
مع إدراك الدولة العثمانية لحقيقة تخلفها عن أوربا الغربية و بدء المحاولات "الإصلاحية" التي عرفت في التاريخ  (بالتنظيمات العثمانية ) ، والتي كانت تهدف أساسا الى الإبقاء على الدولة ووقف حد لعملية إنحلالها و زوالها ، بدأ الباب العالي يخطط لبسط سيطرتها المباشرة على كل الأقاليم الخاضعة للدولة العثمانية . و قد أصاب هذا التوجه العثماني الجديد الوضع الكردي في الصميم ، إذ تخلى الباب العالي عن سياستها التقليدية في كوردستان و التي إنتهجتها منذ معركة ضالديران عام 1514 والتي كانت تتخلص بإبقاء الأمور في كوردستان بأيدي الزعماء المحليين الكرد لقاء إعلان التبعية للدولة العثمانية و ما يترتب عليها من واجبات كذكر اسم السلطان في خطبة الجمعة و المشاركة في حروب الدولة و إرسال الهدايا و الأموال سنويا الى البلاط العثماني. وقد تقيد سلاطين آل عثمان بتفاصيل هذه السياسة لم يحيدوا عنها خلال القرون الثلاثة التي أعقبت تلك الواقعة . و حتى عندما كان السلطان العثماني يغضب على أحد الزعماء المحليين الكرد عندما يخرج على طاعته أو يتحالف مع أعدائه ، كان يعين بعد التخلص منه أحد أقاربه من أفراد العائلة الحاكمة الكردية نفسها محله ، لأن الأتفاقية التي وقف الزعماء الكرد بموجبها الى جانب السلطان في صراعه مع الصفويين كانت تنص على توريث العرش في الإمارات الكردية و إنتقال السلطة من الأب الى الإبن .
و كنتيجة للتوجهات الجديدة للدولة العثمانية سقطت الإمارات الكردية ، التي تمثلت مواقفها إزاء سياساتها الجديدة في الإنتظار و مقاومة القوات العثمانية الكبيرة عند تخومها. ولم يكن بإمكان تلك الإمارات المبعثرة و المتصارعة فيما بينها أن تكسب هذا الصراع الغير متكافئ أصلا. هكذا زالت آخر الأمارات الكردية في الدولة العثمانية عند منتصف القرن التاسع عشر وفتحت الآفاق أمام السيطرة المباشرة للدولة على الأراضي الكردية . ورغم المحاولات الكبيرة منذ ذلك التاريخ لتكريس السيادة العثمانية في كركوك و غيرها، إلا أن نجاحات العثمانيين كانت لا تزال محدودة  جداً حتى النصف الثاني من ذلك القرن .
 يبدو واضحا من المصادر التاريخية التي أشارت الى كركوك و التركيب السكاني فيها في ذلك الوقت بأن الكرد كانوا يشكلون جمهرة سكانها الأصليين و الأساسيين الى جانب مجموعة صغيرة من العوائل المسيحية وبخاصة الأرمنية التي قدمت إليها بدوافع إقتصادية و بهدف ممارسة مهن محددة . فقد قدر المهندس الروسي يوسف ضيرنيك  ، الذي زار كركوك ضمن جولته في كوردستان خلال 1872 - 1873 لدراسة إمكانيات الملاحة النهرية في حوضي دجلة و الفرات و روافدهما ونشر فيما بعد عام 1879 نتائج رحلته و دراساته في المجلد الرابع من نشرة قسم القفقاس للجمعية الجغرافية الملكية الروسية،  قدر عدد سكان كركوك في ذلك الوقت ب ( 12 - 15) ألف نسمة و أكد بأنه و بإستثناء 40 عائلة أرمنية ، فأن باقي السكان هم من الكرد.
ويبدو بأن أفراد الحامية العسكرية العثمانية في كركوك لم يكونوا يحسبون ضمن سكان المدينة ، بل كانوا غرباء عن المنطقة وبخاصة في المراحل الأولى من الوجود العسكري العثماني في كركوك و كانوا  يعودون في أغلب الأحوال الى البلدان التي جندوا منها بعد إنتهاء فترات خدمتهم بإستثناء أفراد معدودين يتخلفون عن العودة الى مواطنهم و يتخذون من هذه المدينة أو تلك موطنا جديدا لهم لأسباب إقتصادية أو إجتماعية.  
أدركت الدولة العثمانية أهمية كركوك و القصبات التابعة لها كونها نقاط مهمة على طريق التجارة البرية بين إيران و المناطق المطلة على البحر المتوسط  فضلا عن أهميتها الجغرافية و الستراتيجية للإتصالات الرسمية و التحركات العسكرية بين الباب العالي و ولايات بغداد و البصرة و الحدود العثمانية الأيرانية الجنوبية.
و مع تحول كركوك الى مركز دائم لحامية عسكرية عثمانية بدأت سياسة العثمنة ومن ثم التتريك تخلف بصماتها شيئا فشيئا على كركوك و القصبات الواقعة على الطريق الى بغداد و الحدود مع  إيران. فقد أسكنت الدولة عوائل محدودة من الأتراك كانت في الأغلب عوائل الموظفين العسكريين و المدنيين في هذه المدن . و شكل هؤلاء بالذات مع السكان المحليين الذين إستتركوا بمرور الزمن القوة الأساسية للسلطة العثمانية في كوردستان العراق. وأصبحت كركوك نقطة إرتكاز مهمة و مركزا عسكريا عثمانيا ، كما تحولت الى مركز لتجنيد الجندرمة و الموظفين الذين كانت الدولة العثمانية تعتمد عليهم في تصريف شؤون المنطقة كونهم من أبنائها و مطلعين على أوضاعها أكثر من غيرهم و خاصة من الموظفين القادمين من الباب العالي. لذلك نجد بأن نسبة الكرد في المدينة بدأت تنخفض شيئا فشيئا حتى وصلت في نهاية القرن التاسع عشر ، حسبما يزعم مؤلف الموسوعة العثمانية
( قاموس الأعلام) ، المؤرخ و الرحالة التركي شمس الدين سامي الذي زار منطقة كركوك في أواخر ذلك القرن ، الى أكثر بقليل من ثلاثة أرباع السكان ، فيما شكل نسبة الأقل من الربع الآخر العرب و المسيحيين بمختلف طوائفهم و اليهود و التركمان من سكان المدينة. و للمرء أن يشك في الأرقام التي أوردها شمس الدين سامي . ولكن مما لاشك فيه أنه لم يكن ميالا للكرد و خفض بصورة مقصودة من  نسبتهم فيما رفع من نسبة الأقوام الأخرى و بخاصة الترك و المستتركين من سكان كركوك.
ويؤكد المستشرق الجورجي المعروف بدراساته الرصينة عن العراق و صاحب كتاب ( العراق في سنوات الأنتداب البريطاني ) ألبرت مينتيشاشفيلي ( أشير هنا فقط الى آراء الكتاب الأجانب لأنهم يتناولون المواضيع من منطلق علمي  و لا مصلحة لهم في الإنحياز الى هذا الطرف أو ذاك و لكي لا نتهم بأننا نعتمد على المصادر الكردية ) ، يؤكد بأن جزء مهم من الأرستقراطية الكركوكية من أصل كردي رغم مزاعمها بكونها من أصول تركية . و قد إستند في رأيه هذا على المصادر العثمانية و من ضمن العوائل التي ذكرها كأدلة على رأيه عائلة النفطضي ( والتي حصلت من السلطات العثمانية على حق إستخراج و بيع النفط من آبار كركوك. و يبدو أنها كانت مستعدة للتخلي عن إنتمائها الكردي لقاء هذه الصفقة الدسمة وللتزلف للأوساط العثمانية الحاكمة) و عائلة اليعقوبي التي كانت تمارس الفلاحة و تنتمي الى عشيرة الزنطنة الكردية و عائلة القيردار التي كانت تمتهن التجارة الى جانب إمتلاكها للأراضي الزراعية. و الخاصية الأخيرة أي إمتلاك الأراضي في مناطق كركوك كانت مقتصرة على الكرد حصرا . و هناك عائلة الآوضي والتي كانت  تمارس مهنة السقاية أي جلب الماء من نهر الخاصة و بيعه لسكان قلعة كركوك. و يشير الأسم الكردي لهذه العائلة (إذ تعني كلمة" آو" الكردية الماء مع اللاحقة الإيرانية القديمة (ضي) التي يعتقد الكثيرون خطأ بأنها تركية ) الى أصلها الكردي ، رغم زعم أبنائها في المراحل التالية الى أن التسمية جاءت من (آو) التركية التي تعني الصيد. و المعروف أن صيد الحيوانات البرية كان حكراَ على أبناء الريف أما بالنسبة لأبناء المدينة فهو هواية و تكتسب العوائل الحضرية ألقابها في الأغلب من ممارستها للمهن لا من خلال هواياتها.
و هناك مسألة أخرى جديرة بالأشارة و هي أن العوائل الكردية المستتركة رغم النفوذ السياسي و الأقتصادي الكبير الذي حصلت عليها من خلال إنتمائها الى الأوساط الحاكمة و تبنت مفاهيمها و حتى لغتها و عاداتها و كانت تفتخر بهذا الإنتماء الجديد وكيف لا و حكم آل عثمان يسود مناطق واسعة من العالم القديم ، إلا أنها كانت منبوذة من المحيط  الكردي لكونها أنكرت أصلها. ويعتبر ذلك أمرا معيبا في الأعراف الشرقية و تختزن الذاكرة الشعبية الكردية و الشرقية مئات الحكم و الأمثال التي تستهجن ظاهرة إنكار الأصل و توصم القائمين بها بكل ما أنزل الله من الصفات السيئة. وقد أثرت هذه المسألة في نفسية و سلوك أبناء و أحفاد هذه الفئة التي يذكرها الوجود الكردي على الدوام بتاريخها المشين و شخصيتها الممسوخة. وتستوجب هذه الظاهرة برأيي القيام بدراسات نفسية و إجتماعية معمقة لتفسير الكثير من المواقف المتشنجة و التوجهات الحاقدة لدى جمهرة من المرتدين على أصولهم الكردية . التفسير البسيط هو أن هذا الإنسان رغم المنافع التي حصل عليها من ردته على أصله حتى ولو كان رئيسا للوزراء كما في حالة أجويد و نائبا لرئيس الوزراء كما في حالة طه ياسين رمضان فإنه يحتقر ذاته في قرارة نفسه و يشعر بإحتقار الآخرين له . كما أنه لا يشعر بأنه سوي ولديه دائما عقدة نقص شديدة تؤدي به الى إتخاذ مواقف غريبة حتى على أبناء القوم الجديد الذي إنضوى تحت إسمه.
روى لي أحد الأصدقاء من مدينة الموصل و كان والده على صلة صداقة بياسين رمضان في حي النبي يونس الذي يسكنه الكرد بالدرجة الأساسية، بأن ياسين هذا كان يشكو من عدم زيارة أصدقائه القدامى الكرد له بعد أن أصبح إبنه مسؤولا كبيرا في الدولة و غير جلده. وعندما مات ذهب عدد من الوجهاء الكرد من الموصل و دهوك بزيهم الكردي القومي لتعزية طه في أبيه . إلا أنه أوقف عددا من الحراس عند مدخل الشارع مع تعليمات مشددة بصرف كل قادم في الزي الكردي و الإعتذار منه بحجة إنشغاله بأمور الدولة . وأشار بعض السياسيين الكرد ممن ساهموا في المفاوضات مع حزب البعث الحاكم بأن طه ياسين رمضان ، وهو القائل يوما أنا كردي الأصل و لكن دم العروبة يجري في عروقي ، كان من أكثر المسؤولين البعثيين تشددا إزاء الحقوق القومية الكردية.  
ويمكن إيراد أمثلة عديدة عن هذه النماذج البشرية . يعرف معظم الكركوكيين طبيبا ناجحا جدا  وهو الدكتور محمد رافع الذي كان يعلق صورة والده بالزي التقليدي لأبناء عشيرة الزنكنة عندما كانت  عيادته في حي الشورجة الكردي بكركوك وكان يفتخر بأنه إبن هذا الرجل الذي عمل كل ما في وسعه لكي يجعل من إبنه طبيبا . وكان للطبيب آنذاك مكانة إجتماعية مرموقة قبل أن يأتي البعث و يدمر كل شئ. وبمجرد إنتقاله الى شارع الأطباء غابت صورة الأب من العيادة و بدأت عملية التنكر للأصل الكردي و لا أستبعد أن يدعي الآن بأن جذوره  تعود الى الأناضول أو آسيا الوسطى . و نموذج آخر هو المحامي محمد مردان القلمجي صاحب ماض معروف في حقل الصحافة الكردية و شقيق المطرب الكردي المعروف قادر مردان تحول بين عشية و ضحاها الى رئيس نادي الأخاء التركماني ( قارداشلق ) قبل أن يتحول الى منظمة بعثية صرفة.
و لم تبقى هذه الظاهرة المنبوذة محصورة في كركوك بل شهدت مدينة أربيل أيضا صورا مماثلة .روى لي صديق من أربيل ضليع في أصول العوائل الأربيلية العريقة بأن ممثلي الجبهة التركمانية الثلاث و الذين فرضت الحكومة التركية على الحزبين الكرديين ، الحزب الديمقراطي الكوردستاني و الإتحاد الوطني الكوردستاني حضورهم في إجتماعات أنقرة كانوا من أصل كردي. والمعروف أن الكثيرين من هؤلاء والذين كانوا و حتى الأمس القريب يملأون مؤسسات (الحكم الذاتي الممسوخ ) الى حد التخمة كانوا يقدمون الى الصحافة الأجنبية على أنهم يمثلون (أبناء شعبنا الكردي في منطقة الحكم الذاتي !!) .
وللمرء أن يسأل ماالذي يؤدي بالأنسان الذي خلقه الله في أحسن تقويم الى أن يتحول الى  هذا الكائن البائس؟ أليست سياسة الأضطهاد القومي و القمع الشوفيني هي التي خلقت هذا الجوء الموبوء و هذه الكائنات البشرية الممسوخة؟ هل كان بالإمكان ظهور مثل هؤلاء الناس لولا إنتهاج الدول لسياسة الإبادة بحق الشعب الكردي؟ أليس للأنسان أن يشعر بالمهانة لحالة هؤلاء البشر ؟  
وبسبب العقد المذكورة تحول أبناء وا حفاد هذه العوائل الى أعداء ألداء للشعب الكردي و حاقدين عليه و على تطلعاته المشروعة و لايتوانون عن القيام بكل ما من شأنه الإضرار بالمصالح الكردية. و هناك أمثلة لا حصر لها في هذا المجال و يعرفها كل من سكن كركوك أو عاش فيها لفترة من الزمن. وليس ذلك بالأمر الغريب على أناس أجبرتهم الظروف على التنكر لكل القيم التي تربوا عليها.
وليست ظاهرة التزلف الى الأوساط الحاكمة و تقليد عاداتها و تقاليدها و تبني لغاتها و التنكر للأصل خاصة بالكرد رغم أنهم يعانون منها أكثر من غيرهم بسبب الوضع السياسي المأساوي الذي يعيشون في ظله ، بل أن اللغة التركية العثمانية( والتي لا يتمكن إلا المتخصصين من أتراك اليوم فك رموزها )  كانت لغة أرستقراطية كل شعوب الأمبراطورية في طول الدولة العثمانية و عرضها.
الغريب في الأمر أن هذه المسألة أي مسألة تتريك جزء من سكان كركوك المحليين إشتدت في العصور اللاحقة رغم فقدان العنصر التركي للسلطة السياسية و إنتقالها الى أيدي الأكثرية العربية في بغداد . وهذه ظاهرة مثيرة للإنتباه  ويصعب على الكثيرين إيجاد تفسيرات مقبولة لها . ويعاني الكثير من الأطراف السياسية الكردية إشكالية في فهم مغزاها و آفاقها والنتائج المترتبة عليها و سبل التعامل معها.  لا يمكن في مثل هذا المقال القصير التطرق الى كل جوانب هذه المسألة الشائكة لذلك سأشير الى بعض سماتها و تجلياتها الأساسية.
لم تكن العثمنة و بخاصة خلال فترة الدعاية للجامعة العثمانية في عهد السلطان عبدالحميد الثاني أمرا يثير الكثير من المعارضة خاصة و أنها كانت تجري تحت ستار الدين الإسلامي. وكانت الدعاية العثمانية تدغدغ المشاعر الدينية للسكان و تدعوهم الى التكاتف ضد أعداء الدين. و حاولت الأوساط الحاكمة العثمانية بعد تنامي الشعور القومي لدى الشعوب الغير تركية العمل على الإبقاء على السيادة التركية تحت ستار الأمة العثمانية التي كان يفترض أن الدين الإسلامي الحنيف يوحدها و يقف على رأسها الخليفة - السلطان!
الغريب في أمر تتريك جزء من سكان كركوك هو أنه جاء بعد الهزيمة النكراء للدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى و زوال السيادة التركية عن هذا الجزء من كوردستان . و الأغرب هو أن  الأنجليز، وليس غيرهم، و الذين حاربوا الدولة العثمانية و عملوا كل ما في وسعهم على تقطيع أوصالها ، عملوا و حسب تخطيط مسبق لتكريس نتائج سياسة التتريك و ثبيت مواقع الأقلية التركمانية في كركوك تماشيا مع فكرة إيجاد و تقوية عنصر موازنة بين الشعب الكردي و حركته التحررية و السلطة المركزية العراقية في هذه المنطقة الحيوية من كوردستان . ففي كركوك و القصبات التابعة لها فقط من دون الممتلكات الأخرى للإمبراطورية المهزومة لم يلاحظ السكان تغيرا كبيرا بين الأحتلالين العثماني و الأنجليزي ، حتى أنه كان يترآى للمرء أن الدولة العثمانية لم تخسر الحرب رغم دخول القوات الأنجليزية  إلى كركوك عام 1918 و ظهور المسؤولين العسكريين و الإداريين الإنجليز . فقد بقي كل شئ في كركوك كما كان في السابق و حتى أواخر العشرينات.
فقد سمح الأنجليز ، وهو أمر يتقاطع كليا مع منطق المتحاربين و المنتصرين ومع بياناتهم و وعودهم أثناء الحرب بأنهم جاءوا لتحرير شعوب الشرق من الإحتلال العثماني البغيض ، سمحوا لموظفي الدولة المحتلة و المدحورة في الحرب  ولجنودها و عوائلهم ، بالإستقرار في كركوك و القصبات التابعة لها .والأنكى من ذلك إستخدمت سلطات الإحتلال الأنجليزي نفس الموظفين في تصريف الشؤون الإدارية و التعليمية و غيرها في كركوك .كما وضعت تلك السلطات العراقيل أمام فتح المدارس الكردية في مدينة كانت غالبية سكانها من الكرد بحجة عدم توفر الكتب الدراسية الكردية و المعلمين الكرد ( لم يتجاوز عدد المدارس الكردية في كركوك عام 1923 ست مدارس ) في الوقت الذي سمحت بوجود 13 مدرسة تركية والتي كانت تمثل بقايا النظام التعليمي العثماني و حتى نهاية العشرينات بحجة وجود نظام تعليمي سابق و توفر المعلمين و الكتب الدراسية .
ومن الضروري الإشارة هنا الى أن وجود هذ العدد من المدارس التركية في كركوك يجب أن لايفسر ، كما يتبادر الى الذهن بوجود جالية تركية أو تركمانية كبيرة في المدينة ، بل يمثل صورة النظام التعليمي العثماني الذي كانت اللغة التركية لغة التعليم الأساسية فيه. فقد كان الأمر كذلك في بغداد و الموصل و البصرة و كل الولايات العثمانية الأخرى.
وكان الهدف الحقيقي للموقف الإنجليزي يكمن في منع الكرد من لعب دور كبير في مقدرات كركوك و خاصة بعد إدراك أهميتها الإقتصادية و الستراتيجية بالنسبة للدولة العراقية المستحدثة و للمصالح الحيوية الأنجليزية .كما أن  الحركة الكردية كانت ترفع آنذاك شعار دولة كردستان المستقلة ضمن حدودها الجغرافية و التاريخية المعروفة لدى الإنجليز قبل غيرهم. وهناك مئات الشواهد و الأدلة و الصور المنقوشة في ذاكرة كرد كركوك عن معاداة الأنجليز لهم و لتطلعاتهم .
ذكر لي صديق عمل طويلا كمهندس في شركة نفط كركوك و إطلع على سياسات إدارة الشركة قبل و بعد التأميم بأنه كان يجري إبعاد المقاولين الكرد من قبل الإنجليز ،دعك عن الحديث عن الحكومات العراقية المتعاقبة و بخاصة في العهد الجمهوري الزاهر! ،  عن كل المناقصات التي كانت الشركة تعلن عنها و حتى البسيطة منها مثل إزالة الأحراش المحيطة بآبار النفط و بيع السيارات و الآليات العتيقة و غيرها و التي كانت الشركة توكل الى التركمان عادة القيام بها.
وكان أساطين الإستعمار البريطاني و من خلال تجربتهم الغنية في شبه القارة الهندية و غيرها من المناطق يعرفون بأن أقلية صغيرة و غريبة الى حد ما عن المحيط الكردي سترنو حتما نحو العاصمة و تستنجد بها في المستقبل بل ويمكن أن تتحول الى أداة بيد المركز ضد التطلعات الكردية . وقد وضع أدموندز ، الذي عاد بعد نصف قرن من ذلك التاريخ و أكد عليها صراحة في محاضرة له عام 1966 في لندن ، وغيره أسس تلك السياسة التي لم تخرج عليها الحكومات العراقية المتعاقبة.
و تمكنت بقايا العثمانيين في المدينة و عبر أساليب الغش و الخداع والتي مارسها الترك لقرون عديدة في مناطق واسعة من آسيا ، أفريقيا و أوربا من السيطرة على السوق المحلية و تنحية الطبقة الوسطى الكركوكية والتي كانت تضم بالدرجة الرئيسية حتى ذلك الوقت و بإعتراف أدموندز ، الآثوريين و اليهود. ورافق ذلك أيضا سيطرتهم و بنفس الأساليب على الأراضي الزراعية من الملاكين الكرد.
هكذا أصبحت لغة التعليم و الإدارة في كركوك تركية. ومنذ نهاية العشرينات حلت اللغة العربية محل التركية في التعليم و الشؤون الإدارية و المراسلات الرسمية في حين بقيت اللغة المحكية التركمانية تسود العديد من دوائر المدينة و أسواقها و بخاصة في قلب المدينة. وهذه الظاهرة بالذات دفعت ببعض الأجانب الذين زاروا المدينة و بعض قصباتها الى الإشارة الى اللغة التركية كلغة متداولة و بصورة واضحة في كركوك و بعض القصبات التابعة لها.
ومن خلال مقارنة بسيطة بين عدد الترك و المستتركين في نهاية القرن التاسع عشر على أساس الأرقام التي ذكرها شمس الدين سامي و عددهم خلال مشكلة الموصل ( قدر الإنجليز عددهم في لواء كركوك ب 35 ألفا فيما ذكر الجانب التركي رقم مبالغ فيه وهو 79 ألفا ) تظهر الصورة الحقيقية للسياسة الأنجليزية في كوردستان عامة و في كركوك بصورة خاصة.
أعطت حالة السيادة في السوق و الأدارة للأقلية التركمانية مكانة مهمة في كركوك ، بينما كانت نسبة مهمة من كرد المدينة من الكسبة و العمال و المزارعين الذين بقوا على إرتباط و ثيق بالريف وكانوا يتعرضون الى الإستغلال الإقتصادي  من قبل أصحاب الدكاكين في المدينة. وكثيرا ما كان المزارع الكردي يعطي كل ما أنتجه من المحاصيل الى صاحب الدكان لدفع الديون المترتبة عليه خلال السنة . ولم يكن التجار يتورعون عن اللجوء الى كل الأساليب للإيقاع بالمزارع القروي البسيط و سرقة نتاج كده و جهده لعام كامل .
وكان المزارع القروي يشعر بعجز أمام إبن المدينة و يعتبره نموذجا للذكاء و النجاح و سعة الحيلة.  ومن الطبيعي أن يحاول تقليده في نمط حياته و لغته وعاداته عند إنتقاله للمدينة . كما أن وضع العقبات الكثيرة أمام الكردي ومن أطراف عديدة لمنعه من الوصول الى تسنم أي مركز سياسي ، إداري أو القيام بأي نشاط إقتصادي جدي دفع بالكثيرين من المتعلمين و أصحاب المصالح الأقتصادية الى التخلي عن أصلهم الكردي و إعلان أنتمائهم للأقلية التركمانية. و بسبب سياسات الدولة المعادية للكرد خلال العقود السبعة الماضية حاول الكثيرون التخلص من المشاكل السياسية و الملاحقات التي كانوا يتعرضون لها بسبب إنتمائهم الكردي من خلال التخلي عن كرديتهم و الأندماج بالأقلية التركمانية التي لم يلاحظ عليها إهتماما يذكر بالنشاط السياسي بل بقيت توجه جل إهتمامها نحو التجارة و تسنم الوظائف الحكومية . كما لم تتعرض الى الملاحقة السياسية و الإضطهاد إذ لم تشعر الدولة بأنها تشكل خطرا على أمنها كما هو الحال بالنسبة للكرد.
وهكذا ساهمت عوامل القسر الإقتصادي و التعليمي و الإداري و الإجتماعي في تتريك جزء من سكان كركوك الأصليين خلال العقود الأولى من سياسة التتريك. ولم تقتصر هذه العملية على الكرد فقط ، بل أن العوائل العربية التي سكنت كركوك تعرضت الى هذه العملية أيضا. فهناك عوائل تكريتيية و غيرها سكنت كركوك و إتخذت من التركمانية لغة لها ، لتعود الى أصولها العربية مع مجئ التكريتيين الى الحكم عام 1968 .  في حين أصبحت العوامل السياسية المتمثلة في ملاحقة الكرد و تهجيرهم من كركوك و منعهم من إمتلاك الأراضي و الدور أو حتى ترميم البيوت الآيلة للسقوط و تسنم الوظائف و ممارسة أي نشاط إقتصادي مهم خلال العقود الأربعة الأخيرة الدافع الأساسي الى تخلي الكردي عن كرديته و إعلان إنتمائه للأقلية التركمانية.
ولكن أبناء هذه الفئة لا يمكن التعويل عليهم كثيرا ، فهم يغيرون جلودهم حسب الحاجة و يبدو أن تغيير الإنتماء القومي لم يعد يشكل شيئا معيبا بالنسبة لهم ، فقد رأينا المئات منهم  يعلنون كرديتهم بعد إتفاقة 11 آذار 1970 ليعودوا و يطلقوها الى الأبد مع بدء القتال عام 1974 بين الحكومة و الحركة الكردية. كما أن الكثيرين منهم و من أجل تسريح أبنائهم من الجيش العراقي أو قبولهم في صفوف ماكانت تسمى بأفواج الدفاع الوطني ( أطلقت الجماهير الكردية تسمية الجحوش على أفراد هذه  التشكيلات ) في الثمانينات. لم يجدوا حرجا في البحث عن الشهود و الوثائق التي تؤيد أصلهم الكردي.
من المناسب أن أشير هنا الى حالة كنت شاهداَ عليها و تؤيد ماذكرته سابقا. فقد كنا في مجلس كبير بمناسبة عيد الأضحى المبارك عام 1988 . و من بين ماجرى الحديث عنها كما هي العادة في المجالس الكركوكية سياسة التعريب و تغيير القومية و جماعة العشرة آلاف ( إشارة الى العوائل العربية التي تأتي بها الحكومة لإسكانها في كركوك بهدف تعريب المدينة إذ كانت تمنح كل عائلة الى جانب قطعة أرض مبلغ عشرة آلاف دينار أيضا . ورغم أن هذا الرقم تغير مرات عديدة إلا أن تسمية العشرة آلاف بقيت ملاصقة بهؤلاء) . ذكر أحد الجالسين و بمرارة بأنه أخطأ وبدل أن يخلص المسألة بضربة واحدة أطال الأمر و جعله بمرحلتين . وبما أنني لم أفهم المسألة سألته عن الأمر فذكر لي بأنه سجل نفسه في إحصاء 1977 كتركماني ليتخلص من المشاكل و لكنه أدرك فيما بعد بأن هذا لن يخلصه من المنغصات كليا لذلك قرر في إحصاء 1987 أن يسجل نفسه كعربي . ولم يكن الأمر يستحق برأيه هذه السلسلة الطويلة من الإجراءات ، بل كان عليه أن يسجل نفسه رأسا كعربي و ينهي الموضوع.
بعد كل هذه السياسات الظالمة بحق كركوك خلال قرن و نصف من الزمان نجد من يحاول أن يشوه الحقائق المتعلقة بماضي كركوك التاريخي و التركيب القومي لسكانها في الماضي و الحاضر. والملاحظ أن جميع الأطراف تحاول زيادة عدد أفراد أثنياتها على حساب عدد الكرد في كركوك المدينة و الأقليم. وبمناسبة الأرقام لابد من الإشارة الى الأوهام التي يحاول البعض جاهدا جعلها حقائق و نشرها هنا و هناك . فقد صرح أحدهم من على شاشة إحدى الفضائيات العربية أن عدد التركمان في مدينة أربيل وحدها 350 ألف شخص !. وأقل ما يقال عن هذا الكلام هو أنه نوع من الهذيان. ذكر الدكتور شاكر خصباك و هو رجل أكاديمي معروف بمؤلفات الرصينة في كتابه ( الكرد و المسألة الكردية ) الصادر عام 1959 بأن الكرد يشكلون نسبة 91 % من سكان أربيل و 9% الباقية تشمل الآثوريين و الكلدان و العرب و التركمان . ولم يشكل التركمان يوم كان عدد سكان أربيل 100 ألف نسمة سوى 5 % أما اليوم وقد تجاوز عدد سكان أربيل المليون نسمة ، و لم تأت هذه الزيادة الهائلة على أساس النمو الطبيعي للسكان و إنما كانت نتيجة لتدمير الريف الكردي و التهجير القسري،أي أن الزيادة العددية تخص الكرد حصرا ، و بالتالي تدنت نسبة السكان التركمان في أربيل الى مادون 1% من مجموع سكان المدينة . أما إذا كان يقصد بهذا الرقم عدد الهويات التي نظمتها المخابرات التركية عن طريق إستغلال جوع الناس و توزيع الطحين عبر بعض المؤسسات المشبوهة ، فعليه و كما يقول المصريين ( خلي يبلها و يشرب ميتها !). فقد ولى زمن الجوع ولله الحمد في كوردستان و إستعاد الناس الى حد كبير كرامتهم المهدورة على أيدي هذه التنظيمات المشكلة من وراء الحدود.
ومن الجدير أن نشير الى أن الهجرة من الريف الى المدينة و تغيير ملامح و سمات المدن ظاهرة عالمية و لا تخص المدن العراقية ، ولكن في كوردستان و الى جانب تلك العملية الطبيعية كانت هناك عملية تدمير شاملة للريف الكوردستاني و تكديس السكان في المدن . وقد حولت هذه الظاهرة المدن الكردية الى قرى كبيرة تعاني من إختناقات شديدة ، كما غيرت من سماتها الحضرية و الديموغرافية. فعلى سبيل المثال لا الحصر يشير البعض الى مقولة أدموندز التى تعود الى العشرينات من هذا القرن و الذي ذكر بأن اللغة التركية متداولة بصورة ملحوظة في كركوك و كفري . فقد كان عدد سكان كفري آنذاك لا يتجاوز الألفين نسمة ، ولكن الآن بعد أن بلغ عدد سكان كفري 30 ألفا لا يتجاوز عدد التركمان فيها حسب أكثر الإحصاءات تفاؤلا 500 شخص. ويمكن أن يقال نفس الشئ بصدد القصبات الأخرى التي أشار اليها أدموندز و غيره.
كان عدد التركمان في الموصل في العشرينات حسب التقديرات الإنجليزية 15 ألف شخص و حسب الأرقام التركية 35 ألفا . و كانت نسبة الكرد و حسب تقديرات الطرفين أكثر من العرب بكثير، إذ قدر الأنجليز عدد الكرد في لواء الموصل ب 209820 شخصا مقابل 170663 عربيا ، بينما قدر الجانب التركي عدد الكرد  ب  140000 مقابل 28000 عربي . ولم يدخل الطرفان 170 ألفا من الكرد الرحل في ولاية الموصل كلها ضمن تقديراتهم . ولكن الموصل الآن مدينة عربية و عملت الحكومة العراقية كل ما في وسعها من أجل تقليص نسبة الكرد من خلال إستحداث محافظة دهوك أولا و تهجير العوائل الكردية من الموصل أو إجبارها على تغيير قوميتها . شاهدت بأم عيني في الثمانينات حملات تهجير الكرد من تلك المدينة بحجة أن نسبتهم تجاوزت ال 40% من مجموع السكان ووجب لذلك تقليص وجودهم . أما الحديث عن وجود تركماني في الموصل فهو أمر يصعب علي أن أقول فيه شئ و قد عشت و عملت في هذه المدينة ثمان سنوات و إطلعت على أوضاعها السكانية و الإجتماعية الى حد لا بأس بها .
أتمنى أن يجري يوما ما في العراق إحصاء دقيق و مكشوف للسكان  في ظل أوضاع طبيعية و بعيدا عن مظاهر القهر السياسي و المذهبي و الإجراءات البوليسية لكي يتمكن كل مواطن أن يعلن و بمطلق  الحرية إنتمائه القومي و الديني و المذهبي دون خوف و وجل . عند ذلك فقط ستتحدث الأرقام و يعرف الكل عدد العرب و الكرد و التركمان و الآثوريين و الكلدان و الأرمن و المسلمين و المسيحيين و السنة والشيعة و اليزيديين و الصابئة و غيرهم ولن تكون مثل هذه المسائل موضع النقاش و الأخذ و الرد و المزايدات و الأوهام .
عودة الى مسألة التتريك في كركوك . حددت دائرة المعارف العثمانية عدد سكان مدينة كركوك ب 30 الف نسمة في أواخر القرن التاسع عشر و كان أكثر من ثلاثة أرباعهم  22.500 من الكرد. و ضم الباقي الكلدان و اليهود و التركمان و العرب.
وقدر الأنجليز أثناء مشكلة الموصل عدد سكان لواء كركوك ب 92 ألف منهم 45 ألفا من الكرد مقابل 35 ألفا من التركمان . وكما أشرت أعلاه فإن الأحصائيات الأنجليزية و التركية أهملت حوالي 170 ألفا من الكرد الرحل في ولاية الموصل كلها . مع ذلك إضطروا الى الأعلان عن أن عدد الكرد في الولاية و بدون إحصاء الرحل هو 454720 شخص مقابل 65895 تركمانيا . بينما قدر الأتراك عدد التركمان في كركوك ب 79 ألفا و الكرد 97 ألفا . و في ولاية الموصل كلها قدر الجانب التركي عدد التركمان ب 146920 شخصا و عدد الكرد ب 451830 شخصا. وهكذا نرى بأن الأنجليز يرفعون عدد العرب ، بينما يرفع الترك من عدد التركمان و يجري ذلك كله على حساب سكان الولاية الأصليين الكرد.
 ولايمكن التعويل مطلقا على الأرقام التركية و سأكتفي بمثالين لإظهار عقم الإعتماد عليها.  فقد قدر الجانب التركي عدد التركمان في السليمانية ب 32960 شخصا! . وهذا أمر لا اساس له في الواقع ولم يشكل الترك ، بإستثناء التواجد العسكري التركي البسيط خلال السنوات الأخيرة من عمر الدولة العثمانية ، على مدى القرنين والربع من عمر مدينة السليمانية أكثر من صفر بالمئة.
كما أن عدد سكان لواء كركوك و في بداية العشرينات حسب المزاعم التركية بلغ 184 ألفا ، في الوقت الذي لم يتجاوز عدد سكان اللواء عام 1930 وحسب تقرير داوسن الدقيق 160 الفا. والمعروف أن تقرير داوسن كان من الدقة حتى أن الحكومة العراقية تبنته و اسست عليه الكثير من سياساته الزراعية و الإقتصادية في ذلك الوقت .
و بدأت الحكومات العراقية المتعاقبة تضع العراقيل أمام الكرد في كركوك إلا أن عملية التعريب المكشوفة بدأت مع وصول حزب البعث الى الحكم لأول مرة في شباط عام 1963. فقد جرى في صيف ذلك العام هدم أحياء كردية عديدة داخل مدينة كركوك فضلا عن قرى كثيرة في المناطق القريبة من آبار النفط . و مع وصول البعث الى الحكم للمرة الثانية عام 1968 و بخاصة بعد النكسة التي حلت بالحركة الكردية عام 1975 بدأت حقبة قاسية في تاريخ الكرد عامة و كرد منطقة كركوك على وجه الخصوص . وقد فصل الأستاذ الدكتور نوري الطالباني في هذا الموضوع و بأسانيد علمية لا تقبل التأويل في كتابه القيم  ( منطقة كركوك و محاولات تغيير واقعها القومي )  و الصادر في لندن عام 1995. لذلك لا أجد ضرورة الى التفصيل في هذا الموضوع هنا و أحيل القارئ الكريم الى المؤلف المشار إليه.

 

 

     رأي رئيس الجبهة التركمانية فيها قبل أن يصبح رئيسا لها !
                                                                 د.جبار قادر
نشر الرئيس الحالي للجبهة التركمانية السيد صنعان أحمد آغا القصاب رسالة مفتوحة بتاريخ
21 مايس 1997 أشار فيها الى مخاطر السياسات و التوجهات التي كان و مازال يتبناها و يدعو اليها  بعض التنظيمات السياسية و المجموعات التركمانية التي شكلت فيما بعد الجبهة التركمانية ، على مستقبل التركمان و التعايش السلمي بين القوميات و المكونات الأثنية في كوردستان والعراق . لأطلاع القراء على التباين في توجهات التنظيمات و الشخصيات التركمانية قبل و بعد إرتباطهم بالجبهة المذكورة،  ننشر فيما يلي نص الرسالة التي أحتفظ بنسختها الأصلية وكان قد أرسلها بتوقيعه الى صديق مشترك لنا وتفضل الأخير بإرسالها لي لأحتفظ بها في الأرشيف . أنشر الرسالة كما هي دون تدخل أو تعليق أو تصحيح للأخطاء النحوية و الأملائية الواردة فيها ، دعك عن الحديث عن الأخطاء التاريخية و الجغرافية و السياسية التي لا حصر لها. 
         نص الرسالة :
                        رسالة مفتوحة
بتأريخ 24 /9 / 1996 م أعلنت و من معي من أعضاء الهيئة الأدارية و المؤسسة تخلينا من رئاسة و عضوية نادي الأخاء التركماني / أربيل وذلك بعد إشغالي لمنصب الرئاسة فيها منذ تأسيسها بتاريخ 31 /12 / 1974 م أعقب ذلك استعفاء لفيف من أعضاء الهيئة العامة من اللذين يسبق تاريخ انتمائهم سنة 1991 موضحين اسباب ذلك في متن القرار.
لذلك و في الأيام الأخيرة كثرت التسائلات و التفاسير من قبل البعض حسب الأهواء و التصورات الشخصية الخاطئة. لذا وجدنا من واجبنا توجيه الرسالة المفتوحة هذه الى ابناء قوميتنا خاصة والمهتمين بشؤون التركمان عامة مؤكدين فيها مرة اخرى عن استرتيجيتنا التي طالما انقذتنا من الويلات و المصائب وانها هي الكفيلة على انقاذنا من الدوامة الهالكة لما تحتويه من المبادئ و الأهداف مشيرين فيها الى السياسات الدولية و الأقليمية ذات العلاقة بقضايانا الوطنية و القومية .
ان تقسيم ممتلكات الأمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى على شكل دول و امارات صغيرة تضم كل واحدة منها شعوبا و قبائل ذات الأنتمائات دينية و عرقية مختلفة لم تكن عشوائية بل كانت وليدة خطة مدبرة ترمي الى الحيلولة بينهم و بين التجمع تحت راية واحدة دينية كانت ام قومية تحقيقا لمصالح الحلفاء المتمثل في السيطرة على ارادة وموارد تلك الشعوب ، وانطلاقا من نفس المبدأ تم رسم حدود دولة العراق بحيث يضم العرب و الأكراد و التركمان و السريان وغيرعم من ابناء القوميات الأخرى المتبنين لفكار و مذاهب مختلفة في اسلوب الحكم و تقرير المصير وذلك تسهيلا لتمرير سياسة فرق تسد مستغلين التدهور الثقافي و الأقتصادي في :-
أولا : حمل العرب على التصدي لاقتدار الأكراد و التركمان و السريان و العمل على صهرهم داخل البودقة العربية تحت ذريعة الحفاظ على وحدة الاراضي العراقية.
ثانيا : دفع الاكراد الى المطالبة لانشاء وطن قومي مستقل فوق اراضي ( كردستان الكبير) والتي تمتد حدودها الجنوبي الى سلاسل جبل حمرين داخل العراق .
ثالثا : ترغيب التركمان الى المطالبة بعودة الاتراك واعادة ولاية الموصل الى تركيا.
رابعا : تسليح الاشوريين ودفعهم للمطالبة بكيان قومي مستقل فوق الاراضي التي يعتبرونها وطن الاجداد.
وعلى هذا الاساس تم اعتبار الاراضي التي تقع شمال سلاسل جبل حمرين ( شمال العراق من قبل الدولة ، كردستان العراق من قبل الاكراد ، ولاية الموصل من قبل التركمان ، موطن الاجداد من قبل الاشوريين ، وووو ) . بذلك كله وبما ششابهها من الافكار المسمومة اوقعونا داخل الدوامة الهالكة التي انستنا التمسك بالهوية الوطنية الضامنة لحقوقنا كافة مندفعين الى التطرف القومي و التعصب المبدئي متقوقعين داخل النظرات الحزبية الضيقة التي تسببت الى اشعال نار الفتنة بيننا ، و الصدام المسلح بين الدولة و الشعب حينا بعد حين تاركة اثارها السلبية في نفوس العراقيين جميعا مرتكبين كل انواع الجرائم بحق بعضهم الاخر كلما طالت اياديهم كردود فعل عما اصابهم . فبدلا من السؤال
لماذا لم يوحدوا الدول العربية ضمن دولة واحدة او أجزار موحدة عند ترسيم الحدود ؟
لماذا لم يعلنوا عن كيان قومي مستقل للاكراد ضمن حدود كردستان الكبير او على اية جزء منها:
لماذا تركوا مشكلة الموصل معلقة ؟
لماذا دفعوا الاشوريين الى المطالبة بكيان قومي واجهضوها بانفسهم ؟
لماذا حولوا ثورة 14 تموز الى انقلاب دموي ؟
انطلقنا نحو كل مايودي الى التقاتل و التذابح بقلوب ملئها الحقد و الضغينة تجاه بعضنا الاخر متجاهلين الروابط الانسانية و الدينية و الوطنية و القومية التي تربطنا مؤيدين كل انواع التجاوزات التي لا تمس شريحتنا من غير ان نحس بان الزمن دوار . وبمرور الايام و انتقال الفرص تحقق فينا جميعا صفتي الجاني و المجني عليه مع تفاوت النسب .
نال ابناء قوميتي حصة الاسد من كل هذه الويلات والمصائب بسبب التشويه الحامل على واقعنا الوطني و امتدادنا التاريخي على ارض الوطن عند اتهامهم لنا بالطورانيين تارة و بقايا العثمانيين تارات اخرى . محققيين بذلك استمرارية فرض الضغوط علينا بالاضافة الى رصد ردود الفعل الناجم و تقديمها دليل ادانة ضدنا . وفي اول فرصة سانحة عام 1963 م تم معاقبة المدانين وفق القاموس القومي الا انها لم تدم طويلا ودارت الدائرة علينا جميعا حيث اصبحنا وجها لوجه مع اقصى انواع التعصب الذي ادى بالكثيرين الى الهجرة والقى الباقون الراية القومية بقلوب ملئها الحقد و الضغينة انتظارا لحلول فرصة ثانية ، وكاننا خلقنا كي ننتقم يوما و ينتقم منا في الاخر.
ان نظرتي للامور كانت مختلفة . وهذا ماساعدني على اخراج السفينة التي كانت على وشك الغرق من الدوامة الهالكة وقيادتها نحو بر الامان ، وذلك بالاعلان عن المبادئ و الاهداف الكفيلة على
( الانقاذ ) . والمتمثلة في اثبات :
اولا - اننا ع عراقيون بالاصالة وان امتداد عرقنا التاريخي تمتد الى السومريين ان لم تسبقهم الى عهد العبيد استنادا الى بعض المصادر .
ثانيا - اشغالنا للخندق الامامي في التضحية و الفداء من اجل الوطن و سيادتها و انعدام وجودنا ضمن شرائح الخارجين على القانون الا ما ندر.
ثالثا - تجاهلنا لمشكلة ولاية الموصل لقناعتنا الحاصلة بانها اصبحت مستحيلة بدليل الاحتجاج الدولي الحاصل ضد الزعيم عبدالكريم قاسم عند مطالبته بارجاع الكويت.
رابعا  - ان اتحاد عرقنا القومي مع تراك تركيا و الامة التركية لا تعني الافراط بوطنيتنا. مثلنا مثل ابناء الوطن العربي الموزع بين الدول و الامارات العربية . و لانرضى الا ان نكون السفير المدافع عن كياننا الوطني واستقلالها السياسي اينما كنا.
خامسا - تفاعلنا الصادق مع ابناء شعبنا العراقي تحقيقا للوحدة الوطنية لاننا اصبحنا ذات قدر واحد بسبب تداخلنا الجغرافي ، الثقافي ، الاجتماعي وحتى العرقي في اغلب الاحيان.
سادسا - بناء النفس التركماني بناء وطنيا و اجتماعيا و ثقافيا و رفعها الى مستوى المسؤولية في مخاطبة الاذهان املا لغسل الاذهان الافكار السيئة التي زرعتها عدونا المشترك بهدف الحيلولة بيننا و بين التلاحم الوطني -
سابعا - نبذ الارهاب و استعمال العنف في حل النزاع.
ثامنا - عرض المطاليب على مسؤلي الدولة مباشرة دون نصب قيم لذلك مهما كانت المبررات .
تاسعا - الحفاظ على استقلالية مؤسساتنا القومية و عدم الخروج عن الاهداف المرسومة لها.
بكل ذلك وبما شابهها من الافكار المنطقية المتشبعة بالانسانية و التسامح القومي تمكنا من ازالة التشنجات التي كانت قائمة بيننا و بين اخواننا ابناء الوطن الواحد ( العراق ) متوجهين نحو اعادة الثقة المفقودة بيننا بخطوات موزونة و معتدلة، نحن و التلاحم الوطني قاب قوسين او ادنى فاذا باندلاع حرب الخليج واعتبار خط شمال (36 ) منطقة امنة وانسحاب الادارات الحكومية منها. تزامنتها تهافت المنظمات الدولية اليها بما في ذلك الاحزاب السياسية و من جملتها الاحزاب التركمانية .
ان استحالة تجاهل وجودنا في الساحة القومية كانت سببا للاتصال معنا مطالبين التنسيق معهم. بينا لهم ان الظرف السائد في صالحكم لان الدعم الدولي معكم و بامكانكم عمل الكثير في ازالة العقبات التي تسببت الى كل هذا التباعد الحاصل بيننا و بين ابناء وطننا ، أما بقدر تعلق الامر بنا فاننا نترك لكم الساحة بشرط الالتزامكم بالمبادئ و الاهداف التي اعلنا عنها و عملنا على تحقيقها ضمن مسيرتنا الطويلة اضافة الى :-
أ - الحذر كل الحذر من الخطاء القاتل لان الظرف السائد استثنائي مهما طالت.
ب - جمع شمل التركمان تحت سقف واحد وتثقيفهم ثقافة قويمة منسجمة و المصالح الوطنية.
ج - التحرر من الافكار الوهمية التي تدفعنا الى التهلكة و اتباع منطق العقل في التعامل مع ممثلي الدول الاقليمية و العالمية .
د - التحرر من النظرات الحزبية الضيقة و تفضيل المصالح الوطنية عل المصالح القومية و المصالح القومية على المصالح الشخصية.
ه - الاخذ بنظر الاعتبار كل مافي الساحة واياكم و العمل على هدم ما بنيناه . كي لا يضطروا الى شد الخناق عليكم ، و بذلك تكونوا السبب في انعدام الثقة بيننا.
اعلنوا مواقفتهم على كل ما بيناه . لكن شهورا مضت واذا بالافعال تناقض الاقوال حيث انقلبت الموازين وتفرقة شمل التركمان بين احزاب غير متفاهمة ناهيك عن التكتلات داخل الحزب الواحد مما ادى الى نشوب مواجهات مسلحة بينهم راحت ضحيتها اناس ابرياء. اضافة الى خلق جو متشنج وبين الاحزاب الاخرى كادت تؤدي  الى نشوب حرب اهلي بيننا و بين ابناء المنطقة ، لولا تدخلنا المباشر بدراية وحكمه في كل مرة لاطفاء نار الفتنة حفاظا على ارواح الشعب عامة و التركمان خاصة. كل ذلك و غيرها من الامور التي تباحثنا معهم حول معالجتها بكل و ضوح وصراحة ابعدة الجماهير عنهم رغم الاغراءات.
وبدلا من الرضوخ لمنطق العقل و اعلان الرجوع عن الخطأ صبوا جام غضبهم علينا متهميننا بشتى انواع التهم المتناقضة وعندما احسوا باليأس اعلنوا ( ان الخوض في السياسة لا يحق لنا لان مؤسستنا ترفيهية). لذا اضطررنا على الاجابة عليهم بالغة التي يفهمونها و هو الاعلان الجزئي عن الانقاذ التركماني مكتفين بالكشف عن اسم المؤسس فقط و هو المحامي ( صنعان احمد اغا القصاب ) معلنين بان للتركمان جميعا حق التدخل في الامور التي تمس مصيرهم و مستقبل اجيالهم حتى وان لم يكونوا اعضاء في الاحزاب و المنظمات التركمانية مادمن تتكلمن باسمائهم بالاضافة الى قيامنا بتشخيص الاخطاء التي تمس كيانا القومي و عرضها على قادات الاحزاب و كل المهتمين بشؤون التركمان ، لكن الامر بقيت على ماكان و المستقبل المظلم ينتظر التركمان :-
الانقسام الى كتل و جماعات بعد ان كنا موحدين.
الجري وراء المصالح …. بعد ان كنا مثال التضحية و الفداء
التمادي في الاخطاء …. بدلا من الاتعاض عنها.
اكثار معاول الهدم …. بدلا من البناء.
التقوقع داخل النظرات الحزبية الضيقة ….. بدلا من التفتح و الشمولية.
ملئ القلوب بالحقد و الضغينة …… بدلا من الحب و احترام الغير
زرع اليأس في القلوب ……. بدلا من بناء النفس و الذات
الجري وراء الخيال …… بدلا من منطق العقل و الواقع
كل ذلك وغيرها من الامور الغريبة عن واقعنا الاجتماعي جعلنا نقلق لحاضرنا و مستقبل اجيالنا وهذا ما دفعنا الى مخاطبة اصحاب القرار في التجمعات التركمانية مطالبين منهم اعادة النظر عن الستراتيجية التي لم تجلب لنا سوى المصائب والاضرار  لكن الامر بقيت كما كان ، مما اضطرنا على معالجة الموقف بالاسلوب المتحضر الا وهو تركهم مع الراي العام وجها لوجه كي يصطدموا مع الحقيقة المتمثلة في
أ - وجوب انسحاب المنظمات الدولية و الاقليمية من المنطقة بمجرد عودة العراق الى حضيرة المجتمع الدولي اجلا امعاجلا.
ب - حصول الاجماع الدولي على بقاء ارض العراق موحده من غير تجزئه وبذلك يكون النظام فيه عربية .
ج - تمتع الاكراد بالحكم الذاتي حتى في حالة عدم تحقيق الفدرالية.
د - تحقق المطاليب القومية بالقرار الصادر من الدولة في الداخل.
  مؤكدين للجميع مرة اخرى بان عملنا الاساسي في المسيرة القومية كانت و مازالت محصورة على مخاطبة اذهان اصحاب القرار بهدف الوصول الى كسب ثقتهم لتحقيق التلاحم الوطني الضامن للحقوق القومية …….. وكل ما هو دون ذلك فاننا في غنى عنها و عن الساعين اليها . و بهذا اصبحنا موضع ثقة الجميع .
                           ومن الله التوفيق
       صنعان احمد اغا القصاب
                                                                            21  / 5 / 1997 م
       اربيل 


                    تركيا والأكراد : ماذا بعد خسارة الجولة الأولى؟
                                                                           د.جبار قادر
خسارة تركيا للجولة الأولى من حربها الأعلامية ضد كرد العراق تبدو واضحة للعيان من خلال التصريحات الأخيرة التي أدلى بها أمس وزير الحرب التركي صباح الدين جكماك أوغلو و نقلتها وكالة أنباء الأناضول . فبعد تهديداته السابقة لكرد العراق بالويل و الثبور و عظائم الأمور فيما إذا فكروا بإقامة الدولة الكردية ( وهو أمر لم يطالب به كرد العراق و تنفيه القيادات الكردية بصورة يومية تقريبا وتعرف تركيا قبل غيرها إستحالة إقدام كرد العراق بالمغامرة بإقامة دولة كردية محاصرة في ظل الأوضاع الأقليمية و الدولية الحالية المتشجنة رغم حق الشعب الكردي الشرعي مبدئيا كسائر شعوب الأرض في تقرير مصيره الأمر الذي تقره القوانين الدولية ). ووصل الأمر بجقماق أوغلو بالتهديد بإحتلال الموصل و كركوك و الحديث عن حقوق ( تاريخية !!!) للدولة التركية في كوردستان العراق و محافظة الموصل وما الى ذلك من الأطماع التي تثيرها بين فينة و أخرى بعض القوى التوسعية و القومية المتطرفة في تركيا ،حاول التنصل منها بطريقة تحافظ على ماء الوجه .
يبدو أن ردود الفعل القوية من جانب الشخصيات و القوى السياسية الكردستانية في الوطن و في المنافي الى جانب العديد من قوى المعارضة و الشخصيات العراقية و بعض الأوساط العربية و الأقليمية قد قطعت على الوزير التركي أحلامه الوردية و أعادته الى واقع تركيا المرير الملئ بالأحتقانات السياسية و الأجتماعية و الأقتصادية. ولا يستبعد أن تكون الولايات المتحدة الأمريكية و حليفاتها قد قامت بتوبيخ الحكومة التركية بسبب تصريحات جكماك أوغلو التي تتقاطع مع خطط أمريكا وعهدوها بالحفاظ على وحدة الأراضي العراقية ومطالبة رئيس الوزراء  المخرف لوزيره بتكذيب تصريحاته السابقة .
غير أن قيام جكماك أوغلو الذي ينتمي الى حزب الحركة القومية الفاشي بالتنصل من تهديداته السابقة بصورة مباشرة سيؤثر على مكانة حزبه في أوساط قطعان الذئاب الرمادية وقد دخلت البلاد مرحلة الدعاية الأنتخابية و ليس لدى الحزب مايقدمه من برامج سوى شحنات التطرف القومي و العنصري إزاء القوميات الغير تركية في تركيا و معاداة الشعوب المجاورة بل و البعيدة و إتهام الجميع بتدبير المؤمرات و الدسائس ضد الأمة التركية و العمل على تقطيع أوصال تركيا . لذلك لجأ الوزير الى إطلاق تصريحات جديدة (تنسخ) تهديداته السابقة ولكن دون الأشارة اليها من قريب أو بعيد . فقد أشار الى أن (( شرعة الأمم المتحدة تنص على أن الدول قادرة على القيام بعمليات على حدودها من أجل تأمين أمنها )). أين هذا الكلام المؤدب و المؤسس على شرعة الأمم المتحدة و الحديث عن القيام بعمليات عسكرية على الحدود الوطنية من التهديد و الوعيد بإحتلال مناطق واسعة من أراضي دولة مجاورة.
وحديث جكماك أوغلو عن قيام الجيش التركي في الماضي ب(( عمليات عديدة على الحدود )) و قوله (( اذا لاحظت تركيا تهديدا محتملا على حدودها فستقوم بعمليات مماثلة )) يهدفان الى إقناع الناس بأن بلاده وبعكس تهديداته السابقة شخصيا لا تنوي القيام بعمليات عسكرية واسعة النطاق بل ستحاول حماية الأمن على حدودها الوطنية و قد تستغل ظروف الهجوم الأمريكي على العراق وتقوم قواتها العسكرية بشن هجمات ضد مواقع معينة لقوات مؤتمر الحرية والديمقراطية الكوردستاني (( حزب العمال الكوردستاني سابقا )) في كوردستان العراق . يعرف وزير الحرب هذا بأن عمليات التوغل السابقة للجيش التركي كانت تجري ضمن شريط حدودي ضيق وكانت برضى و أحيانا كثيرة ، ومع الأسف الشديد ، بدعوة أحد الحزبين الكرديين المتناحرين الذين ساهمت خلافاتهما الى جانب أوضاع الحصار و تدمير الحكومة العراقية للبنى التحتية في كوردستان و أسباب أخرى لا مجال للأسهاب فيها هنا الى فسح المجال أمام تركيا و غيرها للتدخل في الشؤون الداخلية الكردية و ممارسة الضغوط على الجانبين و دفعهما للتصادم والتناطح العقيم .
السؤال المهم الآن و بعد هذه اللطمة التي وجهت لأكثر الأوساط عنصرية ودموية في تركيا، هل تسكت هذه القوى على مضض و تقبل بالهزيمة و تصحو من أحلام اليقظة وتلجأ الى سلوك جديد مع الجيران أم ستحاول الرد و الأخذ بالثأر من الكرد من حيث لا يتوقعون ؟
المتابع لطبائع الأمور في تركيا لا يساوره الشك بأن القوى القومية المتطرفة في البلاد و جنرالاتها سوف يعملون كل ما في وسعهم للأخذ بالثأر و النيل من الكرد و قياداتهم السياسية التي وقفت بوجه الأبتزاز التركي . يبدو لي أن الرد التركي سيكون على مستويين داخلي و خارجي . فعلى الصعيد الداخلي و بسبب الهزائم المتتالية للقوى القومية الفاشية التركية بدء من إضطرار البرلمان التركي الأعتراف ببعض الحقوق الثقافية للكرد في تركيا و إلغاء حكم الأعدام ،خاصة و إن حزب الحركة القومية حصل على نسبة عالية من الأصوات في الأنتخابات السابقة في ظل الهيجان القومي العنصري الذي رافق إعتقال زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان و ظل حزب الحركة القومية يطالب بإعدامه على مدى السنوات الثلاث السابقة،و مرورا بتنامي دور حزب الشعب الكادح وهو الحزب الرسمي الوحيد في البلاد الذي يعبر الى حد كبير عن التطلعات القومية للكرد في تركيا ، حتى أن التوقعات تشير الى إمكانية حصول الحزب في الأنتخابات القادمة على نسبة من الأصوات تصل الى 8 % أو أكثر من ذلك ، و هي نسبة تشير إستطلاعات الرأي العديدة الى إخفاق العديد من الأحزاب التركية المؤتلفة في الحكومة الحالية و في المعارضة من الحصول عليها ، الأمر الذي أدى الى دخول بعض الأحزاب السياسية في تركيا في مفاوضات مع الحزب لعقد الأتفاق معه لدخول معترك الأنتخابات . ووصل الأمر برئيس الوزراء الى التدخل السافر في شؤون الأنتخابات و تخويف الناخبين من حصول حزب الشعب الكادح و حزب العدالة و التقدم ( التنمية ) الأسلامي من الوصول الى البرلمان و الحكم ، لأن ذلك سيخلق برأيه أزمة في مجمل النظام السياسي التركي . نقول بسبب تلك الهزائم ستحاول القوى القومية المتطرفة و الجنرالات من خلال مجلس الأمن القومي ، صاحب السلطة الحقيقة في البلاد ، بعمل من شأنه أن يعيد لهم الأعتبار أمام ناخبيهم . وقد ظهرت بوادر هذه الخطوة بسرعة غير متوقعة عندما نشرت الصحافة التركية بالأمس وعلى لسان رئيس المحكمة الدستورية مصطفى يومين إمكانية منع حزب الشعب الكادح قبل الثالث من نوفمبر القادم وهو موعد إجراء الأنتخابات البرلمانية في البلاد . وقد هللت الأوساط الحاكمة و الصحفية في تركيا لقرار منع حزب باتاسونا الباسكي وحاولت جاهدة مقارنة إرتباط الأخير  بمنظمة إيتا و علاقات حزب الشعب الكادح بحزب العمال الكوردستاني ( كاديك حاليا) رغم الفروق الهائلة بين الوضعين . إلا أن الأوساط التركية التي واجهت إنتقادات شديدة من دول الأتحاد الأوربي و البرلمان الأوربي عندما حاولت منع حزب الشعب الكادح عبر قرار صادر من المحكمة الدستورية تحاول إعتبار قرار المحكمة الأسبانية على أنه إجراء أوربي عام يمكن للدول الأعضاء و المرشحة لعضوية الأتحاد الأوربي الأحتذاء به و تطبيقه دون أن يثير ردود فعل قوية و إدانة من مؤسسات الأتحاد الأوربي . هل تنجح تركيا على هذا الطريق و تسد جميع الطرق أمام الكرد لممارسة النشاط السياسي و تدفعهم الى التطرف ، أم ستجبر على التخلى عن هذا النهج ويتحول حزب الشعب الكادح الى حجر الزاوية في بناء نظام سياسي جديد في تركيا ؟ هذا ما سنراه في المستقبل القريب .
أما على الصعيد الخارجي ستحاول تركيا من جهة إبتزاز النظام البعثي في العراق للحصول على أكبر قدر ممكن من المنافع الأقتصادية و إفتعال الأزمات و وضع العراقيل أمام تطور الأوضاع في العراق و ماحوله لصالح الديمقراطية من جهة أخرى . وتهدف من وراء ذلك كله الى خلق أوضاع غير مستقرة تتزايد معها مخاطر الأحتقانات والتدخلات الأقليمية و إندلاع النزاعات المحلية و  تستطيع معها الأحتفاظ بأهميتها و موقعها في الأستراتيجية الأمريكية و الغربية و التي أعطتها إمكانية إبتزاز  الطرفين إقتصاديا على مدى الخمسين عاما الأخيرة . تدرك تركيا أن قيام نظام موالي للغرب في عراق غني بالثروات النفطية و الأمكانيات البشرية و الزراعية و غيرها يعيد الى العراق ثقله السياسي و الأقتصادي في المنطقة بل و يمكن ان ينقله الى مركز الأحداث و السياسات في الشرق الأوسط بقوة أكبر حتى مما كان عليه الأمر في عهد نوري السعيد و قبل ثورة 14 تموز عام 1958 . والنتيجة الحتمية لمثل هذا التطور الدراماتيكي هو فقدان تركيا لدورها المهم في الأستراتيجية الأمريكية و الغربية و فقدانها لأوراق الضغط و الأبتزاز و تخويف الغرب من الحركات و الدول الأسلامية و بؤر التوتر في القفقاس و أواسط آسيا .
و على صعيد كوردستان العراق ستلجأ الأوساط الحاكمة في تركيا لكي تعيد الأعتبار لوزير الحرب و جنرالاته و حزبه المتطرف الى خلط الأوراق و تحريك البيادق و القوى المرتبطة بالميت التركي مباشرة في المنطقة لأثارة المشاكل و الفتن لخلق مبررات التدخل .  فقد صرح قائد القوات البرية التركية آيتاج يلمان بالأمس الى أنه (( ستكون هناك في القريب العاجل تطورات جديدة لمصلحة تركيا في شمال العراق )) . يجب أن يؤخذ هذا التصريح بمنتهى الجدية . هل ترتبط تلك التطورات بمحاولات فتح بوابة جديدة بين العراق و تركيا عبر سوريا و خنق الأدارة الكردية وبخاصة في أربيل و التي وقفت بوجه التهديدات التركية ؟ أم ستحاول تركيا عبر عملائها في الجبهة التركمانية وما يسمى بقوات السلام و غيرهما من المرتبطين بالميت التركي الى إثارة الفتن و الخلافات وصولا الى توفير المبررات للتدخل ؟ أم العمل على إثارة الخلاف بين الحزبين الكرديين الرئيسيين الذين يلاحظ التباين في علاقاتهما بتركيا وصولا الى إيجاد الأرضية المناسبة لأندلاع جولات جديدة من القتال بينهما و التي ستكون بمثابة الكارثة بالنسبة لكرد العراق و لن يرحم الكرد و التاريخ من سيقع في هذا المطب القاتل ؟ قد تبدو هذه الأستنتاجات للبعض تهويلا للأمور . ولكن التجارب علمتنا أن جميع الأحتمالات قائمة و معاداة تركيا للحقوق القومية المشروعة للكرد لا حدود لها و حالة الأختلاف و الأحتراب الداخلي الكردي كان ولايزال المصدر الأساسي لكل  الكوارث التي حلت بالشعب الكردي .
لا بد من مواصلة الضغط على الرأي العام العراقي و العربي و العالمي للتنديد بالتهديدات التركية و و المطالبة بخروج القوات التركية المتواجدة على أرض كوردستان العراق وعدم السماح بتواجدها في المنطقة تحت أية مسميات . من الضروري المطالبة بنزع السلاح عن ما تسمى بقوات السلام  و التي يشرف عليها ضباط أتراك و طردهم من كوردستان و تكليف قوى سياسية كردستانية و عراقية معروفة بنزاهتها و إخلاصها للتراب الوطني بهذه المهمة فيما إذا كانت هناك من حاجة أصلا الى مثل هذه القوات خاصة وأن القيادات السياسية للحزبين المتنافرين تزعم في كل مناسبة أن بناء الثقة بين الطرفين وصلت الى مرحلة متقدمة و هناك تنسيق بين الطرفين على مستويات عدة .
وأخيرا لا بد من ممارسة ضغط شعبي كبير على قيادة الحزبين للتوصل الى إتفاق نهائي وحل جميع النقاط  العالقة من إتفاقية واشنطن و الأسراع في لم شمل البرلمان و توحيد الأدارتين و توحيد الموقف من التطورات الجارية و من العلاقات مع القوى الأقليمية و تحميل تلك القيادات مسؤولية أية عثرات ستحصل للتجربة الكردية .

 


من حق موتانا علينا …. ولكن ماذا عن كتاب الكرد في نظر العلم ؟ 
                                                                    د.جبار قادر  
كتب الدكتور عزيز الحاج في العمود المنشور على الصفحة الثانية من جريدة الزمان ( العدد 793 بتاريخ 4 كانون الأول 2000 ) والذي كان تحت عنوان (( محمد رشيد الفيل - علم غزير …وعطاء ثر)) مقالا أشار فيه الى محاسن الرجل وأعتبره من الشخصيات العلمية المرموقة بل والنادرة و انتقد ظاهرة عدم ايلاء الأهتمام بوفاته الا قليلا و دعى الى تكريم ذكراه.
أثارت كلمات الدكتور الحاج لدي الرغبة في ابداء بعض الملاحظات السريعة عن ظاهرة أخذت تسود حياتنا الثقافية و الصحفية و هي ظاهرة تبجيل الموتى الى حد التقديس و اضفاء كل الصفات الملائكية على الكثيرين منهم دون أن يكونوا قد حلموا الا بالقليل منها و الأبتعاد عن ذكر اية معلومة تاريخية يمكن ان لا تسجل لصالحهم . و لاتهدف ملاحظاتي الى الأساءة الى ذكرى المرحوم الفيل و محبيه ، و انما وددت من خلال الأشارة الى بعض الجوانب التي ربما لم يرغب الدكتور الحاج ان يشير اليها من حياة الرجل أن اسجل الآثار الغير سليمة لهذه الظاهرة على تدوين تاريخ الشخصيات العلمية و السياسية . لا شك ان من حق موتانا علينا ان نذكر محاسنهم و من حق الأنسان ان يعبر عن ما يجيش في نفسه و يطلق العنان لعواطفه بسبب فقدانه لشخص عزيز عليه . ولكن ما كتبه الدكتور الحاج  يتجاوز تأبين الرجل الى تقييم مكانته العلمية و السياسية و الأجتماعية ، وهذا بالذات ما دفعني مكرها الى كتابة هذه السطور.
كتب الدكتور محمد رشيد الفيل عام 1965 كتيبا تحت عنوان ( الأكراد في نظر العلم ) و قد نشرت مطبعة الآداب بالنجف الأشرف الكتيب في 76 صفحة. ويشير العنوان الى الهدف من نشر الكتيب . وكان مستفزا لمشاعر الكرد . فالكر بنظر العلم و غير العلم بشر كغيرهم من شعوب الأرض خلقهم الله و لم تكن هناك نظرية علمية خاصة بهم لكي يدرسوا في ضوءها. كما ان العنوان كان يحمل في طياته خطأ منهجيا لأنه لم يتفق و مضمون الكتيب . فقد كان الكتيب محاولة لتشوبه الحقائق التاريخية المتعلقة بالكرد و الأستعانة بمصادر تاريخية لا يعول عليها و أفكارا عفى عليها الزمن لأثبات ما لم يكن بالأمكان اثباته و هو انكار وجود الكرد كأمة لها خصائصها القومية المتميزة.  ولم تخرج الآراء ( العلمية !) للمرحوم محمد رشيد الفيل عن السياسات الرسمية للحكومة العراقية بل جاءت مطابقة للترهات التي كان يطرحها المشير المرحوم عبد السلام عارف . وكان نشر الدكتور محمد رشيد الفيل لذلك الكتيب خروجا على التفاليد العلمية التي كان الباحثيين العراقيين المعروفين لا يحيدون عنها.
و لا ينسجم ذلك قطعا مع كلمات الأهداء التي تصدرت كتابه الأخير و الذي أشار اليها الدكتور الحاج في مقاله  المذكور و هي مهداة (( الى كل من يقدس العدل و الحق و المساواة و يعمل على تخليص الشعوب من الآمها و على استعداد للتضحية لأحقاق الحق و ازهاق الباطل ….)) و يطالب فيها كذلك بالديمقراطية و الحريات العامة و حقوق الأنسان و غيرها . ربما تشير هذه الكلمات الى التحولآت الى طرأت على فكر المرحوم الفيل و نظرته الى الأمور وربما يكون قد تراجع عن آرائه العنصرية الواردة في كتيب (( الأكراد في نظر العلم)) ولكننا لم نسمع ولم نقرأ على مدى العقود الثلاثة و النصف التي تلت نشره للكتيب الى ما يشير الى ذلك.
أخيرا من الضروري ان لا نكون انتقائيين في القائنا الأضواء على الأحداث و في تقويمنا للشخصيات العلمية و السياسية و ان لا تحجب عنا احزان فقد الأحبة حقائق التاريخ و الهفوات والأخطاء ورحم الله المرحوم الدكتور محمد رشيد الفيل و يمد في عمر الدكتور عزيز الحاج.

 

 

 

           السياسات الحكومية في كركوك خلال العهد الملكي ( 1921-1958)
       الدكتور جبار قادر
المقدمة
تهدف هذه الورقة الى إلقاء الأضواء على السياسات الحكومية في كركوك خلال العهد الملكي و تشخيص الدوافع السياسية و الأقتصادية و الأستراتيجية لتلك السياسات و ابعادها .
 وينطلق معد هذه الورقة في توضيحه لتلك السياسات ودوافعها و ابعادها من إفتراضات تأتي في مقدمتها مايلي :
أولا :انتهجت الحكومات العراقية المتعاقبة ضمن سياساتها العامة إزاء الشعب الكردي في العراق ،والتي تراوحت بين  إنكار الكرد كشعب و كوردستان كوطن قومي لهذا الشعب  و عدم الأعتراف بحقوقه القومية المشروعة ، و قمع حركاته السياسية والمسلحة التي كانت تهدف اساسا الى تحقيق المساواة بين جميع السكان بغض النظر عن انتمائهم القومي و الديني و الطائفي و العدالة في توزيع ثروات البلاد بعيدا عن سياسة النهب و التسلط و إفقار الكرد و تهميشهم في الحياة السياسية و الأقتصادية و الثقافية للبلاد ، انتهجت  سياسة جد خاصة في كركوك اتخذت صيغا مختلفة خلال العقود الثمانية الماضية لتصل الى مرحلة التطهير العرقي على يد الحكومة الحالية .
ثانيا : ورثت الدولة العراقية النهج العام لهذه السياسة من سلطات الأحتلال العثماني التي ادركت منذ وقت مبكر اهمية كركوك و القصبات التابعة لها لوقوعها على الطريق التجاري و الأستراتيجي الذي يربط موانئ البحرين المتوسط و الأسود مع الحدود الأيرانية و ولايتي بغداد و البصرة و ماوالاها . ولم تكن الدولة العثمانية وحيدة في هذا المجال بل ان جميع القوى و الأمبراطوريات التي تعاقبت على احتلال المنطقة منذ العصور القديمة ادركت أهمية هذه المنطقة و حاولت ايجاد مواطئ قدم لها لحماية هذا الطريق . ولكن هذه القوى لم تنجح كما  نجحت كل من الدولتين العثمانية و الصفوية في مهمة اسكان أتباعها و فئات من رعاياها في المدن والقصبات الرئيسية الواقعة على هذا الطريق . يضاف الى ذلك ان الدولة العثمانية في العقود الأخيرة من عمرها انتهجت الى جانب ايجاد مستوطنات لأتباعها في المنطقة سياسة تتريك جزء من السكان المحليين الذين شكلوا الأداة التي اعتمدت عليها الدولة في تنفيذ سياساتها في هذا الجزء من كوردستان .
ثالثا : بذلت سلطات الأحتلال البريطاني من أجل تنفيذ سياساتها الأستعمارية في العراق و كوردستان جهودا كبيرة لأقتطاع هذا الجزء المهم من المنطقة الكردية من الوطن الأم وربطه بالدولة العراقية وقام مستشاروها  السياسيين و العسكريين و  الأقتصاديين اصحاب السلطة العليا في العراق في العهد الملكي بادخال تحويرات جوهرية على تلك السياسات مستفيدين من تجاربهم الغنية في شبه القارة الهندية وبخاصة بعد ان ادركوا حجم بحيرة النفط  التي تعوم عليها كركوك. يضاف الى كل ذلك ان التحولات السياسية الكبرى التي شهدتها روسيا و تركيا في سني الحرب العالمية الأولى الأخيرة و بعيدها ، اجبرت مخططي السياسات الأستعمارية البريطانية في الشرق الأدنى على اعادة النظر في مجمل استراتيجيتهم  في هذه المنطقة بما فيها سياساتهم الكردية.
رابعا : لتداخل السياسات الحكومية ازاء الكرد مع سياساتها الخاصة بكركوك و التي تشكل اهم عناصر المشكلة الكردية في العراق و احد العراقيل الأساسية امام ايجاد حل سلمي لها ، لا يمكن دراستها و القاء الأضواء عليها بمعزل عن العناصر الأخرى ، لذلك وجب التطرق الى بعض المسائل الأخرى التي قد تبدو للوهلة الأولى خارج نطاق هذه الورقة .
 يعتقد معد هذه الورقة بأنه بدون إلقاء الأضواء على جذور تلك السياسات و تحليل ابعادها و دوافعها السياسية و الأستراتجية و الأقتصادية يصعب علينا فهم السياسات الحكومية اللاحقة في كركوك بما فيها سياسة الحكومة الحالية ، كما لن يكون بالإمكان وضع نهاية لمعضلة كركوك في المستقبل أيضا ، و التي تشكل برأيي برميل بارود قابل للأنفجار دوما . و هنا  بالذات تكمن الأهمية العلمية و السياسية لموضوع ورقتنا هذه.
كركوك عشية تشكيل المملكة العراقية :
 كانت كركوك و منذ منتصف القرن السادس عشر و حتى نهاية الحرب العالمية الأولى تدخل ضمن ممتلكات الدولة العثمانية. وكان عهد السيطرة العثمانية على كوردستان و العراق فترة مظلمة و عهدا للتدهور الأقتصادي و القهر القومي و المذهبي و التراجع الثقافي . وكان التنظيم الأداري العثماني يقوم على اساس الأيالات ( الولايات ) والتي كانت تقسم الى سناجق (ألوية) .فبعد الأحتلال العثماني مباشرة قسمت الأراضي التي تعرف اليوم بالعراق الى اربع ايالات هي : بغداد ، الموصل ، البصرة و شهرزور . وكانت ايالة شهرزور و التي كانت كركوك مركزا لها قد عاشت فترة مضطربة من تاريخها و تحولت الى ساحة كبرى للصراع العثماني - الأيراني . وضمت الايالة في القرن السادس عشر 16 سنجقا ارتفع عددها في منتصف القرن التالي الى 32 سنجقا ، و التي كان اكثرها عبارة عن قلاع على رؤوس الجبال و عند المضايق الجبلية المهمة و قد اندثر معظمها بفعل الحروب المستمرة بين العثمانيين و الأيرانيين أو بين الأمراء الكرد انفسهم. ومن بين اشهر سناجق ولاية شهرزور كركوك و اربيل و حرير و كوي و شمامك و سهل مخمور و شهرزور و شهربازار ، ومركة و شميران و قرداغ و قزلجة و جبل حمرين و غيرها(1).
من الضروري ان نشير هنا الى ان حدود الأيالات العثمانية لم تكن ثابتة بل انها كانت عرضة للتغيير المستمر سواء بسبب التغييرات الأدارية التي كانت تقوم بإجرائها الدولة العثمانية نفسها او نتيجة للحروب و الصراعات المستمرة بينها و بين إيران و التي كانت ايالة شهرزور من بين اهم ساحاتها . و تعرض التنظيم الأداري العثماني الى تغييرات كثيرة الى ان استقرت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر فقد اصبحت ولاية الموصل المشكلة عام 1879 تضم ثلاثة سناجق وهي : سنجق المركز الموصل و تتبعه اقضية دهوك ، زاخو ، زيبار ، سنجار ، عقرة وسنجق شهرزور كركوك و تتبعه اقضية اربيل ، رانية ،رزاندوز ، كويسنجق ، صلاحية ( كفري). اما سنجق السليمانية فقد ضمت اقضية بازيان ، شهربازار ، قرداغ ، طلعنبر و مرطة (2) .
 وكان سنجق شهرزور من اكبر سناجق ولاية الموصل من حيث عدد النواحي و القرى التابعة له ،اذ ضم 6 اقضية و 17 ناحية و 1712 قرية ، بينما ضم سنجق الموصل 6 اقضية و 15 ناحية و 1598 قرية و سنجق السليمانية 5 اقضية و 11 ناحية و 1082 قرية (3)  .
وكانت السلطات العثمانية وكما كان شأنها دوما و في جميع المناطق الخاضعة لسيطرتها تنهب موارد هذا السنجق دون ان تقدم من الخدمات  ما يتناسب مع وارداته . فقد بلغت ايرادات سنجق كركوك عام 1888 مثلا سبع ملايين ونصف المليون قرش . وكانت هذه الموارد تأتي من ضرائب العقار ، الأملاك ، الأغنام ، البدل العسكري ، ضرائب الدخل ، الأعشار ، الغابات ، الطابو و رسوم المحاكم .وكانت ضريبتا الأعشار و الأغنام تأتي في المقدمة اذ بلغت حوالي اربعة ملايين ونصف المليون قرش . اما الأموال التي خصصتها السلطات العثمانية للصرف على شؤون السنجق فلم تتجاوز 3 ملايين قرش ، صرف اكثر من نصفها على الجندرمة و البوليس و الضبطية . خصص نصف مليون قرش آخر على المحاكم و رواتب الموظفين في حين لم تكن هناك اية تخصيصات لشؤون التعليم و بناء الطرق و الجسور و تقديم الخدمات الصحية و غيرها من الخدمات التي كان يفتقر اليها اللواء و اقضيته و نواحيه (4) .
 وكانت اوضاع التعليم في حالة مزرية جدا في ولاية الموصل التي كانت فيها في  نفس العام ( اي عام 1888 ) سبع مدارس فقط  موزعة بمعدل مدرسة واحدة على الموصل ، كركوك ، اربيل ، صلاحية ( كفري ) ،عقرة ، رواندوز و السليمانية وكان يتلقى فيها التعليم  318 تلميذا فقط (5) .
وهكذا لم تخلف السيطرة العثمانية على هذه البلاد غير الخراب و التخلف و الفقر و التي شكلت عوائق كبيرة امام اي تطور حقيقي . و الأنكى من ذلك كله ان هذه المنطقة شأنها شأن العديد من مناطق الشرق الأخرى اصبحت في أواخر العهد العثماني هدفا للتوسع الأستعماري الأوربي . وكان هناك تنافس شديد بين الأنجليز و الفرنسيين و الألمان و الروس على السيطرة على الشرقين الأوسط  و الأدنى . وكانت كوردستان كمنطقة غنية و مهمة من الناحية الأستراتيجية تحتل موقعا مهما في هذا التنافس . فقبل اندلاع الحرب العالمية الأولى بوقت طويل كانت كل من بريطانيا و فرنسا و ألمانيا و روسيا تعمل ما في وسعها لتثبيت مواطئ قدم لها في هذه البلاد و السيطرة على ثرواتها و ربط سوقها بأسواق تلك الدول وكان النفط عاملا مهما في هذا التنافس . فقد بدأ العديد من الجيولوجيين الغربيين و قبل ان ينتهي القرن التاسع يتحدثون عن بحيرات النفط الغير مستخرجة في بابا طورطور ، حتى ان Morgan  الفرنسي تمكن من تحديد حجم حوض نفط كركوك و حتى خانقين و جبل كويخا في قصر شيرين و الذي حدده ب 300 كم تقريبا (6) .
وكانت محاولات الشركات البريطانية للأستحواذ على المناطق النفطية في كوردستان الجنوبية ( كوردستان العراق فيما بعد ) سببا رئيسيا دفع بالحكومة البريطانية على احتلال ولاية الموصل. وعبر ونستون ضرضل في تصريحه الشهير عام 1913 عن هذه التوجهات عندما أعلن دون مواربة بأنه ((  يجب ان نقف عند منابع النفط كأصحاب او مسيطرين على الأقل على جزء من النفط الذي نحن بحاجة اليه ))(7) .
وكانت اتفاقية سايكس - بيكو التي عقدت في مايس 1916 محاولة لتسوية المشاكل المتعلقة بتقسيم ممتلكات الدولة العثمانية بين القوى الكبرى الرئيسية . وبموجب هذه الأتفاقية كانت ميسوبوتاميا الجنوبية مع بغداد منطقة سيطرة بريطانية ، بينما اعتبرت المناطق الداخلية منطقة نفوذ بريطانية ، في حين اعتبرت ولاية الموصل منطقة نفوذ و ليس منطقة سيطرة فرنسية و قد اجبرت بريطانيا فرنسا على التخلي عن المطالبة بالموصل في مؤتمر سان ريمو عام 1920 مع تعويضها ب 25 % من اسهم شركة النفط التركية . وكانت فرنسا قد وعدت بالسيطرة على الجزء الأكبر من كوردستان العراق و كوردستان سوريا و الجزء الجنوبي الشرقي من كوردستان تركيا مع ارمينيا الغربية . بينما دخلت مناطق من كوردستان العراق الى الجنوب من كركوك و جبل حمرين و الجزء الجنوبي الغربي من كوردستان ايران ضمن مناطق النفوذ البريطانية ، و تركت الأجزاء الباقية من كوردستان الشمالية و الغربية الى روسيا . جرى تطبيق الأتفاقية فيما بعد وفق سيناريوهات اخرى بعد قيام الثورة البلشفية في روسيا و سيطرة بريطانيا على ولاية الموصل و ظهور الحركة الكمالية في تركيا .
بدأ الأنجليز نشاطا محموما للسيطرة على كوردستان في العام الأخير من الحرب العالمية الأولى. فقد تقدمت القوات البريطانية باتجاه كركوك و تمكنت في 28 نيسان 1918 من احتلال كفري و في اليوم التالي إحتلت طوزخورماتو  و دخلت كركوك في 7 مايس ( ولكنها إضطرت الى الأنسحاب منها بعد 24 ساعة لتعود اليها القوات التركية و لكن  الأنجليز عادوا اليها واحتلوها قبل عقد هدنة مودروس بخمسة ايام اي 25 تشرين الأول 1918 وطاردوا القوات التركية حتى آلتون كوبري ) . وكان الأنجليز قد ارسلوا منذ احتلال كفري الرسائل الى الزعامات الكردية في كركوك و السليمانية  .
ومنذ أن وطأت أقدامهم المنطقة الكردية بدأ الأنجليز ينتهجون سياسة تقطيع أوصال كوردستان . فقد كانت كوردستان الجنوبية برأي أحد أهم أعمدة الأستعمار البريطاني في العراق  ادموندز  ، تضم الموصل و كركوك و السليمانية . و كانت أربيل و كويسنجق و رواندوز اقضية منفصلة تابعة الى كركوك و قد فصلت عام 1918 من كركوك ليؤلف منها لواء رابع مستقل باسم لواء اربيل ، أما خانقين و مندلي المجاوران اللذان كانا من اعمال ولاية بغداد و أغلبية سكانهما من الأكراد فقد ضمتا الى لواء ديالى الذي تم تشكيله في نفس العام أيضا (8)   .
ضمت المملكة العراقية منذ تأسيسها 14 لواء كان من بينها لواء كركوك الذي ضم اربعة اقضية و 15 ناحية واستمر هذا التقسيم طيلة العقود الخمسة التالية دون تغيير جوهري ، لكن العقدين السابع و الثامن شهدا اوسع عمليات التغيير في تشكيلات العراق الأدارية وطالت تلك التغييرات محافظة كركوك اكثر من اية محافظة عراقية اخرى ، فالى جانب تغيير اسمها الجغرافي ، فقد تم تمزيق اوصالها و تجزئة وحداتها الأدارية و توزيعها علىالمحافظات المجاورة .
وكانت التعليمات الصادرة الى اول ضابط سياسي بريطاني جرى تعيينه في كركوك  خريف عام 1918 الميجر نوئيل تقضي بما يلي (( لقد تم تعيينك بمنصب الضابط السياسي في لواء كركوك اعتبارا من الأول من تشرين الأول. يمتد اللواء من الزاب الأسفل الى ديالى و الى الحدود الأيرانية . و انها تشكل جزءا من ولاية الموصل التي سيتقرر مصيرها النهائي من قبل حكومة صاحب الجلالة . و في الوقت الحاضر يجب اعتبارها تقع ضمن منطقة الأحتلال العسكري و الأداري . وعليك ان تباشر مهامك انطلاقا من هذا الأفتراض …… وعليك ان تشرح للزعماء المحليين الذين ستدخل معهم في اتصالات بانه لا نية هناك لفرض ادارة اجنبية تخالف عاداتهم و رغباتهم و تشجيعهم لتشكيل اتحاد للنظر في تسوية قضاياهم العامة بارشاد الضباط السياسيين البريطانيين )) ( 9) 
 تسببت الأعمال الحربية و تعبئة الناس و زجهم في فرق عمل السخرة و فرض الأتاوات و الضرائب عليهم و سرقتهم في تدهور الوضع الأقتصادي و تردي احوال الزراعة و تربية المواشي و الحرف اليدوية .كما أن الصناعات المحلية كانت تعاني من تراجع كبير و انقطعت سبل الأتصال و طرق التجارة التقليدية بفعل العمليات العسكرية. رافق ذلك كله الحصار و صعوبات النقل و نقص توريد السلع و المنتجات الصناعية و المواد الأولية للمصانع المحلية و التي تسببت بدورها في الأرتفاع الحثيث للأسعار على السلع الغذائية و الصناعية فضلا عن المجاعة و الأوبئة التي كانت تفتك بالالاف من ابناء البلاد . ادى ذلك كله الى اثارة حنق السكان على الأنجليز ، اذا اضفنا الى ذلك كله الدعاية التركية في كركوك و ولاية الموصل عموما يمكن ان ندرك حقيقة مشاعر و مواقف الناس تجاه السادة  الجدد . وبصورة عامة كان موقف سكان كركوك من الأحتلال موقفا معاديا و شارك سكان كركوك في الحركات المعادية للأنجليز ، فقد جرى عشية ثورة العشرين تنظيم تجمع جماهيري كبير في كركوك للتنديد بالسياسات البريطانية كما قام كرد كركوك اثناء ثورة العشرين بقطع خط سكة الحديد(10).  
قرر الأنجليز منذ البداية الأحتفاظ بكركوك مهما كانت نتائج سياساتهم في السليمانية و الألوية الكردية الأخرى. اذ لا نجد اشارات واضحة الى مستقبل كركوك في مجمل المشاريع الأنجليزية الخاصة بالمشكلة الكردية في العراق و كان تنامي الحركة القومية الكردية وراء اجبار السلطات البريطانية على التفكير في ايجاد حل لها يكون في صالح البريطانيين و الحكومة العراقية . ولكن مثل هذه الحلول كانت مرفوضة من قبل الكرد لأنها لم تكن تتجاوب مع أبسط مطاليبهم القومية ، فقد كان الأنجليز يخططون لأقتطاع كركوك من الكيان الكردي الذي كان يجري النقاش حول قيامه ، فقد اوصى المندوب السامي البريطاني باتخاذ نهر الزاب الأسفل حدودا شمالية لدولة العراق المزمع تشكيلها لغنى المناطق الواقعة الى الجنوب منها بالنفط و التبغ و القمح و الفحم و غيرها (11 ).  وفي الأجتماع الذي عقد في وزارة الخارجية و الذي نوقش خلاله المشكلة الكردية اقترح وزير شؤون الهند ئي ، سي ، مونتيجيو بان تكون الحدود بين كوردستان الجنوبية و ميزوبوتاميا الى الشمال من الخط الممتد من خانقين الى كفري - كركوك - التون كوبري - اربيل - زاخو - فيشخابور . وكانت خطته تقضي بضم هذه المدن كلها الى ميزوبوتاميا باستثناء اربيل و التي ترك امر تقرير مصيرها الى حين عرضه على الوجهاء و الزعماء المحليين( 12).  
و للسيطرة على مقدرات البلاد حاول البريطانيون اثارة العداء بين المكونات الأثنية في كركوك و غيرها و خلفوا حتى بعد خروجهم من العراق ركاما من اسباب التوتر و العداء بين الناس. لعل حادثة 4 مايس عام 1924 في كركوك تشكل نموذجا صارخا لمحاولات زرع بذور الشقاق بين ابناء كركوك الذين وصفهم ادموندز بنفسه بانهم كانوا يتصفون بالتسامح . فقد جرت في 4 مايس 1924 اضطرابات في السوق عندما هاجمت قوات الليفي الآثورية المدعومة من السلطات البريطانية التجار وبدأت باطلاق النار على المدنيين . وكان الموقف البريطاني سببا في تمادي قوات الليفي في غيها فقد منعت تلك السلطات تدخل الشرطة لوقف الأضطرابات و قتل بسبب هذا الحادث 50 شخصا و جرح 200 شخص . و أثار هذا الحادث حنق القبائل الكردية التي تهيأت لمهاجمة المدينة و الثأر للمقتولين ، كما ان الشيخ محمود اراد تحرير المدينة و معاقبة المجرمين ( 13). عرفت الحادثة عند اهل كركوك بحرب الأرمن لعدم التمييز بين الآثوريين و الأرمن ، فقد احتج السكان على تصرفات المحتلين الأنجليز و قوات الليفي الآثورية تجاه السكان . حاول بعض افراد الليفي عشية عيد الأضحى الدخول عنوة الى حمام النساء المعروف ب ( جوت حمام ) ، عند ذلك ثارت ثائرة السكان و ردت عليهم قوات الليفي باطلاق النار . اورد ادموندز صورة مشوهة للحادث حينما حاول تصوير الأمر و كأنه خلاف بين افراد الليفي و بعض اصحاب المحلات على سعر بعض السلع ليتوسع الخلاف و يتخذ ابعاد خطيرة ادت الى مقتل هذا العدد الكبير من الناس ، وليقوم المسلمون في اليوم التالي بمهاجمة و نهب بيوت و ممتلكات المسيحيين و كنائسهم . و هناك أدلة و شواهد كثيرة على قيام سلطات الأحتلال البريطانية و المستشاريين السياسيين و العسكريين الأنجليز و شركة نفط العراق بخلق و تعميق النعرات و الحزازات بين المكونات الأثنية المختلفة في كركوك. وكانت هذه الأعمال موجهة بالأساس ضد الكرد لأنهم كانوا يشكلون الخطر الأكبر على المصالح البريطانية في هذه المنطقة الغنية بالنفط ، خاصة و أن الحركة الكردية كانت تطالب آنذاك بإقامة الدولة الكردية المستقلة . و الأنكى من ذلك ان الحكومات العراقية المتعاقبة في العهدين الملكي و الجمهوري لم تدرك مخاطر هذه السياسة على مستقبل العراق بل تمسكت بها و نفذتها بصورة ابشع و نجمت عنها احداث مأساوية اتخذت احيانا ابعادا خطيرة لعل اكثرها دموية و مثارا للجدل كانت احداث تموز 1959 التي لا يدخل امر الدخول في تفاصيلها في نطاق هذه الورقة. 
رغم ذلك كانت الدوائر البريطانية مجبرة أن تتدارس خلال الفترة التي اعقبت احتلالهم لكوردستان الجنوبية فكرة التخلي عن المناطق الكردية الجبلية و التمسك بالمناطق السهلية و بخاصة كركوك بعد ان واجهت سلطات الأحتلال البريطانية العديد من الأنتفاضات الكردية في مختلف مناطق كوردستان ، حتى ان هذا التوجه ساد مؤتمر القاهرة الذي أكد على ضرورة ربط كركوك و الموصل بالعراق و التخلي عن المناطق الأخرى من كوردستان العراق بسبب المقاومة الكردية للأحتلال البريطاني و التي شكلت عبئا كبيرا على كاهل الخزينة البريطانية.  و جرت المطالبة بالأنسحاب من المناطق الكردية في بريطانيا نفسها بسبب التكاليف الباهضة لقمع و مواجهة الحركات الكردية المستمرة . وهكذا نرى بأن كركوك خضعت بعد الأحتلال البريطاني لنظام عسكري صارم و لأدارة خاصة بالأراضي المعادية المحتلة و لحكام عسكريين ( الضباط السياسيين) الذين خضعوا بدورهم للمندوب السامي البريطاني و الذي تجمعت الصلاحيات كلها في يده (14) .
وأشار ادموندز مستشار وزارة الداخلية العراقي الى المحاولات الكبيرة التي بذلتها بريطانيا لأبقاء سيطرتها على ولاية الموصل بما فيها كركوك و ربط الولاية بالعراق ، فقد أكد بأنه (( وليس من شك ساور احدنا في اننا الان نخوض معركة حياة او موت بالنسبة للعراق ذلك ليقيننا ان البصرة و بغداد دون الموصل لا يمكن ان يبنى منها دولة معقولة لأسباب أقتصادية و استراتيجية )) ورغم محاولات أدموندز لأخفاء الأطماع البريطانية في نفط  كركوك و الموصل ، الا أنه كان مجبرا على الأشارة الى أن الصحافة العالمية صورت المعركة على انها معركة على النفط . و قد أجمل الملك فيصل أهمية ولاية الموصل في عبارة بليغة وردت في مذكرته الى لجنة عصبة الأمم الخاصة بمشكلة الموصل والتي قال فيها (( لذلك اعتبر الموصل للعراق بمنزلة الرأس لسائر الجسد . واعتقادي الراسخ هو وان كان الموضوع تعيين الحدود بين العراق و تركيا الا انه في الحقيقة موضوع كيان العراق ككل و لذلك فان سعادة و شقاء اربعة ملايين من البشر هي الان بين يدي لجنتكم العالية )). وتطابقت المصالح العراقية و البريطانية الى حد كبير فيما يخص مصير ولاية الموصل ، وقد أشار أدموندز الى ذلك بوضوح عندما كتب يقول (( وكان هناك اعتبار اخر كان يدفعنا نحن ضباط الأقسام البريطانيين الصغار الذين كنا في موضع افضل لنرى ان لافرق بين المصالح العراقية النهائية و بين مصالح بلادنا المباشرة (15).
وكانت هذه المنطقة تعاني من تكالب قوى عديدة تحاول السيطرة عليها و نهبها ،فقد كان الكماليون يطالبون  بدرورهم بها ، ومما يؤكد الأهمية القصوى لهذه المسألة بالنسبة للكماليين ان  مصطفى كمال اكد في اول زيارة له الى انقرة في31 ديسمبر 1919 على ان ((حدود تركيا تضم كل الأراضي التي كانت تقع فعليا تحت سيطرة قواتنا يوم عقد الهدنة و تبدأ من النقطة الساحلية جنوب خليج الأسكندرونة وتمر بعد ذلك عبر انطاكية و من ثم عبر حلب وعبر محطة سكة الحديد في قطمة و تصل الى ضفة نهر الفرات الى الجنوب من جرابلس . ومن هنا تسير باتجاه الجنوب الى دير الزور و يتجه بعد ذلك نحو الشرق ضامة الى اراضينا الموصل ، كركوك و السليمانية . هذه الحدود  لم تحمى عمليا من قبل قواتنا المسلحة فحسب ، بل انها تضم مناطق من اراضينا التي يسكنها الترك و الكرد. والى الجنوب من هذا الخط يسكن اخوتنا في الدين الذين يتحدثون العربية . نحن نعتبر جميع اجزاء ارضنا الواقعة ضمن هذه الحدود كلا واحدا لايمكن اقتطاع و فصل اي جزء منه )) (16).
وكانت سلطات الأحتلال البريطانية وبموازاة قمعها للحركة القومية الكردية بقوة الحديد و النار تعمل بصورة لا تكل على ربط كركوك ربطا محكما بالعراق ، فقد طرح المندوب السامي البريطاني في نوفمبر 1918 فكرة مد سكة حديد كفري - كركوك - التون كوبري - اربيل - رانية - السليمانية بحجة تطوير هذه المناطق الغنية بالأنتاج الزراعي ، ولكن الهدف الرئيسي للمشروع كان يكمن في تحقيق السيطرة البريطانية على كوردستان لذلك وافقت وزارة الحربية البريطانية على المشروع دون اية شروط . جرى تنفيذ مشروع  سكة حديد بغداد - بعقوبة - كنكربان - كركوك - اربيل بحلول عام 1925 كأفضل و سيلة لربط كركوك و كوردستان الجنوبية عموما ببغداد على حد تعبير ويلسن (17) .
صوت سكان كركوك ضد تنصيب الأمير فيصل ملكا على العراق بسبب السياسات الأنجليزية المعادية للكرد و الدعاية التركية ضد الحاق الموصل بالعراق و لم يحضر اي مندوب من كركوك حفل تنصيب الملك في 23 آب 1921 كما كان شأن السليمانية.ولكن ذلك كله لم يؤثر في مسار الأحداث وفق السيناريو الذي اعده الأنجليز فقد كتبت  المس بيل تقول (( عشنا اسبوعا صعبا و لكننا نملك الآن ملكنا المتوج…  )) (18 ) .
سياسات سلطات لأنتداب البريطاني و الحكومة العراقية في كركوك
و شهدت كركوك حركة دائبة لزيارات المسؤولين البريطانيين و الحكومة العراقية خلال فترة مشكلة الموصل الى ان زارها الملك بنفسه في 20 كانون الأول 1924 بهدف حث ابناء المنطقة على المطالبة بالأنضمام الى الدولة العراقية الجديدة و اتخذت الزيارة المذكورة مناسبة لرفع العلم العراقي على مباني الدوائر الرسمية في اللواء ، أي قبل قرار الحاق الموصل وكركوك رسميا بالعراق من قبل عصبة الأمم بعام كامل  . كانت الأدارة في اللواء بيد الضباط السياسيين البريطانيين ، يعاونهم في ذلك الموظفون المحليون الذين كان معظمهم من التركمان السنة (19 ) .
كانت السلطات البريطانية و الحكومة العراقية السائرة في ركبها خلال الصراع على عائدية ولاية الموصل تحاول استمالة الكرد الى جانبها لكسب الصراع و رد الأطماع التركية التي بدأت تفقد مواقعها الواحدة تلو الأخرى بسبب سياساتها الشوفينية ضد مواطنيها الكرد . فقد نشر الجانبان التصريح المشترك الذي اكد على ان ( حكومة صاحب الجلالة البريطانية و حكومة العراق تعترفان بحقوق الكرد القاطنين ضمن حدود العراق لتأسيس حكومة كردية في المناطق التي يؤلف الكرد فيها الأكثرية المطلقة و ترجو من العناصر الكردية المختلفة ان تصل فيما بينها باسرع مايمكن الى اتفاق من شأنه تعيين شكل الحكومة التي يرغبون فيها و حدودها و ان يبعثوا بممثلين رسميين الى بغداد للمداولة بشأن علاقاتهم السياسية و الأقتصادية مع حكومتي بريطانيا و العراق ) (20 ) . هذا فضلا عن تصريحات كبار المسؤولين في العهد الملكي و التي كانت تطلق خلال الصراع على الموصل او عشية حصول العراق على الأستقلال الشكلي و دخول عصبة الأمم و التي كانت تتحول الى فقاعات سرعان مايطويها النسيان بل و انتهاج سياسة مغايرة لروح و مضمون تلك التصريحات.
بدءا حاول الأنجليز و من بعدهم الحكومات العراقية تهميش الكرد في الحياة السياسية و الأدارية و الأقتصادية في كركوك المدينة و اللواء . فقد سمح الأنجليز الذين احتلوا المدينة و القصبات التابعة لها فقط من دون الممتلكات الأخرى للأمبراطورية العثمانية المهزومة لموظفي الدولة المدحورة في الحرب و لجنودها و عوائلهم بالبقاء و الأستقرار في كركوك و القصبات التابعة لها . و الأنكى من ذلك ان سلطات الأحتلال الجديدة استعانت بنفس الموظفين في تصريف الشؤون الأدارية و التعليمية و غيرها في المدينة . ولم يكن هذا حبا برجالات الدولة السابقة بقدر ماكانت محاولة لمنع الكرد من لعب دور كبير في مقدرات كركوك وبخاصة بعد ادراك اهميتها الأقتصادية و الأستراتيجية بالنسبة للمصالح الحيوية البريطانية التي توافقت الى حد كبير مع المحاولات الرامية الى اقامة الدولة العراقية ضمن حدودها المعروفة اليوم . وكان الدافع الرئيسي لذلك هو ان الحركة الكردية كانت ترفع انذاك شعار اقامة الكيان القومي الكردي المستقل ضمن حدودها الجغرافية و التاريخية المعروفة لدى الأنجليز قبل غيرهم . واثبتت تجربة السنوات القليلة التي اعقبت الحرب العالمية الأولى بصورة لا تقبل التأويل ان الدولة الكردية المستقلة المنوي تشكيلها لن تكون صديقة و حليفة للأنجليز بسبب سياساتهم و اجراءاتهم القمعية بحق الكرد و محاربتهم لتطلعات الأخيرين القومية في مختلف ارجاء كوردستان (21).
من المظاهر الأساسية لتهميش الكرد في كركوك هو اسناد الوظائف الرئيسية لغير الكرد رغم انهم كانوا يشكلون وحسب جميع المعطيات الأحصائية اكثر من نصف سكان المدينة و اكثر من ثلاثة ارباع سكان اللواء فقد تسنم منصب متصرف اللواء خلال فترة 37 عاما تناولتها هذه الورقة خمس متصرفين كرد لم يتجاوز مجموع سنوات حكمهم سبع سنوات وهم فتاح باشا الكردي  1922-1924 و تحسين العسكري 1930-1931 و سعيد قزاز 1948-1949  و الشيخ مصطفى القره داغي 1950-1952 ورشيد نجيب 1952 - 1953  ، بينما اسند منصب رئيس البلدية في اكثر الأحوال الى الكرد من ابناء العائلة الطالبانية كمحمد حبيب الطالباني ( 1934 - 1949 ) و فاضل الطالباني في الخمسينات لحين اقالته بعد ثورة 14 تموز 1958  ، في حين تشير المصادر الى قائد واحد للفرقة الثانية من بين الكرد و هو الفريق امين زكي سليمان خلال عام 1936  ومدير شرطة كركوك لعام واحد و هو على كمال خلال عام 1934 ، بينما كان ثلثي ممثلي لواء كركوك في المجلس النيابي العراقي طوال العهد الملكي من الكرد و الثلث الباقي من النواب كانوا من التركمان و العرب . و كان التمثيل النيابي يعبر الى حد ما عن تناسب التكوين القومي لسكان اللواء على حد تعبير الدكتور نوري طالباني رغم عدم أتفاق هذا الرأي مع ماذكره محمد أمين زكي في مذكرته الى الملك فيصل(22) .
وقد أشار المؤرخ و الوزير الكردي محمد امين زكي في مذكرته المشهورة الى الملك فيصل الأول في 20 كانون الأول 1930 الى مسألة تهميش الكرد في الأدارة في العراق و كوردستان و بخاصة في كركوك و الى تنصل الحكومة العراقية عن التزاماتها بموجب قرار عصبة الأمم و الذي وافقت عليه مع حليفتها بريطانيا العظمى و عن تعهدات رئيس الوزراء في مجلس الأمة في 22 كانون الثاني 1926 و التي قدم وزير المستعمرات ملخصا له في 3 أيلول من نفس العام الى عصبة الأمم ، فقد ذكر رئيس الوزراء العراقي في كلمته مانصه (( يجب اعطاء الكرد حقوقهم و تعيين الموظفين من بينهم و ان تكون لغتهم رسمية و يتعلم اطفالهم في المدارس بها … )) (23 ).
وتكتسب المعلومات الواردة في هذه المذكرة أهمية كبيرة لأن مرسلها تسنم وزارات الداخلية و المعارف و الأقتصاد و الدفاع و العمل لأحدى عشر مرة خلال الفترة 1925 - 1942 واستقى معلوماته من السجلات والوثائق الحكومية الرسمية و عرف بالنزاهة و التسامح و الموضوعية و كان يخاطب بها الملك و ليس غيره .
ويشير محمد أمين زكي الى عدم تطبيق اية مادة من تلك التعهدات رغم مرور خمس سنوات على اطلاقها ، فقد اظهرت الأرقام بصورة جلية بان عدد الموظفين الكرد في العديد من الوزارات الرئيسية لم يشهد سوى زيادة بسيطة جدا بينما تناقص عددهم في اكثرية الوزارات الأخرى  ، هذا في الوقت الذي ارتفع عدد الموظفين من غير الكرد بنسبة مائة في المئة . وكان ذلك يتناقض كليا مع بيانات وزير المستعمرات البريطاني . ويرد بأدلة قاطعة على خطل التبريرات التي اوردتها الحكومة العراقية و حليفتها و التي كانت تشير الى عدم وجود اشخاص مناسبين و راغبين من بين الكرد لتسنم الوظائف الحكومة في الوزارات و  في الألوية الكردية ، فقد اشار الى ان الموظفين الكرد كانوا يشغلون في العهد العثماني جزءا مهما من الوظائف المدنية و العسكرية في الولايات الثلاث التي شكلت منها العراق فيما بعد . واكد بأن العدد الأكبر من هؤلاء بقوا في المناطق التي الحقت بالعراق و لازالوا موجودين و مستعدين لتولي الوظائف الحكومية لذلك لا يمكن للحكومة الأدعاء بانها لاتجد من بين الكرد اناسا يمتلكون الرغبة و القابلية المطلوبتين لتسنم تلك الوظائف . و كان بنفسه شاهدا على العديد من الحالات لموظفين كبار في الأدارة العثمانية السابقة راجعوا الوزارات المختلفة و ارتضوا بوظائف ادنى من وظائفهم السابقة الا ان مراجعاتهم لم يجري ترويجها ، في حين تسنم زملائهم من غير الكرد اكبر المناصب و جلسوا على كراسي الوزارات (24) .
وعن تهميش الكرد و عدم مراعاة العدالة و المساواة بين اقوام العراق في مسألة التوظيف و بخاصة في كركوك كتب محمد امين زكي في مذكرته المشار اليها مايلي (( و قبل انهي جوابي على السؤال الأول اود ان اضيف نقطة اخرى وهي ان الحكومة لا تراعي العدالة و المساواة بين اقوام العراق في مسألة التوظيف . فاذا دققنا في الوثائق الرسمية نرى بان نسبة الموظفين الكرد في لواء كركوك هي 24,5 % و التركمان 56,5% و العرب و العناصر الأخرى 19% في حين و حسب الأحصاء الكيفي الذي قامت به متصرفية لواء كركوك بنفسها فان نسبة السكان هي كالآتي الكرد 51% التركمان 21,5% و العرب 20% و الأقوام الأخرى 7,5%  .و من هنا وكما يبدو لي فان الحكومة و لبعض الأسباب - غير المعروفة لدي و لا اعتقد بصحتها - تساعد التركمان و تلحق الأضرار بالكرد و العرب . وهذا يثير بدون شك انزعاج الكرد و الشبهات لديهم ازاء عدالة الحكومة التي من واجبها ان تنظر بنفس العين الى كل عناصر العراق )) (25). )) . اي ان 76% من الموظفين في كركوك هم من غير الكرد في حين ان العدالة و المساواة في مسألة التوظيف برأيه كانت تقضي ان تكون النسبة حسب عدد السكان 51 % للكرد و 49 % لغير الكرد.
ومن الضروري ان نشير هنا الى عامل مهم ساهم الى حد ما في تهميش الكرد في إدارة الدولة العراقية وهو ان لغة الأدارة و التعليم في العهد العثماني كانت اللغة التركية و مع تشكيل الدولة العراقية حلت اللغة العربية محل التركية و التي كان معظم الموظفين المدنيين و العسكريين يجهلونها ، لذلك وجدوا انفسهم فجأة مفتقرين الى عنصر مهم من عناصر تسنم المناصب الحكومية . واستعان العديد من كبار الموظفين الكرد العائدين الى العراق بخدمات مدرسين خصوصيين لتعلم العربية ، وكان محمد امين زكي بنفسه واحدا من هؤلاء ، فقد ذكر المؤرخ الكردي الدكتور كمال مظهر أحمد بان محمد امين زكي (( بعد عودته من إسطنبول استعان بمدرسين خصوصيين لتعلم العربية و الأنجليزية ، وقد قطع شوطا كبيرا في تعلم اللغة العربية الفصحى و لكنه و حتى مماته لم يتقن  اللهجة البغدادية الدارجة كما كان يتمنى )) ( 26).
ولم تتخذ الحكومة اية خطوة جدية لأزالة هذا الغبن الذي لحق بالكرد بل ان السياسة التي انتهجتها كان من شأنها ان تعمق من هذه الحالة في المستقبل . فقد بلغ عدد الشباب الموفدين الى خارج العراق للدراسة حتى عام 1929 ( 120 ) شابا لم يكن بينهم سوى اثنان او ثلاثة من الكرد ، لأنه وحسب الشروط التي كانت تطبقها وزارة المعارف كان على المرشح للبعثة ان يكون من خريجي الثانوية ، بينما لم تكن هناك في كوردستان كلها سوى مدرسة ثانوية واحدة ولم يكن بامكان الطلاب القدوم الى العاصمة لأكمال الثانوية لأسباب تتعلق باللغة و الأمكانيات الاقتصادية . وهكذا كانت الحالة تسوء من عام الى آخر .  وكانت الحكومة تدعي بان الكرد يتسنمون الوظائف في الألوية غير الكردية ، لكن واقع الحال كان يشير الى ان نسبة الموظفين الكرد لم تصل الى 5% في اي لواء من الوية العراق ، بينما كان 26% من الموظفين في لواء السليمانية هم من غير الكرد. ولم يكن هناك مدير عام واحد من بين المدراء العامين الذي بلغ عددهم 19 ، كما لم يكن هناك ضابط يقف على رأس احدى دوائر وزارة الدفاع باستثناء واحد وكان الأمر كذلك بالنسبة لأمراء المناطق و الوحدات العسكرية  (27) .
وفيما يتعلق بتمثيل الكرد في البرلمان يقول محمد أمين زكي (( كما ان حقوقهم النسبية في مجلس النواب ناقصة . اذ انه بموجب احد تقارير عصبة الأمم فان نسبة سكان الكرد في الألوية الشمالية فقط تصل الى 18% من مجموع سكان العراق و ليس 17% كما يزعم البعض . وعلى ذلك يجب ان يكون عدد النواب الكرد 16 من مجموع 88 نائبا. واذا قارنا عدد النواب الكرد  في المجلس الحالي- حتى مع الذين سماهم وزير المستعمرات بنفسه بانصاف الكرد -  نرى بان عددهم لا يتجاوز 11 نائبا )) ( 28) .
وكان توزيع الوظائف العدلية من بين المسائل الرئيسية التي اهتمت بها عصبة الأمم عند دراستها لمشكلة الموصل و اقرار الحاقها بالعراق ، فقد اوصت بضرورة تعيين الموظفين الكرد و اجراء المرافعات و المحاكمات باللغة الكردية لعلاقتها المباشرة بحياة السكان . ورغم تعهدات الحكومتين العراقية و البريطانية الا ان هذا الأمر لم يطبق الا في السليمانية و كويسنجق . و يشير محمد أمين زكي بهذا الصدد الى (( ان الكرد يحاكمون في محاكم لواء كركوك باللغة التركية و في اربيل و الموصل و خانقين يضطرون للقيام بالمراجعات و المرافعات باللغة العربية. و تتسبب هذه الحالة في مشاكل و معاناة كثيرة للكرد لأنهم يضطرون الى الأستعانة بالمترجمين لبيان شكاواهم و دعاواهم امام المحاكم و ان يسلموا امر الدفاع عن حقوقهم الى هؤلاء المترجمين و انتظار رحمتهم . وكثيرا مايلحق بهم الغبن في هذا المجال ، لضعف المترجمين او قيامهم بتزوير حقوق المدعي و المدعى عليه بسبب منافع شخصية. وكان هذا المحذور بالذات وراء اقتناع مجلس عصبة الأمم بضرورة استخدام الكرد للغتهم في المحاكم )) (29).
وهكذا نرى بأن وضع الكرد في العراق عام 1930 من حيث المشاركة السياسية و الأدارية أسوأ بكثير من وضعهم عام 1926 وهو عام اطلاق التصريحات و الوعود بشأن حقوق الكرد في ولاية الموصل ، وكانت الصورة في كركوك بالنسبة للكرد أسوأ من ذلك بكثير .
تشكل اللغة القومية و شؤون التربية و التعليم و الحفاظ على التراث القومي و تطويره جوانب مهمة في حياة الأمم و تعد مواقف الحكومة المركزية في الدول المتعددة القوميات من هذه القضايا محكا للأعتراف بالهوية و الحقوق القومية و تبني سيادة العدل والمساواة ازاء جميع المكونات الأثنية . كما أن الأعتراف بالهوية و اللغة و الثقافة القوميتين تشكل عناصر أساسية لتوفير الفرص امام أبناء الأقلية القومية للمشاركة السياسية و الأدارية و الأقتصادية و الثقافية في البلاد ، والا سيكون مصيرهم التهميش و التخلف و طمس الحقوق . لذلك سنركز على هذه الجوانب و نشير الى الأرقام و و المعطيات و السياسات الحكومية في هذه الجوانب ازاء كرد كركوك على وجه الخصوص .
في تقريره عن اوضاع التعليم في العراق أشار المؤرخ و الوزير الكردي  محمد امين زكي الى التفاوت الكبير في نسب التخصيصات المالية للصرف على التعليم في الألوية العراقية في عام 1926 - 1927 . ففي الوقت الذي خصصت نسبة 38 % من واردات لواء بغداد و 19 % من واردات لواء الموصل للصرف على التعليم في اللوائين المذكورين ، بلغت نسبة الصرف في لواء كركوك على شؤون التعليم  9%  من واردات اللواء ، و كانت الحالة في الألوية الكردية الأخرى أسوأ من ذلك بكثير ، فقد كانت نسبة الصرف على التعليم في لواء السليمانية 1% فقط من مجموع واردات اللواء(30) . ويمكن القول بأن حصة الأسد من نسبة ال 9% المخصصة من واردات كركوك للصرف على التعليم في اللواء ذهبت الى المدارس الغير كردية ( لم تكن هناك داخل مدينة كركوك اية مدرسة كردية).
وشكلت سياسات الحكومة العراقية في حقل التعليم نموذجا صارخا لغمط حقوق الكرد و تهميش دورهم في جميع مناحي الحياة السياسية و الأقتصادية و الثقافية . وكان نشر التعليم باللغة الكردية في المناطق الكردية واحدا من الشروط الأربعة التي وضعتها عصبة الأمم و وافقت عليها الحكومة العراقية و (( الحكومة الحليفة )) و تعهدتا بتنفيذها . ولكن و بعد مرور خمس سنوات على تلك التعهدات كانت الصورة لا تثير لدى الكرد غير الحنق و الشكوك . فقد كانت لغة التعليم في مدارس السليمانية فقط هي الكردية ، اما في لواء كركوك ذي الأكثرية الكردية فلم تكن هناك سوى 3 مدارس كردية في حين ان ال 20 مدرسة الباقية باستثناء واحدة او اثنتان منها فانها كانت تستخدم جميعا اللغة التركية في التعليم ، هذا في الوقت الذي لم يتجاوز فيه نسبة المتحدثين بالتركية اكثر من 21% من مجموع سكان اللواء. وأبدى محمد امين زكي أسفه على هذه الحالة و اكد بان الكرد لايرغبون في ارسال ابنائهم الى مدارس تركية لأنهم لايودون تعليم ابنائهم باللغة التركية او يضطرون الى القيام بذلك مجبرين . وإعتبر هذا الأمر مخالفا لمبادئ علم التربية و لايمكن ايجاد تفسير مقبول لها سوى الأضرار بالكرد وتقديم الدعم للآخرين ( 31).
الغريب في الأمر ان عدد المدارس الكردية كان في تناقص مستمر فقد كانت هناك في عام 1923 ست مدارس كردية مقابل 13 مدرسة تركية . وكانت السلطات البريطانية تزعم ان السبب هو وجود نظام تعليمي عثماني جاهز من الضروري الأبقاء عليه لحين تنظيم التعليم في العراق في الوقت الذي كانت تبرر سياساتها ازاء الكرد بقلة عدد المعلمين الكرد و الكتب المدرسية الكردية . ومن الضروري الأشارة هنا الى ان وجود هذا العدد من المدارس التركية في كركوك يجب ان لا يفسر ، كما يتبادر للذهن بوجود جالية تركية كبيرة في المدينة ، بل يمثل صورة النظام التعليمي العثماني الذي كانت اللغة التركية لغة التعليم الرسمية فيه ، وكان الأمر كذلك في الولايات العثمانية الأخرى ايضا.
وهكذا نرى بان الحكومةالعراقية لم تلتزم بتعهداتها التي اعطتها الى عصبة الأمم في حقل التعليم باللغة الأم ،وقد اوردت مجلة ( زاري كرمانجي ) صورة معبرة عن حالة الأحباط التي كان يعاني منها الطلبة الكرد في كركوك ، فقد كتب ع.خ.ي من كركوك الى المجلة المذكورة بتاريخ 19/10/1929 يقول (( تجري التدريسات في كركوك في المدارس  الكلدانية و الأسرائيلية "اليهودية ج.ق  " و الأرمنية بلغات هذه الأقوام ، الكرد وحدهم يجبرون على الدراسة بلغات أجنبية " ، و تسببت حالة التخبط  في التعليم في كركوك في  تخلف الطلبة الكرد عن اقرانهم اذ يشير الكاتب (( أن الطلبة الكرد في كركوك يعانون من التخبط ، اذ يجبرون منذ دخولهم المدرسة و خلال السنوات الأربع الأولى على دراسة اللغة التركية ، وبعد ان يتعلمون شيئا منها دون ان يحصلوا على شئ من العلم تبدأ الدراسة باللغة العربية و بعد ثلاث اربع سنوات وبعد ان يحصلوا على شيء بسيط من المعرفة باللغة الجديدة ، يذهبون الى بغداد و يدخلون امتحانا صعبا لايأخذ بنظر الأعتبار حالتهم ليفشلوا في الأمتحان أو يطردوا بعد ان يفشلوا في الدراسة )) و يشير الكاتب بأن جميع الطلبة الكرد الذين ذهبوا من كركوك الى بغداد عادوا بخفي حنين خلال العامين الماضيين . ليس هذا فقط بل ان المدارس الكردية التي فتحت في كركوك قبل عام 1927 مثل مدرسة تكية ، والتي استبشر الكرد بافتتاحها و أرسلوا ابنائهم اليها سرعان ما اغلقت و لم تسفر جميع المحاولات التي بذلت لأعادة فتحها. و يشير الكاتب في نهاية مقاله الى معاناة الكرد من مراجعة الدوائر الرسمية و الوثائق الحكومية التي لا يفهمون منها شيئا لأنها بغير اللغة الكردية و يضطرون الى مراجعة رجال الدين لتفسير مضمامينها (32).
رغم توصية لجنة عصبة الأمم الخاصة بمشكلة الموصل ب (( بالأهتمام برغبات الكرد حول تعيين الموظفين الحكوميين في مناطقهم من ابناء قوميتهم و وجعل اللغة الكردية اللغة الرسمية في المحاكم و المدارس )) ،فان عدد المدارس الكردية في كركوك كانت 6 مدارس و لم تكن هناك مدرسة كردية واحدة في الموصل ، بينما كانت هناك في كركوك 13 مدرسة رسمية تركية و مدرسة خاصة غير حكومية و في الموصل 4 مدارس آثورية حكومية و مدرسة غير حكومية وكانت الجداول كما يلي: 
المدارس الأبتدائية الحكومية للبنين 
الأعوام       لواء الموصل    لواء كركوك   
  عدد المدارس    : عدد التلاميذ                                   عدد المدارس : عدد التلاميذ
1922/23            68                     6789                                           14                  1369       
1923/24            72                    6417                                             24                  1544 
1924/25           73                     6289                                            24                   1474
 
المدارس الحكومية الأبتدائية للبنات
1922/23       19                      1769                                               3                     169
1923/24       18                      2230                                               2                     92
1924/25      19                        2197                                              2                      95  (33)
ورغم انتهاء مشكلة الموصل و رغم توصية اللجنة بضرورة ايلاء الأهتمام بتدريس اللغة الكردية الا ان الوضع لم يتحسن فقد بلغ عدد المدارس الرسمية باللغة الكردية 41 مدرسة عام 1930 كان يتلقى التعليم فيها 1545 تلميذا ولكن كانت هناك وفي نفس العام 14 مدرسة حكومية تركية يدرس فيها 961 تلميذا و 27 مدرسة مسيحية مع عدد تلاميذ 3303 (؟) و خمس مدارس يهودية مع عدد التلاميذ 58 ) 34) .
وبطبيعة الحال لم يرض هذا الوضع الكرد و اضطرت سلطات الأنتداب البريطاني الى الأشارة في تقاريرها الى عصبة الأمم الى  انزعاج  الكرد من قلة المدارس بالكردية و لكنها بررت الأمر (( بأن الذهاب بعيدا مع الكرد في رغباتهم والتجاوب معها ليس لصالح العراق ككل و لا لصالح الكرد انفسهم )) (35). كيف يمكن ان يكون التعليم باللغة الأم هو امر ليس لصالح العراق ككل و لا لصالح الكرد انفسهم ؟ مع ان ملك العراق نصح رعاه عام 1926 بان (( أحد أهم وظائف كل عراقي مخلص هو تشويق أخيه الكردي العراقي ان يحافظ على عنصره و جنسيته و لا يحيد عنها.  …))، كما ان رئيس الوزراء العراقي عبدالمحسن السعدون خاطب مجلس النواب  في 22 كانون الثاني 1922 قائلا (( اذا اراد العراق ان يعيش فعليه تأمين حقوق جميع العناصر العراقية ، لأننا شاهدنا جميعا بان هذا الأمر كان وراء تشتت وانهيار الدولة العثمانية التي قامت باغتصاب حقوق العناصر التي كانت تتشكل منها وتمنعهم من التطور…)) بل ان المندوب السامي البريطاني نصح بنفسه اصحاب الشأن في العراق و في نفس المناسبة التي القى فيها الملك فيصل كلمته المذكورة قائلا (( يجب ان تكون رغبة الحكومة العراقية في ان تجعل من جميع العناصر العراقية اولادا مخلصين للحكومة و لتحقيق هذا الهدف عليها ان تشجعهم على الألتزام بدينهم و الأعتزاز بعنصرهم وان لايحيدوا عنهما . لن يصبح الكردي عربيا ابدا ، فمثلما لم يصبح الأسكوتلندي انجليزيا فلن يصبح الكردي عربيا ايضا ، ولن يصبح ابدا وطنيا صالحا اذا اجبر على استخدام اللغة العربية والعادات العربية . خلاصة القول يجب ان لا تجري المحاولات لجعله عربيا خالصا بل يجب تشجيعه وتقديم التسهيلات له ليصبح كرديا خالصا )) (36) .
بطبيعة الحال كان الأنجليز يدركون بأنه اذا ما توفرت للكرد فرص التعليم بلغتهم و تمكنوا من تطوير ثقافتهم القومية لن يرضوا باوضاعهم البائسة و سيطالبون بحقوقهم المغتصبة و بالمشاركة في الحياة السياسية و الأقتصادية و الثقافية للبلاد بينما كانت السياسة البريطانية تقوم على اساس تهميش دور الكرد و حرمانهم من المشاركة الفعالة في تقرير السياسات العراقية  .
وظهرت آثار الأهمال الحكومي في حقل التعليم في كركوك فيما بعد بصورة واضحة ، ففي حين بلغ عدد المتعلمين عام 1953 في لواء كركوك 20534 ، كان عدد غير المتعلمين 214980 شخص و كان عدد المدارس الأبتدائية للبنين 71 و البنات 13 و رياض الأطفال 11 و المدارس المتوسطة و الثانوية للبنين 6 و البنات 2 وكانت هذه المدارس متركزة في مركز المدينة و الأقضية و النواحي . وشخص الدكتور شاكر خصباك مشاكل التعليم في كوردستان بصورة موضوعية فبعد سرده للأسباب الأقتصادية وغيرها يشير الى ان (( المناطق الكردية تعاني من مشاكل خاصة و هي مشكلة لغة التدريس . اذ ان الدراسة في المدارس الأبتدائية هي باللغة الكردية في حين الدراسة في المدارس المتوسطة و الثانوية هي باللغة العربية . و مما لا شك فيه ان الأنتقال الفجائي من الدراسة باللغة الكردية الى الدراسة باللغة العربية عملية صعبة بالنسبة للكرد . فالكرد وكما وردت في قرارات عصبة الأمم عام 1926 لهم الحق بالدراسة بلغتهم القومية و يجب على وزارة التعليم وضع الكتب بالكردية و ترجمة الكتب العربية الى الكردية و يمكن ان تدرس العربية في المدارس و المؤسسات التعليمية الكردية كلغة رئيسية لتسهيل الدراسة في الكليات العربية امام الكرد لحين توفير مستلزمات فتح الكليات الكردية .و اهمال اللغة الكردية من قبل الحكومة العراقية كان دائما سببا من اسباب انزعاج الكرد و يجب معاملة سكان البلاد بقومياتهم المختلفة دون تفريق )) (37).
ومن المنطلق نفسه لم تشهد كركوك تطورا يذكر في حقل الصحافة الكردية ، فقد بدأت سلطات الأحتلال البريطاني باصدار جريدة (( النجمة )) في كركوك بعد 20 يوما من احتلالهم الثاني لكركوك اي في 15 / كانون الأول 1918 باللغة العربية ، استبدلت التسمية الى (( كركوك )) عام 1926 و صدر العدد الأول من الجريدة الجديدة في 12 تشرين الأول 1926 و كانت السلطات البريطانية و العراقية ترفض نشر المقالات فيها باللغة الكردية . ولكن عشية المعاهدة البريطانية - العراقية الجديدة و المناورات لقبول العراق في عصبة الأمم نرى بأن الجريدة بدأت و اعتبارا من العدد 302 في 2 مايس 1930 تخصص صفحتان من صفحاتها الست للنشر باللغة الكردية بينما خصصت صفحتان للأعلانات و الأمور الحكومية و الأهلية و صفحتان للنشر باللغة التركية. وقد بررت الجريدة هذا التوجع الجديد على الوجه الآتي (( هذا التشويق و الألهام جاء نتيجة للتوجهات العادلة لحكومتنا الموقرة ، والغاية منها تحقيق الحقوق و افادة الكرد المتواجدين داخل لوائنا )) . وكان تخصيص صفحتان من الجريدة لتصدر باللغة الكردية جزءا من لعبة التمهيد لدخول العراق الى عصبة الأمم و التي شكل تعيين تحسين العسكري ( من أهالي قرية عسكر قرب جمجمال ) متصرفا لكركوك و توفيق وهبي متصرفا للسليمانية و اصدار قانون اللغات المحلية حلقات منها . وقد كتبت الجريدة بعد سردها لحياة المتصرف الجديد و عائلته الكردية المشهورة و المراتب التي تدرج فيها في الجيش العثماني و المناصب التي تسنمها في الدولة العراقية مشيرة الى وصوله الى كركوك و تسنمه لمنصبه الجديد تقول (( ولدى تشريفه كركوك باعتباره وطنا له و قد حاز هو و آباؤه الشهرة الحسنة في هذه المنطقة، فقد استقبل من قبل اهالي المدينة بصورة فائقة للعادة ، و المشار اليه كردي ، وقد حصل على التعليم العالي و خبر الأدارة و السياسة و هو مطلع على الأحوال الروحية لمنطقتنا و بهذا الأعتبار نتمنى ان يكون عاملا على تحقيق الرقي و الخير العميم للوائنا )) . فضلا عن ذلك يبدو ان تعيين تحسين العسكري متصرفا لكركوك كانت محاولة من الحكومة لأزالة الاثار السيئة لسلوك و تصرفات المتصرف السابق عبدالمجيد اليعقوبي 1924-1927 و الذي عرف بتعسفه الشديد و عنصريته المفرطة ازاء الكرد . واشادت الجريدة بزميلاتها (زيان و زاري كرمانجي ) اللتان كانتا تصدران في السليمانية و رواندوز . ولكن سرعان ما قررت السلطات وبعد عام واحد فقط و بعد نقل تحسين العسكري الغاء القسم الكردي من الجريدة لتخوفها من نشر وتطور الثقافة الكردية بين الكرد في كركوك .(38)
ولم تكن الأوضاع في الجوانب الأخرى بأحسن حال من وضع التعليم و الصحافة ، ففي مجال الخدمات الصحية في كركوك كانت هناك 5 مستشفيات عام 1955 و 48 طبيبا للسكان البالغ عددهم انذاك 268005 ، كما ان نسبة الولادات و الوفيات كانت في علم 1953 في كركوك على التوالي 5،5 و 8،2 %  (39) . 
وكانت وسيلة اخرى من وسائل غصب الحقوق الكردية و التنصل من الوعود التي قدمت للكرد خلال الصراع على ولاية الموصل هو(( قانون اللغات المحلية)) الذي اصدره الملك فيصل الأول في 23 مايس 1931  . ويوضح نص القانون الأساليب التي لجأت اليها الحكومة لتهميش اللغة الكردية في كركوك و غيرها من المناطق الكردية . فقد نص القانون في مادته الثانية على (( تكون الكردية لغة المحاكم في الأقضية التالية : لواء الموصل:أ.عمادية ،ب . زاخو ، ج . زيبار ، د.عقرة. لواء اربيل : أ. كويسنجق ، ب . رانية ، ج . رواندوز . لواء كركوك : أ . كيل ، ب . جمجمال .   لواء السليملنية : أ . سليمانية ، ب . هلبجة ، ج . شهربازير) . بينما نصت المادة الثالثة من نفس القانون على (  يجوز ان تكون لغة المحاكم في الأقضية التالية الكردية او العربية او التركية :
   دهوك ، شيخان ، اربيل ، مخمور ، كركوك ، كفري ، ويعطى قرار المحكمة باللغة الأكثر شيوعا )  . فيما أجازت المادة الرابعة للمتهم في الأقضية المذكورة و في جميع الأحوال (      أ . ان يحاكم و يبلغ باللغة العربية اذا كانت لغته البيتية العربية. ب . ان تترجم المرافعات الشفهية الى الكردية او العربية او التركية ، وتعطى له نسخة الحكم المترجم . ويجوز لكل شخص ان يقدم دعواه او استدعاء للمحاكم في الأقضية المذكورة اعلاه او المحاكم اوسع صلاحية بالكردية و العربية و التركية) .
و أجازت المادة الخامسة ان تكون مخابرات الدوائر الفنية و المخابرات بين مراكز الألوية و الوزارة و بين مركز لواء الموصل و الأقضية العربية تكون اللغة الرسمية الكردية : لواء الموصل : عمادية ،  عقرة ،  دهوك ، زاخو ،و  زيبار . لواء اربيل : اربيل ، مخمور ،  كوي سنجق ، رانية ،رواندوز . لواء كركوك : جمجمال ،كيل . لواء السليمانية : السليمانية ، حلبجة ، شهربازير  . و يجوز ان تستعمل الكردية او التركية في قضائي كركوك و كفري ). وكانت نصوص المواد الأخرى على الشكل التالي :
((مادة 6 - تكون لغة التدريس في جميع المدارس الأولية و الأبتدائية في الأقضية المبينة في هذا القانون الكردية او العربية او التركية حسب اللغة الشائعة فيها .
مادة 7 - يستطيع كل شخص ان يراجع المقامات الرسمية باللغة العربية و ان يأخذ الجواب فيها ، وتقبل جميع المخابرات في احدى اللغات الواردة في المادة الخامسة و يجاب عليها بنفس اللغة.
مادة 8 - تستعمل اللغة الكردية في اقضية الوية السليمانية و كركوك و اربيل المبينة في هذا القانون بشكلها الحالي و يجوز ان تستعمل لهجة هذه الألوية في بقية لواء الموصل من تاريخ تنفيذ هذا القانون الى السنة التي يختار فيها اهالي هذه الأقضية بلهجة يتفقون على استعمالها )). وكلف القانون جميع الوزراء كل حسب صلاحيته بتنفيذه . وصدر القانون بتاريخ 23 مايس سنة 1931 بتوقيع الملك فيصل و رئيس الوزراء نوري السعيد ووزير العدل جمال بابان ، و وزير الداخلية عبدالله الدملوجي و وزير الخارجية مزاحم الباجه جي ، و وزير الدفاع  جميل الراوي و وزير المالية رستم حيدر و وزير المعارف عبدالحسين (40).
جاء سن القانون تلبية لقرار عصبة الأمم في 16 ديسمبر 1925 بشأن الحقوق الأدارية و الثقافية الكردية عند الحاق ولاية الموصل بالعراق و التي اخذت الحكومتان البريطانية و العراقية على عاتقهما مهمة تنفيذها . استخدم القانون مصطلح اللغة المحلية بدلا من اللغة الأم او اللغة القومية ووضع قيودا عديدة على انتشار اللغة الكردية. اشار محمد امين زكي في ملاحظاته عن القانون الى عدم التزام الحكومة العراقية بوعودها التي قطعتها لعصبة الأمم و تصرفها بصورة تناقض تلك الوعود فيما يخص الكرد. و يشير الى المادة الرابعة من قانون اللغات المحلية التي تجيز استعمال اللغة التركية في العديد من الأقضية و النواحي الكردية و يؤكد بان هذه المادة جاءت بناء على طلب مجلس ادارة كركوك في حينه . يعتبر محمد امين زكي تمتع جميع العناصر بحقوقها شيئا ضروريا و لكن يجب ان لايجري ذلك على حساب العناصر الأخرى اذ يكمن برأيه هنا الخطأ. و يعطي محمد امين زكي امثلة موثقة على طروحاته . اذ يقول ان تناسب السكان حسب المعطيات الرسمية في لواء كركوك هي 51 % من الكرد و 21 % من التركمان و 20 % من العرب و 8% من غير المسلمين ، رغم انه يؤكد بأنه حصل على معلومات من مصادر موثوقة ومسؤولة عن شؤون الأحصاء و دائرة نفوس كركوك تشير الى ما يناقض الصورة الرسمية اذ المعطيات الاحصائية التي اعتمدها كانت تشير الى ان عدد سكان مدينة كركوك بلغ عام 1930 حسب احصاء بلدية كركوك 35 الفا وكان عدد الكرد هو 22 الف و عدد التركمان 7 آلاف شخص و الف من المسيحيين المحليين و الفين من التياريين و 500 ارمني و 2500 يهودي  .. في حين نجد بأنه من مجموع 24 مدرسة في اللواء هناك 3 مدارس كردية فقط ، أما في مدينة كركوك نفسها فمن مجموع 10 مدارس كانت 6 منها للتركمان و 2 منها للمسيحيين و 2 لليهود ، في حين كان نصيب الكرد في المدينة من المدارس يساوي الصفر.  و كانت نسب الموظفين على الشكل التالي 56% من التركمان و 24 % من الكرد 20 % الباقين من العرب و من غير المسلمين(41).
وكانت سياسات الحكومة العراقية تجاه الكرد في جميع المجالات بما فيها مجالات التوظيف و التعليم و استخدام اللغة الكردية مناقضة لتعهداتها لعصبة الأمم ، فقد تعهد العراق في تصريحه المعلن في 30 مايس 1932 من اجل الحصول على عضوية عصبة الأمم ، و كان قد اقر من قبل المجلس النيابي العراقي في 5 مايس من نفس العام و اعتبر قانونا عراقيا اساسيا ، اقر  بحماية حقوق المواطنين العراقيين بغض النظر عن القومية و الدين ، كما نصت المادة التاسعة بخصوص اللغة الكردية على مايلي (( توافق الحكومة العراقية على ان تكون اللغة الكردية الى جانب العربية اللغة الرسمية في الأقضية التي تقطنها غالبية كردية في كل الوية الموصل و اربيل و كركوك و السليمانية …)) . كما تعهدت الحكومة العراقية بتعيين الموظفين في الأقضية المذكورة من بين من يعرفون اللغة الكردية. ومع ان مقياس اختيار الموظفين للأقضية المذكورة هو الكفاءة و معرفة اللغة قبل العرق كما هو الحال في سائر انحاء العراق ، فان الحكومة وافقت على ان يجري انتقاء الموظفين و بقدر الأمكان من بين العراقيين من ابناء تلك الأقضية) .  و كانت هذه التعهدات ذات صبغة دولية ، اذ نصت المادة العاشرة من التصريح ( القانون ) المذكور على مايلي (( بقدر ما لهذه الشروط مساس بالأشخاص الذين ينتمون الى الأقليات القومية او الدينية او اللغوية فانها تعتبر تعهدات ذات طابع دولي وتقوم بمقام ضمانة توضع لدى عصبة الأمم ، ولايجري اي تعديل عليها الا بمصادقة الأغلبية في مجلس العصبة)) (42).
لاشك ان أسوأ و أقسى السياسات الحكومة في كركوك هي محاولات تغيير الواقع القومي للسكان في هذه المحافظة . ومن الضروري ان نشير الى أن الحكومات العراقية المتعاقبة حاولت تنفيذ هذه السياسة بصيغ مختلفة الى ان وصل الأمر  الى ساسة التطهير العرقي التي تمارسها الحكومة الحالية . فالى جانب الهجرة الطبيعية للسكان الى المدينة و بخاصة الى المدن التي شهدت تطورا اقتصاديا ملحوظا وكانت كركوك في مقدمة تلك المدن بعد البدء باستخراج النفط  عام 1927 ، وقد ترتب على ذلك حدوث تغييرات كبيرة في الوضع الأقتصادي و الأجتماعي و الأثني لسكان المدينة ، فقد استخدمت الشركة اعدادا كبيرة من المستخدمين و العمال ، و قامت بجلب معظمهم من خارج المنطقة . و نتج عن ذلك وخلال فترة قصيرة نسبيا ، نشوء احياء شبه مستقلة ضمن الأحياء القديمة في المدينة ، خاصة بالآشوريين و الأرمن و العرب و غيرهم ، خصوصا في المناطق القريبة من منشآت النفط . وكانت نسبة العمال الكرد المستخدمين في الشركة تأتي بعد الآخرين جميعا . وهكذا ادى استثمار حقول النفط الموجودة في كركوك و في المناطق القريبة منها الى استيطان اعداد غفيرة من ابناء المناطق الأخرى من العراق بصورة دائمية (43). والى جانب جلب العمال و الموظفين و افراد الشرطة جعلت الحكومة من كركوك مقرا للفرقة الثانية من الجيش العراقي.
ولكن الخطوة الأكبر في سياسة تغيير الواقع السكاني في كركوك في العهد الملكي كانت خطة اسكان العشائر العربية  في الحويجة في منتصف الثلاثينات . بدأت حكومة ياسين الهاشمي المشروع  تحت اسم (( مشروع اراضي الوحدات الأستثمارية )) بعد جلب الماء اليها عن طريق شق ترعة كبيرة من نهر الزاب الصغير . وكانت الخطوة الأولى جلب اكثر من 1000 عائلة بدو الى السهول الواقعة عند اقدام جبل حمرين و قد منح العبيد حوالي الف كم2 عند النهر الجنوبي للمشروع و حتى الحدود الأدارية لقضاء مركز كركوك و بلغ عدد القرى التي عمروها خلال 21 عاما أى حتى احصاء عام 1957 ( 124 ) قرية . اما الجبور فقد خصص لهم 900 كم2 و التي تمتد من الزاب الصغير و قد عمر هؤلاء بحلول عام 1957  ( 65) قرية. و خصص لعشائر البوحمدان 200 كم2 و التي تقع بين الزاب و الطريق الرئيسي بين كركوك و الحويجة و  اقاموا فيها 14 قرية لحين اجراء احصاء 1957 ، هذا فضلا عن مجموعات عشائرية عربية اخرى مثل التكارتة و الدوريين و العوائل الكردية التي كانت تسكن هذه المنطقة قبل البدء بمشروع الحويجة من الدزه ئيين و الشوان و الشيخ بزينيين و غيرهم وقد خصص لهؤلاء جميعا 100 كم2 و استقروا في 5 قرى فقط (44) .
 انتهى المشروع عام1937 و كان عبارة عن حفر قناة رئيسية من الزاب الصغير الى الحويجة وقامت الحكومة بجمع جميع السجناء من العراق و تشغيلهم في انجاز هذا المشروع ويروي المؤرخ الكردي ، المقتول مؤخرا في بغداد الملا جميل الروزبياني بانه كان في عام 1937 احد هؤلاء السجناء الذين شاركوا في تنفيذ هذا المشروع . ويؤكد بانه كان من المقرر ان يجري اسكان الكرد والعرب و ان يقوم الجميع باعمار الحويجة ولكن النهر شق بطريقة بحيث لا تمر بالقرى الكردية التي كانت ملكيتها تعود الى السيد احمد خانقاه و الحاج حسن آوجي ، و عائلة النفطجي وعندما تسنم ياسين الهاشمي السلطة قرر ان تكون الحويجة للعرب فقط ، في حين كانت الخطة الأولية تقضي باسكان العشائر الرحل في المنطقة وكان جلها من الجاف و الهموند، حتى ان الجيجان الذين كانوا قد اقاموا عدة قرى عند تخوم جبل حمرين و على نهر زغيتون اجبروا على اخلائها (45).
من المعروف ان التفكير في مثل هذه المشاريع رافق تنامي نشاطات القوميين العرب في العراق و الذين بحكم معاناتهم مع المستعمرين البريطانيين ومعاداتهم لهم وقعوا تحت تأثير الأفكار و الدعايات النازية و الفاشية و كانوا يرغبون في تبني أساليب ألمانيا النازية في السيادة على الآخرين . ويشير الروزبياني الى ان الضباط القوميين  في زمن رشيد عالي الكيلاني الذي لم يدم حكمهم طويلا حاولوا منع انتقال سكان قرى كركوك الكردية الى السكن في المدينة او شراء الآراضي و المساكن فيها .
ويعطي الروزبياني الذي عايش احداث كركوك خلال اكثر من تسعة عقود منذ الحرب العالمية الأولى مرورا بقيام الدولة العراقية و استخراج النفط و غيرها من الأحداث معلومات قيمة عن تواجد العرب في كركوك خلال العهد الملكي ، اذا يشير الى انه و عند تشكيل الدولة العراقية كانت في كركوك محلة واحدة يسكنها 30 عائلة عربية بين المصلى و البيريادي و كانوا يعملون في شراء و بيع المواشي . وكانت هناك بعض الصرائف بين قرية تسعين ، التي  اصبحت الآن تشكل محلة في مركز مدينة كركوك ، وبين الجسر القديم بلغ عددها حوالي الخمسين صريفة . وكانت  تعرف بمحلة الحديديين و جرى نقل هذه العوائل بامر من الملك الى غرب كركوك لأن منظر صرائفهم لم يعجبه اثناء زيارته لكركوك(46) .
واصبحت المسائل المتعلقة بمحاولات تغيير الواقع السكاني في كركوك من قبل الحكومات العراقية المتعاقبة معروفة ليس على الصعيد السياسي فقط ، بل اصبحت تدخل في صلب الدراسات المتعلقة بالعراق و كوردستان ، حتى ان مصدرا علميا لا يرقى الشك الى موضوعيته كدائرة المعارف الأسلامية كانت مجبرة ان تشير الى هذه المسألة في طبعتها الجديدة و في مادة كركوك اذ أكدت على انه (( تجب الاشارة الى ان السلطات و لسنوات طويلة بذلت جهود كبيرة لأحلال السكان العرب محل الكرد ))( 47)
وتشير المصادر المختلفة الى زيادة كبيرة في عدد سكان كركوك لا تتناسب مع المعايير الديموغرافية للنمو الطبيعي للسكان الأمر الذي يوضح السياسات الحكومية فقد قدر عدد المهاجرين الى كركوك خلال الفترة 1947- 1957 فقط  ب 39 الف مهاجر ( 48).
 وليس أدل من الشريط المسجل بصوت على حسن المجيد في اجتماع له مع مسؤولي حزب البعث و الأمن و  الجيش في كركوك بتاريخ 15 نيسان 1989 و كان خلال العامين الذين سبقا هذا التاريخ حاكما مطلقا في كوردستان ، اذ قال ما نصه عن كركوك (( أود ان اتحدث عن نقطتين الأولى التعريب و الثانية المناطق المشتركة بين الأراضي العربية و منطقة الحكم الذاتي، المسألة التي انا بصددها هي مسألة كركوك . عندما قدمت الى هنا لم يزد عدد العرب و التركمان على 51 % من سكان كركوك . لعلمكم صرفت 60 مليون دينار حتى وصلنا الى الوضع الحالي . كل العرب الذين جلبناهم الى كركوك لم يوصلوا النسبة الى 60 % لذلك منعت كرد كركوك و المناطق القريبة منها من العمل خارج منطقة الحكم الذاتي)) (49).
هذه السياسات التي انتهجتها الحكومات العراقية المتعاقبة في كركوك خلقت حالة من التوجس و الريبة لدى الكرد عموما و كرد كركوك على وجه الخصوص من نوايا الحكومة ازاء هذه المدينة التي اشتهرت بحالة الأنفتاح و التسامح بين مكوناتها الأثنية . و فتحت هذه السياسات الأبواب على مصراعيها لتعقيد الأوضاع في كركوك و حولها خلال العقود التالية حتى تحولت الى احدى العقد الرئيسية للمشكلة الكردية في العراق .
الهوامش و المصادر:
1.  خليل علي مراد ، تاريخ العراق الأداري و الأقتصادي في العهد العثماني الثاني 1638-1750 ، رسالة ماجستير غير منشورة ، جامعة بغداد 1975 ، ص 45 ، 60-62.
2.  سالنامه دولت علية عثمانيه سنة 1302 هجري ، قرقنجي دفعه ، معارف نظارت جليله سنك اثر ترتيبدر ، در سعادت 1382 ، ص 74-75 . أنظر كذلك : ستيفن هيمسلي لونكريك ، اربعة قرون من تاريخ العراق الحديث ، ترجمة جعفر الخياط ، ط 6 ، بغداد 1985 ، ص 376.
3.  موصل ولايتي سالنامه رسميسيدر 1330 سنة هجرية سنة مخصوص اولمق اوزره بشنجي دفعة اوله رق موصل مطبعه سندة طبع اولنمشدر ، ص 17.
4.  موصل ولايتي سالنامه سي ، برنجي دفعة 1308 هجري ، موصل مطبعه سنده طبع اولنمشدر 1308 هجري ، 1306 رومي ، ص 107 .
5.  سالنامه نظارت معارف عمومية ، ايكنجي دفعه اوله رق ترتيب اولنمشدر 1317 هجري ، ص 1404 ، وللمزيد من المعلومات عن أوضاع كوردستان الجنوبية خلال العقود الأخيرة من الحكم العثماني انظر بحثنا الموسوم : أربيل في السالنامات العثمانية ، بحث مقدم الى ندوة اربيل بين الحاضر و الماضي والآفاق المستقبلية، التي نظمتها جامعة صلاح الدين عام 1990 ، و المنشور في مجلة (( كاروان )) العدد 91 ، أربيل ،كانون الأول 1990 ، ص 116-127.
6.  Morgan J.de , Mission Scientifique en Perse , Etudes Geographiques , T. II , Paris 1985 , P.86
و: أداموف أ ، العراق العربي ، ولاية البصرة بين الأمس و اليوم ، بطرسبورج 1912 ،ص 26 (( بالروسية)).
نقلا عن : الدكتور كمال مظهر أحمد ، كوردستان في سنوات الحرب العالمية الأولى ، مطبعة المجمع العلمي الكردي ، بغداد 1975 ، ص 3 (( الطبعة الكردية)).
7.أ. ديني ، الصراع على الأحتكارات النفطية ، موسكو- لينينغراد 1934 ، ص 43 (( بالروسية)).
8.  سي . جي. أدموندز ، كرد وترك و عرب - سياسة و رحلات و بحوث عن الشمال الشرقي في العراق 1919-1925 ، ترجمة جرجيس فتح الله ، بغداد 1971 ، ص 12-13 و 32 .
9.  الدكتور وليد حمدي ، الكرد و كوردستان في الوثائق البريطانية ، لندن 1992 ، ص 47-48.
10.  أ.ف.فيدضينكو ، العراق في النضال من أجل الأستقلال 1919-1969، موسكو 1970 ، ص 19 : فريق المزهر الفرعون ، الحقائق الناصعة في الثورة العراقية سنة 1920 و نتائجها ، بغداد 1952 ، ص 326.
11.  FO 371/3407, From Political Commissioner, Baghdad , 15 nov.1918 , Nr.8744
12.  م.س. لازريف ، الأمبريالية و المسألة الكردية 1917 - 1923 ، موسكو 1989 ، ص 85-86 (( بالروسية)).
13.  عبدالرزاق الحسني ، تاريخ الوزارات العراقية ، الجزء الأول ، صيدا 1953 ، ص 141-142. أنظر كذلك: سي.جي .أدموندز ، المصدر نفسه ، ص 349.
14.  عبدالرزاق الحسني ، الثورة العراقية الكبرى ، صيدا 1952 ، ص 24.
15.  سي. جي . أدموندز ، المصدر نفسه ، ص 356-357.
16.  مصطفى كمال ، طريق تركيا الحديثة - إعداد قاعدة أنقرة 1919-1920 ، ج 2 ، موسكو 1932 ، ص 110 -113 ((بالروسية)) .
17.  Wilson.A.T, Mesopotamia 1917-1920 . A clash of loyalities . A personal and historical record. London 1930, p 142.
18.  Bell G.L.J , The Letters of Gertrude Bell , vol.2 , London 1927, p. 607.
19.  الدكتور نوري طالباني ، منطقة كركوك و محاولات تغيير واقعها القومي ، ط2 ، بلا.م ، 1999 ، ص 49.
20.  عبدالرزاق الحسني ، تاريخ الوزارات العراقية ، ج1
21.  للمزيد من التفاصيل راجع مقالنا الموسوم : كركوك : قرن ونصف من التتريك و التعريب ، الملف العراقي ، العدد 99 ، آذار 2000 ، ص 42-46.
22.  عن هؤلاء و غيرهم من الشخصيات في كركوك انظر :
مير بصري ، اعلام الكرد ، لندن 1991 ، ص 161 - 162 ، 235 ، 240  و: الدكتور نوري طالباني ، المصدر نفسه ، ص 43-44  و : فهمي عرب آغا و فاضل محمد ملا مصطفى ، ماذا في كركوك ، كركوك 1957 و:
 ومجلة (هاواري كركوك ) العدد 3 ، اربيل 1999 ، ص 149-150.
23.  مذكرة محمد أمين زكي الى الملك فيصل الأول حول الشأن الكردي العراقي في 20 كانون الأول 1930 ، تقديم و ترجمة الدكتور جبار قادر ، الملف العراقي ، العدد 104 ، آب 2000 ، ص 63.
24.  المصدر السابق ، ص 64.
25.  نفس المصدر ، ص 64-65.
26.  الدكتور كمال مظهر أحمد ، التاريخ - دراسة موجزة لعلم التاريخ و الكرد و التاريخ ، بغداد 1983 ، ص 159 (( بالكردية)).
27.  مذكرة محمد أمين زكي الى الملك فيصل الأول ….، ص 65
28.  نفس المصدر ، ص 65 .
29.  نفس المصدر ، ص 66.
30.  جريدة (ذيان) العدد 129 ، 20 أيلول 1928.
31.  مذكرة محمد امين زكي ….، ص 65.
32.  ع . خ . ي . لواء كركوك و جميع اقضيته و نواحيه وقراه من الكرد ، زار كرمانجي ، رواندوز ،  العدد 19 ، 19 / 10 / 1929 :  نقلا عن ممتاز حيدري ، مجلة هاواري كركوك ، العدد 3 ، اربيل ، آذار 1999. ص 65.
33.  Report for the period april 1923 - december 1924 , pp 217 - 218  
 انظر كذلك : الدكتور كمال مظهر احمد، حركة التحرر الوطني في كوردستان العراق 1918 - 1932، باكو 1967، ص 62-63 (( باللغة الروسية ).
34.  Special report by his Majesty’s Government in the United Kingdom of Great Britain and Northern Ireland to the    Council of the League of Nations on the progress of Irak during the period 1920-1930. London 1931 , p 234 .
انظر كذلك :الدكتور كمال مظهر أحمد ، حركة التحرر الوطني …. ، ص 64.
35.Special report , Ibid, P230.
36.  مذكرة محمد امين زكي ، ص 67.
37.  الدكتور شاكر خصباك ، الكرد و المسألة الكردية ، ترجمة أمجد شاكلي ، السويد 1997 ص 63 -71 ( الطبعة الكردية ) .
38.  عن هذه الجريدة وبعض اعدادها الكردية انظر الدراسة الموثقة للكاتب:  أحمد تاقانه ، جريدة (كركوك) الكوردية عام 1930 ، طولان العربي ، العدد 43 ، كانون الأول 1999  ، ص 55 - 59  .
39.  الدكتور شاكر خصباك ، المصدر نفسه ، ص 63 - 69.
40.  جريدة الوقائع العراقية - العدد 989 بتاريخ 1 حزيران 1931 : انظر كذلك :  مجلة هاواري كركوك ، العدد 3 ، اربيل آذار 1999 ، ص 152 -154 .
41.  محمد أمين زكي ، ملاحظاتي حول قانون اللغات المحلية ، في كتاب (( محاولتان غير مجديتين )) ، تقديم و تحقيق صباح غالب ، لندن 1984 ، 103-105.
42.  42.   League of Nations , Series of League of Nations Publications , VII. Political. 1932 .VII. 9,  P.301
43.  الدكتور نوري طالباني ، نفس المصدر ، ص51.
44.  احمد رحيم أمين ، الحويجة ، مجلة هاواري كركوك ، العدد 4 ، اربيل 1999 ، ص 48-49.
45.  مؤرخ كردي ، كركوك - اسمها ، تاريخها القديم ، سكانها و سلطاتها ، مجلة هاواري كركوك ، العدد2 ، اربيل 1998 ، ص 29-30.
46.  نفس المصدر ، ص31
47.  The Encyclopaedia of Islam , Art. Kirkuk ,vol.V , Leiden 1986 . P145.
48.  الدكتور أحمد نجم الدين ، احوال السكان في العراق ، القاهرة 1970 ، ص 109 ، نقلا عن : الدكتور نوري طالباني ، المصدر نفسه ، ص48.
49.  Genocide In Iraq . The Anfal Campaign Against The Kurds . HRW/ME , New York 1993 . P. 353

 

 

 

تصريحات وزير الحرب التركي :عنجهية فارغة و جهل بالتاريخ
        د.جبار قادر
يلاحظ المتابع للشؤون التركية فجوة كبيرة بين الأوساط الحاكمة و الجماهير العريضة من سكان البلاد . ففي الوقت الذي تعاني فيه تركيا إنهيارا حقيقيا في أوضاعها الأقتصادية تحولت معها عملتها الى كومة من الأوراق التي لا قيمة حقيقية لها و تسودها أزمة سياسية خانقة أصبحت معها الأوساط الحاكمة و الأحزاب السياسية التركية التي تؤطرها الأديولوجية الكمالية البالية لا تمتلك أية شعبية لها بين السكان حتى أن اكثرها مهددة بعدم حصولها على نسبة 10 % من أصوات السكان في الأنتخابات القادمة ، وهي النسبة التي وضعتها هي بنفسها لقطع الطريق على بعض الأحزاب المعبرة عن تطلعات الكرد أو بعض القوى الأسلامية و اليسارية للوصول الى البرلمان ، وفي بلاد تسودها الرشوة و الفساد الأداري و المحسوبية و شبكات المافيا و ديمقراطية العسكر!!! و تغرق في الديون الخارجية التي لاتستطيع الوقوف على رجليها بدونها و بدون المساعدات الأمريكية و مساعدات المؤسسات المالية الدولية و التي فتح اللوبي اليهودي في أمريكا و الغرب أبوابها أمامها ، و بدلا من التصدي لحل مشاكلها العويصة هذه ، وتحسين سجلها الأسود في مجال حقوق الأنسان ، و نظامها السياسي المنخور من الداخل ، و تقليص دور المؤسسة العسكرية في تقرير سياسات البلاد الداخلية و الخارجية ، و الأعتراف بالحقوق القومية للكرد و العرب و الشركس و اللاظ و الأقليات الأخرى في تركيا (و عددها حسب الأحصاءات الرسمية 27 قومية و أقلية قومية و دينية في البلاد) بهدف اللحاق ليس بالغرب الأوربي بل حتى بدول أوربا الشرقية التي أصبحت مرشحة الآن لعضوية الأتحاد الأوربي في وقت كانت هذه الدول أعضاء في حلف وارشو عندما طلبت تركيا الأنضمام الى الأتحاد الأوربي و التخلي عن العنجهية الفارغة وأخذ العبر من التاريخ القريب و البعيد ، يخرج علينا وزير الحرب التركي صباح الدين جكماك أوغلو بإطلاق تهديدات فارغة بإحتلال الموصل و كركوك و قمع الحركة التحررية الكردية في كوردستان العراق.
الغريب في الأمر أنه و بعد إطلاق هذه التهديدات و في مسلسل عرض إمكانيات و ثروات العراق للمزاد العلني و شراء مواقف الدول للوقوف الى جانب النظام يقوم وزير تجارة النظام العراقي بزيارة تركيا و التلويح بعقد إتفاقيات تجارية مشابهة لما تم الأتفاق عليه مع روسيا دون أن يشير من قريب أو بعيد الى تصريحات هذا الذئب الأغبر . وليس هذا بغريب على هذا النظام الذي ساهم هو بالذات دون غيره بتشجيع الأطماع التركية في الأراضي العراقية وذلك عندما قام منذ عام 1978 بعقد سلسلة من الأتفاقيات الأمنية مع تركيا بهدف ملاحقة قوات الأنصار الكردية .  رغم أن هذه الأتفاقيات كانت تمنح الحق شكليا لقوات الطرفين بالتوغل الى أراضي الآخر لملاحقة القوى الوطنية الكردية إلا أن واقع الحال يؤكد على أن القوات التركية فقط كانت تتوغل كل مرة الى داخل الأراضي العراقية . الأغرب من كل ذلك أن جميع تكاليف إقامة الربايا و التأسيسات العسكرية على جانبي الحدود و عمليات التوغل كان يتحملها الجانب العراقي كما عهدناه في منح موارد و ثروات العراق بكرم شديد الى الأجانب أو إستخدامها من أجل قمع العراقيين .
و الأغرب من كل هذا و ذاك هو موقف المعارضة العراقية التي لفها صمت غريب إزاء تصريحات وزير الحرب التركي و لم تبادر حتى الآن الى إعلان موقفها و إدانتها لهذا التدخل الفض في الشؤون الداخلية العراقية و التهديد بإحتلال أراضي عراقية . كيف يفسر أقطاب المعارضة العراقية موقفهم هذا ؟ وهل يمكن للعراقيين أن يثقوا بمعارضة لا تتصدى و بمنتهى الحزم الى الأطماع الأجنبية ؟ على العراقيين أن يطالبوا مختلف الأحزاب و الحركات السياسية العراقية بإعلان مواقفها الصريحة إزاء هذه التصريحات و التهديدات العنجهية.
في معرض الردود على تصريحات جاكماك أوغلو حاول البعض أن ينتهز الفرصة و يشوش على الموقف الكردي ويخلط الأوراق و يضع كركوك و الموصل في إطار مسألة واحدة  . ففي الوقت الذي يعتبر الكرد أن محافظة كركوك في حدودها الجغرافية و التاريخية المعروفة و قبل أن تعمل يد النظام في تمزيقها  و فصل الوحدات الأدارية التابعة لها جزءا من كوردستان العراق و لا يغير من هذا الأمر أن نسبة مهمة ( 21 % بموجب إحصاء 1957 ،  و 16 % بموجب إحصاء 1977 ) من التركمان تسكن هذه المحافظة . و من حقهم أن يتمتعوا بكامل حقوقهم الأدارية و السياسية و الثقافية و غيرها . بالمقابل لا يمكن لعاقل أن يعتقد أن المساواة و إحقاق الحق و الأعتراف بالحقوق القومية تعني أن يحكم   16 % أو 21 % من السكان الأكثرية المطلقة من سكان محافظة أو أقليم أو دولة . وعلى كل لنترك أمر القيام بإحصاءات دقيقة و نزيهة و الأعتراف بالحقوق القومية للمجموعات الأثنية على أساسها الى المستقبل . 
 على حد علمي لم يطالب أية حركة سياسية كردية بمدينة الموصل . وعندما يجري الحديث عن ولاية الموصل التاريخية و التي كانت تضم كوردستان العراق الى جانب بعض المناطق العربية من محافظة الموصل الحالية أو حتى عن لواء الموصل في العهد الملكي و العقد الأول من العهد الجمهوري فأن المقصود هي الأقضية الكردية التي كانت تابعة للموصل و التي شكلت منها فيما بعد محافظة دهوك عام 1969 . لذا فأن محاولة خلط الأمور و تصوير الأمر و كأن الكرد يطالبون بمدينة الموصل و محافظة الموصل أمر يفتقر الى الدليل . لا يمكن إنكار حقيقة أن الحكومة العراقية مارست في بعض المناطق الكردية التابعة لمحافظة الموصل سياسة التطهير العرقي و لابد من إزالة آثار هذه السياسات لكي تسود العلاقات الصحية و التسامح و المودة بين أفراد الأثنيات المختلفة في العراق .
عود الى تصريح جكماك أوغلو . يبدو أن الكثير من السياسيين الترك يعتقدون أن تركيا دولة عظمى لا تنافسها في العالم إلا أمريكا و عندما يتحدثون أمام عدسات الكاميرا المحلية يصورون بلادهم وكأنها تشكل مركز الكون و حكومتهم هي التي تقرر مصائر أمم الأرض !!! . ومرد هذا الأمر يكمن برأيي في إنغلاقهم على أنفسهم فقلما تجد بينهم من يتحدث لغة أجنبية و لا يطلعون إلا على وسائل إعلامهم و صحافتهم المحلية التي تستحق بحق تسمية صحافة الفضائح .
يبدو أن وزير الحرب التركي وهو من أعضاء حزب الحركة القومية و هو حزب فاشي بكل المقاييس و تتحاشى دول الأتحاد الأوربي اللقاء بممثليه في الحكومة التركية تجنبا للأحراج أمام الرأي العام الغربي الذي يعرف فاشية هذا الحزب و قطعانه من الذئاب الغبر ،يبدو أن العنصرية المقيتة قد أعمته عن رؤية الحقائق فضلا عن جهله التام حتى بتأريخ دولته العرقية و صنمهم الأوحد.
لا يعرف الوزير بأن جميع محاولاتهم الهمجية بقمع الشعب الكردي في تركيا و تعاونهم مع مضطهدي هذا الشعب في الدول الأخرى باءت بالفشل . لقد رفض الكرد الأستكانة و الذل و ناضل في ظل ظروف قاسية جدا للحصول على حقوقه و أجبر بنضاله المرير الأوساط الحاكمة في تركيا قبل غيرها و التي حاولت لقرن كامل إنكار وجود الشعب الكردي و اللغة الكردية على الأنصياع و الأعتراف بوجود هذا الشعب و لغته كمقدمة لحقوق أخرى في المستقبل . هل يمكن إعتبار تصريح وزير الحرب التركي تنفيسا عن ما لحق بحزبه من هزيمة في مسألة إقرار الأعتراف بالشعب الكردي في تركيا ؟ 
يبدو أن الوزير التركي الجاهل بالتاريخ لا يعرف أن حكومة الرجل الأوحد في بلاده قد وافقت بعد فشل المفاوضات في مؤتمر لوزان على عرض مشكلة الموصل على عصبة الأمم التي قامت بدورها بتشكيل لجنة لدراسة جوانب المشكلة و رغم أن هذه اللجنة كانت مجبرة أن تشير في تقريرها النهائي أنه (( إذا أخذنا بمبدأ الأنتماء القومي للسكان عاملا حاسما في حل المسألة وجب تشكيل دولة كردية مستقلة )) ، إلا أن عصبة الأمم قررت في منتصف كانون الأول 1925  إلحاق ولاية الموصل بالعراق و طلبت من تركيا و العراق و بريطانيا وضع الترتيبات اللازمة لتنفيذ القرار . مع بداية عام 1926 بدأت المفاوضات بين الأطراف الثلاثة و جرى في حزيران من نفس العام توقيع معاهدة ثلاثية بين تركيا و العراق و بريطانيا إعترفت تركيا بموجبها بقرار عصبة الأمم و إلحاق ولاية الموصل بالعراق . و أقرت الحكومة التركية المعاهدة و التي دخلت حيز التنفيذ في 15 تموز 1926 . وإعترفت تركيا بموجبها بخط الحدود الذي رسمته عصبة الأمم و تعهد العراق و بريطانيا بموجب أحد بنود المعاهدة بدفع 10 % من دخل العراق من شركة النفط البريطانية التي كانت تعرف آنذاك  بشركة النفط التركية و على مدى 25 عاما الى الحكومة التركية . ولكن الحكومة التركية باعت هذه النسبة ب ( 500 ) ألف جنيه إسترليني !. هكذا فقدت تركيا الكمالية أي حق قانوني لها في ولاية الموصل و صادقت بصورة رسمية على تلك القرارات و المعاهدات و ماكلام جكماك أوغلو و أمثاله إلا زوبعة في فنجان .
كثيرا ما يجري تضخيم و تهويل الدور التركي في السناريوهات الأمريكية الخاصة بالعراق . وتقف تركيا بنفسها وراء هذا التضخيم للحصول على المكاسب المادية و إبتزاز الأطراف المختلفة بدءا بأمريكا و إنتهاء بالنظام العراقي. أعتقد أن تركيا في ظل أزماتها السياسية و الأقتصادية الخانقة ، و في ظروف التحضير للأنتخابات البرلمانية ، و بسبب مواقف العراقيين كردا و عربا و آشوريين و المناهضة لأي دور تركي في العراق و بسبب مخاوف الدول العربية و إيران من غير المتوقع أن يتجاوز الدور التركي في حال ضرب العراق خدمات قاعدة إنجيرلك و بعض الدعم اللوجستي للأمريكان . 
جاء الرد الكردي مناسبا و بخاصة من جانب الحزب الديمقراطي الكوردستاني و زعيمه السيد مسعود البرزاني و عدد من الأحزاب الكردستانية الأخرى مثل الحزب الشيوعي الكوردستاني و غيره على التهديدات التركية ووصل الأمر بالأتراك الى تنظيم مظاهرة بائسة و حرقوا خلالها صور السيد البرزاني. و أعتقد بأن الكرد ليس في كوردستان العراق فحسب و إنما في كل مكان يدعمون الحزب الديمقراطي الكوردستاني في موقفه هذا و يطالبون جميع القوى السياسية و التنظيمات و الشخصيات الكردية و العراقية الأخرى الى إدانة هذه التصريحات و الوقوف بوجه المطامع و الخطط التركية و مطالبة المعارضة العراقية بتطهير صفوفها من تجمعات و شخصيات تدعو صراحة الى الأحتلال التركي لبعض الأراضي العراقية . لا يمكن لتنظيم عراقي يدعي كونه خيمة وطنية للعراقيين جميعا ان يضم في صفوفه اشخاصا يدعون صراحة الى الأحتلال التركي لبعض الأراضي العراقية بل و سبب وجودهم الوحيد هو الدعم التركي لهم و ليس تمثيل طيف من الأطياف العراقية .
يكمن برأيي تفسير هذا الموقف الكردي الموحد إزاء التهديدات التركية في السياسات التركية المعادية للتطلعات القومية الكردية في تركيا و في أي مكان آخر من العالم كما يعلن ذلك أساطين الفكر الطوراني .
لن تتجرأ تركيا بالمغامرة في دخول كوردستان العراق وهي أعرف من غيرها بمفردات سفر النضال الكردي الطويل ضد سلطات القمع و الأستبداد و عشرات الآلآف من الضحايا و الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم من أجل الحقوق القومية الكردية المشروعة . و ستتحول كوردستان فيما اذا غامرت تركيا و دخلتها الى مستنقع تغرق فيها الدولة التركية بل و يمكن أن تتحول الى مقدمات لتفتت الدولة التركية المنخورة وهو أقرب للأتراك من تحقيق حلم إحتلال الموصل و كركوك .

    د.جبار قادر

 

 

العروبة ليست الشجرة التي تحتمي بظلالها الأقليات !
د. جبار قادر 
نشرت جريدة (( الشرق الأوسط )) بتاريخ 27 آب 2002 مقالا للسيد غسان الأمام تحت عنوان
(( العروبة و الأقليات : استحالة الدولة الكردية أو الأمازيغية )) تضمن طروحات عروبية وقوموية  تسببت أصلا في خلق أسس هذه العلاقة المتشنجة بين العروبيين و أبناء القوميات التي تتعايش الى جانبهم في بلدان مثل العراق و سوريا و السودان و الجزائر و المغرب و غيرها . وشكل  بعضها نكوصا كبيرا الى الوراء على صعيد العلاقات بين القوميات المتعايشة مع بعضها في بلدان معينة .  لم يعد أحد من الناس ، فما بالك بالكتاب ، يجرؤ على القول بأن الكرد أو الأمازيغيين أو مواطني جنوب السودان تجمعهم العروبة . هذا الطرح المتخلف تسبب في كوارث و حروب و مآسي يجب الخورج منها.
وفي الوقت الذي يشخص السيد غسان الأمام وبصورة صحيحة بعض أمراض المجتمعات العربية و الشرقية عموما و التي لا تبيح الكلام عن مشاكلها الأجتماعية و السياسية و تكويناتها العرقية و الدينية و المذهبية و تعتبر ذلك من المحرمات و تدفن رأسها في رمال الجهل حتى تحولت الى مجتمعات مريضة وضعيفة لا تقوى على الصمود أمام أصغر المشكلات و معرضة للهزات بفعل أقلها تأثيرا ، كما و يشخص الفقر المدقع الذي تعاني منه مراكز البحوث و الدراسات و الجامعات في هذه المجتمعات الى أية معلومات عن المكونات الأثنية و الدينية و المذهبية و الثقافية التي تتكون منها مما يجبر الكتاب و الباحثين في هذه البلدان الى الأستعانة بكتابات المستشرقين و مراكز البحث الغربية للتعرف على مجتمعاتهم ، إلا أنه يقدم بنفسه صورة حية و فريدة لهذه الحالة و لفرض الجهل على المجتمعات العربية عندما يقرر و بجرة قلم إعتبار الكرد و الأمازيغيين و سكان جنوب السودان عربا تجمعهم العروبة في رحابها . وهي مسألة تجاوزها العراقيون فعلى حد علمي لا يوجد الآن بين عرب العراق بما فيهم العروبيون ( لا يدخل النظام الحاكم ضمن هذا التشخيص ) من يعتبر الكرد أو التركمان أو الآشوريين أو الكلدان في العراق عربا أو منتمين الى العروبة عرقيا أو ثقافيا . و أكثر من ذلك و لأبقاء الجهل مسيطرا على عقول الناس يدعو السيد غسان الأمام الى الأهتمام بالدراسات العرقية و الدينية ولكن ليس لتثقيف المجتمع بالتنوع الأثني الموجود فيه وصولا الى معرفة الآخر و القبول به و عدم التوجس منه و من تطلعاته المشروعة ، بل يدعو الى نشر نتائج تلك الدراسات في نطاق ضيق ، وهو ما يعرف في الدول التوتاليتارية و أنظمة المجموعة السرية بكتابات التداول المحدود ، وذلك لكي يكون الباحثون و الساسة على علم تام بالمجتمع الذي يدرسونه و يحكمونه . إن الذين سيقومون بهذه الدراسات في هذه الدول سيكونون حتما صفوة مختارة من قبل الأنظمة و سيكتبون على هوى الحكام و ستكون نتائج دراساتهم ليس  لتنوير المجتمعات العربية و فسح المجال أمام معرفة الآخر و إعطائه حق التعبير لأن الجهل و عدم معرفة الآخر هو السبب الرئيسي للكراهية و للتوجس و سيادة روح المؤامرة و ستستخدم الأنظمة الحاكمة نتائج هذه الدراسات لتدبير المؤمرات و التنكيل بالأقليات و إعتماد سياسة فرق تسد للسيادة على الجميع و فرض الهيمنة عليها .
يصل التشويه بالكاتب عندما يصور الأمر و كأن الكرد أو الأمازيغ أو سكان جنوب السودان يطالبون العرب بالتنازل عن جزء من الآراضي العربية لهذه الأقليات ويعلن ببراءة شديدة (( بأن المغدور لا يستطيع أن يقدم من كيانه و أرضه شيئا للمحروم ، فالعرب الذين غدر بحلمهم كأمة ذات كيان واحد ، لا يستطيعون ان يقيموا على أشلائهم المبعثرة كيانات مستقلة لأقليات تعايشت معهم تأريخيا الى درجة الأندماج الثقافي في الدين و اللغة )). تتضمن هذه العبارة كما هائلا من المغالطات التاريخية و الجغرافية و الثقافية . فإما لم يطلع هذا الكاتب على التاريخ وإما إطلع عليه ولم يدرك فهم حقائقه و إما أعمته الشوفينية عن معرفة الواقع .
ليس هذا هو المدخل الصحيح لفهم القضايا القومية العادلة في بلدان الشرق الأدنى و شمال أفريقيا و سنبقى نعاني من آثار السياسات العنصرية وكوارثها مادامت هذه الأفكار تغطي صفحات الجرائد العربية الهاربة من الدكتاتورية و التي تنشر في ظل الديمقراطية و قبول الآخر ،كما تتحكم هذه الأفكار اللعينة بعقول عدد لابأس به من الكتاب و الصحفيين العرب من غير العراقيين .  

 

 

                        مطالب الشعب الكردي في العراق
من أجل بناء عراق جديدعلى أسس إنسانية و سياسية تتناغم و روح العصر و، بهدف الخروج من المأزق الذي وصل اليه الكيان العراقي بسبب السياسات الخاطئة للأنظمة العراقية المتعاقبة و بخاصة النظام البعثي الفاشي الطائفي و ، بناء مجتمع تسوده روح التسامح القومي و الديني و السياسي و ، إقامة نظام سياسي يتعامل مع جميع العراقيين على أساس المواطنة المتساوية بغض النظر عن الأنتماء القومي و الديني و المذهبي و الجهوي و ، لوضع حد للصراعات الدموية التي شهدها البلاد على مدى تاريخه الحديث و بناء علاقات صحيحة بين مكونات الشعب العراقي و زرع بذور التآلف و المودة و التسامح بينهم و لقطع الطريق على القوى الظلامية المتآمرة من العسكريين الدمويين و القوميين المتطرفين و المستغلين للشعارات الدينية والتي تحاول انتهاز الفرص  للوثوب الى السلطة و فرض دكتاتوريات جديدة و إدخال البلاد من جديد في صراعات دموية و لتوضيح المطالب القومية للشعب الكردي في العراق وجدنا من الضروري توضيح المطالب الكردية للرأي العام العراقي و العربي و العالمي .
أصبحت مفردات وتفاصيل سياسات القمع و التنكيل والأبادة الجماعية و التطهير العرقي التي مارستها الأنظمة العراقية و بخاصة النظام البعثي بحق الكرد في كوردستان العراق معروفة على نطاق واسع . ولا يمكن لأحد أن ينكر معاناة الشعب الكردي و نضالاته و تضحياته الجسيمة على طريق مقارعة تلك السياسات و من أجل تحقيق تطلعاته القومية المشروعة في العراق على مدى القرن الماضي. لذلك لا نجد ضرورة للتفصيل في سرد تفاصيل تلك السياسات و آثارها الكارثية على شعب كوردستان و على الشعب العراقي عموما .  للتذكير فقط نشير بأن عدم حل القضية الكردية في العراق حلا عادلا و اللجوء الى القوة الغاشمة لقمع الكرد و حركاتهم السياسية بدلا من التجاوب مع طموحاتهم القومية المشروعة كان و لايزال عاملا أساسيا من عوامل عدم الأستقرار السياسي في العراق بل و سببا للكوارث التي حلت بالعراق . فلولا شن قاسم الحرب على كوردستان لما سقط نظامه و لكان من الصعب أن يقيم البعث دكتاتوريته البغيضة و لولا التنازلات التي قدمها صدام حسين لشاه إيران في إتفاقية الجزائر عام  1975 فقط لكي لا يتجاوب مع تطلعات الكرد القومية ،  مع الأخذ بنظر الأعتبار العوامل الأخرى أيضا ، لكان من الصعب عليه أن يبرر هجومه على إيران و يتسبب في إندلاع حرب دموية دامت ثمان سنوات و لولا الحرب الطويلة في كوردستان و آثارها المدمرة على الأقتصاد العراقي لكان من الصعوبة بمكان أن تصل الأزمة الأقتصادية الى حد يفكر معها النظام بإحتلال الكويت ليواجه بعاصفة الصحراء وتحل الكارثة بالشعب العراقي .
للخروج من دائرة العنف و الدكتاتورية و التعصب القومي و المذهبي و لقطع الطريق على القوى و الدوائر المشبوهة التي تحاول التشويش على التطلعات القومية المشروعة للشعب الكردي وزرع بذور الفتنة و التفرقة بين مكونات الشعب العراقي ، لابد من إطلاع الرأي العام العراقي و العربي و العالمي على المطالب القومية الكردية .
إيمانا منا بأن النظام الحالي لا يمتلك لا الشرعية القانونية و لا السياسية ليس للبت في هذه المطالب فحسب ، بل يتحمل هو المسؤولية القانونية الكاملة في ما حل بالكرد و الشعب العراقي ، لذلك نوجه مطالبنا هذه الى الرأي العام العراقي و العربي و العالمي و الحكومة الشرعية القادمة التي ستحصل على إعتراف و دعم المجتمع الدولي . نطالب الحكومة العراقية القادمة بما يلي :
1. سن دستور دائم للدولة العراقية يقر بكون العراق دولة متعددة القوميات و الأديان و المذاهب ويضمن مساواة المواطنين العراقيين جميعا أمام القانون بغض النظر عن الأنتماء القومي و الديني و المذهبي و السياسي ويعترف بحقوقهم القومية و الأدارية و السياسية و الثقافية .
2. تبني الديمقراطية و إحترام حقوق الأنسان و النظام البرلماني الفيدرالي و التعددية السياسية و  تداول السلطة بصورة سلمية أسسا للحكم في العراق الجديد .
3. إقرار خيار الشعب الكردي في النظام الفيدرالي و الذي تبناه المجلس الوطني الكوردستاني في 4 أكتوبر 1992 كصيغة مثلى للعلاقة الأدارية بين الشعبين العربي و الكردي في العراق على أساس قومي و جغرافي لكوردستان العراق ضمن حدودها الجغرافية و التاريخية المعروفة للجميع .
4. إزالة آثار سياسات التعريب و التطهير العرقي التي مارستها الحكومة العراقية بحق الكرد في بدرة ، جصان ، مندلي ، خانقين ، جلولاء ، كفري ، طوزخورماتو ، داقوق ، كركوك ، دوبز ، آلتون كوبري ، مخمور ، ديبكة ، الشيخان ، زمار ، تلعفر ، سنجار و غيرها و إعادة المرحلين الكرد الى مدنهم و قراهم وإعادة ممتلكاتهم و تعويضهم عن الأضرار التي لحقت بهم و إرجاع المستوطنين العرب الى مناطقهم الأصلية التي جلبوا منها بعد تعويضهم عن ممتلكاتهم في كوردستان.
5. إعادة المهجرين من الكرد الفيليين و غيرهم الى مدنهم وقراهم و إعادة ممتلكاتهم و تعويضهم عن الأضرار التي لحقت بهم . 
6. القيام بحملة وطنية شاملة لأعمار البنى التحتية في كوردستان و الشروع بفتح المعامل و المصانع و المشاريع الأقتصادية فيها و تخصيص ميزانية سنوية خاصة بها للتعويض عن ما لحق بها من أضرار خلال العقود الطويلة .
7.  إجراء تحقيقات نزيهة في عمليات الأبادة الجماعية التي نفذت بحق الكرد وبخاصة حملات الأنفال و إستخدام الأسلحة الكيمياوية بهدف تحديد المسؤولين عنها و تقديمهم الى  محاكم نزيهة و الكشف عن مصير  المؤنفلين و المغيبين و تعويض ذويهم عن الخسائر المادية و المعنوية التي لحقت بهم.
8. التعهد بعدم المشاركة في المحاور و التكتلات الأقليمية و عقد الأتفاقيات الثنائية أو الجماعية الموجهة ضد الحركة القومية الكردية في العراق أو في البلدان الأخرى .
9. التعهد بمحاربة العنصرية و الأفكار الداعية الى ممارسة العنف و التمييز العنصري و الديني و تشجيع العسكريتاريا و روح الأنتقام و فرض عقوبات قانونية رادعة على القوى و التيارات و ووسائل الأعلام التي تدعو الى أفكار من شأنها إثارة النعرات القومية و الطائفية و المذهبية .
10. تبني مبدأ الحفاظ على السلم الداخلي و السلام في المنطقة و العالم و حل الخلافات بالوسائل السلمية و عدم اللجوء الى الحرب أبدا وعدم المشاركة في المحاور العسكرية و السياسية الدولية و الأقليمية التي من شأنها أن تؤدي الى جر العراق الى مشاكل مع الدول الأخرى .  

 

 

                  سر الحملة على الكرد و تطلعاتهم القومية المشروعة
        د.جبار قادر
يلاحظ القارئ و المتتبع لما ينشر على صفحات شبكة الأنترنيت و الصحافة العربية في المنفى حملة شعواء ضد الشعب الكردي و حركته التحررية و تطلعاته المشروعة . الغريب في الأمر أن أطراف عديدة متنافرة تشترك في هذه الحملة . ووجه الغرابة يكمن في أن هذه الأطراف تتقاطع في توجهاتها و مراميها و لا يجمعها جامع سوى معاداة الحركة القومية الكردية و التطلعات القومية المشروعة للشعب الكردي . و يجد المرء للوهلة الأولى صعوبة في تفسير هذا التناغم العجيب في كتابات ممثلي هذه الأطراف . لا يجري الحديث هنا عن قوى معادية لا تفوت فرصة إلا و تستغلها لإظهار معاداتها للكرد و حقوقهم القومية و تدعو الى قمع تطلعاتهم المشروعة حتى و لو كانت في الأرجنتين على حد تعبير جنرال نازي تركي و دكاكين ( سياسية !!!) تربطها بهذا الجنرال أكثر من خيط ، وإنما نتحدث هنا عن كتاب لا يترددون في الأعلان عن تعاطفهم مع بعض المطاليب القومية الكردية بينما تتضمن كتاباتهم طروحات تتقاطع كليا مع حقائق التاريخ و الجغرافيا فضلا عن تشويه الحركة القومية الكردية و التطلعات المشروعة للشعب الكردي .
 تجاوزت تلك الكتابات و الطروحات السياسية أطر التقويم السياسي و الأجتماعي و الثقافي للحركة القومية الكردية و شعاراتها السياسية و سلوك القادة السياسيين للأحزاب الكردية ، لتتناول مواضيع علمية دقيقة في حقول اللغة الكردية و التاريخ الكردي و الأثنوغرافيا الكردية و….الخ دون الألمام بالحد الأدنى من المعارف و المعطيات التي يتطلبها البحث العلمي في هذه الحقول . كان من المفروض أن يكون هذا التوجه و الأهتمام بدراسة تاريخ الكرد و بلادهم و تراثهم و لغتهم موضع ترحيب و تقدير الأخيرين ، لو تبنت تلك الكتابات الأسس العلمية التي تهدف الى توضيح الحقائق المتعلقة بهذا الشعب لتنوير الرأي العام العربي بالشعب الكردي و دوره السياسي و الحضاري في العراق و المنطقة ، إلا أن منحى هذه الكتابات و التي تهدف في الجزء الأكبر منها الى تشويه و تزييف الحقائق المتعلقة بالشعب الكردي و حركته التحررية و حتى تلك التي أصبحت معروفة لدى القاصي و الداني ، أثارت ردود فعل غاضبة لدى القراء الكرد و أعتبروها مجرد حلقة من حلقات إنكار وجودهم القومي و قمع تطلعاتهم المشروعة. لا بد من الأشارة هنا الى أن الردود الكردية جاءت في مجملها منفعلة و تفتقر الى أدنى متطلبات النقاش العلمي الرصين و الى الأدلة و الشواهد العلمية التي تظهر خطل تلك الطروحات . و لا يمكن لمثل هذه الكتابات أن تخدم الحوار الحضاري الحر وصولا الى توضيح الحقائق للقراء .
و من الضروري أن أشير هنا أيضا الى أن نشر العديد من هذه الكتابات المجانبة للحقائق العلمية و بديهيات الكتابة الرصينة و تلك المتضمنة للأفكار العنصرية و الطروحات التي تثير الفتنة و العداء بين الشعوب و الأثنيات المختلفة ، و هي أمور يعاقب عليها القانون في المجتمعات المتحضرة ، يشكل خرقا فاضحا لمبادئ الصحافة الحرة و أستغلالا سيئا لمنجزات الثورة المعلوماتية و التكنولوجية. فبدلا من إستغلال هذه المنجزات و الفرص المتوفرة أمام العراقيين في الخارج لتعريف مواطني بلادهم بأسباب أوضاعهم المأساوية و توضيح الحقائق لهم و لغيرهم و عرض الحلول الواقعية للخروج من هذا المأزق التاريخي و تنوير الرأي العام العربي و العالمي بحقيقة الأوضاع السياسية و الثقافية و الأجتماعية و الأقتصادية في العراق و محاربة الأفكار العنصرية و الطائفية و الجهوية التي تسببت في  الكوارث الأنسانية التي حلت بهذا البلد و بدلا من زرع روح الأخوة و التسامح و الديمقراطية و الأعتراف بالآخر و بالحقوق القومية و السياسية و الثقافية و الدينية لجميع المكونات الأثنية و الدينية في االعراق  ، نرى بأن بعض الصفحات العربية على شبكة الأنترنيت و بخاصة العراقية تحول الى مايشبه جدران دورات المياه العامة لنشر الأفكار العنصرية المريضة و المثيرة للفتن القومية و الطائفية لأناس تملأ قلوبهم العقد والأحقاد القومية و الطائفية و لا يشعرون بأية مسؤولية أخلاقية تجاه قرائهم . لا أعتقد بأنه من الصواب الأدعاء بأن نشر مثل هذه الأفكار العنصرية المقيتة و التطاول على مقدسات الأمم و الشعوب و الطروحات التي تؤدي الى تأجيج نار الفتن الأثنية و المذهبية ، يجمعها جامع مع حرية إبداء الرأي و النشر ، ففي ظل الأنظمة الأكثر ديمقراطية في العالم يعاقب أصحاب الأفكار العنصرية التي تزرع الأحقاد بين الناس و الطروحات المثيرة للفتن القومية و الطائفية .
تجاوز بعض الكتابات الهزيلة المعادية للكرد و تطلعاتهم القومية و التي نشرت على صفحات الأنترنيت جميع الحدود المتعارف عليها في حقل الكتابة الصحفية . فمن مزيف لجميع الحقائق التاريخية و الجغرافية المتعلقة بالكرد و بلادهم بهدف أنكار الوجود الكردي في هذه المنطقة أو تلك المدينة ، الى باحث في زوايا التاريخ المظلمة وبصورة انتقائية عن أحداث مؤلمة يتحمل الجميع مسؤولية حدوثها على قدم المساواة ، محاولا إلصاقها بالكرد و تحميل الأجيال الكردية الحالية مسؤولية تلك الأحداث مع إهمال كامل لأحداث التاريخ القريب التي تدين فئات واسعة من المجموعة الأثنية التي ينتمي اليها وذلك عندما تحولت بسبب سياسات القمع و الأبادة التركية بحقها و قصر نظر قادتها السياسيين و الدينيين الى أداة بيد الأستعمار البريطاني لقمع الحركات التحررية الكردية و العربية في العراق ، و الى أغرب من كل هذا وذاك وهو الواهب لما لا يملك و الذي وصل به الأمر أن يصدر فرمانا سلطانيا يهب بموجبها محافظة كردستانية بأكملها لأقلية قومية لم تشكل في يوم من الأيام أكثر من 20 % من مجموع سكان المحافظة المشار اليها بسبب عدائه للكرد و تطلعاتهم المشروعة . هذه مجرد نماذج لتلك الكتابات التي لا تستحق الرد و التعقيب لسبب بسيط  وهو أنها لا تتضمن أفكارا و طروحات منطقية يتقبلها العقل و لا تستند الى أية معلومات و مصادر علمية و معطيات إحصائية ، بل تحاول تلك الكتابات لوي عنق الحقائق لتساير أمزجة كتابها و لايمكن أن تنطلي على القارئ المتابع و المطلع .  
عندما يعاتب الكرد الكتاب و السياسيين العرب على صمتهم على الجرائم التي ترتكب بحق الشعب الكردي فإن الجواب الجاهز هو ان الكرد لم ينجحوا في عرض قضيتهم القومية على الرأي العام العربي بصورة جيدة . يمكن للمرء أن يتساءل كيف يمكن للكرد ان يعرضوا قضيتهم على العرب في ظل غياب الصحافة الحرة في البلاد العربية و إمتلاك الدولة أو الحزب الحاكم لوسائل الأعلام المرئية و المسموعة و المقروءة  . حتى في عصر العولمة و الثورة المعلوماتية و القنوات الفضائية لا زال الموضوع الكردي يدخل ضمن المحرمات في الأعلام العربي بحجج واهية لعل أكثرها إثارة للسخرية هو الحفاظ على حدة العراق . وعندما يحاول الكرد ان يطرحوا أفكارا لما يريدون تحقيقه في عراق المستقبل ، تتصدى لهم كوكبة من الكتاب ( المقاتلين ) و المجهزين بكل ما أنزل الله من التهم الجاهزة . الغريب في الأمر أن بعض هؤلاء الكتاب لا يجدون حرجا في الزعم بأنهم يدعمون مبدأ حق تقرير المصير للشعب الكردي ، الذي يتضمن قبل كل شئ حق الأمة الكردية في إقامة دولتها القومية المستقلة ، لكن ملاحظاتهم و إنتقاداتهم للمشروع الفدرالي الكردي المقترح من قبل الحزب الديمقراطي الكوردستاني تفضح حقيقة و نوعية حق تقرير المصير الذي يرتضونه للشعب الكردي . يؤسفني أن أشير الى أن هذا الأعتراف بحق تقرير المصير للشعب الكردي لا يختلف كثيرا عن إعتراف صدام حسين ب ( الحكم الذاتي !!!)  للشعب الكردي في كوردستان العراق . 
أعتقد أن مرد هذه الحملة الظالمة على الكرد من قبل هؤلاء الكتاب يكمن في مجموعة من العوامل النفسية و القومية و المذهبية وهو  في الجزء الأكبر منها عبارة عن خليط من رد فعل غير متزن و غيرة سياسية عمياء لأناس فشلوا في حياتهم السياسية و تركوا ساحات النضال أو هادنوا النظام في وقت ما ، و لا يتحملون أن يروا غيرهم وقد حققوا بفعل تضحياتهم الكبيرة و نضالهم المرير شيئا من تطلعاتهم القومية و السياسية . كما أن محاولات الكرد للخروج من دائرة التهميش التي حاولت الأوساط الحاكمة و ممثلي الأمة السائدة من الكتاب و السياسيين و الصحفيين حشرهم فيها أثارت ردود فعل متشنجة لدى فئة واسعة من الكتاب و السياسيين . فقد ترعرع هؤلاء في ظل ظروف حشر الكرد خلالها في دائرة التهميش السياسي و الأقتصادي و الثقافي و الأجتماعي و كانت كوردستان منطقة تخوم و أطراف مهملة و متخلفة و لا يستطيع هؤلاء السادة ان يتكيفوا مع حالة خروج الكرد من هذه الدائرة الجهنمية ليشاركوا بنشاط في الأحداث السياسية و ليتحولوا الى رقم يحسب حسابه في المعادلة السياسية في العراق و المنطقة و ليساهموا في تقرير مصائر البلدان التي يعيشون فيها . لا يحتاج القارئ المتتبع الى عناء كبير ليكتشف هذه التوجهات وبوضوح في هذه الكتابات . 
لست هنا بصدد الرد المباشر على كاتب بعينه ، بل أردت مناقشة مجمل الأفكار و الآراء الواردة في ثنايا بعض هذه الكتابات . و لا أهدف من هذا المقال الى الدفاع عن الأحزاب السياسية الكردية و قادتها . فلهذه الأحزاب صحافتها و هناك العديد من الآراء و الطروحات التي تنتقد سياسات الأحزاب السياسية الكردية و شعاراتها و سلوك قادتها و التي أشترك و غيري من الكرد مع كتاب هذه المقالات بل و وجهنا إنتقادات الى تلك الأحزاب مالم يسطرها هؤلاء الكتاب . تقويم الحركات السياسية و طروحاتها و شعاراتها و إنتقاد سلوك قادتها امر ضروري للجميع و بخاصة للكرد الذين عانوا على مر تاريخهم الطويل من عبثية بعض الزعماء السياسيين الكرد و تفويتهم للفرص التاريخية و إهتمامهم بصغائر الأمور على حساب الأهداف الأستراتيجية و المصالح العليا لشعبهم . و لكن عندما يتجاوز الأمر الى تشويه حقائق التاريخ و الجغرافيا و اللغة و الطعن في الحركة التحررية الكردية و إنكار التطلعات القومية المشروعة للأمة الكردية ، بغض النظر عن رأينا في هذه الحركة أو ذلك الحزب أو القائد ، فهذا أمر يخرج عن أطر النقد و التقويم الى الطعن في مقدسات الأمم و الشعوب .
دعونا نستعرض بعض هذه الآراء و نقومها . هناك سيل من الدراسات عن اللغة الكردية تعود بداياتها الى أواخر القرن الثامن عشر . وتناولت هذه الدراسات مختلف جوانب اللغة الكردية مثل القواعد و أسس تركيب الجملة، والمجموعة اللغوية التي تنتمي اليها و لهجاتها و الأدبيات التي كتبت بها . كما أن هناك العشرات من القواميس اللغوية الخاصة باللغة الكردية . وإعتمدت الدولة العراقية ومنذ تأسيسها و إلحاق كوردستان الجنوبية بها
( بالمناسبة فإننا لم نبتدع تسمية كوردستان الجنوبية كما يزعم أحدهم مصورا الأمر كمؤامرة و محاولة لفصلها عن الدولة العراقية ، بل كانت هذه التسمية تطلق على المنطقة المعروفة اليوم بكوردستان العراق قبل قيام الدولة العراقية في المراسلات الرسمية العثمانية و كتابات الرحالة و المستشرقين الأجانب لسبب بسيط هو أنها كانت تشكل القسم الجنوبي من بلاد الكرد و لعدم وجود دولة باسم العراق أصلا ليجري تعريف هذا الجزء من كوردستان بها . من الضروري أن نتفهم بأنه من الصعب على أناس جرى تعليمهم وتربيتهم وفق مناهج إعتبرت و لازالت تعتبر كلمة كوردستان من المحرمات بل و تهديد للوحدة الوطنية العراقية و مساوية للخيانة العظمى ، أن  يتعايشوا مع تسمية كوردستان و يتحرروا من الحساسية في إستخدامها كمنطقة جغرافية شأنها شأن المناطق الجغرافية الأخرى في العراق و العالم ، لأن التسمية البديلة ( شمال العراق ) هي تسمية خاطئة حتى جغرافيا . فشمال العراق يشمل تكريت و بيجي و الموصل و هي مناطق لم يعتبرها الكرد جزءا من كوردستان ، في حين تشكل المناطق الكردية مثل خانقين و مندلي و غيرها جزءا من وسط العراق . ما ذنب الكرد إذا كانت مناطق سكناهم تمتد الى الجنوب من بغداد ؟ فلينظر الكاتب الى خريطة إيران ليرى أن المناطق الكردية و التي تعترف الدولة الأيرانية بكرديتها تمتد الى مناطق تقابل المحافظات الجنوبية العراقية ) ، نقول إعتمدت الدولة العراقية اللغة الكردية لغة في التدريس و في المحاكم منذ العشرينات على الأقل في لوائي السليمانية و أربيل و ذلك بعد الأساليب الملتوية و الجهنمية التي لجأت اليها لحرمان كرد كركوك و أقضية الموصل الكردية و التي شكل منها فيما بعد محافظة دهوك عام 1969 و كرد لواء  ديالى من الدراسة بلغتهم الأم . وكان هذا الأمر جزءا من شروط عصبة الأمم لألحاق كوردستان الجنوبية بالدولة العراقية و أعلنت الجكومة العراقية و الدولة المنتدية بريطانيا ألتزامهما بهذه الشروط و تعهدتا بتنفيذها .
أليس من الغريب حقا و بعد ثمانية عقود من تلك الأيام و بعد أكثر من قرنين من عمر الدراسات الكردية ، أن ينبري أحد العراقيين ليقول لنا بأن كل ما كتبه المتخصصون في حقل اللغة الكردية من الكرد و العرب و الأجانب هي ترهات لا يعول عليها ، لأن هناك حسب إكتشاف هذا الكاتب لغات كردية و ليست لغة كردية و احدة ؟؟؟
 لم نقرأ  أو نسمع من أحد من المستشرقين و الباحثين في حقل الدراسات  اللغوية أن إعتبر اللهجات الكردية لغاتا كردية . أقصى ما حاوله بعضهم مدفوعين من الدوائر الحاكمة في هذا البلد أو ذاك أن يعتبروا اللغة الكردية لهجة من اللغة الفارسية أو إعتبارإحدى اللهجات الكردية من أصول غير كردية ، أما أن يعتبروا اللهجات الكردية لغاتا ، فهذا ( إكتشاف !!!!) جديد مسجل باسم صاحبه و لن ينافسه عليه أحد سوى سليمان ديميريل رئيس الجمهورية التركية السابق !!
فللموضوعية و لأعطاء كل ذي حق حقه يجب أن نشير ألى أن سليمان ديميريل سبق كاتبنا العراقي في طرح أجزاء من هذه النظرية . فبعد ثمانية عقود من إنكار وجود الشعب الكردي في تركيا و وجود لغة كردية في تركيا و في غيرها و بعد أن فشلت سياسة التتريك البغيضة في تحقيق أهدافها و إضطرت الأوساط الحاكمة في تركيا أن تعترف بوجود مواطنين أتراك ( من أصول كردية !!!)، و لقطع الطريق على الأعتراف بالحقوق القومية و الثقافية لهؤلاء المواطنين !! حاول سليمان ديميريل أن يشوش على الأمر و زعم بأن هناك 8 لغات كردية و يصعب على الحكومة أن تعتمد إحدى هذه ( اللغات ) للتدريس بها في المدارس أو إستخدمها في البث الأذاعي و التلفزيوني . الغريب أن السياسة الرسمية التركية التي لم تكن تعترف بوجود لغة كردية أصلا ، أخذت تتحدث فجأة و بين عشية و ضحاها عن ثمان لغات كردية !!. لذلك ووفق المنطق التركي من الأفضل منعها و عدم الأعتراف بها و قطع الطريق على إستخدامها في التدريس و البث الأذاعي و التلفزيوني . مع ذلك إضطر البرلمان التركي أخيرا بهدف الأنسجام مع قوانين الأتحاد الأوربي الى الأعتراف بوجود لغة كردية في تركيا وحق الكرد في ( فتح دورات اللغة الكردية ) و البث الأذاعي و التلفزيوني بهذه اللغة . رغم أن هذا القرار لايشكل سوى جزءا بسيطا جدا من التطلعات القومية المشروعة للشعب الكردي في تركيا و لن يكون من شأنه وضع نهاية للقضية القومية الكردية في تركيا و يدرك الأتحاد الأوربي حقيقة الأساليب الملتوية التي ستلجأ اليها الحكومة التركية لأفراغ هذا القرار من مضامينه الأيجابية ، ولذلك كان الأتحاد حذرا في الترحيب بهذا القرار و أكد على أنه سيتابع  طريقة تنفيذه ، رغم ذلك كله فان القرار جاء ليؤكد فشل سياسة التتريك البغيضة التي إنتهجتها الدولة التركية منذ بداية القرن الماضي و يثبت للعالم و الأوساط الحاكمة في تركيا بأن سياسة الأنكار و الأبادة لن تنجح أبدا في تركيع الشعوب بل تثير في نفوس أبنائها الأصرار و العزم على نيل حقوقهم و تحقيق أمانيهم القومية . 
للموضوعية يجب أن نقول بأن كاتبنا العراقي قلص عدد اللغات الكردية الى أربع فقط  و لم يطالب صراحة بمنعها من التداول !!! لكن الأنسان المدرك و العاقل لا بد أن يفهم بأن تعلم أربع لغات بدلا من لغة واحدة هو أمر بالغ التعقيد و يجب التخلي عنه .تثير طروحات الكاتب العراقي بشأن اللهجة الكردية الفيلية ، والتي يعتبرها لغة خاصة ، و اللهجتين السورانية و الكرمانجية و يسميها خطأ بالبهدينانية ، السخرية . لا يعرف الكاتب أن اللهجة الكرمانجية هي لهجة كرد تركيا و سوريا و جمهوريات الأتحاد السوفيتي السابقة و جزء مهم من كرد إيران و العراق . اي أن مابين 60 و 70 % من أبناء الشعب الكردي يتحدثون و يكتبون بهذه اللهجة ، فيما تشكل بهدينان منطقة جغرافية محدودة في كوردستان العراق مع إمتدادات بسيطة في كوردستان تركيا . من حقنا أن نتساءل هل تتفرد اللغة الكردية من بين لغات العالم بوجود اللهجات المختلفة ؟  لماذا لا يشكل هذا الأمر بالنسبة للأمم الأخرى أية مشكلة ؟ في بلد أوربي صغير مثل هولندا التي لا تتجاوز مساحته الكلية  000 41 كم2 (تساوي  نصف مساحة كوردستان العراق ) هناك أكثر من 20 لهجة محلية. لم يشكل هذا التنوع اللهجوي عائقا أمام تطور اللغة بل نزيد الكاتب العراقي علما بأن هولندا تطالب الأتحاد الأوربي بالأعتراف ببعض هذه اللهجات ليجري التعامل بها على الصعيد الأوربي . ألا تشكل سويسرا نموذجا لغويا يمكن الأحتذاء به في الدول المتعددة اللغات ؟
حتما سيقال بأن هذه الدول لها لغاتها الموحدة الى جانب اللهجات . كيف يمكن أن نوحد اللهجات الكردية في ظل منع تداولها و منع الكتابة بها و إعدام من يحاول أن يعلم التلاميذ الذين يدرسون بإحدى هذه اللهجات الأبجدية التي تعتمدها اللهجة الأخرى ، كما حدث مع الشاعر الكردي دلشاد مريواني الذي أعدم بسبب محاولته تعريف تلاميذه بالألفباء التي تعتمدها اللهجة الكرمانجية الشمالية . لا فقط  لا يشكل هذا التنوع في اللهجات الكردية عقدة بالنسبة لنا نحن الكرد بل و نعتبره غنى و ثراء للغتنا القومية التي تطورت الى حد كبير و ينشر بها الآن عشرات المجلات و الجرائد و مئات الكتب و تقدم بها عشرات رسائل الماجستير و أطروحات الدكتوراه في جامعات كوردستان و تحوي شبكة المعلومات العالمية على مئات الصفحات بالكردية . و نؤمن بأن التطور الحر لهذه اللهجات و توحيد الأملاء الكردي و تقريب اللهجات من بعضها كفيل بحل هذه المسألة بعيدا عن نزعة الفرمانات القرقوقشية و قوانين حماية اللغة . ولن نكون الأمة الوحيدة التي تحوي لغتها العديد من اللهجات . ويمكن لنا أن نبشر الكاتب العراقي بأن المبدعين الكرد في أوربا أبتكروا برنامجا علميا جديدا لتحويل النصوص الكرمانجية الجنوبية ( المعروفة خطأ بالسورانية ) و المكتوبة بالأحرف العربية الى نصوص بالكرمانجية الشمالية التي تكتب بالألفباء اللاتينية و بالعكس و بمنتهى السهولة .
الغريب أن كويتب آخر و قبل أن يتأكد من الصلاحية المنتهية للمنتوج الردئ للكاتب العراقي أشار من بين الكم الهائل من المصادر و المراجع عن اللغة الكردية الى مقال هذا الكاتب لكي يثبت لنا ما لايمكن إثباته حول الكرد و لغتهم و تراثهم بعد أن أعمته الروح الشوفينية و الحقد على الكرد . ويبدو أنه لم يطلع حتى على مجريات الأمور في المنابع العليا التي يستمد منها أفكاره العنصرية المقيتة ، و نقصد بها إعتراف جماعات الذئاب الغبر صاغرين باللغة الكردية و ( السماح بفتح دورات لتعلمها و البث الأذاعي و التلفزيوني بها !!!) .      
يلجأ الكاتب العراقي الى النظريات والأفكار و  الأيديولوجيات المتقاطعة مع بعضها ليؤسس لفكرته التي تتلخص في أن الكرد يشكلون كتلا و جماعات مبعثرة لا تربطهم الروابط اللغوية و الجغرافية و الدينية و التاريخية و الإقتصادية المشتركة. هذه الطروحات الشوفينية تساوي لدي و لدى كل متابع إنكار وجود أمة كردية متميزة حتى لو لم يكن الكاتب يهدف الى ذلك . وأعتقد  بأنه لا يختلف أثنان من البشر في عصرنا هذا على أن مثل هذه الأراء و الطروحات لا تجد مرتعا لها الا في مزابل التاريخ و من العبث ان يصرف المرء الجهد و الوقت للرد عليها و محاولة تبيان خطلها و بطلانها . فهو يحاول تارة أن يفسر لنا حالة التبعثر الكردي من خلال العامل الجغرافي أو التضاريسي كما يسميه. لا يمكننا ان ننكر دور العامل الجغرافي و الموقع الجيوسياسي لكوردستان  في التراجيديا الكردية . وليس في هذا الأمر شيئا جديدا فللعامل الجغرافي دوره في  الأحداث السياسية والتاريخية و الأجتماعية كما فسره طيب الذكر مونتسكيو ، إلا أن دور هذا العامل و العديد من العوامل الأخرى قد تراجع كثيرا في عصرنا الحالي بفعل الثورة  التكنولوجية و بخاصة في مجال الأتصالات و المعلومات .
من المناسب أن نشير هنا الى أن العديد من الكتاب الذين يتصدون للكتابة في الشؤون الكردية يهملون كليا الظروف التاريخية الصعبة التي جرى في ظلها تطور المجتمع الكردستاني عبر القرون الأخيرة من تاريخه الحديث ، و لا يدركون أن الأوضاع الكردية الحالية هي في آن واحد نتاج لذلك التطور التاريخي و عهود السيطرة الأستعمارية و حملات القمع و الأبادة و عوامل تساعد على إستمرار هذه الأوضاع.   
و بمناسبة حملات القمع و الأبادة الجماعية و التطهير العرقي و التنكيل يستكثر علينا هذا الكاتب المؤمن بالحوار الديمقراطي و حتى بتقرير المصير للشعوب المضطهدة في أفريقيا و أمريكا اللاتينية و جنوب شرق آسيا و ربما في شبه القارة الهندية ، حتى أن نستذكر ضحايا تلك الحملات البربرية و يتهمنا بمحاولة هولوكوستتة القضية الكردية . من حق المرء ان يتساءل في هذا المجال كيف يمكن أن تصل القسوة بإنسان ، دعك عن الكاتب ، الى الحد الذي يمنع ضحايا حملات التنكيل حتى من إطلاق الآهات ؟ ألا يدعو هذا الأمر الى التفكير جديا في مديات القسوة التي أخذت تسيطر على عقول البعض ؟ ألا يساهم الكتاب بكتاباتهم هذه في تنمية النزعات العدوانية و الدموية و العنصرية و في تعميق روح الكراهية بين أبناء البلد الواحد ؟ ألا يتحملون المسؤولية الأخلاقية عن سيادة القسوة و العنف في مجتمعاتهم ؟ ألم تكن أقلام الكتاب سببا في نشر أفكار العنف و القسوة و الكراهية في المجتمعات لتأتي  القوى المتخلفة بعد ذلك و تحاول تطبيقها على الصعيد العملي من خلال الحروب و الاسلحة الفتاكة ؟ بدلا من التنديد بتلك السياسات و نبذها الى الأبد و الدعوة الى التسامح و بناء علاقات جديدة بين العراقيين جميعا بغض النظر عن الأنتماء القومي و الديني و المذهبي و الجهوي ، علاقات قائمة على مبادئ الأعتراف بالآخر و إحترام مشاعره و خصوصياته القومية و الدينية و الثقافية ، نرى مقالات لا مسؤولة تحاول إنكار الآخر و المس بمشاعره القومية و الدينية و المذهبية و السخرية من سجله الملئ بالضحايا و المنكوبين . لا يمكن لمثل هذه المقالات الا أن تثير الحقد و الكراهية و توقظ غول العنف و القسوة في نفوس العوام و الفئات الجاهلة من المجتمع و يتحمل أصحاب هذه المقالات المسؤولية أمام الله و الناس عن الجرائم و أعمال العنف التي سترتكب بسبب مقالاتهم هذه .
الأنكى من ذلك أن يحاول الكاتب تصوير الخلافات السياسية بين الأحزاب الكردية المتناحرة على أنه صراع بين طرق صوفية ( يعتبرها خطأ مذاهب دينية) . لعمري أن هذا التفسير للصراع العقيم بين الأحزاب الكردية المتناحرة هو غاية في التسطيح . إن محاولة تصوير القيادات الكردية شيوخ طرائق دينية و عشرات الآلآف من الأعضاء و من مختلف فئات المجتمع من الفلاحين و الطلبة و العمال و المثقفين و الكتاب من المؤمنين و العلمانين و حتى الملحدين مجرد دراويش في حلقات الذكر هو السطحية بعينها . يبدو أن الكاتب قد قرأ شيئا من التاريخ الكردي و عرف معلومة أن معظم قادة الأنتفاضات الكردية في نهاية القرن التاسع عشر و النصف الأول من القرن العشرين كانوا من رجال الدين المنتمين الى إحدى الطريقتين مما دفع به أن يسقط الحالة على القيادات الكردية الحالية. الأحزاب الكردية الحالية و منذ نهاية النصف الأول من القرن الماضي تشكلت على أسس سياسية قومية و ضمت في صفوفها الكرد من مختلف الطبقات و الفئات و الأديان و المذاهب . فهناك الكردي المسلم السني و هناك الكردي الفيلي الشيعي و هناك الكردي اليزيدي بل و هناك الكوردستاني المسيحي و غيرهم يعملون جنبا الى جنب في إطار الأحزاب الكوردستانية. لقد وحدت هذه الفئات سابقا شعارات النضال من أجل الديمقراطية للعراق و الحكم الذاتي لكوردستان و يوحدهم الآن شعار الفيدرالية لكوردستان في عراق ديمقراطي تعددي و دستوري . و شاركت الى جانب هذه الأحزاب في الثورة الكردية قوى عراقية معروفة مثل الحزب الشيوعي العراقي و غيره من القوى المعارضة للدكتاتورية . يعرف الكاتب أن زعماء و قادة الطرق الصوفية في كوردستان و خارج كوردستان يتفرغون لحلقات الذكر و يعتبرون ممارسة الشأن السياسي عملا لا يدخل ضمن إهتماماتهم بل ولا يليق بهم . إنه لأمر مثير للسخرية إطلاق صفة الطرق الصوفية على حركة قومية تضم مئات الآلآف من البشر لمجرد إنتماء بعض قادتها السياسيين الى هذه الطريقة الصوفية أو تلك . نحن نعرف بأن أبناء و أنصار هذه الطرق الصوفية بفخرون بإنتمائهم اليها و تشير ألقابهم الى ذلك الأنتماء . فليدلنا الكاتب على قائد سياسي كردي يحمل لقب النقشبندي أو القادري .
من المؤسف أن هناك الكثير من الآراء و الطروحات اللامنطقية التي تجد سبيلها الى النشر في الصحافة العربية و على صفحات الأنترنيت و من العبث الرد عليها جميعا لأن الكثير منها لا تتوفر فيها أبسط مستلزمات الكتابة الصحفية دعك عن المعارف و المعلومات الصحيحة التي يمكن أن تقدمها للقراء و لايمكن الأدعاء بأن نشر مثل هذه المقالات يمكنها أن تنمي روح الحوار بين العراقيين الذي نحن بأمس الحاجة اليه بعيدا عن الأفكار المتطرفة التي عانى الجميع بسببها الكثير . يجب أن نتطلع جميعا الى نشر الأفكار الأنسانية و زرع روح المحبة و التسامح بين الناس جميعا و نحاول أن نزيل الآثار المدمرة لثقافة العنف و القسوة و التسلط التي تسود الحياة السياسية و الفكرية العراقية لعقود طويلة. لقد ولت العهود التي كان بالأمكان التنكر لحقوق الشعوب و محاولة قمع تطلعاتها القومية بالحديد و النار و أصبحت حتى الدول الأشد عنصرية تضطر مجبرة أمام نضالات الشعوب و ضغط الرأي العام العالمي الى التخلي عن بعض سياساتها . 

 

 


           تركيا منزعجة من إتفاق كرد العراق !
د .جبار قادر  
لا أعتقد أن هناك كرديا على وجه البسيطة يشك في أن تركيا لا تريد الخير للكرد وتعمل كل ما في وسعها لنسف التجرية الكردية و إعادة عجلة التاريخ الى الوراء من خلال زرع بذور الشقاق و الخلاف بين القيادات الكردية و تحريك عملائها لأثارة الصراعات بين أبناء الوطن الواحد . كثيرا ما نبهت القيادات الكردية من المؤمرات التركية و إستحالة قيام الدولة التركية المعادية للحقوق القومية الكردية بدور وسيط للسلام بين الأحزاب الكردستانية . كما لا يجب تفسير الموقف التركي المتمثل في إنطلاق الطائرات الأمريكية و البريطانية من قاعدة إنجيرليك التركية لحماية المنطقة الآمنة في كوردستان العراق ، رغم عدم إنكار أهمية هذا الأمر بالنسبة لحياة و إستقرار الكرد في هذه المنطقة ، لا يجب تفسيره على أنه تغير في السياسية التركية المعادية إزاء الكرد ، بل يدخل الأمر في صميم التزامات تركيا العسكرية و الأمنية في إطار حلف الناتو و علاقاتها الأستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية . هذا فضلا عن أن هذا الأمر جرى اقراره في ظل ظروف قاهرة ومعروفة نجمت عن حرب تحرير الكويت و قمع الأنتفاضة العارمة في كوردستان و جنوب العراق و وجد الغرب نفسه ملزما للقيام بشئ أمام ضغط الرأي العام و المشاهد المفجعة لللاجئين الكرد على شاشات التلفزيون . كما أن وجود تورغوت أوزال البراغماتي على راس السلطة في تركيا ، والذي كان يحاول  إخراج تركيا من دائرة حكم الجنرالات و الفساد وخرق حقوق الأنسان و القوميات و ضمها الى حضيرة الدول المتحضرة ، كان عاملا مساعدا لأتخاذ ذلك القرار . أما الآن و بعد هذه السنين و بعد أن خرج جزء كبير من كرد العراق من النفق المظلم و عادت عجلة الحياة تدور من جديد في مناطق واسعة من كوردستان العراق ، فقد صعدت تركيا من معاداتها للتجربة الكردية و تحاول خنقها بكل الوسائل المتاحة لديها خاصة بعد أن فشلت في فرض هيمنتها على القيادات الكردية ، كما أن ممارسة الضغوطات الأقتصادية و العسكرية و السياسية و الأعلامية و السلوك الشائن لموظفيها على الحدود بحق المواطنين الذين يزورون كوردستان العراق لم تسفر عن النتائج التي تنتظرها . والأنكى من كل ذلك بالنسبة لتركيا أن محاولاتها الكثيرة من خلال إستغلال الأوضاع الأقتصادية الصعبة و حالة الصراع العقيم بين الحزبين الرئيسيين لخلق (أحزاب و تجمعات سياسية !!) تتحول الى قاعدة لنفوذها السياسي و العسكري وتلعب دور الطابور الخامس لها في كوردستان العراق أصابها الفشل الذريع لكونها كانت مفتعلة و لا تستند الى أرضية واقعية . 
حاولت تركيا منذ قيام الكرد بأجراء الأنتخابات و تشكيل حكومة الأقليم إثارة الهلع في نفوس الأيرانيين و السوريين داعية اياهم الى عقد إجتماعات دورية للقيام بتدبير المؤمرات ضد الكيان الكردي الهش . ومع  بدء جولات القتال الداخلي العقيم بين الحزبين الكرديين لم تعد الحاجة قائمة لعقد تلك الأجتماعات الدورية بل وأخذت تركيا تدعي لعب دور الوسيط بين الكرد. حاولت خلال سنوات (الوساطة ! ) العجاف أن تعمق الخلافات بين الأطراف السياسية الكردية و أن تفرض هيمنتها العسكرية و الأقتصادية و السياسية على الأقليم . وسرعان ما كانت تنهار الأتفاقيات التي تعقد بوساطة تركية و يعود القتال من جديد . لا يمكن أن نلقي بتبعات هذه الحالة على تركيا لوحدها بطبيعة الحال بل أن القوى الكوردستانية تتحمل المسؤولية الأولى فيها أمام الكرد و التاريخ رغم الكم الهائل للمؤمرات التركية و غير التركية ضد المكتسبات القومية الكردية.
تأكيدا لكل ما قيل أعلاه جاء الموقف التركي الأخير من إتفاقية السلام المعقودة بين الحزبين االرئيسيين في كوردستان العراق في 8 أيلول 2002 في صلاح الدين . فقد نقلت وكالة انباء الأناضول الحكومية و التي تعبر عن وجهة النظر الرسمية للحكومة التركية عن مصادر ديبلوماسية لم تعرفها انزعاج الحكومة التركية من بعض عناصر الأتفاق المعقود بين زعيمي الحزب الديمقراطي الكوردستاني و الأتحاد الوطني الكوردستاني . وأكدت الوكالة بأن الحكومة منزعجة من (الأخبار التي اعلنت بأن طالباني عقد وبسرعة اتفاقا مع البرزاني الذي كان قد ادلى بتصريحات عنيفة ضد تركيا ) .
هل يعني عقد الأتفاق و بهذه السرعة و التي لم تنتظرها تركيا ان الزعيمين الكرديين أدركا أخيرا بأن عليهما أستباق محاولات تركيا لتعميق الخلافات بين الطرفين و القيام بتدبير المؤمرات لأيصال الأمور الى حالة الأصطدام مرة أخرى ؟. فقد كانت تركيا تحاول في الوقت الذي تمارس فيه الضغط على قيادة الحزب الديمقراطي الكوردستاني و تطلق التهديدات ضده و ضد المناطق الواقعة تحت ادارة حزبه التظاهر بأن علاقاتها مع قيادة الأتحاد الوطني الكوردستاني على أحسن مايرام . لذلك فهي مستاءة من أن زعيم الأتحاد الوطني الكوردستاني قام وبعد عودته مباشرة من تركيا بعقد اتفاق مع زعيم الحزب الديمقراطي الكوردستاني الذي تعتبره تركيا رغم عدم اعلان ذلك رسميا عدوا لها و عقبة أمام تنفيذ مخططاتها في المنطقة.
والأمر الذي يثير قلق تركيا أكثر من أي شئ آخر هو عودة الشرعية في كوردستان العراق و المتمثلة بعودة البرلمان الى الأجتماع و الدعوة الى الأنتخابات . فقد نقلت وكالة أنباء الأناضول عن المصدر الدبلوماسي المذكور بأن ( خبر عودة البرلمان الأقليمي الى عقد جلساته يثير مخاوف تركيا من إحتمال إقامة الدولة كردية التي هي في طور التكوين مؤكدا بأن تركيا لن تسمح بمثل هذا التطور).
رغم أن القيادات الكردية تؤكد بصورة يومية بأن كرد العراق يناضلون من أجل إقامة دولة فدرالية في العراق و لا ينوون الأنفصال عن العراق و رغم معرفة تركيا بهذه الحقيقة ، إلا أن وجود مؤسسة تشريعية منتخبة بصورة حرة من قبل سكان الأقليم و تعبر عن إرادتهم تثير الهلع في نفوس الأوساط الحاكمة في تركيا لأنها تدرك بأنها لن تتمكن أن تتعامل معها و تمارس عليها الضغوط كما تتعامل مع أحزاب و مجموعات سياسية مهما كان تاريخها و مكانتها بين السكان . لذلك على الكرد ان يتمسكوا بالبرلمان الموحد و يعملوا كل ما في وسعهم ليدعموا موقفه و مكانته و يمارس الرأي العام الكردي الضغط على الأحزاب السياسية للخضوع لأرادة البرلمان و محاربة كل محاولة تهدف الى تهميش دوره . ويجب أن يتخلى رئيس البرلمان ، كما في برلمانات العالم الحر ، منذ لحظة انتخابه لرئاسة البرلمان عن مواقعه الحزبية و يصبح ممثلا لجميع ابناء شعبه و ليس لحزب معين . فهو رئيس المؤسسة الشرعية التي تجمع ممثلي الشعب المنتخبين و التي تعبر عن إرادة جميع السكان و ليس أنصار الحزب . 
كما نقلت الوكالة إنزعاج أنقرة من تركيز الزعيمين في اتفاقهما المعلن على إتفاقية واشنطن و عدم الأشارة الى إتفاقية أنقرة . كانت اتفاقية أنقرة برأيي اسوأ إتفاقية سلام على الأطلاق . تثير لقاءات الزعميمين الكرديين مع بعضهما و مع الغربيين و الأمريكيين دون حضور ممثلي تركيا و وساطتهم تخوف الأوساط الحاكمة في تركيا . ولأن عقلية المؤامرة تتحكم بعقول و سياسات السياسيين و الجنرالات الترك فهم يتخوفون من أن تكون هناك إتفاقيات و صفقات بين أمريكا و كرد العراق من وراء ظهورهم . ولايريدون الأعتراف بحقيقة أنهم لا يمكن ان يكونوا وسطاء نزيهين بين قوى يعتبرونها من ألد أعدائهم. لقد آن الأوان للقيادات الكردية أن تقطع الطريق على القوى الأقليمية للتدخل في الشؤون الكردية و تتصدى لحل المشاكل و الخلافات فيما بينها دون الحاجة الى الوسطاء و تعقد إجتماعاتها في كوردستان حصرا و تعمل على تنفيذ بنود الأتفاق الأخير دون إبطاء.
ورغم اشارة الزعيمين في اتفاقهما و بصريح العبارة الى التأكيد على تحقيق المطالب القومية المشروعة للقوميات الأخرى في كوردستان كالتركمان و الآشوريين و الكلدان ، إلا أن الوكالة التركية نقلت عن المصدر الديبلوماسي انزعاج الحكومة التركية من إهمال تركمان العراق في الأتفاقية . هذه كلمة  حق يراد بها الباطل . أليست محاولة إنهاء الخلافات بين الحزبين الديمقراطي الكوردستاني و الاتحاد الوطني الكوردستاني و إعادة توحيد الأدارتين و العودة الى الشرعية البرلمانية و تطبيع الأوضاع السياسية و الأمنية في الأقليم أمر لصالح جميع سكان الأقليم ؟. أليس الألتزام بحماية الحقوق القومية لجميع المكونات الأثنية لسكان الأقليم هو أمر يجب الترحيب به ؟ .
على الكرد الذين يناضلون منذ عقود طويلة لتحقيق أمانيهم القومية التجاوب و من منطلقات مبدئية للمطالب القومية للقوميات الأخرى لا إرضاء لتركيا ، التي لا تمتلك أية شرعية للحديث عن هذا الأمر لسلجها الأسود في هذا المضمار ، بل لبناء مجتمع مدني تسوده قيم العدالة و التسامح و المساواة. وعلينا جميعا أن نعمل من أجل إحباط المؤمرات التركية ضد عملية السلام في كوردستان العراق .

  

 


 تعقيبا على ماكتبه السيد مهدي السعيد
الأبعاد الراهنة لمشكلة الأقليات القومية في كردستان العراق !!
        بقلم :د. جبار قادر
كتب السيد مهدي السعيد في عدد 4 آذار 2001 من جريدة الحياة مقالا تحت العنوان المشار اليه اعلاه ، تضمن العديد من الأفكار و الطروحات التي تحتاج الى التعقيب و المناقشة  خدمة للحقائق و توضيحا للأمور. بادئ ذي بدئ بنى الكاتب مقاله على أساس فرضية غير دقيقة تتلخص في ان (( مشكلة الأقليات القومية في كردستان العراق تستحوذ على اهتمام اوساط واسعة من المهتمين بالشأن العراقي)) . في واقع الحال لا تستأثر هذه المسألة بإهتمام لا أوساط واسعة و لا ضيقة من المهتمين بالشأن العراقي لسبب بسيط هو عدم وجود مشكلة من هذا النوع أصلا . نعم هناك محاولات غير ناجحة لأثارة (( مشكلة!!)) الأقليات في كردستان و العمل على استغلالها خدمة لتحقيق اغراض سياسية من قبل اوساط معينة من المتربصين بالتجربة الكردية. كان من الأجدر طرح المسألة بصورة مغايرة تماما وهي استحواذ المشكلة القومية و آفاقها المستقبلية في العراق على اهتمام المتابعين للشأن العراقي.
 لا يختلف اثنان من المهتمين بالشأن العراقي على وجود مشكلة كردية متأزمة عمرها بعمر الدولة العراقية الحديثة.و تسببت السياسات الحكومية القائمة على انكار الحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي و قمع كل تحرك سياسي له الى تأزم المشكلة الكردية و ايصالها الى درجة الأنفجار و التي ترتبت عليها مآسي و كوارث حلت بالعراقيين جميعا. وبدلا من البحث عن اساليب عقلانية و حضارية لتخفيف حدتها وايجاد حلول واقعية لها ، استمرت الحكومات العراقية و بخاصة الحكومة الحالية خلال العقود الأربعة الأخيرة في انتهاج سياسة اتسمت بالعنف و القسوة ازاء الكرد و كل المكونات الأثنية و الدينية الأخرى في العراق. ساهمت تلك السياسات الى حد كبير في توفير الأجواء المناسبة لحلول الكارثة بالعراق. وإمعانا في هذه السياسة الخاطئة أخذت السلطات العراقية تضيق الخناق على الآشوريين و التركمان أيضا خلال العقدين الأخيرين لتتخذ المشكلة القومية في العراق ابعادا خطيرة تهدد الوضع العراقي في الصميم . المعروف ان النظام حاول استغلال وضع التركمان ( دون ان يعني ذلك دائما ان الأقلية التركمانية كانت راغبة في لعب هذا الدور ومدركة تماما لما يخطط له النظام )  كعنصر موازنة في بعض المناطق الحيوية من كردستان ضد الحركة القومية الكردية لحين تنفيذ مراحل مهمة من خطط  وسياسات التعريب في تلك المناطق. عند ذلك فقط أخذ النظام يكشف عن وجهه الحقيقي و سياساته الحقيقية ازاء الأقلية التركمانية و يمارس بحقها ايضا سياسة التعريب و التهجير من كركوك و الأقضية و النواحي التابعة لها. هذا هو المدخل الصحيح برأيي للتدقيق في هذه المسألة و دراستها .
 من المعروف أن المشكلة القومية تتأزم عندما تطالب قومية او أقلية قومية بحقوقها القومية السياسية و الأدارية و الثقافية و ترفض القومية السائدة أو الحكومة الممثلة لها الأعتراف بهذه الحقوق . أين هذا من وضع الآشوريين و التركمان في كردستان العراق ؟ اذ يشير الكاتب بنفسه الى ان هذه الأقليات القومية لديها ادارات (( مستقلة )) و لها حق اصدار الصحف و المجلات بلغاتها المحلية ولها اذاعات و محطات تلفزة ومدارس خاصة بها ، كما توجد مديريات عامة في وزارة تربية الأقليم خاصة بالدراسة الآشورية و التركمانية فضلا عن مديريات الثقافة التركمانية و الآشورية في وزارة ثقافة الأقليم للأهتمام بالتراث الثقافي لهذه الأقليات ، هذا فضلا عن عديد كبير من الأحزاب و التنظيمات السياسية و الثقافية والأجتماعية التي تمارس نشاطاتها بحرية و تصدر الصحف و الدوريات الخاصة بها .
وتعلن القيادات الكردية بصورة مستمرة عن تمسكها بحماية الحقوق القومية السياسية و الثقافية المشروعة لهذه الأقليات القومية في كردستان. من هنا لا يمكن الحديث عن وجود مشكلة أقليات قومية في كردستان . لا يمكن الأدعاء بطبيعة الحال ان قيم المجتمع المدني تسود كردستان العراق تماما و تخلصت هذه المنطقة من آثار سياسات العنف و القسوة و القهر القومي التي مورست بحقها و لا تعشش في زواياها المظلمة افكار و توجهات دينية و قومية و سياسية تتسم باالتطرف بين كل مكونات سكان الأقليم على حد سواء .
ورغم ان الخريطة التي ارفقها الكاتب  بمقاله و التي كتب تحتها الى انها (( خريطة تشير الى المناطق التركمانية في شمال العراق)) ليست بحاجة الى المزيد من التعليق ، لأنها تشير ببساطة الى جهل كامل بتاريخ و جغرافية المنطقة و يدرك كل من له المام بسيط بأحوال المنطقة خطلها ، الا أنه ومن أجل توضيح الأمور وفضح الأوهام التي تعشش في عقول البعض و التي تؤدي الى تسميم العلاقات بين الشعوب و تساعد على نمو التطرف اجد نفسي مضطرا للتعليق عليها .
لأول مرة نسمع بان سنجار ( الموطن التاريخي للكرد الأيزيديين الذين رغم المحاولات الكثيرة الفاشلة للنظام العراقي من اجل ابعادهم عن بني جلدتهم الكرد الا اننا نسمع لأول مرة من خبير في الشؤون الكردية !! ان يعتبرهم اقلية قومية و ليس اقلية دينية ضمن الشعب الكردي ) و زاخو و الموصل و اربيل  و خانقين و غيرها تشكل مناطق تركمانية في شمال العراق !! فهناك من الدراسات الرصينة ماتكفي لأظهار خطل هذا الطرح . فقد حدد الدكتور شاكر خصباك ( وهو باحث عربي عراقي لا يشك في موضوعيته العلمية و دراساته الرصينة ) كردستان العراق بمحافظات السليمانية و أربيل ( التي اعتبرها كردية صرفة باستثناء أقلية تركمانية صغيرة جدا في مدينة اربيل ) و كركوك و الموصل ( قبل استحداث محافظة دهوك وفك ارتباط الأقضية الكردية من محافظة الموصل و الحاقها بالمحافظة الجديدة وذلك عام 1969 ) و خانقين و مندلي في محافظة ديالى . وكانت نسبة الكرد في هذه المحافظات كما اوردها الدكتور خصباك عام 1959 بالأستناد الى إحصاء السكان لعام 1957 ، و هو الأحصاء الذي يعتبر الى حد ما و رغم النواقص التي تكتنف معطياته اقرب الأرقام الى الواقع قبل ان تمتد يد التزوير الى الوثائق الحكومية الرسمية المتعلقة بسكان كركوك و العديد من المناطق الكردستانية، كما يلي : السليمانية 100 % ، أربيل 91% ، كركوك 55,2 % و في الموصل 35%  وذلك في كتابه (( الكرد و المسألة الكردية )) .
لسنا بحاجة الى الغوص في إظهار خطل رأي الكاتب في اعتبار سنجار و زاخو و الموصل ( التي لم يشكل التركمان فيها سوى 0,99 % حسب احصاء عام 1977 بينما لا يشكلون حتى تلك النسبة في سنجار و زاخو )  و أربيل ( التي لم يشكل التركمان فيها حسب احصاء عام 1977 سوى 1,68% ) و تضم المدينة الآن حوالي مليون نسمة لا يتجاوز عدد السكان التركمان فيها حسب أكثر التوقعات تفاؤلا عدة آلاف شخص. وهكذا فان تواجد التركمان محصور في بعض المدن و القصبات الواقعة على خط ممتد من تلعفر حتى قضاء خانقين و مندلي و لايشكلون سوى نسبة قليلة من السكان فمثلا لا توجد قرية او قصبة تركمانية او يسكنها التركمان في طول المسافة الواقعة بين الموصل و كركوك التي تبلغ اكثر من 160 كم باستثناء اقلية تركمانية داخل مدينة اربيل و عدة الاف تركماني داخل قصبة التون كوبري التي بلغ مجموع سكانها من الكرد و التركمان عام 1957 ( 3855 ) نسمة فقط . ولنحصر الحديث بكركوك التي يشير الكاتب الى ان التركمان يصرون (( على ان هذه المدينة تعتبر العاصمة المستقبلية للأدارة التركمانية لأنها تحتضن اكثرية تركمانية مطلقة )) ، لنرى أين هي الحقيقة من هذا الكلام .
تباينت الأرقام التي قدمتها الأطراف المختلفة ذات العلاقة بمشكلة ولاية الموصل الى عصبة الأمم في العشرينات من القرن الماضي . كان الطرف التركي يرفع من نسبة السكان التركمان في الولاية ( 29,2 % ) في حين خفض الطرفان البريطاني و العراقي من تلك النسبة الى 7,9% و 7,7% على التوالي . في المقابل رفع الطرفان العراقي و البريطاني نسبة السكان العرب في الولاية الى  20,9% و 23,7 % على التوالي ، بينما قدر الطرف التركي نسبة العرب ب 8,6% . ولم تكن من مصلحة اي من الأطراف رفع نسبة السكان الكرد ، مع ذلك اضطرت جميع الأطراف بالأعتراف بأن الكرد يشكلون اكثرية سكان الولاية و كانت الأرقام التركية و البريطانية و العراقية هي على التوالي 56,1% و 57,9% و 65,1% . مع ان  تقديرات  الأطراف الثلاثة أهملت وجود 170 ألفا من الكرد الرحل في الولاية و كان من شأن ادراجهم ضمن التقديرات الأخلال بتلك النسب و جعل الكرد الأكثرية المطلقة في الولاية و تراجع نسبة السكان العرب و التركمان امام الكرد .
 بدءا يتركز التركمان فعلا في كركوك المدينة ( بلغ عددهم حسب احصاء السكان لعام 1957 في المدينة 45306 اشخاص من مجموع 113989 شخصا كانوا يشكلون مجموع سكان المدينة) و المحافظة ( بلغ عددهم الكلي في المحافظة حسب الأحصاء المذكور 83371 من مجموع 382189 شكلوا مجموع سكان المحافظة ) . ومن هذا المنطلق فأن أكثرية الأقلية التركمانية في كردستان العراق تتركز في كركوك دون ان يعني ذلك بطبيعة الحال بأنها تشكل اكثرية السكان في المدينة أو الأقضية و النواحي التي تتبعها . فقد شكل التركمان حسب احصاء عام 1957 حوالي 21 % ، بينما شكل العرب 28 % والكرد 48 % من مجموع السكان في محافظة كركوك .  في حين إنخفضت نسبة التركمان حسب احصاء عام 1977 الى 16,31 % و الكرد الى 37,53% بينما ارتفعت نسبة العرب الى 44,41 % من مجموع سكان محافظة كركوك . وبعد اكثر من عقدين من تنفيذ سياسة التعريب في محافظة كركوك و فك ارتباط اقضية جمجمال و كلار و الحاقهما بمحافظة السليمانية ، و قضاء طوز خورماتو و الحاقها بتكريت ( محافظة صلاح الدين ) و قضاء كفري و الحاقها بمحافظة ديالى ، و تدمير 779 قرية كردية في محافظة كركوك و اخفاء اثر اكثر من 182 ألف كردي خلال عمليات الأنفال في هذه المحافظة فقط و تشريد عدة مئات من الآلاف ( وصل عدد الكرد المرحلين من محافظة كركوك و ديالى منذ عام 1991 الى المنطقة الكردية الواقعة تحت سيطرة الأكراد فقط الى اكثر من 100 الف كردي فضلا عن أعداد مقاربة لذلك الى وسط و جنوب العراق و عدة مئات من الآلاف جرى ترحيلهم منذ عام 1963 و حتى عام 1991 ) . نتيجة لتنفيذ تلك السياسات و مارافقها من اجبار الكرد و التركمان و الآشوريين على تغيير قوميتهم الى القومية العربية انخفضت نسبة الكرد و التركمان في هذه المناطق بصورة دراماتيكية . ورغم ان هذه السياسات كانت موجهة بالدرجة الرئيسية ضد الكرد في هذه المناطق لكونهم يشكلون حسب العقيدة السياسية للنظام الخطر على مخططاته ، الا انها مست التركمان في الصميم ايضا . فقد تحولوا من اقلية متنفذة اقتصاديا و اداريا في كركوك و بعض الأقضية و النواحي التابعة لها الى اقلية صغيرة ضعيفة الى جانب الوافدين الجدد من العرب و الذين يتمتعون بدعم سياسي و اقتصادي و اداري حكومي كبير.
وهكذا نرى بأن ما حصلت عليه الأقلية التركمانية من حقوق سياسية و ثقافية  في كوردستان العراق تفوق حجمها الحقيقي و يعيب الكثير من الكرد على القيادات الكردية بأنها رضخت للضغوط التركية في هذه المسألة دون ان يعني ذلك بطبيعة الحال انكار الحقوق المشروعة للتركمان و غيرهم في كوردستان العراق . فالجبهة التركمانية التي تضم عددا من التنظيمات السياسية التي تشرف عليها تركيا بصورة مباشرة تمارس نشاطاتها دون ان تحصل حتى على اجازة رسمية من حكومة الأقليم ، كما تقوم الأحزاب التركمانية نيابة عن الدولة التركية بمنح  تصاريح الدخول الى تركيا لقاء مبالغ ضخمة من الأموال و التي تحولت الى تجارة رائجة لشراء الذمم و تجنيد المرتزقة و العملاء للمخابرات التركية . و المعروف ان هذه  الأمور فرضت فرضا من الحكومة التركية على الكيان الكردي و تحت تهديد سد المنفذ الوحيد لحركة السلع و الناس من و الى الأقليم . و لا أعتقد ان هذه الأمور تدخل في نطاق التمتع بالحقوق القومية في اي مكان في العالم .
وبلغ عدد التركمان عند قيام الدولة العراقية في منتصف العشرينات ( بعد الحاق ولاية الموصل رسميا بولايتي بغداد و البصرة )  65 الفا فقط . و حسب قوانين الديموغرافيا يجب ان يكون عددهم الآن بين 450 - 500 ألف شخص فقط . وتقدر الجالية التركمانية في بغداد بعشرات الآلاف شأنهم في ذلك شأن المكونات الأثنية العراقية الأخرى . وتتواجد أقلية تركمانية صغيرة في مدينة اربيل و قصبة كفري فقط في المناطق الخاضعة حاليا للأدارة الكردية ، بينما تقع كل المناطق الأخرى التي يتوزع فيها التركمان تحت سيطرة الحكومة المركزية العراقية و لايتمتعون فيها باية حقوق قومية او سياسية او ثقافية . هذه هي الصورة الحقيقية لتواجد التركمان في كوردستان العراق . أما الأرقام الخيالية عن عدد هذه الأقلية او تلك و التي يجري تداولها هنا و هناك خدمة لأغراض سياسية معينة و احلام اقامة حكومات المدن التي تجاوزها التاريخ منذ أمد بعيد فلن يغير من حقائق التاريخ و الجغرافيا و لن تفيد احدا في شئ و لن تؤدي الا الى تشتيت الجهود لمقارعة الظلم و القهر القومي .
الغريب ان كاتب المقال ووفقا لخريطته الغريبة يذهب من الموصل الى داقوق ( و ليس طاقوق ) فطوزخورماتو (و ليس طوس خرماتو) ليعود بعد ذلك الى التون كوبري ، وكأنه لايعرف بأن آلتون كوبر تقع الى الشمال من كركوك بينما داقوق الى الجنوب و طوزخورماتو الى الجنوب من داقوق و على الطريق العام الى بغداد. ولم يكن الكاتب موفقا في الحديث عن تغير للخريطة السياسية و ربطه بالوجود التركماني في اربيل و كركوك .
يبدو ان الكاتب غير ملم بما فيه الكفاية بالوضع القائم في كردستان العراق و التجربة الكردية هناك اذ يشير خطأ الى اعتراف الحكومة الكردية في دستورها بحقوق الأقليات لسبب بسيط وهو عدم وجود دستور خاص بكوردستان العراق لحد الآن ، بل ان الدستور العراقي المؤقت هو المعمول به في الأقليم .
حاولت تركيا منذ بداية التسعينات نسف التجربة الكردية من الداخل و بمختلف الوسائل و مارست الضغوط السياسية و الأقتصادية على القيادات الكردية لتركيعها للمطاليب التركية . و تأتي محاولات تركيا المحمومة لأستخدام ورقة الأقلية التركمانية في اطار هذه السياسة . ويمكن الجزم بأن الفشل سيكون من نصيب المحاولات التركية بسبب التجربة السياسية المتراكمة لدى القيادات الكردية و الأحزاب التركمانية و ادراكها للنوايا االحقيقية التركية و عدم استعداد اطراف تركمانية مهمة الأنجرار وراء السياسات التركية التي لا تهدف الا الى تحقيق مصالحها  الخاصة و لن تجلب للتركمان الا الضرر ، فضلا عن ان تركيا نفسها تواجه مجموعة من المشاكل الأقتصادية و السياسية و الأجتماعية و على صعيد علاقاتها الأقليمية و الدولية التي تحول دون تحقيق احلامها التوسعية ، فضلا عن انها تمنعها من ان تصبح نموذجا يحتذى بها على صعيد المنطقة . و بدأنا نلاحظ في السنوات الأخيرة تنامي دور القوى التركمانية المؤمنة بالتجربة الديمقراطية في كردستان العراق و المشاركة فيها ، في حين أخذت التنظيمات المرتبطة بتركيا تفقد وزنها على الساحة التركمانية . و أخذ منطق التآخي و المصالح الوطنية المشتركة يسود شيئا فشيئا العلاقات بين الكرد و التركمان و الآشوريين .
لم تتنازل القيادات الكردية عن منطقة كركوك كما يزعم الكاتب ، و انما جرى ربط البت بمستقبل المناطق المختلف عليها باجراء احصاء سكاني يجري على اساسه تحديد المناطق ذات الأكثرية الكردية لتدخل في منطقة الحكم الذاتي الذي جرى الأتفاق بشأنه  في 11 آذار 1970 ( و ليس 1973 كما يشير الكاتب ) بين الحكومة العراقية و الحركة الكردية بزعامة المرحوم مصطفى البرزاني .
أما فيما بتعلق بأصول التركمان و تاريخ استقرارهم في العراق فمن الضروري أن نشير بأنه كثيرا ما يجري الخلط بين تركمان العراق و التركمان في ايران و أواسط آسيا و الترك في آسيا الصغرى و هي عناصر قومية مختلفة ضمن مجموعة الشعوب الناطقة بإحدى لغات المجموعة التركية . ويجري هذا الخلط من منطلقات سياسية و لا تستطيع الصمود أمام التحليل و النقد العلميين . ولا يمكن التعويل في التحقيق في هذه المسألة العلمية على رأي امين عام حركة سياسية ، بل لا بد من الرجوع الى المصادر التاريخية الموثوق بها . يمكن القول بإختصار شديد بأن ما ورد في المقال حول هذه المسألة لا يمت الى الحقائق التاريخية بصلة و لا توجد أية مصادر تاريخية موثوق بها تعيد تأريخ تواجد التركمان في كوردستان العراق الى عصر يسبق القرن الثامن عشر . و تركمان العراق هم من بقايا القبائل التركمانية القزلباشية التي رافقت حملة نادر شاه على الموصل في الأربعينات من القرن الثامن عشر و عوائل الجنود و الموظفين الترك الذين جرى اسكانهم في بعض مراكز المدن المهمة على الخط التجاري و العسكري الأستراتيجي الممتد من دياربكر و حتى الحدود الأيرانية و الذي يعود أمر ادراك اهميته الى عهود تسبق تأريخ الدولتين الصفوية و العثمانية بقرون عديدة . و لاتشير أمهات المصادر التاريخية الى استيطان التركمان في كوردستان العراق في العهد السلجوقي ووجود امارات الأتابكة في أربيل (( و ليس امارات تركمانية مستقلة !!)) و غيرها لم يترتب عليه استقرارا للتركمان  في هذه المناطق ، فحكم الأيوبيين في مصر و اليمن و الشام  وحكم الأمارة الشدادية لآذربيجان لم يترتب عليه استيطان كردي  في هذه البلدان .
لابد أن يكون رائدنا البحث عن حقائق الأمور و الأبتعاد عن التهويل و الأوهام التي لن تؤدي الا الى المزيد من المشاكل التي عانى منها الجميع بما فيها الكفاية و لابد لكل القوميات و الأقليات القومية التمتع بحقوقها القومية و السياسية و الثقافية و الأنسانية المشروعة في ظل المجتمع المدني الديمقراطي و في ظل سيادة القانون الذي لا حل بدونه لمشاكل العراق .       

 

 

التكوين الأثني لسكان كركوك (خلال الفترة 1850 -1958 )
الدكتور جبار قادر
تعرضت كركوك خلال تاريخها الطويل لغزو العديد من القوى و الأمبراطوريات التي حاولت فرض هيمنتها على هذه المدينة و المناطق التابعة لوقوعها على الطريق الأستراتيجي الذي كان يربط شواطئ البحرين المتوسط و الأسود بالخليج و طريق الحرير الذاهب الى اواسط آسيا و الصين . واقامت هذه القوى القلاع و المواقع العسكرية على طول هذا الطريق لحماية قوافلها التجارية و خطوط مواصلاتها العسكرية ووضعت حاميات عسكرية فيها للدفاع عنها و القيام بالحركات العسكرية ضد السكان الجبليين الذين كانوا يغيرون عليها و ضد القوى المعادية لها . وقد أدركت هذه القوى و منذ العصور القديمة الأهمية الأستراتيجية لكركوك و غيرها من القصبات الواقعة على هذا الطريق . وجرت محاولات عديدة من قبل الدول و الأمبراطوريات المختلفة على إسكان رعاياها على طول هذا الخط  وبخاصة خلال العصر الحديث . وقد نجم عن ذلك تنوعا اثنيا لسكان كركوك و المدن و القصبات الواقعة على هذا الطريق .
من المعروف ان كركوك في حدودها التاريخية و الجغرافية المعروفة كانت عبر القرون جزءا من الكيان الكردي . فقد كانت خلال القرون الأخيرة جزءا من امارة أردلان الكردية وقد كلف السلطان مراد الثالث أمير الموكريين عام 1583 بادارة ايالة شهرزور التي كانت كركوك مركزا لها و كانت تتبعها أربيل  ومنطقة السليمانية الحالية .ومنذ اواخر القرن السابع عشر اصبحت ضمن ممتلكات الأمارة البابانية التي حلت محل أردلان في الكثير من الأصقاع التي تعرف اليوم بكوردستان العراق . وكانت الأمارة البابانية تضم في عصرها الذهبي قةلاضوالان ، كركوك ، اربيل ، كوي ، رواندوز ، حرير ، بانه ، كفري ، قرةتثة ، مندلي ، بدرة ، داودة ، عسكر ، شوان ،ضمضمال ، قرةداغ حتى نهر ديالى ، سردشت ، مرطة ، ثشدر ، ماوت ، الان ، طةلالة ، ضوارتا ، سويل ، شينك قزلجة ، قرةحسن ، قصر شرين وزهاو. وقد بلغت الأمارة درجة من السعة دفعت بلونطريك ان يسميها بامبراطورية السليمانية (1).
ولم تلاحظ حتى منتصف القرن التاسع عشر تأثيرات تذكر للعثمنة في كركوك وتوابعها رغم انها اصبحت رسميا ضمن ممتلكات الدولة العثمانية بموجب معاهدة اماسيا بين العثمانيين و الصفويين عام 1555 . أما  القبائل التركمانية القزلباشية التي رافقت حملة الشاه عباس الصفوي عام 1623 -  1630 و بخاصة حملات نادر شاه الأفشاري خلال  1743 - 1746 على كركوك و اربيل و الموصل والتي تخلف بعضها و اتخذت من بعض السهول القريبة من كركوك و الموصل مراعي لحيواناتها ، فكانت تعادي الدولة العثمانية و تناصر ايران التي كانت الأنتماءات المذهبية و العرقية و الأجتماعية توحدها مع هذه القبائل.
ومع زوال آخر امارة كردية و هي الأمارة البابانية عام 1851 كنتيجة للسياسة الجديدة للباب العالي في كوردستان ، حيث تخلت الدولة العثمانية عن سياستها التقليدية في كوردستان و التي كانت تتلخص بابقاء الأمور فيها بايدي الزعماء المحليين لقاء اعلان التبعية للسلطان و ما يترتب على ذلك من ذكر اسمه في خطبة الجمعة و ارسال المقاتلين للقتال الى جانبه و ارسال الهدايا و الأموال سنويا الى البلاط العثماني ، وتبنت سياسة جديدة تقوم على اساس بسط سيطرتها المباشرة على جميع الأقاليم الخاضعة لها .فتح سقوط امارة بابان الآفاق امام السيطرة المباشرة للدولة العثمانية في كركوك و غيرها ، الا أن نجاحات العثمانيين في عثمنة سكان كوردستان و منها كركوك كانت لا تزال محدودة جدا حتى اواخر القرن التاسع عشر. اذ يبدو واضحا من المصادر القليلة التي أشارت بصورة عابرة الى التركيب القومي لسكان كركوك ان الكرد كانوا لا يزالون يشكلون جمهرة سكانها الأصليين و الأساسيين الى جانب عدد من العوائل المسيحية من الكلدان و الأرمن و عدد آخر من اليهود (2).
 لا توفر المصادر التاريخية المتوفرة معلومات وافية عن التركيب القومي لسكان كركوك و غيرها من المدن و القصبات الواقعة على هذا الطريق خلال العصور التاريخية المختلفة . ولكننا ومنذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر نجد اشارات متفرقة في المصادر التاريخية الى التكوين  الأثني لسكان كركوك و غيرها . ومن الضروري ان نشير هنا الى انه لا يجب التعويل كثيرا على تلك الأشارات  لأنها عبارة عن تخمينات لأناس لم يقضوا احيانا سوى أيام معدودة في هذه المدينة او غيرها من المدن الكردية . بل لايمكن أخذ الأرقام التي تعود الى ماقبل إحصاء عام 1947 بجدية كبيرة لأنها  تفتقر الى الدقة و الموضوعية. وتعاني الأحصائيات الرسمية الى جانب شمولها على التشويه و التزييف فيما يتعلق بالتكوين الأثني للسكان من نواقص جدية ، فقد ذكر  مؤرخ الأدب الكردي علاء الدين سجادي بهذا الخصوص بأن الحكومة العراقية طلبت في 19/11/ 1947 من السكان البقاء في البيوت و ذلك لأجراء التعداد العام للسكان . ورغم أنه لم يخرج من البيت لم يحضر أحد لتسجيله . ويتسائل إذا كان هذا هو حال العاصمة بغداد فكيف هو الحال في المناطق الأخرى وبخاصة في الريف او بالنسبة للقبائل الرحل ياترى ؟ . ويؤكد بإنه عندما دقق في الأمر تبين له بأن اكثر من نصف مليون انسان لم يسجلوا خلال تعداد عام 1947 (3) .
مع كل ذلك و لألقاء بعض الضوء على هذه المسألة الشائكة لا بد من الرجوع الى بعض المصادر التي أشارت الى عدد السكان و تركيبهم الأثني في كركوك ولو بصورة عابرة.
ومن أقدم الأشارات في هذا المجال هو ماكتبه المهندس الروسي يوسيب (يوسف ) ضيرنيك الذي زار كركوك ضمن جولته العلمية خلال 1872 - 1783 ، لدراسة امكانيات الملاحة النهرية في حوضي دجلة و الفرات وروافدهما و نشر نتائج رحلاته و دراساته فيما بعد عام 1879 في المجلد السادس من نشرة قسم القفقاس للجمعية الجغرافية الملكية الروسية . فقد قدر ضيرنيك عدد سكان كركوك في ذلك الوقت ب 12 - 15 ألف نسمة وأكد بأنه و باستثناء 40 عائلة ارمنية فان باقي السكان هم من الكرد (4).
يبدو لي أنه و الى حين قيام جيرنيك بزيارته لم تكن المصادر تشير الى الموظفين العثمانيين و افراد الحامية العسكرية العثمانية المستقرة في كركوك كجزء من سكان المدينة ، بل اعتبروا غرباء عن المنطقة و بخاصة في المراحل الأولى من الوجود العثماني في كركوك وكانوا يعودون في اغلب الأحوال الى البلدان التي جندوا منها بعد انتهاء فترات خدمتهم باستثناء افراد معدودين يتخلفون عن العودة الى مواطنهم ويتخذون من هذه المدينة او تلك موطنا جديدا لهم لأسباب اقتصادية او اجتماعية . لذلك لم يشر المهندس الروسي المشار اليه اعلاه الى وجود الترك او التركمان في المدينة . كما يبدو بأنه اعتبر جميع المسيحيين من الأرمن بسبب عدم تمييزه بين الأرمن و الكلدان و لمعرفة الروس بالأرمن في القفقاس اكثر من الكلدان و الآثوريين و غيرهم .
مع سقوط امارة بابان و تكريس سيطرة الباب العالي المباشرة على كركوك و القصبات الأخرى الواقعة على الطريق الأستراتيجي المذكور اخذت مظاهر العثمنة تظهر وتترسخ في كركوك . فبعد عقدين فقط من زيارة ضيرنيك حدث تغير ملحوظ في التكوين الأثني لسكان كركوك لصالح الترك او التركمان فقد ذكر شمس الدين سامي في المجلد الخامس من ((قاموس الأعلام )) الذي يعتبر موسوعة تأريخية و جغرافية عثمانية مهمة في مادة كركوك بانها (( مدينة تقع في ولاية الموصل بكوردستان و تقع على بعد 160 كيلومترا الى الجنوب الشرقي من مدينة الموصل ، وسط تلول عديدة متحاذية على ضفاف وادي أدهم وهي مركز سنجق شهرزور . يبلغ عدد نفوسها 30 الفا ….. وثلاثة ارباع سكانها من الكرد و البقية من الترك و العرب و غيرهم ، وهناك 760 اسرائيلي و 460 كلداني ))(5) .
تسارعت وتيرة هذه العملية خلال العقدين التاليين و بخاصة في عهد الأتحاديين الذي انتهجوا سياسة شوفينية بحق الشعوب غير التركية في الأمبراطورية العثمانية. وتتناقض الأرقام التي يذكرها الرحالة و الكتاب الأنجليز اذ يذكر ميجرسون الذي بقي 16 يوما فيها عام 1907 قضاها في إحدى خاناتها بوسط السوق الذي كانت تسوده اللغة التركية عن كركوك (( لا بد ان تكون عدة اهل المدينة 15 الفا على الأقل. انها من المدن الكائنة على حدود كوردستان يتكلم اهلها ثلاث لغى . فالتركية و العربية و الكردية يتكلمها كل انسان ، وتستخدم الأولى و الأخيرة في الأسواق على اختلاف )). و يؤكد سون على تواجد الكرد و الترك و الكلدان و السريان و التركمان و العرب و اليهود و الأرمن في المدينة و سيادة روح التسامح فيها و تمتع سكانها بحرية عظيمة من التعصب الديني و القومي و إعتبر اللغة التركية سائدة فيها الى حد كبير و إعتبرها مشهورة بتركمانها و فواكهها ونفطها الخام (6).
وقد ناقش محمد امين زكي اراء سون مؤكدا بأن الأخير يشير في كتابه بان عدد التركمان في المدينة 13 ألف يقابلهم 5 آلاف كردي و 5700 مسيحي و ألف يهودي (7) . إعتبر محمد أمين زكي رأي سون هذا غير صحيحا على الأطلاق و ان الذي دفع به للوقوع في هذا الخطأ هو اعتقاده أن كل من يتكلم التركية في كركوك هو تركماني . فاكراد كركوك و كلدانها و غيرهم يعرفون التركية ايضا و يتحدثون بها . و أكبر دليل على خطل هذا التصور برأيه هو الأحصاء الذي قامت به بلدية كركوك عام 1930 و الذي بلغ عدد سكان المدينة بموجبه 35 ألفا كان 22 ألفا منهم من الكرد و 7 آلاف من التركمان و ألف من المسيحيين المحليين و ألفين من التياريين مع 500 أرمني و 2500 من اليهود. وكان سكان محلات امام قاسم و آخي حسين و بولاق و اوضي و ثيريادي من الكرد الذين كانوا يشكلون القسم الأكبر من سكان محلات ضوقورر والمصلى وضاي أيضا )) (8).
رغم الأتفاق مع محمد أمين زكي في مناقشته للآراء التي أدلى بها ميجرسون في نهاية العقد الأول من القرن العشرين ، إلا ان سيادة اللغة التركية في وسط المدينة و سوقها الرئيسية بالصورة التي شاهدها ميجر سون و كونت لديه ذلك الأنطباع تشير الى حقيقة ان السياسات العثمانية خلال اقل من نصف قرن في المدينة كجعلها مركزا لحامية عسكرية تركية و فتح المدارس و الدوائر الأخرى فضلا عن اسكان الموظفين العثمانيين و عوائلهم أخذت تعطي ثمارها و أدت الى عثمنة بل و تتريك جزء من السكان المحليين و بخاصة اولئك الذين إرتبطت مصالحهم بالدولة العثمانية . فقد كتب   أدموندز يقول (( بقيت كركوك بلدة هامة من الناحية العسكرية و وضعت فيها حامية دائمية ، كما انها كانت موطنا مهما يمد الحكومة العثمانية بالموظفين المدنيين و الجندرمة موضع الأعتماد . والى هذا تعود اسباب التشكيل العنصري واللغوي للسكان . ان الأسر الأرستقراطية البارزة ، هي إما تركية و إما تعتبر نفسها تركية حتى وان كانت كردية الأصل)). بينما يؤكد المستشرق الجورجي ألبرت مينتيشاشفيلي بأن جزء من العوائل الأرستقراطية المتنفذة في كركوك من أصول كردية رغم أنها كانت تسمي نفسها تركية و من بينها النفطجيين و اليعقوبيين و القيردار و غيرهم الذين ينتمون في أكثريتهم الى عشيرة زةنطةنة الكردية ، وكثيرا ما كان الكتاب الأنجليز يطلقون لفظة الترك على الموظفين المدنيين و العسكريين و ابناء الأرستقراطية الكركوكية (9).
من الجدير بالذكر ان هناك تفاوتا كبيرا بين تقديرات الكتاب الذين تصدوا للحديث عن عدد سكان كركوك و تشكيلهم العنصري و اللغوي قبل الحرب العالمية الأولى ، ففي الوقت الذي قدر هاي عددهم بحوالي 30 ألفا ، أشار مارك سايكس بأن عدد سكان كركوك قبل الحرب العالمية الأولى بلغ 70 ألفا ، في الوقت الذي لم يبلغ فيه عدد سكان مدينة كركوك حتى بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية و تحول كركوك الى مركز لعمليات شركة نفط العراق سوى 69 الف نسمة فقط (10).
وأول إحصاء تقوم به دائرة رسمية في لواء كركوك بعد الحرب العالمية الأولى هو ما أشار اليه محمد أمين زكي في مذكرته المشهورة الى الملك فيصل الأول في 20 كانون الأول 1930 و الذي سماه بالأحصاء الكيفي الذي قامت متصرفية لواء كركوك باجرائه وكانت نسبة السكان في اللواء عل أساس القومية كالآتي: الكرد 51% ، التركمان 21,5% ، العرب 20% و الأقوام الأخرى 7,5% (11) .
بينما أشار أدموندز في عام 1922  الى ان عدد سكان المدينة كان يبلغ آنذاك 25 الفا تقريبا ربعهم من الكرد و معظمهم من التركمان و العرب و النصارى ، في الوقت الذي اعتبر فيه الكرد كأوسع مجتمع قومي في اللواء ككل (12) اي انه يعتبر ان الكرد يشكلون الاكثرية المطلقة في اللواء في الوقت الذي يشكلون ربع سكان المدينة . رغم ان الأرقام التي اوردها ادموندز بعيدة الى حد كبير عن واقع الأمور ، الا ان حصول تحول كبير في تناسب السكان على اساس القومية يشير الى محاولات الأنجليز لزيادة السكان من غير الكرد و السماح للموظفين المدنيين و العسكريين العثمانيين بالأستقرار في المدينة مع عوائلهم و تكليفهم بمباشرة الشؤون الأدارية و التعليمية في المدينة .
وأثناء مشكلة الموصل قدمت الأطراف المختلفة ذات العلاقة ( تركيا و بريطانيا والعراق ) ارقاما متباينة عن التكوين الأثني لسكان الولاية بما فيها لواء كركوك . فقد قدر الأنجليز في تقاريرهم المقدمة الى لجنة عصبة الأمم عدد سكان كركوك حسب انتماهم الأثني عشية الحرب العالمية الأولى كما يلي : الكرد 45 ألف ، الترك 35 ألف ، العرب 10 آلاف ، المسيحيون 600  و اليهود 1400 أي ان مجموع سكان اللواء حسب تقديراتهم كان 92 ألف نسمة . بينما قدر الجانب التركي عدد سكان اللواء بضعف ذلك الرقم فقد كانت الأرقام التركية على الشكل التالي : الكرد 97 الفا ، الترك 79 ألفا و العرب 8 آلاف أي ما مجموعه 184 ألفا (13) .
هناك تفاوت كبير في تقديرات الطرفين و رغم ان الأتراك كانوا يحكمون عشية و أثناء الحرب العالمية الأولى هذه البلاد و يفترض ان تكون لديهم الأرقام الدقيقة إلا انه من الصعب ان يركن المرء  الى التقديرات التركية لمحاولاتهم تقديم ارقام كبيرة عن العنصر التركي في الولاية ككل و كركوك على وجه الخصوص و رفع نسبة الأتراك على حساب العناصر الأخرى ، فقد ذكروا على سبيل المثال في تقديراتهم وجود  32960  الف تركي في السليمانية والتي لم يشكل الترك فيها، بإستثناء التواجد العسكري التركي البسيط خلال السنوات الأخيرة من عمر الدولة العثمانية اكثر من صفر بالمائة . كان الطرفان الأنجليزي و العراقي يرفعون من نسبة العرب في ولاية الموصل بما فيها كركوك وذلك لدعم و جهة نظرهم ، بينما حاول الترك رفع نسبة الأتراك في الولاية و في كركوك بالذات بصورة مبالغ فيها . ولم يكن في صالح أي من الطرفين المتنازعين رفع نسبة الكرد مع ذلك أضطرا الى الأعتراف بكون الكرد يشكلون الأكثرية المطلقة من سكان الولاية . فقد كان عدد الكرد وفق التقديرات البريطانية 454,720 شخصا مقابل 65,895 من التركمان و 185763 من العرب و 62225 من المسيحيين و 16865 من اليهود ، اي مامجموعه 785464 شخصا وضمت الأرقام الأنجليزية الرحل الذين كانوا يتنقلون في أرجاء الولاية . بينما كانت التقديرات التركية تشير الى تواجد 281830 من الكرد في الولاية مقابل 146920 من الأتراك و 43210 من العرب و 31 ألفا من غير المسلمين ، اي مامجموعه 503 آلاف شخص ، ولم تتضمن الأرقام التركية 170 ألفا من الرحل .
وشكك الأنجليز في التقديرات التركية و اعتبروها قديمة و ناقصة و أعتبروها قائمة على أساس  معطيات دوائر الجيش و أكدوا بأن العرب يشكلون ثلثي سكان مدينة الموصل ، بينما شكل الترك حسب رأيهم 1/12  فقط من سكان الولاية ، بينما أكد الأتراك بأنهم يحكمون البلاد منذ قرون و هم على إطلاع أكبر على اوضاع المنطقة و عدد سكانها و اتهموا الأنجليز بايراد تقديرات من شأنها خدمة مصالح العرب ، فقد أكد الجانب التركي بأن الأكثرية الكردية - التركية تشكل 85% من مجموع سكان الولاية ، بل وإعتبر أن الكثير من المتحدثين بالعربية هم (( أتراك في الأصل و نسوا لغتهم او يتحدثون اللغتين في آن واحد !)) ، كما زعم ان الكرد و الترك ينحدرون من أصول واحدة(14) . وفي الوقت الذي كانت الأطراف المتصارعة على ولاية الموصل تطعن في تقديرات و حجج بعضها البعض ، كانت بعثة عصبة الأمم تشكك في دقة و مصداقية البيانات المقدمة من قبل جميع الأطراف اذ (( وجدت ان البيانات المقدمة من قبل الأتراك و كذلك المقدمة من قبل الأنجليز بل و حتى بيانات الحكومة العراقية غير دقيقة و ان الحجج التي استندت على تلك الأرقام مشكوك فيها . فبينما تبالغ الحكومة التركية بعدد التركمان في الولاية ، فان الحكومة البريطانية لاترى سوى انهم  يشكلون 8% من مجموع السكان ، في حين تقل نسبتهم في البيانات العراقية عن 5% من مجموع سكان الولاية . وكذلك كان التباين كبيرا فيما يتعلق بنسبة العرب التي تراوحت بين اقل من 9% في ضوء البيانات التركية الى نحو 24% في البيانات البريطانية و نحو 21% في تقديرات الحكومة العراقية . بينما كان التباين أقل في التقديرات الخاصة بالكرد فقد كانت نسبتهم 56,1% من مجموع سكان الولاية وفق التقديرات التركية و 65,1% حسب البيانات العراقية و 57,9% من مجموع السكان حسب التقديرات البريطانية )) (15).( لاحظ الجدول 1)   سكان ولاية الموصل بحسب القومية
القومية  البيانات التركية  البيانات البريطانية  البيانات العراقية
الكرد 56,1 57,9 65,1
العرب  8,6 23,7 20,9
التركمان  29,2 8,4 4,8
المسيحيون  6,1 7,9 7,7
اليهود       ---- 2,1 1,5
المجموع 100 100 100
 وهكذا نجد بأن جميع المكونات الأثنية في كركوك باستثناء الكرد وجدت من يدافع عن مصالحها في هذا الصراع ، بينما جرى استبعاد العديد من القصبات و التجمعات الكردية من ضمن تلك البيانات ، حتى أن الأيزيديين الذين اعترفت كل الأطراف المعنية بمشكلة الموصل بكرديتهم فصلوا عن الكرد في ظل تلك البيانات و الأحصائيات اللاحقة التي قامت بها الحكومة العراقية.
وكانت التقديرات التي قدمها الجانب العراقي قريبة الى البيانات البريطانية ، فقد ذكر تقرير عصبة الأمم حول مسألة الحدود بين تركية و العراق بأن الجانب العراقي قدر عدد سكان كركوك لسنتي 1922 - 1924 ب 111,650 نسمة ، يتوزعون بحسب القومية على النحو الآتي : الكرد 42,5% ، العرب 31,9% ، التركمان 23,4% و الآخرون 2,2 % ( 16) .
 لا تشير الجداول الأحصائية الخاصة بإحصاء عام 1947 و المتوفرة بين أيدينا الى التكوين الأثني لسكان كركوك بل تشير الى الديانة . وكانت الأرقام الخاصة بمركز قضاء كركوك كالآتي : المسلمون 58654 ، المسيحيون 6715 ، اليهود 2873 ، الصابئة 37  ، الأيزيدون 1 (( أوردتهم الجداول بصورة منفصلة عن الكرد)) و العقائد الأخرى 28 . بينما بلغ عدد المسلمين في ريف مركز قضاء كركوك 23194 و المسيحيون 862 و اليهود 77 و العقائد الأخرى 3 (17).
بينما أشارت الجداول الأحصائية الخاصة بتعداد السكان لعام 1957 الى تصنيف السكان من حيث اللغة الأم في مدينة كركوك . مع ان هذا التعداد السكاني يعتبر من أحسن الأحصائيات السكانية خلال الفترة التي تناولتها هذه الورقة ، إلا أنه كان يعاني ايضا من بعض النواقص الجدية . فقبل كل شئ كان اللجوء الى مبدأ اللغة الأم لتحديد الأنتماء القومي للسكان محاولة للتملص من الأعتراف بالهوية القومية للأثنيات المختلفة و في مقدمتها الأثنية الكردية . فضلا عن كونها محاولة لتشويه الحقائق المتعلقة بالتركيب السكاني و فتح الباب أمام عمليات التزوير على نطاق واسع . لايعني إحصاء الناس على أساس اللغة الأم دائما تطابقا مع الأنتماء القومي لهم.  فهناك من عاش وسط قومية أخرى و تعلم لغتها بصورة أفضل من لغته الأم و لكن ذلك لا يعني بأنه أصبح ينتمي الى القومية الجديدة التي تعلم لغتها . وكانت سيادة اللغة التركمانية في دوائر و أسواق كركوك آنذاك لا تتطابق مع حقيقة عدد  التركمان في كركوك . و شهدت عمليات التعداد حالات تزوير كثيرة في بعض الأحياء الشعبية للكرد في كركوك ، وقد تبين ذلك بوضوح عند نشر نتائج التعداد المذكور عام 1959 ،اذ ظهر لدى مراجعة الكثير من الكرد لدائرة النفوس في كركوك بانهم سجلوا كتركمان من قبل العدادين في الحقل الخاص باللغة الأم ، خاصة في الأحياء الشعبية الكردية التي كان معظم ابنائها يجهلون العربية فتولى العدادون ملأ الأستمارات نيابة عنهم ، وقد قدم بعضهم فيما بعد شكاوي بهذا الخصوص الى الجهات المختصة ، بينما أقام البعض الآخر دعاوي قضائية لتبديل ذلك بقرار قضائي (18).
وكان تصنيف السكان من حيث اللغة الأم في كركوك المدينة و اللواء بموجب احصاء عام 1957 كالآتي :
تصنيف السكان في كركوك على أساس اللغة الأم (19)
اللغة الأم  مدينة كركوك  بقية لواء كركوك المجموع الكلي للواء كركوك
عربي  27127 82493 109620
كردي  40047 147546 187593
ايراني (فارسي ج.ق) 101 22 123
تركي (تركماني ج.ق) 45306 38065 83371
انكليزي  634 63 697
فرنسي  35 6 41
هندي  79 8 87
كلداني وسرياني 1509 96 1605
لغات اخرى 418 --- 418
غير مبين  5146 138 5284
المجموع  120402 268437 388839
وقد شكك الكثيرون في دقة هذه الأرقام ومن بينهم المؤرخ الكردي الذي قتل مؤخرا في بغداد بعد ان تجاوز التسعين من العمر الملا جميل الروزبياني الذي كان يعتبر حجة في تاريخ المنطقة و أحوالها و أصول سكانها و قبائلها ( 20).
 ويمكن الجزم بأن العديد من القبائل و القرى و التجمعات السكنية الكردية التابعة لكركوك لم تشملها عمليات التعداد السكاني ، و لعل أحسن دليل على قولنا هذا هو ان السلطات الأدارية و العسكرية العراقية لم تكن تعرف بوجود العديد منها إلا خلال عمليات الأنفال عندما أكتشفتها و دمترها و أنفلت سكانها(21) .
كما يمكنني القول بأن القسم الأكبر من  5284 شخصا و الذين أشير اليهم على ان لغتهم الأم غير مبينة هم من الكرد يبدو انهم لم يسجلوا عمدا و لأسباب معروفة لدى المطلعين على السياسات الحكومية في هذا اللواء . وتفسر هذه الظروف التي رافقت عمليات الأحصاء العام للسكان سنة 1957  ان يكون عدد المتحدثين بالتركمانية في المدينة أكثر من الذين اعتبروا الكردية لغتهم الأم ب 5249 شخصا ، ولا يتطابق هذا مع البيانات التي أوردتها المصادر العلمية الموضوعية البعيدة عن التحيز .  فقد أكد العالم العراقي المعروف بنزاهته الدكتور شاكر خصباك بأن الكرد كانوا يشكلون في الخمسينات نسبة 55,2 % من مجموع سكان لواء كركوك(22) .
ونلاحظ تذبذبا في البيانات المتعلقة بنسب السكان حسب القومية في كركوك و غيرها من مرحلة الى أخرى، فقد قدرت نسبة التركمان ، مثلا ، في لواء كركوك عام 1920 ب 30,3 % و في عام 1957 ب 21,4 % ، بينما ارتفعت هذه النسبة الى 26,3 % عام 1965 لتعود الى الأنخفاض الى 16,31 % عام 1977 (23) .ويكمن السبب وراء حالة التذبذب هذه في نسب التركمان و غيرهم من سكان كركوك و غيرها من المدن و المحافظات العراقية في سياسات التمييز الحكومية المتبعة ازاء المكونات الأثنية في العراق و سيادة الأوضاع الأستثنائية في كوردستان على مدى عقود طويلة و محاولات الناس إخفاء انتماءاتهم القومية الحقيقية لتجنب الدخول في مشاكل مع السلطات السياسية و الأدارية و بخاصة في كركوك.
 شهدت العقود اللاحقة للفترة التي تناولتها هذه الورقة انتهاج سياسة حكومية مكشوفة لتغيير الواقع القومي لسكان كركوك الأمر الذي لا يدخل في نطاق هذه الدراسة . ولعل أصدق من عبر عن واقع التكوين الأثني لسكان كركوك و كيفية تغييره هو علي حسن المجيد في إجتماع له مع مسؤولي حزب البعث و الجيش و الأمن بتأريخ 15 نيسان 1989 و الذي سجلت وقائعه على شريط وقع بأيدي المنتفضين الكرد في آذار 1991 وكان يتباهى بما حققه خلال عامين من حكمه المطلق لكوردستان كمسالخ الأنفال و قصف 40 موقعا في كوردستان بالأسلحة الكيمياوية و تدميره للريف الكوردستاني ، وعن كركوك و (إنجازاته !!) فيها قال (( أود أن أتحدث عن نقطتين الأولى التعريب و الثانية المناطق المشتركة بين الأرض العربية و منطقة الحكم الذاتي . النقطة التي أتحدث عنها هي كركوك . غندما جئت الى هنا لم يزد عدد العرب و التركمان عن 51% من مجموع سكان كركوك " لم يوضح هل يتحدث عن المدينة أم عن محافظة كركوك " مع كل ذلك صرفت 60 مليون دينار الى أن وصلنا الى الحالة الراهنة ، ليكون واضحا لديكم لم يوصل كل العرب الذين جلبناهم الى كركوك نسبتهم الى 60% ، عند ذلك أصدرت أوامري و منعت بموجبها كرد كركوك من العمل في كركوك و المناطق التابعة خارج منطقة الحكم الذاتي . كركوك خليط من القوميات و الأديان و المذاهب ، كل الناس الذين رحلناعم خلال  الفترة من 21 مايس و حتى 21 حزيران لم يكونوا من سكان المناطق المحرمة ، ولكنهم كانت تحت سيطرة المخربين سواء كانوا من المتعاطفين معهم أو ضدهم )) (24).
المصادر و الهوامش
1.  للمزيد من التفاصيل في هذا الباب راجع المصادر التالية :
Longrigg  S.H, Four Centuries of Modern Iraq Oxford, 1925
محمد أمين زكي ، تاريخ الدول و الأمارات الكردية في العهد الأسلامي ، ترجمة محمد على عوني ، القاهرة 1948. وكذلك :
 أى . اي ، فاسيليفا ، كوردستان الجنوبية الشرقية خلال القرن السابع عشر وحتى بداية القرن التاسع عشر ، لمحات من تاريخ امارتي أردلان و بابان ، موسكو 1991 .
2.  تشير الموسوعة اليهودية الى تواجد اليهود في كركوك خلال القرون الأربعة الأخيرة وقدرت عددهم ب 200 عائلة في اواخر القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين و الذين كانوا يسكنون حيا خاصا بهم و ساعدوا مع مسيحيي المدينة الأنجليز عام 1918 لأحتلال المدينة . وقد بلغ عدد اليهود في كركوك عام 1947 حسب المعطيات الواردة في الموسوعة اليهودية 2350 شخصا و هاجروا جميعا من كركوك عام 1950- 1951 .
   حول عدد اليهود و دورهم في كركوك انظر :  
 Encyclopaedia Judaica, vol. 10 , P. 1047-48
3. للمزيد من التفاصيل راجع :
علاءالدين سجادي ، تاريخ الأدب الكردي ، بغداد 1952 ، 65-66 .
4.رحلة المهندس يوسيب (يوسف) ضيرنيك لدراسة حوضي دجلة و الفرات من الناحية الفنية مع كذلك وصف الطرق العابرة لشمال سوريا ، مترجمة من الألمانية ،(( نشرة قسم القفقاس للجمعية الجغرافية الملكية الروسية)) المجلد VI ، 1879 . ص91
5. قاموس الاعلام ، محررى ش. سامي ، بشنجي جلد ، استانبول ، مهران مطبعه سى ، 1315.، ص 2842 
6.  سون ، رحلة متنكر الى بلاد مابين النهرين و كردستان ، نقله الى العربية و حققه و قدم له و علق عليه فؤاد جميل ، الجزء الأول من اصطنبول الى السليمانية ، ط1 ، بغداد 1970 ، ص158 - 163.
7.  لم يشر محمد أمين زكي الى اسم كتاب سون الذي استقى منه هذه الأرقام ، و كتاب سون المشار اليه و الموجود تحت يدي لا يشير الى أية أرقام سوى التي أشرنا اليها . يبدو أنه إطلع على هذه المعلومات في مؤلف آخر لميجر سون الذي كتب الكثير عن كوردستان من بينها (( دليل أو مرشد كوردستان الجنوبية )) الذي أعتبر دقيقا و متضمنا لمعلومات صحيحة الى ابعد مدى ، على حد تعبير مترجم الكتاب فؤاد جميل . أنظر : المصدر السابق ، 350.
8.  محمد أمين زكي ، ملاحظاتي على قانون اللغات المحلية ، في كتاب (( محاولتان غير مجديتين )) حققه و قدم له و علق عليه صباح غالب ، لندن 1984 ، ص 104-105.
9.   سي . جي . أدموندز ، كرد وترك وعرب - سياسة ورحلات و بحوث عن الشمال الشرقي في العراق 1919-1925 ، ترجمة جرجيس فتح الله ، بغداد 1971 ، ص 241 . أنظر كذلك : أ.م. مينتيشاشفيلي ، الكرد  -لمحات في العلاقات الأجتماعية - الأقتصادية و الثقافة و أساليب المعيشة ، موسكو 1984 ، ص 25 و 193.
10.  Hay  W. R , Two Years in Kurdistan : Experiens of a Political Officer 1918-1920, London 1922 . P. 81; Longrigg S.H. Iraq 1900 to1950. A political , Social and Economic History, London 1953 .P53. 
11.  مذكرة محمد أمين زكي الى الملك فيصل الأول حول الشأن الكردي العراقي في  20 كانون الأول 1930 ، تقديم و ترجمة الدكتور جبار قادر ، الملف العراقي ، العدد 104 ،آب 2000 ،ص 64-65.
12.  أدموندز ، نفس المصدر ، ص 240-241.
13.  Loder Y. de V , The Truth about Mesopotamia , Palestine and Syria , London 1923 , P. 214.
14.  Ibid, P.215- 218.
للمزيد من التفاصيل حول حجج الطرفين المتنازعين انظر كذلك :
م.س.لازريف ، الأمبريالية و المسألة الكردية 1917-1923، موسكو 1989 ، ص 306-309 .
15.  تقرير عصبة الأمم ، مسألة الحدود بين تركية و العراق ، مطبعة الحكومة ، بغداد ، ص94 ، نقلاعن : كركوك في تقرير عصبة الأمم ، مجلة هاواري كركوك ، العدد 4 ، أربيل 1999 ، ص 177 -178 .
16.  نفس المصدر السابق .
17.  احصاء السكان لسنة 1947 ، الجزء الثاني ، الجدول السادس -قضاء كركوك ، ص 118 .
18.  الدكتور نوري طالباني ، منطقة كركوك ومحاولات تغيير واقعها القومي ، ط2 ، بلا.م ، 1999 ، ص79.
19.  المجموعة الأحصائية لتسجيل عام 1957 - لوائي السليمانية و كركوك ،  تصنيف السكان من حيث الجنس و لغة الأم للواء كركوك .مطبعة العاني .بغداد 1959
20.  مجلة هاواري كركوك ، العدد 2 ، أربيل ، كانون الأول 1998 ، ص 31.
21.  هناك اشارات عديدة في الوثائق الحكومية المتعلقة بمسالخ الأنفال والتي وقعت بأيدي المنتفضين الى العديد من القرى التابعة لمحافظة كركوك المؤنفلة التي لم تكن معروفة لدى السلطات الأدارية و لا وجود لها حتى على الخرائط الرسمية المدينة و العسكرية العراقية. للمزيد من المعلومات انظر:
Genocide in Iraq . The Anfal  Campaign Against the Kurds . HRW/ME, New York 1993.
22.  الدكتور شاكر خصباك ، الكرد و المسألة الكردية ، بغداد 1959 ، ص 43.
23.  الدكتور خليل اسماعيل ، التوزيع الجغرافي للتركمان في العراق، مجلة السياسة الدولية ، العدد 4 ،   أربيل ،  كانون الثاني 1994 ، ص 28-29 .
24.  Genocide In Iraq . The Anfal Campaign Against The Kurds. Himan Rights Watch/ ME. New York. 1993 , P. 353.

 


              معوقات تطبيق الديمقراطية في عراق ما بعد صدام
         د.جبار قادر (*)
لن أضيف شيئا جديدا اذا ذكرت أن الديمقراطية الغربية هي نتاج للتطورات الفكرية والأقتصادية و السياسية و الأجتماعية التي شهدتها أوربا الغربية منذ عصر النهضة و شكلت حركات الأصلاح الديني و أفكار الأستنارة و الثورتين الصناعية و الفرنسية و الثورات القومية في القرن التاسع عشر و التطور العلمي الهائل و ثورة المعلومات في القرن الماضي و غيرها علامات مهمة على طريق تطورها و تثبيث أركانها . جرت كل تلك التطورات في الوقت الذي كانت بلدان الشرق تمر بحالة جزر مريعة في ظل الحكم العثماني المتخلف المنتمي الى قيم الفرون الوسطى . كما أعاق الأحتلال الأستعماري البريطاني - الفرنسي لتلك البلدان و الذي أعقب إنهيار الدولة العثمانية التطور الطبيعي للنظام السياسي في هذه البلدان . وجاءت الدكتاتوريات العسكرية و الحزبية لتزيل أية فرصة لأقامة نظام سياسي يستند على الأرادة الشعبية و بناء دولة القانون . من هذا المدخل يمكن للمرء ان يشير الى كم هائل من المعوقات التي ستعيق بناء و تطبيقات الديمقراطية في عراق المستقبل.
ويشكل عدم وجود تراث و تجارب و تقاليد ديمقراطية يعول عليها في المجتمع العراقي عموما معوقا رئيسيا على طريق اقامة النظام الديمقراطي في المشتقبل . كما أن غياب التقاليد الديمقراطية في الحياة السياسية و الحزبية العراقية وهي الحالة التي تساعد دائما على تصفية أي شكل من أشكال التطور الديمقراطي في البلاد لايوفر بيئة مناسبة للتطبيقات الديمقراطية . والتجسيد الواقعي لعذا الأمر هو عدم إتفاق القوى المناهضة للأستبداد على العمل المشترك من أجل صياغة وحدة قواها من أجل تعزيز التعددية و بناء أسس المجتمع المدني . و تشكل النظرة الحزبية الضيقة و عدم احترام الرأي الآخر و ضعف و انعدام الديمقراطية داخل الأحزاب نفسها معوقات جدية على طريق بناء النظام الديمقراطي في عراق المستقبل . الأحزاب التي لا تحترم ارادة اعضائها و تحجب عنهم حق التعبير عن ارائهم و ممارسة حقوقهم داخل مؤسساتهم لا يمكن الا أن تكون بعيدة عن إحترم الرأي الآخر .
مادمنا بصدد الحديث عن معوقات الديمقراطية في العراق أعتقد أنه من المناسب أن نصغي و نعير الأهتمام الى الآراء التي تدعونا الى تفحص الجوانب السلبية في الشخصية العراقية كالغضب و الأنفعال و إصدار الأحكام السريعة و عدم تحمل الرأي الآخر و التي تجعل من الشخصية العراقية شخصية عاطفية و متسمة بالمزاجية و قصر النظر . ويعتقد اصحاب هذا الرأي بأن ذلك كله يوفر البيئة المناسبة لقيام و استمرار أنظمة اسنبدادية مثل النظام العراقي ليستنتجوا بأن القمع الذي تمارسه السلطة ما هو الا صورة مكبرة للقمع الممارس في الحياة اليومية مثل قمع الوالدين للأبناء و قمع المعلم للتلاميذ و الضابط للجنود و المراتب و الرجل للمرأة و الموظف للمراجعين . رغم أن هذا الرأي قد يبدو فيه الشئ الكثير من القسوة بحق الشخصية العراقية و يهمل الى حد كبير حقيقة أن  العوامل السياسية و الأجتماعية و الأقتصادية و البيئية السائدة هي التي تشكل الشخصية و تميزها بسمات معينة . إلا أن الواقع المعاش يفرض على جميع الذين سيتصدون لبناء التجربة الديمقراطية في عراق المستقبل أخذ مجمل الأوضاع التي أدت الى خلق تشوهات كبيرة في المجتمع العراقي بنظر الأعتبار . لا يمكن إهمال النتائج المدمرة لسياسات النظام التربوية و الأجتماعية و الاقتصادية و السياسية على مدى العقود الماضية على الصعيد الأجتماعي العراقي . لايمكن للمرء ان يقفز على حقيقة أن تلك السياسات ادت الى خلق امراض اجتماعية كبيرة في النسيج الأجتماعي العراقي و أدت الى خلق الأنتهازيين  و كتبة التقارير و الأفاقين اللذين لا يتوانون عن القيام بأي شئ من أجل الوصول الى تحقيق أغراضهم الخاصة .لذلك وجب على الحالمين بقيام نظام ديمقراطي حقيقي في عراق المستقبل أن يتفحصوا الجوانب المختلفة للشخصية العراقية و يجتهدوا في وضع برامج علمية مدروسة لتقويمها و العمل على تطهيرها من كل الأدران التي علقت بها بسبب سياسات النظام .
 لا بد من الأستدراك بأن تشخيص هذه الحالة ، حالة غياب التقاليد ديمقراطية ، لا يعني قطعا عدم إمكانية  إقامة النظام الديمقراطي في العراق . ولكن لا بد أن نشير في الوقت نفسه بأن الوعي الديمقراطي لا يتم بين ليلة و ضحاها و تحقيقه الفعلي يتطلب تفاعل قوى عديدة متقاربة في رؤاها. كما يستوجب الأمر القيام بجهود كبيرة و على الأصعدة المختلفة لخلق هذا الوعي و تدريب الناس عليه على مدى طويل في ظل الأيمان بالديمقراطية كمفهوم سياسي و اقتصادي و إجتماعي و ثقافي يقر بالتعددية في الميادين المذكورة وكنظام حكم برلماني يستند الى التعددية و يجسدها و يؤكد مبدأ تداول السلطة و كون الشعب مصدر السلطات و ينص في دستوره على مبدأ فصل السلطات الثلاث : التنفيذية و التشريعية و القضائية و يصون حقوق الأنسان و حقوق الجماعات و الأفراد كما وردت في العهود و المواثيق الدولية بدءا بالأعلان العالمي لحقوق الأنسان.
من المعروف تاريخيا و عبر تجارب الشعوب الغنية بأن الفجوة بين الحكام و المحكومين كانت و ماتزال منذ ظهور الدولة واحدة من أبرز مظاهر الصراع في التنظيم السياسي للمجتمع و نعني به الصراع المستمر بين سيادة الدولة و سيادة الشعب . ويمثل الدستور و القوانين التي تسنها الدولة  الأدوات التي يعول عليها للتوفيق بين السيادتين المتناقضتين حتى في أكثر البلدان ديمقراطية و تمثيلا للشعب.
يحتاج العراقيون في عملية بناء النظام الديمقراطي في عراق المستقبل الى عقد إجتماعي يقوم على أسس جديدة تتناقض الى حد كبير مع ما ساد هذه البلاد خلال العقود الثمانية من عمر الدولة العراقية و يجب ان يشكل التسامح القومي و السياسي و الديني و الأجتماعي و الفكري جوهره الأساسي ، و الى حكومة عقلاء لا يحتكمون الى العنف في حل المشاكل و الخلافات و يعتبرون الأختلاف في وجهات النظر اجتهادا لا مؤمرات أجنبية و أنشطة معادية أو افكارا مستوردة . سيجنب  انتهاج سياسة التسامح و نبذ العنف في حل المشاكل البلاد من الحروب و الكوارث و الأزمات كما سيسد الأبواب امام عمليات خرق حقوق الأنسان و خنق حرية الرأي و القاء الأتهامات الجاهزة . نعتقد بأنه لم يعد بالأمكان بعد كل هذه الكوارث التي حلت بالبلاد القبول باي نظام  ديكتاتوري ايا كان شكله و أيا كانت الشعارات التي ترفعه . يجب الإحتكام الى قوة القانون و سيادته لتنظيم شؤون المجتمع و أن لا تكون هناك استثناءات مهما كانت المبررات.النظام  الديمقراطي الذي يجب ان نصبو اليه هو ليس حكم الأكثرية فقط ، بل النظام الذي يوفر للأقلية أيضا المشاركة في اقرار السياسات العامة و في إدارة شؤون البلاد و الإعلان عن رأيها و معارضتها و نشر الأفكار التي تؤمن بها دون ان تواجه بالأتهامات الجاهزة  . ليس من حق أحد في ظل النظام الديمقراطي مهما كانت الأفكار و العقائد التي يتبناها أن يحتكر الحقيقة و يعمل على فرضها على الآخرين بالقوة الغاشمة . 
و تشكل الفلسفة التربوية و برامج التعليم المعتمدة في العراق خلال العقود الأخيرة و القائمة أساسا على تبني الفكر الشمولي و رفض الآخر بل و زرع الحقد و الكراهية في نفوس المتلقي تجاه الآخرين عقبة كأداء على طريق تبني النظام الديمقراطي في عراق المستقبل و لا بد أن تشكل حقل التربية و التعليم في العراق أولى ميادين تدخل النظام الديمقراطي في عراق المستقبل و اجراء تعديلات جذرية في المنظومة التربوية و برامج التعليم لزرع قيم التسامح و المحبة في نفوس التلاميذ و الشبيبة و ازالة آثار الخراب الأجتماعي الى جانب العمل الجاد على تضييق الفجوة الكبيرة على الأصعدة العلمية و الثقافية و الفكرية بين العراقيين و اقرانهم في العالم . كما أن إصلاح بنية المجتمع العراقي و منظومة القيم و الأعراف الأجتماعية الأصيلة و تخليصها من الآثار السلبية للسياسات الحكومية خلال العقود الأربعة الأخيرة يجب أن تكون ضمن أولويات النظام القادم . هذا فضلا عن الكم الهائل من المحظورات الدينية و القومية و الأجتماعية التي مابرحت تكبل حياة الناس و التي لا يمكن دون تعريضها لأصلاحات جذرية الا ان تشكل عوائق كأداء أمام قيام نظام ديمقراطي صحي في العراق .
لن يكون هناك أمل بقيام نظام ديمقراطي في العراقي دون القيام بمجهودات خارقة لإزالة آثار عسكرة المجتمع و الأقتصاد العراقيين و تبديل المهام و الواجبات الرئيسية للجيش العراقي من قمع المواطنين و تدمير مدنهم و قراهم الى حماية الوطن من العدوان الخارجي . و بدون القيام ببناء قوى الشرطة و الأمن على أسس و مبادئ جديدة تتقاطع كليا مع الأسس المعتمدة الحالية لا يمكن للمرء حتى ان يحلم بقيام النظام الديمقراطي و دولة القانون . لا يمكن لمؤسسات قامت على أسس قمع الناس و تعذيبهم  و ملاحقتهم و ابتزازهم و لا تعرف شيئا عن قيم التسامح و مبادئ حقوق الأنسان و الحريات الشخصية للمواطن و سيادة القانون الا أن تتحول الى كوابيس على طريق بناء النظام الديمقراطي. من الصعب على المرء ان يعتقد بقيام نظام ديمقراطي في عراق المستقبل دون فترة انتقالية توجه خلالها الجهود الى ازالة آثار النظام الشمولي بموازاة بناء أسس النظام الديمقراطي الجديد و أية محاولة للأكتفاء ببعض العمليات التجميلية على المؤسسات القائمة و بخاصة الجيش و الشرطة و الأمن لن يجني منها العراقيون سوى مآسي و كوارث جديدة.
قدر تعلق بالمشكلة الكردية و علاقتها بمستقبل الديمقراطية في العراق لا بد من الأشارة الى بعض المسائل الجوهرية . 
من الضروري التوقف طويلا عند البعد القومي في ممارسة و تطبيقات الديمقراطية ، خاصة عندما يتعلق الوضع بمجتمعات متعددة في أثنياتها . يشكل الموقف من القضية القومية في العراق عموما و حق الشعب الكردي في تقرير مصيره و ادارة شؤونه بنفسه و تحديد شكل العلاقة بالحكم المركزي  ضمن جمهورية ديمقراطية فيدرالية جوهر التطبيق الديمقراطي . ويمكن القول ان حل المشكلة الكردية حلا عادلا سيكون بمثابة المدخل الصحيح الى النظام الديمقراطي في عراق المستقبل و اي تعطيل لحلها سيساهم في تعقيد الأوضاع و ظهور النزعات الدكتاتورية و سيادة العنف و خرق حقوق الأنسان و خلق عقبات كبرى امام التطبيق الديمقراطي و سيادة دولة القانون .
لا بد من الأشارة في الوقت نفسه الى ان تبني النظام الديمقراطي في الحكم لا يعني بالضرورة و بصورة آلية حل للمشكلة القومية ، ولدينا أمثلة عديدة في أكثر بلدان العالم ديمقراطية لا زالت تعاني من المشاكل القومية التي بقيت عالقة تنتظر الحل . لا يختلف المتبنين للمفاهيم الديمقراطية في ان الحل الجذري للمشكلة الكردية يكمن في الأعتراف الكامل بالحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي و بالديمقراطية الكاملة للعراق ، اذ لا يمكن الشروع في حل كل الشبكة المعقدة من المعضلات في البلاد الا بالأقرار للشعب العراقي بعربه و كرده و قومياته الأخرى بحقه في تقرير المصير في ظل حكم ديمقراطي .
من الضروري الأشارة الى حالة عدم الأتفاق على الحد الأدنى من المفاهيم و المصطلحات المتعلقة بالمشكلة الكردية و التي يدور حولها الحوار و النقاش بين الأطراف السياسية و الثقافية العراقية. وتشكل هذه من وجهة النظر الكردية عائقا أمام اتفاق القوى المناهضة للدكتاتورية و ستشكل في المستقبل عائقا مهما على طريق اقامة النظام الديمقراطي المنشود في عراق المستقبل . ويساور الكرد الشك في ان آلية عدم تحديد المفاهيم يراد بها في كثير من الأحيان تسويق و ترويج بعض الأفكار و الطروحات دون التوقف كثيرا عند مدلولاتها . فالحقوق القومية للشعب الكردي و الشراكة في الوطن و حل المشكلة الكردية و المنطقة الكردية و التعددية الأثنية  للدولة العراقية كلها مفاهيم غير متفق عليها من قبل القوى الأساسية على الساحة السياسية بل و الثقافية العراقية . و يشكل هذا التخبط في تحديد و تعريف المفاهيم عقبة كبيرة امام قيام نظام ديمقراطي حقيقي في عراق المستقبل .
مما يثير القلق لدى الكرد و سيكون عاملا معوقا لبناء الديمقراطية في عراق المستقبل هو غياب برامج واضحة و و اقعية لحل المشكلة القومية في العراق و على رأسها المشكلة الكردية لدى أحزاب و قوى المعارضة العراقية عموما مع إستثناءات بسيطة . وعبر موقف قوى المعارضة العراقية من تبني برلمان كوردستان للنظام الفدرالي تعبيرا واضحا عن عدم الوضوح و التخبط في المواقف . و تشكل هذه الحالة برايي بابا مفتوحا لبروز تعقيدات كبيرة في المستقبل على طريق حل المشكلة القومية و قيام النظام الديمقراطي . و تبرر أحزاب المعارضة عدم تصديها لهذا الأمر بحجة تأجيلها الى ما بعد سقوط النظام . والأنكى من ذلك هناك قوى مؤثرة في المعارضة العراقية لا تؤمن بضرورة الأستجابة الى الحقوق القومية للشعب الكردي و تتهرب من الأقرار بها علنا و تكتفي بالصيغ الفضفاضة و الغامضة التي تثير الشكوك لدى الكرد من نوايا تلك القوى وهم محقون في ذلك بعد أن تعرضوا خلال العقود الأخيرة الى محن قاسية لا يمكن ازالة آثارها بعبارات عامة و  فضفاضة .
كما أن الدعوة الى تكريس نتائج بعض السياسات الحكومية بحق الكرد و بخاصة تلك المتعلقة بسياسات التعريب و التغيير الديموغرافي لسكان بعض المناطق و المدن الكردستانية ، لا يمكن الا ان تثير شكوك الكرد. لا يمكن للمرء ان ينفي وجود نيات حسنة لدى بعض من يطلقون مثل هذه  الدعوات و ظهور أجيال من العراقيين ولدوا في هذه المدن و المناطق الكردستانية و لا يجوز ان  يؤخذوا بجريرة سياسات النظام . في المقابل من الصعوبة بمكان اقناع انسان طرد من بيته عنوة و جئ بآخر ليحل محله حتى دون ان يعوض عن ممتلكاته بالتعايش مع هذا الظلم الذي وقع عليه دون وجه حق . لذلك يكتسب الموقف الصحيح من عمليات التهجير القسري للكرد و غيرهم و عمليات التعريب و التغيير الديمغرافي للسكان أهمية كبرى لدى ضحايا هذه السياسات من الكرد و غيرهم على صعيد بناء النظام الديمقراطي في عراق المستقبل .
قدر تعلق الأمر بالكرد ، و اعتقد ان هذا يشمل جميع العراقيين ، يشكل التعامل مع المسؤولين عن عذابات العراقيين خلال العقود الأربعة الأخيرة حلقة مهمة من حلقات بناء الديمقراطية . فمع تبني سياسة التسامح و منع تصفية الحسابات و اعمال الأنتقام  ، الضرورية لمستقبل الأستقرار السياسي و الأجتماعي في العراق ، لا بد من انتهاج سياسة المساءلة القانونية بحق هؤلاء في محاكم نزيهة تتسم بالشفافية و توفر الحماية القانونية للمتهمين وذلك لخلق الرادع القانوني امام كل من يفكر باعادة عجلة العنف و القسوة الى العراق في المستقبل . رغم النيات الحسنة لن يساعد غياب الرادع القانوني الا الى المزيد من المآسي . ويشكل هذا الأمر بالنسبة للكرد الذين تعرضوا لعمليات الأبادة الجماعية عنصرا مهما من عناصر الثقة باية حكومة مقبلة في العراق.
من الضروري ان يجري التعامل مع الكرد من منطلقين : اولا كونهم يشكلون قومية ثانية في العراق تسكن منطقة جغرافية محددة مع امتدادات في مناطق العراق الأخرى و جزء من الشعب العراقي يجب ان يساهم في تقرير السياسات العراقية العامة ، لا ان ينظر اليهم فقط ككتلة بشرية تسكن منطقة جغرافية معينة .
كثيرا ما نسمع هنا و هناك بان النموذج الديمقراطي المطبق في كوردستان العراق سيعم في عراق ما بعد صدام . في رايي المتواضع رغم جميع الجوانب المشرقة في التجربة الكوردستانية و التي يجب ان تكون موضع دراسة وتطبيق من قبل الذين سيتصدون لبناء النظام الديمقراطي في عراق المستقبل ، الا أنه لا يمكن تطبيقها بحذافيرها لخصوصيات التجربة الكوردستانية و التي جرى تطبيقها في ظل ظروف جد معقدة كالحصار الأقتصادي المزدوج و التهديدات العسكرية للنظام و التدخلات السافرة للدول الأقليمية و ماترتب على ذلك من ضرورات الأحتفاظ بالمليشيات و التهام القبيلة السياسية لكل الأشكال و المساحات التي استطاعت الأحتفاظ بكياناتها المستقلة كمنظومات مدنية و سيادة عقلية الجبل في الأدراة و الصراع العقيم بين الحزبين الكرديين و تبني سياسة المناصفة التي جاءت على حساب الكفاءة و القدرة و الفرص المتاحة للمواطنين و التي كانت بحق انتهاكا لحقوق الأكثرية الغير منتمية حزبيا من الكرد . وأدى ذلك كله الى تشوهات عميقة في جوهر التجربة الكردستانية.  من المؤمل ان تبنى التجربة الديمقراطية في عراق المستقبل في ظل ظروف مناسبة كزوال الحصار الأقتصادي و التهديدات الخارجية و في ظل علاقات دولية تسمح بمد يد المساعدة في عملية بناء دولة القانون و اعادة اعمار البلاد . لذلك لن تتطور في ظل الظروف التي رافقت التجربة الكوردستانية و فرضت عليها تشوهات كان من الصعب جدا ، و لكن لم يكن من المستحيل ، تجاوزها .  يمكن للنظام الديمقراطي في عراق المستقبل ان يستفيد من التجربة الكوردستانية و يعمم جوانبها المشرقة و ينأى بنفسه عن المشاكل التي وقعت فيها التجربة الكردية و التي افرغتها في فترة من تطورها من جوهرها الديمقراطي الى حد كبير . 
ملامح العراق الجديد الذي يراد له ان يكون بديلا لما هو قائم سيتوقف كثيرا على طبيعة القوى السياسية التي تطمح لأقامة هذا البديل . تؤكد قوى المعارضة المختلفة على ان يكون النظام البديل في العراق نظاما ديمقراطيا تعدديا تحترم فيه الحقوق الأساسية للأنسان.

(*) قدمت كمداخلة في سمينار جمع التيارات القومية العربية و الكردية و الديمقراطية و الدينية تحت عنوان ( معوقات تطبيق الديمقراطية في عراق مابعد صدام ) نظمته مجموعة من الجمعيات الثقافية العراقية في هولندا بمدينة ديلفت بهولندا وحضر فيها الأساتذة جاسم المطير و الدكتور علي كريم سعيد و الأستاذ عبدالرزاق و كاتب هذه السطور .

 

 

 

الحديث عن الخزرجي "كارزاياً" للعراق دليل على عدم الجدية
د.جبار قادر                                                           
نشرت صحيفة الحياة في عددها ليوم 11 شباط 2002 تقريرا صحفيا تحت عنوان (( الخزرجي الأوفر حظا لدور "كارزاي العراق ")) و نسبت المعلومات الواردة في التقرير الى مصادر في المعارضة العراقية بدمشق . أشار التقرير الى كون الفريق الركن نزار الخزرجي من ابرز المرشحين للعب دور كارزاي العراق في اطار الأستعدادات الأمريكية لأطاحة نظام الرئيس صدام حسين . وأشار مراسل الجريدة من دمشق الى ان أمريكا اجرت مع الخزرجي الأتصالات في مكان اقامته في الدانمارك بل و زعم ان هناك (( شبه اجماع عليه بين التيارات الكردية و الشيعية و السنية في العراق )) كونه من اسرة عربية عرفت بتاريخها العسكري ، فعمه ابراهيم فيصل الأنصاري كان رئيسا لأركان الجيش ونسب المراسل الى مصادر في المعارضة العراقية كلاما أخطر الا وهو ان النظام العراقي (( ادرك أهمية الخزرجي مادفعه الى تسريب معلومات عن دوره في حرب الأنفال و ابادة آلاف الأكراد بالاسلحة الكيمياوية )) في الثمانينات .
يتضمن هذا التقرير جملة من المزاعم و التأويلات المتناقضة التي تحتاج الى التعقيب . فقبل كل شئ لا يمكن لأمريكا ان تعول على شخص يخضع حاليا للتحقيق في الجرائم المنسوبة اليه . و تتميز دولة القانون عن الدول الأخرى بأن لا شئ فيها يعلو على سلطة القضاء . و هناك الآن من الأدلة و القرائن تحت ايدي السلطات القضائية الدانماركية ما يجبرها على النظر و التحقق من التهم الموجهة الى الخزرجي الأمر الذي سيستغرق وقتا طويلا . لذلك نقول بأن الحديث عن الخزرجي كارزايا للعراق هو دليل على عدم جدية هذا الطرح . كيف يمكن لأمريكا التي تدعي العمل على حماية حقوق الأنسان و تطالب بجلب مجرمي الحرب و المتهمين بارتكاب جرائم الأبادة و الجرائم المروعة بحق الانسانية الى العدالة ان تضع بيضها في سلة رجل يجري التحقيق معه بتهم من هذا القبيل ؟ هناك 14 طنا من الوثائق الرسمية العراقية المتعلقة بسياسات الحكومة تجاه الكرد موجودة في امريكا و تتعلق اطنان منها بمسالخ او مجازر الأنفال ، و ليس حرب الأنفال كما يشير خطأ مراسل الحياة في دمشق و الذي يبدو انه لا يفرق بين حرب يتقاتل فيها طرفان و بين هجمات تقوم بها قوات عسكرية من جميع الصنوف و مدججة بجميع الأسلحة بما فيها اسلحة الدمار الشامل لأبادة سكان مدنيين و تدمير قراهم و مدنهم . جرت دراسة هذه الوثائق من قبل منظمة رصد حقوق الأنسان و التي اصدرت نتائج تحقيقاتها بصدد مجازر الأنفال في كتاب موثق في 369 صفحة عام 1993 في امريكا و الذي تحول الى مصدر مهم للمعلومات عن جرائم النظام العراقي بحق الشعب الكردي في كوردستان العراق , ويرد اسم " كارزاي العراق " عدة مرات في الوثائق المتعلقة بالأنفال و التي اشارت اليها المنظمة المذكورة في كتابها المشار اليه كونه قائدا للفيلق الأول الذي قام بتنفيذ مجازر الأنفال في مناطق قلاسيوكة قرب جمجمال بمحافظة كركوك . كما ان هناك صورا توثق قيام الفريق الركن نزار الخزرجي بالأشراف على تدمير قرى عسكر و كوبتبة و أنفلة سكانها . وقامت الشرطة الدانماركية و لازالت باجراء تحقيقات موسعة في العديد من بلدان المنطقة و استمعت الى شهادات عديدة لشهود عيان للتأكد من حقيقة الأتهامات الموجهة الى الخزرجي و جمع المعلومات الكافية للنظر في القضايا المرفوعة بحقه و التي أخذت تتزايد لتشمل اتهامات اخرى بقيامه بجرائم حرب في جنوب العراق اثناء أنتفاضة اذار 1991 . هل يعقل ان يكون شخص يواجه كل هذا الكلام هو من تبحث عنه امريكا بين اكثر من 22 مليون عراقي يناهضون النظام العراقي ؟
كما ان الزعم بأن الخزرجي هو موضع شبه اجماع لدى التيارات العراقية هو محاولة فاشلة لتسويق فكرة الأنقلاب العسكري للتخلص من نظام صدام حسين . لا يمكن للعراقيين الذين تحملوا  خلال العقود الأربعة الأخيرة من تاريخهم كل هذه النكبات و المظالم و قدموا التضحيات الكبيرة ان يقبلوا بحكم عسكري و احلال جنرال محل صدام حسين ، فهم يستحقون نظاما سياسيا مدنيا يزيل عنهم اثار العسكرة و القمع و الشعارات . لن اتحدث نيابة عن أطراف المعارضة العراقية المختلفة ، و لكنني استطيع الجرم بأنه من الصعب جدا العثور على كردي واحد يقبل بحكم هذا  الكارزاي  العراقي. اختارت امريكا كارزاي افغانستان لأنه كان ينتمي الى اكبر اثنية في افغانستان و هي بذلك لم تفرض شخصا ينتمي الى اقلية عرقية او مذهبية على افغانستان . اما في حالة من يدعى بكارزاي العراق فالأمر مختلف و هو ينتمي الى تلك الأقلية التي تحاول اطراف عديدة ان تبقي على موقعها السيادي في العراق ، وهو امر يتقاطع مع ابسط مبادئ النظام الديمقراطي الذي يرنو اليه العراقيين .
أما كون ابراهيم فيصل الأنصاري عما للخزرجي ، والذي يهدف كاتب التقرير من وراء ايراد قصة قرابته للخزرجي اعطاء شحنة من الدعم للأخير ، يعطي مبررا اضافيا للكرد على الأقل ان يقفوا لا في جعله كارزايا للعراق بل و ضد اي دور  سياسي و عسكري له في عراق ما بعد صدام ، لأن ابراهيم فيصل الأنصاري اشتهر في حينه عندما كان قائدا للفرقة الثانية بكركوك بتدمير أحياء كردية كاملة في كركوك و كان له دوره في أقناع حكومة البعث الأولى في 1963 باعدام 28 شخصية كردية بارزة في كركوك و تعليق جثثهم في شوارع المدينة في 13 حزيران 1963 . هذا فضلا عن سيرته الشخصية السيئة التي كانت على كل لسان في كركوك كرجل سكير و مقامر و غارق في الفجور . ولابد من الأشارة هنا الى الموقف الكردي الشعبي من كارزاي العراق !سيعلن عنه بأجلى صوره في ذكرى مأساة حلبجة عندما يتجمهر الاف مؤلفة من كرد اوربا في كوبنهاغن لأحياء هذه الذكرى الأليمة و المطالبة بمحاكمة المتهمين بأبادة الشعب الكردي في العراق جميعا و في مقدمتهم الخزرجي . ومن المؤمل ان تشارك الجالية الكردية في هذه التظاهرة الكبيرة بتياراتها السياسية المختلفة . و أصدر عدد من ابرز الكتاب و الأكاديميين و المثقفين الكرد من العراق و ايران و تركيا و سوريا ندءا الى كرد اوربا يطالبونهم فيه بالمشاركة الفاعلة في احياء هذه الذكرى و المطالبة بمحاكمة مجرمي الحرب و منفذي جريمة الأبادة بحق الشعب الكردي و بحق الأنسانية في كوردستان العراق. 
هل يعقل ان يقوم نظام صدام حسين أو اي نظام آخر في العالم  بتقديم الأدلة التي تدينه و تثبت قيامه بجرائم الحرب و الأبادة الجماعية و جرائم بحق الأنسانية للعالم ؟ من يقرأ تقرير جريدة الحياة يعتقد بحصول مثل هذا الشئ العجيب . من البديهيات التي لابد من التذكير بها هنا ان محاكمة اي مجرم حرب او مشارك في جرائم الأبادة هو ادانة للنظام الذي قام بهذه الجرائم . كان الفريق الخزرجي قائدا للفيلق الأول و رئيسا لأركان الجيش و عضوا في القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية و عضوا في مكتب شؤون الشمال لحزب البعث العربي الأشتراكي الذي كان يترأسه علي حسن المجيد اثناء تنفيذ مجازر الأنفال و الذي اشرف مباشرة على وضع الخطط و تنفيذ المسالخ التي سمتها الحكومة العراقية ظلما بعمليات الأنفال ، لذلك لم يكن فقط منفذا لتلك الجرائم بأوامر من قياداته العليا بل كان و بحكم مناصبه الرفيعة مشاركا في التخطيط لتلك الجرائم المروعة و منفذا لها. وادانة الخزرجي هو ادانة للنظام العراقي و قيادته السياسية و العسكرية العليا التي تتحمل المسؤولية الرئيسية في كل هذه الجرائم .
وحتى كونه كان ينفذ اوامر قياداته العليا لن يعفيه من المساءلة القانونية ، فقادة المانيا النازية العسكريين الذين حوكموا في نورنبيرغ لم يحاكموا لكونهم قاموا بابادة الناس بانفسهم في المناطق التي احتلتها المانيا الهتلرية ، بل لكونهم شاركوا في التخطيط لتلك العمليات و اصدروا الأوامر لتنفيذها.
لا نعتقد بأن هذه المحاولات التي تبذلها أوساط عراقية معروفة كانت الى امد قريب جزءا من النظام العراقي وتحاول ان تلعب الآن دور المعارضة العراقية المناضلة سوف تثمر عن نتيجة للنيل من الوطنيين الكرد و العراقيين الذين رفعوا دعاوى ضد نزار الخزرجي. كما ان محاولات بعض الأعلاميين العرب في الصحافة و التلفزيونات العربية الذين يبذولون جهودا كبيرة لتلميع صورة الخزرجي و يكتفون بعرض وجهة نظره فقط و يحجرون على الرأي الآخر الأمر الذي يتقاطع مع المبادئ الأساسية للصحافة الحرة مآلها الى الفشل .و ستظهر الحقائق ساطعة للجميع اذ لا يمكن سد وجه الشمس بالغربال .

 


السالنامات العثمانية و حكاية الوثائق النادرة عن كركوك!
       د.جبار قادر
تشكل السالنامات العثمانية مصدرا مهما لدراسة التاريخ الحديث للبلدان التي كانت ترزح تحت نير الأحتلال العثماني . فقد تضمنت السالنامات العثمانية معلومات غزيرة  عن الأحوال العامة في الولايات العثمانية قلما يستطيع المرء الحصول عليها في المصادر التاريخية الأخرى . وقد دأب الباحثون و العاملون في حقل الدراسات التاريخية و العثمانية منها على وجه الخصوص على دراستها و تقويم أهميتها العلمية و إعتماد  المعلومات التاريخية الواردة فيها في دراساتهم التاريخة منذ عقود . فقد إعتمد عدد ملحوظ من الباحثين في تاريخ الولايات العراقية في العهد العثماني على المعطيات الواردة في السالنامات العثمانية في دراساتهم التي أعدوها خلال العقدين الأخيرين في الجامعات العراقية  . ونشر العديد من الباحثين دراسات عن السالنامات العثمانية و أهميتها التأريخية (( الدكاترة خليل على مراد ، جبار قادر ، عبدالفتاح علي يحى ، علاء كاظم نورس ، عماد عبدالسلام رؤوف ، علي شاكر المولى ( البشيري سابقا) ، فاضل مهدي بيات ، إبراهيم خليل و عشرات غيرهم ). و يمكنني إيراد قائمة مطولة بعناوين الدراسات و البحوث التاريخية في تاريخ الولايات العثمانية التي إعتمد كتابها السالنامات العثمانية  في كتاباتهم (1 ).
توضح الحقائق المشار اليها أعلاه أن الحديث عن السالنامات العثمانية و المعلومات الواردة فيها عن هذه الولاية العثمانية أو تلك المدينة لا يشكل في حقيقة الأمر إضافة جديدة و كبيرة الى معارفنا دعك عن الحديث عن كشف علمي . مناسبة هذا الكلام هو ما نشره السيد نصرت مردان تحت عنوان (( وثيقة عثمانية نادرة عن كركوك )) . يبدو لي و في هذه الهلمة القائمة حول كركوك و محاولات طمس هويتها القومية الكردية تكتسب أية معلومة تاريخية واردة في أي كتيب تأريخي أو أوراق قديمة أهمية كبرى تفوق قيمتها العلمية الحقيقية . كما يبدو لي أن السيد نصرت مردان و الذي تحول أخيرا من الكتابة في القضايا الأدبية و التراثية و التي عرفه القراء من خلالها الى  تناول مواضيع التاريخ و السياسة ظن بأنه عثر على مصادر لم يتناوله الكتاب الآخرون . أورد الكاتب معلومات مشوشة عن ما سماها بوثيقة عثمانية لم يشر سوى الى إسمها و سنة صدروها وهي  ( سالنامه 1892 ) . إذا عرفنا حقيقة أن سالنامات مختلفة كانت تصدر في الدولة العثمانية من قبل النظارات ( الوزارات ) و المؤسسات الأخرى الى جانب تلك التي كانت الولايات العثمانية المختلفة تصدرها بصورة دورية أو شبه دورية ، أدركنا صعوبة الأعتماد على ( الوثيقة النادرة ) بالصيغة التي أوردها الكاتب . تتجلى أهمية الوثيقة التاريخية من خلال دراستها و تمحيصها و محاولة تقويمها تقويما علميا و تحليل المعلومات الواردة فيها و هذا ما لا يمكن القيام به في ضوء المعلومات الفقيرة المعطاة من قبل السيد مردان عن الوثيقة النادرة!.
منعا للألتباس و تحميل الأمور أكثر مما تحتمل ولألقاء شئ من الضوء على السالنامات العثمانية و أهميتها لدراسة تاريخنا الحديث و موضوعية المعلومات و المعارف الواردة فيها لا بد من الأشارة الى بعض الحقائق الأساسية المتعلقة بها .
السالنامه مصطلح مركب من ( سال ) و هي كلمة كردية و أيرانية بمعنى سنة و ( نامه ) و هي أيضا كردية و إيرانية و تعني كتاب أو رسالة . و المصطلح بمجموعه يعني الكتاب السنوي أو الحولية . و أطلقت السالنامه في الدولة العثمانية على المطبوعات السنوية الرسمية التي كانت تصدرها الوزارات المختلفة في العاصمة و كذلك الولايات العثمانية. و كانت السالنامات تتضمن معلومات عن الدولة العثمانية و سلاطينها و مؤسساتها و تشكيلاتها الأدارية المختلفة ،  و مللها و طوائفها ( من الناحية الدينية و المذهبية في أكثر الأحوال و عدم التركيز على الأنتماء القومي إلا الى الأقوام و العناصر الغير الأسلامية و الخاضعة للسيطرة العثمانية ) ،  و التمثيل الأجنبي ، و النظام النقدي ، والتقويم السنوي و الأحوال و الوقائع مع أسماء أركان الدولة و كبار موظفيها و الألقاب الرسمية المتداولة في الأوساط الرسمية . والى جانب السالنامات العامة كانت هناك سالنامات تصدرها النظارات ( الوزارات ) كسالنامات نظارة الخارجية و المعارف و العلمية أ و التي تصدر عن الجيش ( أوردو سالنامه سى ) . وكانت السالنامات تنهج نهجا موحدا في تبويب مواضيعها باستثناء بعض التغييرات الطفيفة . فبعد إعلان الدستور عام 1876 مثلا ، أخذت السالنامات تنشر و بصورة دورية ، نص القانون الأساسي ( الدستور العثماني ) ، حتى بعد حل المجلس و تعليق العمل بالدستور ، مسبوقا برسالة التكليف التي أرسلها السلطان عبدالحميد الثاني ( 1876 - 1909 ) الى مدحت باشا يطلب منه فيها اعلان الدستور(2)  . وتوازي  السالنامات الكتب السنوية التي تصدرها المؤسسات و الدوائر و الشركات في مختلف دول العالم في عصرنا الحالي .
و تتضمن سالنامات الوزارات تفاصيل عن الوزارات التي أصدرتها و العاملين فيها و تشكيلاتها و النظم و الفوانين الخاصة بها . وكانت هناك الى جانب تلك السالنامات السالنامات التي تصدرها الولايات العثمانية . تشير سالنامة ولاية بغداد الى أن أول  سالنامة رسمية عثمانية ظهرت في اسطنبول في عهد السلطان عبدالمجيد عام 1262 هجري ( 1846 م ) بمبادرة من الصدر الأعظم - رئيس الوزراء - مصطفى رشيد باشا و ذلك بعد عودته الى الصدراة العظمى عام 1845 . بينما تذكر بأن اول ولاية أصدرت سالنامة خاصة بها كانت البوسنة و بعد ذلك أخذت الولايات العثمانية الواحدة تلو الأخرى تصدر سالنامات خاصة بها . وفيما يتعلق بالولايات العراقية فإن ولاية بغداد بدأت منذ عام 1293 هجري ( 1876 م ) بإصدار سالنامة خاصة بها . أما ولايتا البصرة و الموصل فقد بدأتا بإصدار سالناماتها منذ عام 1308 هجري ( 1890 - 1891 م ) (3) . وقدر تعلق الأمر بسنجق كركوك فإن السالنامات الصادرة عن ولاية الموصل تتضمن معلومات مهمة لا بد للباحث في تاريخ المنطقة أن يطلع عليها . ما يهمنا هنا ان ولاية الموصل أصدرت خمسة أعداد من السالنامت الخاصة بها. صدر العدد الأول عام 1308 هجري ( 1890 - 1891 م ) و العدد الثاني عام 1310 هجري ( 1892 - 1893 م ) . أما العدد الثالث فقد صدر عام 1312 هجري ( 1894 - 1895 م ) والعدد الرابع  عام 1325 هجري ( 1907 - 1908م )، أما العدد الخامس والأخير فقد صدر عام 1330 هجري ( 1912 م ) من حقنا أن نتساءل أية سالنامة يشير الى معلوماتها السيد نصرت مردان ؟
و لأعطاء فكرة عن مضامين السالنامات و مقارنتها بما يورده السيد مردان في مقاله ، نشير الى المواضيع التي تضمنتها سالنامة ولاية الموصل في عددها الأول : التعريف بالسالنامة ، التقويم السنوي ، الوقائع المشهورة منذ عام 6212 قبل الهجرة و الذي اعتبرته السالنامة عام خلق سيدنا آدم عليه السلام و حتى زيارة امبراطور المانيا الى أسطنبول عام 1889 م ، اسماء الخلفاء الراشدين و الأمويين و السلاطين العثمانيين مع نبذ عن حياتهم و ولادتهم و سنوات وصولهم الى الحكم و اعوام وفاتهم ، كما تضمنت السالنامة قائمة بأسماء  الملوك و الأباطرة المعاصرن ، اعقبتها بقائمة اسماء الولاة و المتصرفين الذين حكموا الموصل منذ عام 1591 و حتى عام صدور السالنامة . و حوت السالنامات الألقاب الرسمية و الرتب و الأوسمة و النياشين في الدولة العثمانية. أما الصفحات التالية فقد خصصت لذكر دوائر الدولة و تشكيلات الجيش و الجندرمة و الرؤساء الروحانيين للطوائف غير الأسلامية في الولاية و كذلك مراقد و أضرحة الأنبياء و الأولياء و معلومات عن المعادن و المنسوجات و المحاصيل الزراعية و الجبال في الولاية و الأقاليم التابعة لها . و تناولت السالنامة بعد ذلك موقع الولاية بالدراسة و التمحيص فضلا عن الوحدات الأدارية التابعة و سكانها و مدارسها و وارداتها و مصاريفها . وخصص نصف السالنامة للحديث عن تاريخ الموصل و جغرافيتها فضلا عن معلومات تاريخية و جغرافية عن الألوية و الأقضية التابعة لها (4 ).
ورغم أن السالنامات العثمانية تنفرد أحيانا بمعلومات لا تتوفر في المصادر الأخرى ، بيد أن الضرورة تقتضي الرجوع الى مصادر أخرى معاصرة لها لتوضيح بعض الجوانب الغامضة في السالنامات أو تصويب ماورد فيها من معلومات غير دقيقة بل و متضاربة أحيانا . فعلى سبيل المثال تعترف السالنامات بقصورها في تقديم ارقام دقيقة عن عدد السكان و تؤكد بأن أرقامها  تقديرية و إن إحصائياتها لا تشمل جميع السكان و بخاصة أبناء العشائر . كما أن الأرقام الواردة في السالنامات تخص الذكور من السكان فقط ، لأن الأحصاء لم يكن يشمل النساء في أغلب الأحوال للأعتبارات الأجتماعية و الدينية السائدة آنذاك.
و حول التركيب القومي لسكان سنجق كركوك أكتفي بالأشارة الى مثال واحد فقط . فقد قدرت سالنامة ولاية الموصل لسنة 1330 هجري ( 1912 م ) عدد سكان لواء كركوك عموما ب 94588 نسمة و مجموع سكان قضاء مركز كركوك وحده ب 41137 نسمة معظمهم من المسلمين الذكور . و حسب السالنامة كان الكرد يشكلون أكثرية سكان السنجق ( 5 ) .  وقلما كانت السالنامات تشير الى الأنتماء القومي للسكان بل كانت تؤكد دائما على إنتمائهم الديني مع الأشارة الى اللغة السائدة و التي كانت بطبيعة الحال التركية العثمانية في كركوك و غيرها من الولايات الخاضعة للسيطرة العثمانية . 
و للتعريف بالتقسيمات الأدارية للمناطق التي تدخل ضمن الأراضي المعروفة اليوم بالعراق لابد من الأشارة الى بعض الحقائق التاريخية المعروفة لدى الباحثين و المهتمين بالدراسات التاريخية العثمانية . من الجدير بالذكر ان العثمانيين لم يقوموا بتقسيم البلاد المعروفة اليوم بالعراق الى وحدات ادارية بعد الأحتلال مباشرة ، اذ أبقوا على التنظيمات الأدارية التي كانت تعود الى عهد الأيلخانيين ، و لكنهم و بعد مرور فترة من الزمن قاموا بتقسيمها الى وحدات إدارية عرفت بالأيالات ، و التي غالبا ماكانت تستبدل بكلمة ولاية ، مراعين فيها بعض الأسس و الأوضاع السائدة و بخاصة مايتعلق بالقبائل العربية و الكردية . وكانت الأيالة تقسم بدورها الى وحدات ادارية أصغر يطلق على كل منها اسم سنجق أو اللواء التي كثر استخدامها في الوثائق الرسمية العثمانية . وكانت هناك أربع ايالات هي : بغداد و الموصل و البصرة و شهرزور (6 ). وكانت السناجق تقسم الى أقضية و الأخيرة الى نواحي و من ثم تليها القرى .
وفيما يتعلق بايالة شهرزور ، التي عاشت فترة مضطربة من تاريخها  و تحولت الى ساحة للصراع العثماني - الصفوي ، فقد ضمت في القرن السادس عشر 16 سنجقا ، إرتفع عددها في منتصف القرن التالي الى 32 سنجقا ، و التي كان أكثرها عبارة عن قلاع على رؤوس الجبال و عند المضايق المهمة ، وقد اندثر معظمها بفعل الحروب المستمرة بين العثمانيين و الأيرانيين أو بين الأمراء الكرد أنفسهم . و من بين أشهر سناجق شهرزور الى جانب كركوك المركز ، كانت أربيل ، حرير ، كوي ، شمامك ، سهل مخمور ، أوشنو ، سروجك ، شهرزور ، شهربازار ، مركة ، هزارميرد ، شميران ، قرداغ ، قزلجة، انجيران، جبل حمرين و سناجق أخرى لا تعرف مواقعها الآن ( 7 ).
ومن الضروري أن نشير الى ان حدود الأيالات لم تكن ثابتة بل انها كانت عرضة للتغيير المستمر سواء بسبب التغييرات الأدارية التي كانت تقوم بها الدولة العثمانية او نتيجة للحروب العثمانية الأيرانية و التي كانت ايالة شهرزور من بين أهم ساحاتها.
 وتعرض التنظيم الأداري العثماني الى تغييرات كثيرة الى ان استقر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، إذ اصبح العراق الحالي يتألف من ثلاث ولايات : الموصل ، بغداد و البصرة. وكانت ولاية الموصل تضم ثلاث سناجق ( ألوية ) و هي سنجق المركز و تتبعه أقضية دهوك ، زاخو ، زيبار ، سنجار وعقرة , سنجق شهرزور ( كركوك ) و تتبعه أقضية أربيل ، رانية ، رواندوز ، كويسنجق ، وصلاحية ( كفري ) . أما سنجق السليمانية فقد ضمت أقضية بازيان ، شهربازار ، قرداغ ، كلعنبر و مركة  ( 8).
كانت مدينة كركوك مركزا لولاية شهرزور العثمانية منذ القرن السادس عشر . وكانت حدود الولاية تشمل الأراضي المعروفة اليوم بمحافظات كركوك ، السليمانية و أربيل . و كان الأمراء الكرد من الأردلانيين و من ثم البابانيين يديرون شؤون الولاية على مدى قرون عديدة . مع زوال إمارة بابان في 1851 أخذت الدولة العثمانية تحكم قبضتها على كركوك . و عندما أعيد تشكيل ولاية الموصل عام 1879 صار سنجق كركوك ضمن حدودها الأدارية و استمرت السالنامات و المراسلات الرسمية في اطلاق تسمية شهرزور على سنجق كركوك حتى عام 1311 هجري ( 1894 - 1895 م) عندما تقرر العودة الى استخدام اسم كركوك بدلا من شهرزور تجنبا للألتباس الذي كان يحصل في المراسلات الرسمية بين شهرزور و سنجق الزور في بلاد الشام (9) .
و تتضمن السالنامات العثمانية معلومات كثيرة عن الأوضاع الأدارية و الأقتصادية و الأجتماعية و الصحية و التعليمية في الولايات المختلفة و يمكن الأستفادة منها للقيام بدراسات جادة عن تاريخنا الأجتماعي و الأقتصادي بدلا من الأنشغال بالبحث عن ما يدعم توجهاتنا السياسية . فقد شهدت الأوضاع السكانية و الأقتصادية و الأجتماعية و الثقافية و غيرها خلال عقود القرن الماضي تحولات كبرى و تغيرت المدن العراقية و زحف الريف على المدينة الى درجة لم يعد بالأمكان التعرف على ملامحها .  و هناك مدن كان عدد سكانها في بداية القرن الماضي لا يتجاوز 30 ألف نسمة بينما يبلغ عدد قاطنيها اليوم من مليون نسمة . و إذا كانت جماعية من الناس ، و لا أقصد جماعة بعينها ،  تشكل نسبة  5 أو 10 أو حتى  50 % من ذلك العدد فإنها لم تعد تشكل اليوم في أحسن الأحوال أكثر من 1% من هذا العدد الهائل من البشر . خذوا أية مدينة في العراق و كوردستان و قارنوا بين عدد السكان فيها الآن مع عددهم قبل نصف قرن . و إذا أخذتم بنظر الأعتبار بحقيقة تدمير ريف كوردستان و جمع سكانه في مجموعة من المدن و القصبات و المجمعات القسرية ستجدون العجب العجاب . وفيما يتعلق بسكان كركوك بالذات يشير البعض الى أن زيادة السكان الكرد في المدينة في القرن الماضي جاءت بسبب هجرة سكان ريف كركوك الكرد ( من ريف كركوك و ليس من أي لواء آخر ) الى داخل المدينة . فما هو تفسيرهم لحالة المدن العراقية الأخرى ؟ الم تشهد جميع مناطق العراق ظاهرة الهجرة من الريف الى المدينة ؟ هل بقيت مدينة واحدة في العراق لم تشهد زيادة هائلة للسكان بسبب الهجرة من الريف الى المدينة ؟ هل كان الأمر مقتصرا على كركوك و حسب خطة و استراتيجية قومية بعيدة المدى !! و ضعها الفلاحون البسطاء الكرد الهاربون من جحيم الأنفالات و حملات الأبادة لكي ينجزوا عملية ( تكريد !! ) هذه المدينة الكردستانية  ؟ هل يعرف هؤلاء السادة التغييرات الدراماتيكية التي حدثت في تناسب سكان الريف و المدينة في العراق خلال العقود الخمسة الماضية ؟  الى متى تبقى الأحلام الدونكيشوتية تدغدغ عقول البعض ؟        
الهوامش و المصادر :
(1)  . أشير هنا على سبيل المثال الى بعضهم : فقد نشر الدكتور فاضل مهدي بيات دراسة تحت عنوان (( السالنامات العثمانية و أهميتها لتاريخ العراق )) في العدد الثاني - المجلد 17 من مجلة (( المورد )) عام 1988 . كما ساهم كاتب هذه الأسطر بدراسة كان عنوانها (( أربيل في السالنامات العثمانية )) في ندوة عقدتها جامعة صلاح الدين عن مدينة أربيل في يومي  16 - 17 مايس 1990 ، و نشرت الدراسة في نفس العام في العدد 91 من مجلة (( كاروان )) في كانون الأول 1990 . كما نشر الدكتور عبدالفتاح على يحى دراستين ( سالنامات الموصل العثمانية مصدرا لدراسة تاريخ السليمانية ) - مجلة جامعة دهوك ، المجلد (1) العدد  (2 ) و ( سالنامات الموصل العثمانية مصدرا لدراسة تاريخ دهوك ) في المجلد (3 ) العدد (1) من نفس المجلة خلال عام 2000 . كما شارك ببحث حمل عنوان (( كركوك في السالنامات العثمانية )) في كونفرانس كركوك الذي عقد بأربيل في نيسان من عام 2001 .
(2)  . أنظر بحثنا المشار اليه في الهامش (1)، مجلة كاروان ، العدد 91 ، أربيل  كانون الأول  1990  ، ص 117 . أنظر كذلك : شمس الدين سامي ، قاموس تركي ، درسعادت ( استنبول ) 1317 ، ص 701 . و كذلك : سالنامه دولت عليه عثمانية ، 1305 سنة هجرية سنه مخصوص قرق اوجنجي دفعة ، معرف نظارت جليله سنك اثر ترتيبدر ، ص 100 - 119  و لمزيد من المعلومات : د . عبدالفتاح علي يحى ، كركوك في السالنامات العثمانية ، بحث غير منشور ، ص 2.
(3)  أنظر : بغداد ولايت جليله سنه مخصوص سالنامه در ، يكرمنجي دفعه در ، 1324 سنة  هجرية ، مطبعة ولايتده طبع أولنمشدر ، ص 83 . يورد الدكتور فاضل مهدي بيات تواريخا تختلف عن تلك التي أشرنا اليها إذ يذكر ان اول سالنامة عثمانية رسمية صدرت عام 1263 هجري ( 1847 م ) ، كما ان اول سالنامة خاصة بولاية بغداد صدرت برأيه عام 1292 هجري ( 1875 م) . حول ذلك أنظر : د.فاضل مهدي بيات ، المصدر السابق ، ص 43 - 44 .
(4)  موصل ولايتي سالنامه سي ، برنجي دفعه ، 1308 هجري ، موصل مطبعه سنده طبع اولنمشدر 1308 هجري / 1306 رومي . 
(5)  موصل ولايتي سالنامه سي ، 1330 ، ص 229 .
(6)  خليل على مراد ، تاريخ العراق الأداري و الأقتصادي في العهد العثماني الثاني 1638 - 1750 م ، رسالة ماجستير غير منشورة ، جامعة بغداد 1975 ، ص 45 .
(7)  نفس المصدر السابق ، 60 -62 .
(8)  سالنامه دولت عليه عثمانيه ، 1302 هجري ، قرقنجي دفعه ، معارف نظارت جليله سنك اثر ترتيبدر ، درسعادت 1302 ، ص 74 - 75 .
(9)  موصل ولايتي سالنامه سي ، 1312 هجري ، ص 318 .

 

 

 

نصائح رجل حكيم لم تستمع إليها الحكومات العراقية ا
  تقديم و ترجمة الدكتور جبار قادر
مناسبة هذا الكلام هو مرور سبعون عاما على المذكرة المهمة التي قدمها المؤرخ  و الوزير الكردي محمد أمين زكي الى الملك فيصل الأول في 20 كانون الأول عام 1930 حول المسألة الكردية و ضرورة التعامل معها بطريقة حكيمة تبعد البلاد من التوتر و الأضطرابات و لا تتحول الى خطر على كيان الدولة العراقية.
رغم مرور تلك العقود السبعة على تلك النصائح الحكيمة النابعة من رجل عرف بالعلم و السماحة و الدعوة الى التعايش و السلم الأجتماعي ، لازالت الأوساط الحاكمة في بغداد تمارس قسوة قل نظيرها في قمع كل تحرك كردي يهدف الى الحصول على الحقوق القومية و الأنسانية المشروعة . و من المحزن جدا أن العديد من أطراف المعارضة السياسية العراقية و التي إكتوت بنار العنف و الدكتاتورية ، لا تمتلك  برنامجا واضحا بصدد هذه القضية و طرائق حلها و التي كانت و لا تزال تشكل عنصرا اساسيا في المعضلة العراقية ، و يتوقف على حلها حلا عادلا و ديمقراطيا مستقبل العراق ورفاهية أبنائه . والأنكى من ذلك أن بعض أطرافها وبعد كل الكوارث التي حلت بالبلاد بسبب تلك السياسات تتبنى من حيث الجوهر نفس توجهات الأوساط الحاكمة الحالية إزاء المطالب القومية الكردية تحت شعارات و مسميات لا يمكن أن تنطلي على الكرد بعد التجارب المريرة التي مروا بها في أكثر قرون تاريخهم دموية. 
تمتد جذور المسألة الكردية الى ماقبل قيام الدولة العراقية بقرن واحد على أقل تقدير ، وذلك عندما غيرت الدولة العثمانية في أواخر القرن الثامن عشر و بداية القرن التاسع ، ضمن توجهات التنظيمات ، سياستها في كوردستان و قررت أن تباشر إدارتها مباشرة بعد أن كانت قد تركت أمر إدارتها الى الأقطاعيين و الأمراء و الزعماء المحليين الكرد خلال ثلاثة قرون أعقبت معركة جالديران عام 1514 . أصابت هذه التوجهات السياسية الجديدة للباب العالي الوضع السياسي الكردي في الصميم . وتجلت المسألة الكردية في هذه المرحلة من عمرها المديد في الصراع بين الباب العالي و الزعماء المحليين الكرد على السلطة في كوردستان . ولم يكن بإمكان الأمارات الكردية الضعيفة و المتناحرة فيما بينها أن تفوز في هذا الصراع اللامتكافئ أصلا . إنتهت هذه المرحلة  بسقوط آخر الأمارات الكردية بحلول منتصف القرن التاسع عشر و هي الأمارة البابانية في منطقة السليمانية . و إستمرت المسألة الكردية تعبر عن نفسها في النصف الثاني من القرن الماضي و بداية القرن الحالي في إنتفاضات كبرى كأنتفاضة عام 1880 التي تشكل بإتفاق المؤرخين الكرد و الأجانب نموذجا جديدا في الحركات الكردية من حيث الأعداد لها و حجم المشاركة الشعبية فيها و كذلك الشعارات التي رفعتها و التي طالبت بإقامة الدولة الكردية الموحدة من كلا الجزئين العثماني و الأيراني من كوردستان فضلا عن تدخل الدول  الكبرى الى جانب الدولة العثمانية و إيران للقضاء عليها ، فضلا عن المشاركة في النضال السياسي ضد نظام السلطان عبدالحميد الثاني .
جاءت أحداث الحرب العالمية الأولى و النتائج التي ترتبت عليها لتعمق من تعقيدات المسألة الكردية . فإعلان الدولة العثمانية للجهاد و جذب الزعماء القبليين و الدينيين الكرد الى أتون الحرب من جهة و وعود الحلفاء للشعوب الرازحة تحت النير التركي بالخلاص وبنود الرئيس الأمريكي الأربعة عشر فضلا عن وعود حكومة السلطان بتشكيل إدارة ذاتية كردية في إطار الدولة العثمانية و خطب مصطفى كمال النارية عن (أخوة الدين !)  و تحقيق الأماني القومية للكرد بعد طرد المحتل الأجنبي ، أصابت القائمين على الحركة الكردية بالدوار و تسببت في شق صفوفهم و تجاذب التيارات المختلفة لأبرز زعمائهم .
جاء الأحتلال الأنجليزي للعراق و لجنوب كوردستان ( أصبحت تسمى فيما بعد بكوردستان العراق بعد ألحاقها بالعراق حسب قرار عصبة الأمم في منتصف كانون الأول 1925  و تعهد الحكومتين العراقية و البريطانية بالألتزام بتنفيذ شروط الألحاق ) ، لتجعل من المسألة الكردية في هذا الجزء من كوردستان مشكلة عراقية . ملخص القول أن العراق ورث المسألة الكردية من الدولة العثمانية.
من الجدير بالذكر أن هناك قصورا واضحا في  فهم تاريخ المسألة الكردية في العراق لدى الكتاب و المؤرخين فضلا عن السياسيين العراقيين و العرب و بخاصة الشباب منهم ، و ذلك بسبب التعتيم الذي فرض عليها من قبل الأوساط الحاكمة و القوى المرتبطة بها . يعرف الكثيرون بأن الحكومات العراقية المتعاقبة كانت  وعلى مدى القرن العشرين لا تحبذ بل وتمنع في أكثر الأحوال بحجة حماية الوحدة الوطنية التطرق الى الشأن الكردي . أما في العقود الأخيرة فقد كانت قائمة الممنوعات تشمل كل ما يتعلق بالكرد و كوردستان تقريبا . ولعل منع الحكومة عام 1935 لنشر و توزيع هذه المذكرة و التي كان المؤرخ و الوزير الكردي محمد أمين زكي قد بعث بها عام 1930 الى الملك فيصل الأول دليل ساطع على مانقول . وهكذا نشأت أجيال في العراق و الدول العربية لا تعرف سوى معلومات سياحية مبتورة عن ما أصبحت تسمى بالمناطق الكردية أو شمال العراق . أما فيما يتعلق بتاريخ الكرد و مسألتهم القومية و تراثهم الحضاري فلم تطلع هذه الأجيال ، مع إستثناءات قليلة ، سوى على كتابات سطحية كتبت بإيعاز من السلطات الحاكمة بهدف تشويه الحقائق التاريخية و الثقافية و الجغرافية المتعلقة بالكرد و مواطنهم .
و يتسبب هذا القصور بطبيعة الحال في الفشل في تحديد أبعاد القضية الكردية و جذورها الممتدة في التاريخ و من ثم  في وضع البرامج الناجعة وصولا الى حل دائم و عادل لها من شأنه أن يوقف هذا النزف المزمن من جسد هذا الكيان الذي كتب له أن يتعايش فيه العرب و الكرد وغيرهم من العناصر المختلفة و يفتح الآفاق أمام التطور السياسي و الأقتصادي و الأجتماعي الذي حرم منه العراق لعقود طويلة من الزمن .
الهدف من نشر هذه المذكرة التاريخية المهمة هو التذكير بأن عمر القضية الكردية في العراق هو بعمر الدولة العراقية وليست بنت العقود الثلاث أو الأربعة الماضية كما يعتقد البعض . وتدحض الوثيقة الفكرة التي يرددها البعض بأن الكرد كانوا سعداء بوضعهم في العهد الملكي ، رغم أنهم لم يكونوا يتعرضون الى الأبادة الجماعية و التطهير العرقي كما هو حالهم في العقود الأخيرة . و يمكن أن تساعد في فهم جذور القضية الكردية و أبعادها لغير المطلعين على تاريخها. و يمكن لأصحاب الحل و العقد في بغداد الأستفادة من مضامين هذه الوثيقة ليروا بأنفسهم ماذا كانت نتائج عدم إستماعهم هم و من سبقوهم في الحكم الى نصائح رجل حكيم كان يتمنى الخير و التقدم لكل العناصر والمكونات الأثنية و الدينية في العراق . وأخيرا و ليس آخرا تمكن الوثيقة القيادات السياسية الكردية أن تستفيد من منطق محمد أمين زكي و أسلوبه و طروحاته و إعتماده على الحقائق العلمية و المعطيات الأحصائية في عرض القضية الكردية. ومن شأن النصائح الواردة في مذكرة محمد أمين زكي أن تذكرهم بأن التاريخ لن يرحم اللذين يفرطون بالحقوق القومية الكردية و اللذين  يساهمون في تفويت الفرص التاريخية من أجل منافع فانية و تدفعهم الى توحيد صفوفهم و الأتفاق على الأطار العام للحقوق القومية الكردية و القائمة على حقائق التاريخ  و الجغرافيا والتي لايمكن لأحد مهما كان تاريخه النضالي أو مكانته السياسية و الأجتماعية التفريط فيها . 
من المؤسف حقا أن الحكومات العراقية و على مدى العقود السبعة الماضية التي أعقبت إرسال هذه المذكرة لم تكلف نفسها التدقيق في ماورد فيها و العمل على الأخذ بنصيحة صادرة من رجل  تسنم وزارات الداخلية و المعارف و الأقتصاد و الدفاع و العمل لأحدى عشر مرة خلال الفترة من 1925 - 1942 و عرف خلالها بالنزاهة و التسامح ، كما كان عضوا في مجلس الأعيان حتى وفاته في التاسع من تموز 1948 ، وتعمق في دراسة التاريخ العسكري العثماني و تاريخ الشعب الكردي بخاصة حتى تحول الى أشهر مؤرخ كردي بعد شرفخان البدليسي مما حدى بأبرز مؤرخي عصرنا الحالي الأستاذ الدكتور كمال مظهر أن يلقبه بهيرودوتس الكرد.  و يحق للمرء أن يتسائل : هل كان ياترى لكل هذه الكوارث أن تحل بالعراق لو إستمع أصحاب الحل و العقد في بغداد آنذاك الى نصيحة هذا الرجل الحكيم ؟  ولكن و ياللأسف لا مكان  ل “ لو “ في التاريخ .
و لكننا و قبل فوات الأوان يمكن أن نعيد طرح نصائح محمد أمين زكي على أصحاب الحل و العقد في العراق القادم، بعد أن فقد الجميع و منذ أمد طويل الأمل كليا في النظام الحالي في أن يتخلى عن سياساته تجاه الكرد و حقوقهم القومية المشروعة كما هو شأنه مع جميع العراقيين ، هل سيستمعون الى صوت العقل ويعملون على و ضع حد نهائي لهذا النزف الدائم و ذلك من خلال الأقرار بحقوق الكرد القومية كاملة غير منقوصة ، أم سيجربون حظهم في اللجوء الى سياسات وقتية لن تثمر إلا عن آلام جديدة لأبناء هذا البلد المنكوب ؟
 تظهر هذه الوثيقة الأساليب الجهنمية التي لجأت اليها الحكومة العراقية ، والتي لا يمكن الشك في كونها من بنات فكر الأنجليز و بتوصية مباشرة منهم الى حكام العراق ، وذلك لتهميش الكرد سياسيا و إداريا و إقتصاديا و إغراقهم في بحور الأمية و الفقر و التخلف و تأجيج نار الخلافات الداخلية بين زعمائهم القبليين و وجهائهم الغارقين في لجة الأنانية و المنافع الشخصية، وذلك كمقدمة ضرورية  لأستعباد الشعب الكردي و نهب ثروات بلاده و السيطرة على مقدراته .ويبدو من الأنتقادات التي يوجهها محمد أمين زكي الى بعض الموظفين و بخاصة في مجال التعليم والأدارة و اللذين كانوا من غير العراقيين و يشكك محمد أمين زكي في إخلاصهم و صداقتهم للعراق ،أنه كان يقصد بهم أولئك الذين كانوا وراء نشر الفكر القومي العنصري بشكله النازي الألماني و الفاشي الأيطالي بين الشبان العراقيين من العرب السنة بالدرجة الرئيسية. وكان نشر هذه الأفكار بين فئة معينة و الدعوة الى صهر الكرد و غيرهم في بودقة الأكثرية العربية و رد الفعل الطبيعي من جانب الكرد بداية حقيقية لتأزم العلاقات بين الشعب الكردي و الحكومات العراقية المتبنية لتلك المفاهيم ، لتصل في عهد البعث الحاكم الى تبني سياسة الأبادة الجماعية و التطهير العرقي بحق الكرد كعنصر و شعب .
أرسل محمد أمين زكي مذكرته هذه بعد أن عم السخط كوردستان في خريف عام 1930 و شهدت مدينة السليمانية المظاهرات الصاخبة ضد سياسات الحكومة و قاطع الناس هناك الأنتخابات الصورية . المعروف أن تلك المظاهرات  إنتهت بإطلاق الشرطة النار على المتظاهرين في السليمانية و قتل العديد من المتظاهرين و المتظاهرات . و تعرف هذه الحادثة في التاريخ الكردي الحديث بيوم السادس من أيلول الأسود أو معركة السراي . كما أرسل العديد من الزعماء الوطنيين الكرد وعلى رأسهم الشيخ محمود الحفيد و محمود جودت المذكرات الى عصبة الأمم يشكون فيها ممارسات وسياسات الحكومة المركزية  تجاه الكرد. 
 تنشر هذه الوثيقة لأول مرة باللغة العربية و كانت قد طبعت ضمن كتيب باللغة الكردية في بغداد عام 1935  تحت عنوان ( محاولتان غير مجديتين ) . وقد ضم الكتيب الى جانب هذه المذكرة ملاحظات محمد أمين زكي عن قانون اللغات المحلية و التي كان قد بعث بها الى المندوب السامي البريطاني في بغداد في 22 مايس 1931 فضلا عن ملحقين هما تقرير وزارة الخارجية البريطانية الى عصبة الأمم حول مسألة جنوب كوردستان و علاقته بالعراق و الثاني عن إستخدام اللغة الكردية في الأقضية الكردية بلواء الموصل ( محافظة دهوك فيما بعد ). منعت السلطات العراقية آنذاك توزيع الكتيب و صادرت نسخه في المطبعة. و بعد حوالي 50 عاما من ذلك التاريخ قام الكاتب الكردي صباح غالب عام 1984 بإلعثور على إحدى نسخه في مكتبة كلية الدراسات الشرقية و الأفريقية بجامعة لندن و نشرها باللغة الكردية مع مقدمة ضافية عن محمد أمين زكي و نشاطاته العلمية و السياسية،  و أنقذ بذلك هذه الوثيقة التاريخية المهمة من الضياع .
يلاحظ من أسلوب محمد أمين زكي موضوعيته المعهودة و إستناده الى المعطيات الأحصائية المستقاة من الدوائر الحكومية في دعم وجهة نظره . ويمكن للمرء أن يشهد له بأنه لم يلجأ الى التهويل رغم توتر الأوضاع السياسية في العديد من أرجاء كوردستان ، كما لم يلجأ الى أسلوب التوسل و تصغير الذات أمام الملك فيصل. ويشير هذا من بين مايشير الى ثقة محمد أمين بمكانته السياسية و الأجتماعية البارزة في العراق آنذاك . وكان محقا في ذلك الى حد كبير فقد إختاره كل من عبدالمحسن السعدون ، جعفر العسكري ، توفيق السويدي ، ناجي السويدي ، نوري السعيد ، جميل المدفعي ، ياسين الهاشمي و رشيد عالي الكيلاني للأنضمام الى تشكيلاتهم الوزارية رغم تنافسهم الشديد على السلطة و وجود طواقم وزارية جاهزة تتبع كل واحدا منهم في العادة.
كما تشهد الوثيقة للملك فيصل الأول بأن العلاقة بين الحاكم و المحكوم في العراق كانت تتسم بالشفافية الى حد لا بأس بها و التي ما زلنا ومنذ عقود طويلة نحلم بها دون أن يبدو في الأفق ما يشير الى أننا سننعم بشئ منها في الأمد المنظور . فقد فسح المجال للسياسيين و الكتاب و المثقفين بمخاطبته بما يثير مخاوفهم دون أن يخافوا من قطع الأعناق قبل الأرزاق.
تكتسب المعلومات الواردة في مذكرة محمد أمين زكي الى الملك فيصل الأول أهمية خاصة كونها صادرة من شخص كان قبيل و بعد إرساله لهذه المذكرة على رأس وزارات مهمة كالدفاع و المعارف و الأقتصاد و غيرها و كان يستقي معلوماته من السجلات والوثائق الحكومية الرسمية و يخاطب بالأستناد اليها رأس الدولة العراقية و لا احد سواه. و لايمكن لأحد أن يشكك في مصداقية الرجل و المعلومات التي تضمنتها مذكرته و التي اثارت غضب الحكومة التي منعت نشرها بعد خمس سنوات من إرسالها الى الملك فيصل .
وكان هدف محمد أمين زكي من نشر المذكرة باللغة الكردية هو دحض التقولات التي كانت تشير الى أن رجالات الكرد اللذين تسنموا المناصب الحكومية في بغداد نسوا القضية الكردية و لم يفعلوا شيئا من أجل حلها وكما يشير هو بنفسه الى ذلك في المقدمة القصيرة التي كتبها للكتيب .
كما و يذكر محمد أمين زكي و بمرارة بتفريط  البعض بالحقوق الكردية و التسبب في عدم إنتهاز فرص كبيرة توفرت للكرد . و يشير بذلك الى الدور المخجل للوجهاء و الزعماء القبليين الكرد الغارقين في الأنانية و الذين تكالبوا للحصول على المناصب والمنافع الشخصية. و يمكن للزعماء الكرد أن يفتخروا بكسرهم لكل الأرقام القياسية  في إضاعة الفرص التاريخية !.
نص الوثيقة
جلالة الملك المعظم
أود من خلال هذا المعروض الذي أقدمه لجلالتكم أن أعرض رأيي بصدد مسألة تمس وجود ودعم سياسة الحكومة و اقصد بها مسألة كرد العراق . مع الأسف الشديد نرى بأن هذه القضية تتجه نحو التأزم و التوتر بسبب التذمر والشكوى الدائمين للكرد . ويمكن أن يؤدي هذا الوضع الى زرع بذور الخلاف و الشقاق في قلوب و نفوس الشعبين و الى خلق صعوبات سياسية و إدارية لحكومة جلالتكم . و تستحق أن ينظر إليها بأهمية و يجري التدقيق في أسبابها و عواملها و تحليلها و محاولة أيجاد حل معقول و مناسب لها قبل فوات الأوان . ولم تثمر حلول و أساليب المداواة التي لجأت اليها الحكومات العراقية المتعاقبة حتى الآن عن اية نتائج ، لأنها لم تكن محايدة و علمية.
إذا دققنا في أسباب شكاوى الكرد و شكوكهم من نوايا الحكومة و عدم تصديقهم لها نرى بأنها قائمة على تمسكهم بمبادئ القرار الذي إتخذته عصبة الأمم ووافقت عليه الحكومة العراقية و حليفتنا العظمى ، و تعهدتا بتطبيقه إعتبارا من عام 1926 . و لتأييد هذا التعهد أجلب إنتباه جلالتكم الى كلمة رئيس الوزراء في مجلس الأمة في 
 22 كانون الثاني 1926 ، و التي قدم وزير المستعمرات ملخصا لها في 3 أيلول 1926 الى عصبة الأمم ( أنظر الملحق). فقد ذكر رئيس الوزراء في كلمته ( يجب أن نعطي الكرد حقوقهم و يعين الموظفين من بينهم و تكون لغتهم رسمية و يتعلم أطفالهم في المدارس بلغتهم …) .
وكانت هذه التصريحات تعبر كليا عن توجهات و رغبات جلالتكم و الحكومة الحليفة. والدليل على ذلك خطبة جلالتكم و كلمة المندوب السامي في حفل توقيع معاهدة عام  1926  في دار الأعتماد. وقد أستقبلت هذه التصريحات و الرغبات المشرفة بالترحاب و السرور من قبل الكرد جميعا ولم يعد هناك شك في حسن نية الحكومة في العمل على التطوير الأداري و الأجتماعي في المناطق الكردية. وكنتجة لذلك  أدرك الجميع بأنه يجب على الكل العمل بصدق و إخلاص في ظل علم الحكومة التي أعتبرت رمزا لسعادة و رفاه المملكة و عليهم الحفاظ على الوحدة العراقية. وإذا دققنا في بعض الوثائق الرسمية مثل كلمة وزير المستعمرات البريطاني في عصبة الأمم و الذي أعلن فيها بأن تفاصيل خطبته تستند الى قيود و سجلات و نوايا الحكومة العراقية ، نرى بأن هذه الوثائق تتضمن وعود و مواد من شأنها  ضمان المطاليب الكردية و تأمين مستقبلهم . ولكن ومع الأسف لم يجري تطبيق أية مادة منها كما لم يجري تنفيذ هذه الوعود رغم مرور خمس سنوات على إطلاقها . وتسببت  هذه الوضعية بطبيعة الحال في إنزعاج الكرد و دفعهم الى الشكوى و التفكير في مستقبلهم الملئ بالتخوف و التوجس .
و قبل أن أتحدث عن صيغة حل هذه المسألة أود أن أثبت حقيقة أن الحكومة لم تراعي الألتزام بتنفيذ وعودها و تسببت بعملها هذا في إنزعاج الكرد و فقدانهم لثقتهم بالحكومة . و نعرف جميعا بأن الشروط و المطاليب التي وردت  في حينها في تقرير لجنة عصبة الأمم خلال فترة الأنتداب من الحكومة العراقية تمثلت في مسائل أربعة
وهي : الموظفين، التدريس ، و المحاكم و اللغة . فلنأخذ هذه المسائل لنرى الى أية درجة إهتمت بها الحكومة و إلتزمت بها .
و في مناقشتي لهذه المسائل أستند الى الأرقام و المعطيات الأحصائية التي قدمتها الحكومية العراقية الى الحكومة الحليفة ، و التي لم تخلو من المبالغات و الأخطاء ، وكذلك على بعض الوثائق و الأحصائيات الرسمية الأخرى العائدة الى العام الماضي .
1. مسألة الموظفين الكرد و إشتراكهم في الأدارة المركزية الحكومية حسب الفقرات و المواد 4، 5 و 6 من خطبة وزير المستعمرات و التي ألقاها في مجلس عصبة الأمم و حسب الوثائق الرسمية الأخرى ، نرى بأن وضع توزيع الوظائف في المناطق الكردية كان في عام 1926 و في السنة الحالية ( 1930 ج.ق ) كما هو مبين في الجدول أ و على الشكل التالي :
وزارة المالية و الداخلية  الموظفين المسجلين    عام 1926
الكرد :     غير الكرد :   المجموع  الموظفين المسجلين  1930
الكرد   :   غير الكرد        : المجموع
 43             14            57  44           27                   71

وزراة العدلية  10              3              13   9              7                   16    
    
الوزارات الأخرى  38             17             55         11             40                  51

تظهر هذه الأرقام بصورة جلية بأن عدد الموظفين المسجلين من الكرد خلال خمس سنوات  في وزارتي المالية و الداخلية قد إرتفع بموظف واحد فقط ، وبالعكس فقد نقص عددهم في وزارة العدلية و الوزارات الأخرى . في الوقت الذي نرى بأن عدد الموظفين من غير الكرد و في كل الوزارات الأخرى قد إرتفع بمعدل مائة في المئة . و تناقض هذه الزيادة بهذه الصورة تماما تلك البيانات التي أدلى بها وزير المستعمرات في المادة الرابعة من خطبته ( الملحق الأول).  و قد عبر عن نية العراق هناك على الشكل التالي :( تستمر عملية تقليص الموظفين من غير الكرد في المناطق الكردية على الدوام . و تجري وبصورة منتظمة تطبيق سياسة إستخدام الموظفين الكرد فقط  في كل المناصب و المواقع التي يعثر فيها على أشخاص مناسبين و راغبين في تسنم الوظائف ...)
ياترى ماهو السببب الذي يمنع الحكومة من تطبيق هذا الوعد ؟ و كيف ستكون مواقفها في المستقبل في هذا الباب ؟
أرى من الضروري الأجابة على هذين السؤالين .
أولا: نعرف جميعا بأن الموظفين الكرد كانوا يشغلون جزءا مهما من الوظائف في عهد الحكومة التركية ، و بخاصة في الولايات الثلاث التي شكل منها العراق فيما بعد، و كنا نرى جميعا بأن عددا كبيرا من الضباط و الموظفين المدنيين كانوا من الكرد. و لايوجد أدنى شك بأن جزء مهم من هؤلاء بقوا المناطق التي ألحقت بالعراق و لازالوا موجودين ومستعدين لتولي الوظائف الحكومية ، لذلك لايمكن للحكومة الأدعاء بأنها لا تجد من بين الكرد أناسا يمتلكون الرغبة و القابلية المطلوبتين لتسنم تلك الوظائف . لقد كنت شاهدا بنفسي على العديد من الذين راجعوا الحكومة بهذا الصدد إلا أن قسما صغيرا من هذه المراجعات تم ترويجها و تشهد ملفات الوزرات و بخاصة وزارة الداخلية على ذلك. و أجرؤ  في هذا الخصوص أن أتطرق وعلى سبيل المثال لا الحصر الى إحدى الحالات في هذا المجال و هي حالة شفيق بيك القائمقام السابق الذي قدم طلبا للتعيين كمدير ناحية.لقد بذلت جهدي و لعامين كاملين لتعيينه إلا أنني لم أوفق في مسعاي هذا . لايخامرني شك بأن زملاء هذا الرجل السئ الحظ ، و الذي تخرج من المدرسة الملكية المدنية،  تسنموا أكبر المناصب في الدولة وجلسوا على كراسي الوزارات في الحكومة العراقية  ، بينما لم يحصل هذا الرجل المسكين حتى على وظيفة مدير ناحية. فمن جهة يرى الكرد أمثال هذه الحالة و من جهة أخرى يشاهدون كيف تقوم الحكومة بتعيين غير الكرد في مناطقهم و تقدم لهم التسهيلات و تحاول أن تعمل و بالتدريج على زيادة عددهم كما يظهر من الجدول (أ) المشار اليه أعلاه و من الجدول (ب) التالي :
اللواء  النسبة المئوية للكرد نسبة الموظفين حاليا
الكرد    : غير الكرد النسبة العادلة حسب عدد السكان
الكرد    :     غير الكرد
السليمانية 99  64             34         99               1
كركوك 51 24             76 51                 49
أربيل 79 60              40 79                 21
الموصل ( زاخو ، دهوك ، عمادية ، عقرة و زيبار) 70 34              66 70                  30
و يتبين من الجدول أعلاه الغبن الذي لحق بالكرد  في جميع المناطق الكردية في مجال تناسب عدد الموظفين و عدد السكان . ولايتناسب هذا مع الوعد الذي أخذته الحكومة على عاتقها عندما  أقرت مبدأ رعاية العدالة بين السكان بموجب قرار مجلس الوزراء يوم 11 تموز 1923 عندما أكدت ( لا تنوي الحكومة تعيين أي موظف عربي  في الأقضية الكردية بإستثناء الموظفين الفنيين …) و كذلك وعد و زير المستعمرات في المادة الرابعة من خطبته بتاريخ
3 أيلول 1926 و تصريحات رئيس الوزراء في 21 كانون الثاني 1926 .
وكان الأجدر بالحكومة أن تعمل خلال السنوات الماضية على إزالة هذا الغبن الذي لحق بالكرد و إيصال عدد الموظفين الى حد يتناسب مع عدد نفوس الكرد كما هو واضح من الجدول (ب). معلوم لدى سدتكم الملكية بأنه و في بلاد الشرق كلها فإن الحياة المعاشية للمتنورين تعتمد الى حد كبير على الوظيفة الحكومية و الأستفادة من هذه الوسيلة جزء من حقوقهم ، كما تقتضي مصالح الحكومة أيضا المساعدة في الأستفادة من هذا الأمر ، و إذا جرت رعاية العدالة في هذا المجال فإن نظام الأدارة سيتكامل و تسير الأمور بصورة جيدة  و سيتحول هؤلاء الشبان الى مؤيدين مخلصين للحكومة ، و لن يبقى المجال من ناحية أخرى لهؤلاء للشكوى و التشويش على الحكومة.
و قبل أن أنهي جوابي على السؤال الأول أود أن أضيف نقطة أخرى و هي أن الحكومة لا تراعي العدالة والمساواة بين أقوام العراق في مسألة التوظيف . فإذا دققنا في الوثائق الرسمية نرى بأن نسبة الموظفين الكرد في لواء كركوك هي 24,5% ، و التركمان 56,5 %  ، و العرب و العناصر الأخرى 19% . في حين و حسب الأحصاء الكيفي الذي قامت به متصرفية لواء كركوك بنفسها فإن نسبة السكان هي كالآتي : الكرد 51% ، التركمان 21,5 %  ، و العرب 20 % و الأقوام الأخرى 7,5 % . و من هنا و كما يبدو لي فإن الحكومة و لبعض الأسباب - الغير معروفة لدي و لا أعتقد بصحتها - تساعد التركمان و تلحق الأضرار بالكرد و العرب . وهذا يثير بدون شك إنزعاج الكرد و الشبهات لديهم إزاء عدالة الحكومة التي من واجبها أن تنظر بنفس العين الى كل عناصر العراق.
وكما نرى أدناه فإن الحكومة لا في مسألة التوظيف فقط ، بل و في مسائل المعارف و النيابة تضفي الحماية على البعض و تهمل الآخرين.
خلاصة القول أنا لا أرى أي سبب يمنع الحكومة من تنفيذ وعودها و إزالة الغبن الذي لحق بالكرد.
ثانيا: ماذا ستفعل الحكومة في المستقبل لتوفير الموظفين الكرد؟
لاتساعد الظروف و الأوضاع الحالية لأعطاء جواب يطمئن النفوس على هذا السؤال. لأن السياسة التي تنتهجها  الحكومة حاليا لا توفر الفرصة لتقدم الكرد من ناحية العلوم و المعارف لكي يهيؤا أنفسهم للوظائف . و أهم هذه الوسائل هي البعثات العلمية و المدارس العليا التي تعمل على إعداد المتخرجين للوظائف الحكومية و من ثم أشغال المناصب العليا.
 أجدني مضطرا للقول و بكل أسف بأن الشباب الكرد و على مدى السنوات الماضية لم ينالوا حصتهم الحقيقية  من البعثات التي توفدها وزراة المعارف الى الخارج . و أستند في هذا الى وثائق دائرة المعارف نفسها. فقد وصل عدد الشباب  الموفدين الى الخارج حتى العام الماضي الى 120 طالبا لم يكن بينهم سوى إثنان أو ثلاثة من الكرد. لأنه و حسب الشروط التي تطبقها وزراة المعارف يجب أن يكون المرشح للبعثة من خريجي المدارس الثانوية. و لا توجد في كل المنطقة الكردية مدرسة ثانوية واحدة و لايرغب الشباب الكرد كثيرا و لأسباب معينة القدوم الى بغداد و الأستفادة من التحصيل الثانوي هنا . و من هنا نرى بأنه من الصعوبة بمكان أن يستفيد الشباب الكرد من البعثات و المدارس الأختصاصية في العاصمة. ونرى من جانب آخر بأن الصعوبات و المشاق التي تعترض سبل الشباب الكرد في مسألة التوظيف قد تمنعهم من تعلم العمل في الدوائر الحكومية و التطور و تهيئة أنفسهم لتسنم المناصب الكبرى.
إذن ماذا ستفعل الحكومة في المستقبل ؟ و كيف ستوفر الموظفين الكرد؟
وتؤدي بنا هذه الحالة الى الأعتقاد بأن النقص الذي سيحصل في عدد الموظفين الكرد في المستقبل في المناطق الكردية سيجري ملأه بتعيين الموظفين من غير الكرد . و ستخرج بهذه الطريقة عاجلا أم آجلا فرصة لأستفادة من الوظائف الحكومية من أيدي الكرد و تقع في أيدي غير الكرد. هاتان النقطتان أي إمتناع الحكومة من تعيين الموظفين الكرد و التخلف عن إتخاذ التدابير اللازمة لتهيئة الموظفين الكرد للمستقبل تسببتا في إبتعاد الكرد عن الحكومة و عدم ثقتهم بها.
و هذه الحالة هي من أحد الأسباب المهمة التي دفع الشعب الكردي الى الشكوى و التذمر وهو الأمر الذي أثار غضب الحكومة أخيرا.
كثيرا ما نسمع من يقول بأنه لايمكن أن يرد الى الذهن إحتمال أن الحكومة تفرق بين أقوام العراق في مسألة التوظيف، و يجري إستخدام و تعيين الموظفين الكرد في المناطق الكردية. لقد كان لمثل هذا الأمر أن يسرني شخصيا كثيرا لو كان يطبق بعدالة على الصعيد العملي، و لكن الحقيقة غير هذا و أستطيع القول و بناء على تحقيقات خاصة قمت بها و معلومات شخصية بأن نسبة الموظفين الكرد لا تصل حتى الى 5% في اي لواء من الألوية الأخرى ، بينما  ومن الجهة الأخرى فأن 26% من الموظفين في لواء السليمانية هم من غير الكرد.
و إذا عدنا الى مسألة مدى إستفادة الكرد من الأدارة الحكومية المركزية و البرلمان نرى هنا أيضا بأنهم يعانون من الغبن . و نشير فيما يلي الى نماذج و خلاصة هذا الغبن :
1.  أولا : لايوجد مدير عام كردي واحد من بين المدراء العامين الذي يبلغ عددهم 19.
     ثانيا: عدم وجود ضابط يقف على رأس إحدى دوائر وزارة الدفاع بإستثناء واحد. والأمر كذلك بالنسبة لأمراء  المناطق و الوحدات العسكرية.
  ثالثا:عدم وجود موظفين كرد مسجلين في مراكز جميع الوزارات و مديرية الأوقاف بإستثناء أثنين أو ثلاثة.
  ويظهر من هذا بأن الكرد لم يأخذوا نصيبهم من الأدارة الحكومية المركزية و و ضعهم الآن في هذا الجانب أسوأ من عام 1926. كما أن حقوقهم النسبية في مجلس النواب ناقصة . إذ أنه وبموجب أحد تقارير عصبة الأمم فإن نسبة السكان الكرد في الألوية الشمالية فقط تصل الى 18 % من مجموع نفوس العراق و ليس 17% كما يزعم البعض . و على ذلك يجب أن يكون عدد النواب الكرد 16 من مجموع 88 نائبا. وإذا قارنا عدد النواب الكرد - حتى مع أنصاف  الكرد منهم - كما سماهم و زير المستعمرات بنفسه - في المجلس الحالي نرى بأن عددعم لا يتجاوز 11 نائبا. و أستطيع القول بأن الشعب الكردي و حسب تقرير عصبة الأمم أظهر أمام تلك المنظمة ميلا صحيحا الى العراق حتى أكثر من أهالي الموصل من العرب . و لقاء إخلاصه هذا فهو ينتظر أن تكافأه الحكومة و تعامله بصورة أكثر إشفاقا و عدالة من المعاملة الحالية. كما كان يأمل أن تقدم الحكومة العراقية له مساعدة أكبر من تلك التي أشار اليها وزير المستعمرات البريطاني في خطبته.
2.  نشر التعليم في المدارس الكردية:
نعرف جميعا بإن نشر التعليم باللغة الكردية في المناطق الكردية التي يسكنها الكرد كان واحدا من الشروط الأربعة التي وضعتها عصبة الأمم و وافقت عليها الحكومة العراقية و الحكومةالحليفة و تعهدتا بتنفيذها . لنرى بعد مرور خمس سنوات على ذلك الوعد الى أي مدى وفت الحكومتان المحترمتان بوعودهما و إلتزاماتهاما .
نشاهد بأن لغة التعليم في مدارس السليمانية هي الكردية ، أما في لواء كركوك ذي الأكثرية الكردية "51%" لاتوجد سوى 3 مدارس بالكردية في حين ال 20 مدرسة الباقية و بأستثناء واحدة أو إثنتان فأنها تستخدم جميعا اللغة التركية في التعليم ، هذا في الوقت الذي  لا يتجاوز فيه نسبة المتحدثين بالتركية أكثر من 21 % فقط من مجموع سكان اللواء . لاشك في أن عدم وجود مدارس كردية في الأقضية و في مركز اللواء و الذي يشكل الكرد نصف سكانه أو أكثر من ذلك يدفع بهؤلاء الى عدم إرسال أبنائهم الى مدارس تركية لأنهم لا يقبلون باللغة التركية لغة لهم أو يضطرون الى القيام بذلك مجبرين و هذا شئ مؤسف حقا. ويخالف هذا الأمر مبادئ علم التربية كما أنه لايتوافق و مصلحة الحكومة من ناحية أخرى . و لايمكن تفسير إعطاء الحكومة المجال لهذا الوضع الغريب و إستمراره بأي شئ ، إلا بتشجيع و تشويق الناس الى هذه اللغة و نشرها وذلك للأضرار بالكرد ، و تقديم الدعم والمساعدة للتركمان و تهيئتهم للسيادة و السيطرة على الكرد أكثر مما هو حاصل الآن . و أعتقد بأن الحكومة في سياستها هذه لا تقدر بصورة صحيحة مصالحها السياسية و تتسبب في خلق مشاكل لا تتوقعها . و بطبيعة الحال فإنها تثير بسياساتها هذه سخط الجزء الأكبر من سكان اللواء على الحكومة.
ولا تقتصر دعم الحكومة لهذه الأقلية الصغيرة في حقل التعليم فقط بل أن الأمر يشمل جوانب أخرى كثيرة أيضا مثل الوظائف الحكومية و النيابة و غيرها.
و تجري رعاية اللغة الكردية في القسم الأكبر من مدارس أربيل و لكن ومما يؤسف له  أنه لا نرى في لواء الموصل في الوقت الحاضر مدرسة واحدة تستخدم اللغة الكردية في التدريس  في الأقضية الكردية الخمسة التي يشكل الكرد ثلاثة أرباع السكان فيها. والدليل على ذلك الرسالة المرقمة 1/351 و التي كتبها مدير معارف منطقة الموصل بتاريخ 2/11/930 الى مدير المعارف العام و يعترف فيها بوضوح بعدم وجود أية مدرسة تدرس فيها اللغة الكردية في منطقة الموصل. بينما إذا دققنا النظر في المادة التاسعة من خطبة وزير المستعمرات نرى بأنه يجري الحديث عن 13 مدرسة كردية ويجري التأكيد على وجود ست مدارس من هذا العدد في لواء الموصل . وقد شاهدت بنفسي 10 مدارس كردية في منطقة الموصل عام 1927 . فضلا عن ذلك نرى هناك خلاف آخر يتناقض مع الوعود التي وردت في المادة العاشرة من خطبة وزير المستعمرات ويتمثل في إلغاء الدراسة الكردية كليا من قبل وزارة المعارف في مدارس الأقضية الكردية الخمسة في الموصل . لا أدري هل أن وزارة المعارف قامت من نفسها بهذا العمل أم أنه كان تنفيذا لأيعاز من الحكومة بإلغاء الدراسة باللغة الكردية في مدارس الأقضية المذكورة. وفي كلتا الحالتين فإن هذا العمل فضلا عن كونه مخالفا لعلم التربية و منافيا لتصريحات الحكومة لايمكن تفسيره إلا بكونه عودة الى تلك الأساليب المضرة التي كانت تطبق في العهد التركي و التي كان الأخوة العرب يشتكون منها بصورة دائمية.
و لايقتصر الغبن الذي لحق بالكرد في منطقة الموصل على إلغاء اللغة الكردية في التدريس بل يشمل ، وكما هو الحال في كركوك ، جوانب أخرى كثيرة مثل التوظيف في دوائر الدولة و تمثيل الشعب الكردي في مجلس النواب ، إذ نرى بأن 66% من الموظفين في الأقضية الكردية الخمسة في لواء الموصل من غير الكرد في الوقت الذي لا يتجاوز نسبة هؤلاء  في هذه الأقضية 30% من مجموع السكان ، بينما تشكل نسبة الموظفين الكرد فيها 34 % و الذين يشغلون الوظائف الصغرى التي لا يرضى بها إلا الفقراء . و الدليل على ذلك و كما أعلم فأن أربعة قائمقامين و مدراء المال و معاوني الشرطة و المفوضين و الموظفين الآخرين الكبار هم جميعا من غير الكرد. وكان من المفترض أن يكون عدد النواب الكرد حسب نفوسهم ثلاث أو أربعة إلا أن عددهم هو إثنان فقط.
دفع هذا الوضع مع عدم إلتزام الحكومة بتنفيذ وعودها التي وردت في المادة الرابعة من خطاب وزير المستعمرات و عدم الأهتمام بتصريحات رئيس الوزراء في21 كانون الثاني 1926 ، الكرد ويدفعهم الى الأنزعاج و التشكي وهذا يخالف رغبات جلالتكم و مصالح الحكومة.
3.توزيع الوظائف العدلية باللغة الكردية في المناطق الكردية: وكانت هذه هي المساعدة الثالثة التي كان من المفترض تقديمها للكرد كما يظهر ذلك من المادة الخامسة من خطاب وزير المستعمرات البريطاني عام 1926 و قد طبق هذا الأمر في لواء السليمانية و قضاء كويسنجق فقط و لم يطبق حتى الآن في أية منطقة أخرى.
و في الحقيقة نرى بأن الكرد يحاكمون في محاكم لواء كركوك باللغة التركية و في أربيل و الموصل و خانقين يضطرون للقيام بالمراجعات و المرافعات باللغة العربية . و تتسبب هذه الحالة في مشاكل و معاناة كثيرة للكرد لأنهم يضطرون لأيجاد مترجمين لبيان شكاواهم و دعاواهم أمام المحاكم وأن يسلموا أمر الدفاع عن حقوقهم الى هؤلاء المترجمين و إنتظار رحمتهم . و كثيرا ما يلحق بهم الغبن في هذا المجال ، لأنهم إما ضعفاء في الترجمة و إما و بسبب منافعهم الشخصية يزورون حقوق المدعي و المدعي عليه . وكان هذا المحذور بالذات وراء إقتناع مجلس عصبة الأمم و الطلب بضرورة إستخدام الكرد للغتهم في المحاكم. و بطبيعة الحال فإن عدم إكتراث الحكومة بهذا الحق دفع الشعب الكردي الى الشكوى و التذمر ضد الحكومة. و أنا لا أعتقد بأن توزيع العدالة بين الكرد بلغتهم أمر صعب على الحكومة بل انها عن طريق هذه المساعدة و المعاونة تثبت حسن نيتها تجاه الكرد و تضمن رضائهم و إخلاصهم الى جانبها.
4.  جعل اللغة الكردية لغة رسمية :
كان الواجب يقتضي من الحكومة وقبل سنوات المباشرة بتنفيذ وعودها في هذا المجال حتى لا ترتفع صيحات الشكوى  و النقد، وقد شاهدت على صفحات صحف العاصمة أخيرا لائحة قانونية و معلومات أخرى بهذا الصدد و التي رغم النواقص التي تتضمنها و التي نتمنى إزالتها ، إلا أنها مبعث للشكر .
النتيجة 
بعد هذه الأيضاحات التي تجاسرت بعرضها على سدتكم الملكية ، أرى من المناسب أن أقترح أسلوب حلها ايضا ، حلا يساعد حسب إعتقادي الى إدخال الهدوء و السكينة الى نفوس الكرد كثيرا و تخليص الحكومة من الشكوى و الأضطرابات . و أعتقد بأن هذا الأمر ليس من الصعوبة بمكان بل هو سهل جدا و يتمثل بالدرجة الرئيسية في تنفيذ وعود الحكومة بصورة كاملة و الألتزام و بدقة بالمحافظة على الإستمرار فيه .
و لدي فإن هذه المسألة ، أي الأهتمام بالأستمرار و المحافظة على هذه الحقوق بعد تنفيذها ، تعتبر مهمة جدا و بناء على تجاربي و تدقيقاتي الخاصة ، يستحيل تأمين هذا الأمر بدون وضع مراقبة دائمية ، لأن كبار رجالات الدولة و الذين يقدرون مصلحة البلاد العليا يمكن أن لايكونوا من مناصري الأخلال بهذه الحقوق ، و لكننا نعرف جميعا بأن هؤلاء يتحملون عبئ أمور كثيرة و كبيرة و لا يمكن لهم أن يأخذوا أمر متابعة هذه القضية على عاتقهم ايضا. و في هذه الحالة فأن هذه المهمة الحساسة و الدقيقة تصبح  في المركز و خارجه بأيدي الموظفين الكبار و الصغار و الذين لايستطيعون تقدير المصلحة العامة للبلاد بصورة جيدة ، و هؤلاء و كما نرى الآن في بعض الألوية يديرون شؤون العناصر من منطلق أحاسيسهم القومية و تعصبهم القومي و لا يؤمل أن يتمكنوا بطبيعة الحال أن يباشروا هذه الحقوق بالروحية التي قدمتها الحكومة الى العناصر المختلفة لأهداف سامية و لأظهار حسن النية.
كان على هؤلاء الموظفين أن يتصرفوا وفقا للنصيحة القيمة لجلالتكم و التي تفضلتم بها جوابا على كلمة المندوب السامي في دار الأعتماد عام 1926 ، وقد نصت تلك النصيحة الأبوية على أن ( أحد أهم وظائف كل عراقي مخلص هو تشويق أخيه الكردي العراقي أن يحافظ على عنصره و جنسيته و أن لا يحيد عنها …) ، كما كان عليهم أن يأخذوا العبرة من تلك الأيضاحات التي ادلى بها المرحوم رئيس الوزراء في 22 كانون الثاني 1926 في مجلس النواب والذي أكد بأنه ( إذا أراد العراق أن يعيش فعليه تأمين حقوق جميع العناصر العراقية ، لأننا شاهدنا جميعا بأن هذا الأمر  كان وراء تشتت و إنهيار الدولة العثمانية التي قامت بإغتصاب حقوق العناصر التي كانت تتشكل منها  و كانت تمنعهم من التطور …) . كما كان على هؤلاء الموظفين الذين إختاروا هذا النوع من السلوك  أن يستمعوا الى خطبة المندوب السامي التي تفضل بها في حضور جلالتكم و التي جاء فيها ( يجب أن تكون رغبة الحكومة العراقية في أن تجعل من جميع العناصر العراقية أولادا مخلصين للحكومة و لتحقيق هذا الهدف عليها أن تشجعهم على الألتزام بدينهم و الأعتزاز بعنصرهم و أن لا يحيدوا عنهما. لن يصبح الكردي عربيا أبدا ، فمثلما لم يصبح الأسكوتلندي أنجليزيا فلن يصبح الكردي عربيا أيضا . و لن يصبح ابدا وطنيا صالحا إذا اجبر على إستخدام اللغة العربية و العادات العربية . خلاصة القول يجب أن لا تجري المحاولات لجعله عربيا خالصا بل يجب تشجيعه و تقديم التسهيلات له ليصبح كرديا خالصا ) . وكان على هؤلاء الموظفين ان يدركوا جيدا بأن إهمالهم لهذه النصائح  القيمة و خروجهم على هذه التصريحات المستنبطة من حقائق التاريخ الحديث ، يتسببان في التشكيك من صداقتهم الحقيقية للعراق و إثارة الشبهات حولهم و يضعهم في موضع الأتهام بالمحاولة على خلق التفرقة و تفتيت الوحدة العراقية .ومع ذلك أنا اعفي هؤلاء جميعا من هذا الشك و الأتهام و أعتقد بأن السبب هو عدم تقدير نتيجة هذا النوع من السلوك القائم على حس التعصب و الشعور الفاسد.
لا أعرف كيف يغض الرجال الكبار الطرف عن مثل هذه الأعمال السيئة ؟ بينما يتطلب الحال منهم أن يقوموا هم بتقدير الأوضاع و إظهار مشاعر العطف و اللطف تجاه جميع العناصر العراقية. و شاهدي على ذلك التاريخ و الأحداث التي تزال تمر أمام أعيننا و أعتقد بأن عدم تنفيذنا لوعودنا من جهة و التصرفات الغير لائقة المستمرة من جهة أخرى لن تفيد الوطن في أي شئ و لن تجلب غير الأضرار و لن نستطيع بالقوة و عن طريق التضييق الأداري والذي تتجسد نتائجها السيئة أمام أعيننا ، أن نمنع أو نقلل من تلك الأضرار . لذلك فإننا نرى بأن المصلحة العامة تكمن في قيام الحكومة بتنفيذ و عودها في المناطق الكردية و القيام بتشكيل لواء دهوك و الذي وعد المندوب السامي في 6 مايس 1921 بذلك و نشر هذا الوعد في الألوية الشمالية. و من الضروري أن تشكل بعد ذلك هيئة خاصة للمراقبة و المحافظة على تلك الحقوق و المساعدات و التي تضم مفتشا مطلعا من بين الكرد و يعطى الصلاحيات الكاملة لمنع الخروج على الأسس و القواعد في جميع الدوائر و المؤسسات الحكومية يساعده في ذلك أحد المفتشين الأداريين و يرتبط مباشرة برئيس الحكومة و مسؤول ماديا أمام رئيس الحكومة و أبناء قومه . أعتقد بأن قيام الحكومة بالتكرم بالموافقة على هذه الأسس سيساعدها بالتخلص من المشكلات التي تعترض سبيلها و التي تجبرها على صرف الكثير من الجهود والإمكانيات ، ويضع حدا لمظاهر الأنزعاج و التذمر الموجودة بين أبناء الشعب الكردي . و قبل أن أنهي معروضي هذا أود أن أجلب النظر مرة أخرى الى مسألة المراقبة و ضرورة وضعها من قبل الحكومة لأنني لا أعتقد بأنه يمكن الحصول على أية نتائج بدون هذا وجود مراقبة دائمية ، لأنه لا يمكن الحصول على المقاصد بسن القوانين و القرارات الحكومية ، بل يجري نسيان هذه الرغبات و الفعاليات بعد مرور مدة من الزمن . والدليل على تخوفي هذا هو عدم تنفيذ القرار الذي اتخذه مجلس الوزراء في 11 تموز 1923 والقاضي بعدم تعيين الموظفين من غير الكرد في المنطقة الكردية و كذلك عدم تنفيذ أمر رئيس الوزراء في عام 1926 الى الوزارات كافة بصدد تطبيق تلك البنود الأربعة التي وعد بها الكرد .
خلاصة القول استرحم سدتكم الملكية العالية بالنظر بعين العطف و الرحمة الى هذه المسألة المهمة و الأمر سريعا بضرورة حلها لأزالة الخلافات بيننا و تحفيز الوحدة العراقية المحترمة و إدخال الطمأنينة الى نفوس الشعب الكردي لكي يصبح عنصرا مخلصا و حارسا أمينا على عرش جلالتكم . كما و أسترحم جلالتكم أن تنظروا بعين العطف الى تجاسري بعرض أفكاري بهذه الحرية .
والأمر لجلالتكم .

20  كانون الأول 1930       
محمد أمين زكي

- نسخة منه الى فخامة المندوب السامي البريطاني .

 




#جبار_قادر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- السفير عمرو حلمي يكتب: المحكمة الجنائية الدولية وتحديات اعتق ...
- -بحوادث متفرقة-.. الداخلية السعودية تعلن اعتقال 7 أشخاص من 4 ...
- فنلندا تعيد استقبال اللاجئين لعام 2025 بعد اتهامات بالتمييز ...
- عشرات آلاف اليمنيين يتظاهرون تنديدا بالعدوان على غزة ولبنان ...
- أوامر اعتقال نتنياهو وغالانت.. تباين غربي وترحيب عربي
- سويسرا وسلوفينيا تعلنان التزامهما بقرار المحكمة الجنائية الد ...
- ألمانيا.. سندرس بعناية مذكرتي الجنائية الدولية حول اعتقال نت ...
- الأمم المتحدة.. 2024 الأكثر دموية للعاملين في مجال الإغاثة
- بيتي هولر أصغر قاضية في تاريخ المحكمة الجنائية الدولية
- بايدن: مذكرات الاعتقال بحث نتانياهو وغالانت مشينة


المزيد.....

- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم
- المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية / بير رستم
- الكرد في المعادلات السياسية / بير رستم


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - جبار قادر - الأنفال: تجسيد لسيادة الفكر الشمولي والعنف و القسوة // 20 مقال وموضوع سابق