على صحيفة (لواء الصدر) الإسبوعية الإسلامية رد السيد محمد باقر الحكيم على ما أسماه بالشبهات المثارة حول إجتماعات واشنطن. وقد نقل موقع النهرين ليوم 12 أيلول 2002 رده الذي قال في بعض منه ما يلي: (( بمناسبة الأشهر الحرم، لابد وأن نعبئ أنفسنا سواء على المستوى الفردي أو الجماعي تعبئة روحية تقربنا إلى الله سبحانه وتعالى وتجعلنا نتطلع بأعيننا على الآخرة.،، وقد أشرنا سابقا إلى الشبهات السياسية التي تثار حول حركة المعارضة لاسيما الإسلامية،، ولابد أولا من النظر في أصناف من يطرح الشبهات ،، فالصنف الأول مخلصون طيبون يبحثون عن الحقيقة لكن إلتبس عليهم الأمر وهذا نتعامل معه بسعة صدر ومداراة حتى نوصله إلى الحقيقة. وصنف نعرض عنه كما أمرنا القرآن، والصنف الثاني هو دول وجماعات سياسية ترى في وجود النظام العراقي مصلحة لها، وهي ستغير رأبها، والصنف الثالث الأجراء والذي نعبر عنهم بالعملاء للنظام العراقي،،، منهم مثلا نائبا كبيرا في مجلس العموم البريطاني المشترى باكامل من النظام، ومنهم رئيس الحزب القومي الروسي المتشرى بالكامل من النظام رغم إنه عرض خدماته على الكويت مقابل المال فرفضت دولة الكويت، ومنهم الأماني الجنسية الذي كان رئيس لجنة التفتيش عن الأسلحة وهو مشترى بشكل كامل من قبل النظام وهناك أشخاص في الصحافة الدولية أيضا،، وصنف رابع هو قوى سياسية تشعر بعزلة وهو معارض ويدخل في صراعات المعارضة لكن لا يجد له قدما بينها فيحاول التعبير عن نفسه من خلال الشبهات النشاز التي تظهر هنا وهناك من أجل أن يقال أن فلانا موجود،، لذا يطلق الشبهات،، الصنف الخامس، أعداء الشعب العراقي الذين لا يردون أن يكون للشيعة دور في العراق، وهؤلاء موجودون منذ فترة عبدالكريم قاسم،،، وأحد الشبهات المطروحة هو كيف يمكن أن تقدم المعارضة غطاءً للتحرك الأمريكي من أجل غزو العراق،، إن هذه الشبهة لا أساس وهي تظليل وهتك للمعارضة الشريفة، فمنذ متى سمعتم أن أمريكا قالت أنها تغزو العراق لأن المعارضة طلبت ذلك وأن الشعب العراقي طلب ذلك، أنها تغزو العراق لأنها تصيح كل يوم إننا نطلب النظام العراقي لأنه يمتلك أسلحة دمار شامل وأنه لا يسمح للمفتشين بالدخول،، وحينما نقول لهم أيها المجتمع الدولي يا أمم متحدة يا كوفي عنان أن المسألة ليس في النظام فهم لا ينتبهون ويرون في هذا حججا غريبة عجيبة، وهم يقولون علنا نحن نريد أن نغزو العراق تحت هذا الدافع (أسلحة الدمار،،) طبعا توجد لدينا معلومات أكيدة أن النظام يمتلك أسلحة كيمياوية،، وحديثنا ليس عن هذا إنما حديثا عمن يحاولو أن يؤذو المعارضة المقدسة))
إن هذا الكلام اللين والتسلل المقبول من السيد محمد باقر الحكيم يستحق المراجعة، وهي المرة الأولى التي يضطر فيها لتناول السلوك مثار الجدل - الذهاب إلى واشنطن. لكن قبل ها وذاك نثير الإتباه إلى بعض العبارات التي لا يجوز لمرجع ديني التفوه بها، إذا كان حقا يعتقد بالحساب الآخروي.
من هذه العبارات قوله، الذي يقترب من الشرك، وهو : (( رغم الآيات القرانية الناهية عن التعاون مع العدو وإتخاذ أعداء الله أولياء، رغم هذا أحزت أنا العلاقة مع أمريكا )) (الشهادة عدد 953) ونحن نأخذ على معاوية مرة أنه رد على نهي من فقيه بلبس الذهب لأن الرسول نهى عنه، فقال معاوية (الرسول ينهى عنه وأنا أجيزه). لذا فما ينهى عنه القرآن، لا يجوز للسيد باقر أن يجيزة، إذا كان موحدا.
ومن هذه العبارات أيضا، هو إتهاماته الطفولية أعلاه لهذا وذلك بالعمالة للنظام. فالضمير العالمي كله لا يجوز إختصاره بموقفين فقط مع صدام أو مع بوش. ولابد من عابد يقول عكس ما يقول بوش لكنه معاد للنظام العراقي. ثم علام إعتمد مرجع ديني بقوله هذا الأشبه بالفتوى؟ فحياة السيد غالوي الذي يعنيه باقر مثلا، ليست في العراق بل في بلده المحشو بالقوى الصهيونية والماسونية الشدية الضغط، التي قد تقتله يوما ما، فلا يعود ما دفعه له النظام العراقي ينفعه، لو كان تحدث طمعا بعطاء أو دفع. وإذا دفع النظام لغالوي شيئا فلابد وعبر أحد المصارف أو الوكالات الدولية الواقعة بلا إستثناء تحت مجهر المخابرات الأمريكية التي ليس ستفضحه فحسب بل وستعتبره من عناصر القاعدة أيضا. وقد عرفنا، أو هكذا نفترض، أن المرجع الديني الوقور لا يلقي الحديث على العاهن. المضحك أن سماحة الحجة باقر ينتقد مفتش الأسلحة السابق، وهو جل همه الدفاع عن الشعب العراقي ولم يذكر النظام بالخير ولو مرة واحدة. بينما أخوه إعترف بالخيانة والتجسس على جيش بلاده وأسلحته وسلم عنها ملفا إلى أمريكا، ولم ينتقده. وهو معيار عمالة لم يأت به فقه ولا شرع.
ومن هذه العبارات أيضا، قول: (الشبهات النشاز ،،، و ،، المعارضة المقدسة). ومعلوم أن قدسية المعارضة ليس بعدد قتلاها ولا بتضحياتهم،، وإلا فيجوز إعتبار مجاهدي خلق معارضين مقدسين. ومثله يجوز إعتبار حتى المرتزقة مقدسين. إنما المعارضة بموقفها من الوطن، وموقفها من نواهي وأوامر دينها وتراثها. والشبهات المطروحة ليس على المعارضة الإسلامية ولا على غيرها وإنما على من ذهب إلى واشنطن. ولا يجوز بمرجع ديني وقور أيضا أن يجمل الجميع بشخصه، لأن الإجمال إدعاء ممقوت.
ومن هذا أيضا، الإلصاق المتعمد لآل البيت عند حديث السيد باقر عن السياسة. الأمر الذي يبدو وكأن أحدا ما نال منهم. من الخطأ جدا حشر إسم آل البيت النبوي الطاهر بأمور دنيوية. وحب آل البيت وحده لا يكفل الجنة. وحاشى آل البيت أن يعدلوا حبهم بحب الله ورسوله. وحاشاهم أن يرضوا عن خائن لمجرد أنه يكثر من إسمهم. لذا أرجو وللمرة الأخيرة، أن لا يقحم إسم آل البيت بأمور دنيوية قابلة للأخذ والرد.
ومن هذه العبارات أيضا الإدعاءات الكثيرة التي رددها بأنه عاد إلى الشعب العرااقي وإتخذ قراره، سواءً بالتعاون مع أمريكا أو الإشتراك في مؤتمر واشنطن. وهي حالات محال، وهو إنما إنطلق من رؤياه الذاتية وحسب.
ومن هذه العبارات كلمة (الشبهات) بحد ذاتها. فتصنيف المشبهين إذا ما راجعناه، نجده يشتمل على مجاميع واسعة جدا بضمنها دول تشتمل على أكثر من 100 مليون مواطن، بحيث يمكن القول أنه لم يستثن أحدا، خارج محيط ما يسمى بالمجتمع الدولي(!) (إسرائيل وبريطانيا وأمريكا) ومجموعة الست فقط. وأزاء هذه الجموع الغفيرة المناقضة لرأي السيد باقر، ليس لنا غير الأخذ بأحد إحتمالين: أن السيد باقر إنسان مخطئ والكثرة على حق. والإحتمال ا لثاني هو أن السيد باقر إله يعلم الحق ولكن الكثرة له كارهون. وربما لهذا إستخدم تعبير (الشبهات) الذي يستخدم عادة في الجدل عن صفات الذات الإلهية، وربما لهذا أيضا إستخدم تعبير الشبهات النشاز، وربما لهذا قال بسعة الصدر لإحتواء الناقدين.
لكن هل ما سماه السيد باقر بالشبهات، وهو نشاز حقا؟!
نعم! إذا أثبت السيد محمد باقر الحكيم أنه معصوم عن الخطأ وأجمل الحق والحقيقة بيديه، فلا يتكلم عن الهوى وليس للسانه بما ينطقه سوى الحركة وحسب.
ولا! إذا تعاملنا معه كإنسان مقتد بنبيه، الذي لم يعصمه الله عن الخطأ!
فإذا عملنا بالمعايير المعلومة عن الوطنية والدين، سوف تكون لنا الملاحظات التالية:
1 - حسب قناعات السيد باقر التي ذكرها أعلاه، أن أمريكا تطلب النظام ليس بسبب المعارضة وليس لأن المعارضة طلبت منها، بل هي تطلبه بسبب أسلحة الدمار الشامل. وهنا فالعلة التي سيغزى بها العراق ويموت لأجلها ما لا يقل عن مليون شخص ناهيك عن الأضرار البيئية والإجتماعية والإقتصادية،، هذه العلة هي وجود أو عدم وجود أسلحة دمار شامل. ومفتش الأسلحة السابق النصراني الألماني الجنسية، يحاول أن يدرأ هذا الدمار والموت عن الشعب العراقي ويحمي أرواح الناس، فيقول (ولو كذبا) أن لا أسلحة دمار موجودة في العراق. بينما ولي أمر المسلمين - حجة الإسلام والمرجع الديني باتر الحكيم، يقدم التقارير تلو التقارير إلى أمريكا ليثبت إمتلاك العراق لهذه الأسلحة، فيعطيها ذريعة الغزو والدمار الذي يتلوه! فأيهما أحسن أجرا عند الله ؟! ولو صدقت أمريكا تقرير السيد الحكيم الأخير الذي قدمه لها في واشنطن عن وجود أسلحة دمار شامل وغزت العراق بموجبه وهلك هذا العدد الغفير من الناس، فهل يطمع بعدها بشفاعة من النبي أو أهل بيته؟!
2 - مجموعة الستة. هذه المجموعة لا تشكل وحدة سياسية حتى بأدنى المعايير المعروفة. بلها مجموعة متصارعة، كل يتباهل بحضوته عند أمريكا. وقد بدأت تطفو إلى السطح بوادر هذا الصراع، بحيث لا يكف حاليا جماعة المجلس عن القول بأنهم هم المعارضة وهم وحدهم من له قوة على الأرض بينما يقول المؤتمر عكس هذا. بما معناه، أن نذر الشقاق والإقتتال الداخلي لحكومة ما بعد الغزو، متوفرة، ولن تحتاج لتهييج. خصوصا ولم يجر إقتسام المناصب (المتوقعة) حسب النسب التي تطارحت الساحة السياسية الشيعية بها. لذا، فإنظمام إلى هذه المجموعة بحد ذاته خطأ سياسي.
3 - حتى اللحظة، وفيما عدى تأييدها للغزو أو إدعائها أنها تركب موجته كعامل مساعد في إسقاط النظام، عدا هذا، لم تطرح أية جهة سياسية من مجموعة الستة، هذه برنامجها الفعلي للحالة المتكونة. وعلى غرار السيد الحكيم ، فهو حتى اليوم يفتقر لأي برنامج سياسي. وبرنامجه الوحيد هو الإدعاء (العودة إلى الشعب ليقرر) وهي الجملة التي يكررها جميع مسؤولي هذا المجلس حين يدور الجدل عن آفاق المستقبل. وهذا هو أكبر خطا في السياسة. فالشعب العراقي وتحت الإحتلال، سوف لن يقدر على التحول إلى ساحة لتجارب القوى السياسية، خصوصا وهو الذي - إذا أفترضنا نجاح الغزو، يخرج من نظام دكتاتوري شديد القسوة. ولا خير في سياسي لا يعمل ضمن برنامج. ومن هنا، فبدل حالة الركون الى الجملة السائبة (الرجوع إلى الشعب) لابد من طرح البرامج الآن. والشعب العراقي يستمع إلينا عبر الفضائيات والإذاعة، أو على الأقل عبر قنوات المجلس الأعلى الذي يدعي أنه يستشير هذا الشعب بكل صغيرة وكبيرة بما فيها قبل الذهاب إلى واشنطن! طرح البرامج الآن للشعب ليسمع ويحكم، بغض النظر عن نجاح الغزو أو حدوثه حتى.
4 - وفيما يخص المجلس الأعلى أيضا. فهو ليس يفتقر إلى البرنامج وحسب، بل هو أساسا مشروع طائفي ضيق ليس له هم سوى أن يجد قادته مكانا سياسيا. وحاشى الشيعة أن يكون طموحهم بهذا الشكل المقيت. وليس كل الشيعة معه بدليل الإعتداءات المؤسفة المتكررة التي تعرض لها شخص رئيسه من أبناء ملته المؤمنين. وليس كل الشعب العراقي معه أيضا. لهذا فمشروعه أولا وآخرا خارج عن طيف العقلانية السياسية التي نريدها أن تحكم العراق. وما نعنيه بالعقلانية السياسة هو أن يشترك الجميع بالحكم دون أن يتميز أحد بمساحة أو سلطة. وكفانا ما بكيناه سابقا.
5 - الفدرالية التي يطلق عنها المجلس تصريحا هنا وهناك، ليست حلا لبلد كالعراق. فإذا نسينا الحروب الدامية بين الأكراد أنفسهم، وبينهم والحكومة المركزية، فيجب أن لا نغتر بحالة السلام المؤقتة الآن. لأن الغطاء الأمريكي فوق الجميع. وأول يوم يرفع هذا الغطاء سنرى التقاتل، إضافة إلى تربص تركيا الذي إن دخلت فستمزق كردستان إلى دويلات ودويلات. ناهيك عن المصالح الذاتية التي لن يجمحها شيء، والتي بموجبها تمت تصفية العديد من القوى الوطنية، أو تسليمها إلى النظام. كما إن الحال بين الفدراليتين الشيعية والسنية لن تهذا وتستقر ما لم يتحدد الخط الفاصل بينهما. فعلى أي أساس سيتحدد هذا الخط؟! على أساس النسبة المؤية؟ محال بنتيجة التخالط السكاني. على أساس الجغرافيا؟ محال أيضا لأنه العتبات المقدسة الشيعية كلها في المنطقة الوسطى السنية، على أساس إرضاء بعض زعماء الحرب؟ محال أيضا لأن المساحة والموادر لا تكفي لإرضاء فرقاء اليوم، والفرقاء الذين سيظهرون لاحقا. ما بالك والجسد الشيعي منقسم بالمرجعية. ثم إن قرارا خطيرا كتقسيم العراق، ليس بيد أحد أو مجموعة، إنه حق بيد الشعب العراقي كله، وهو حتما لن يقرر الفدرالية.
6 - القوة على الأرض، نعم هناك قوة للمجلس الأعلى على الأرض وهي فيلق بدر. وحقيقة فهذا الفيلق حسن التدريب عالي الكفاءة والجهادية. لكن جسد المجلس الأعلى حاليا بحالة معارضة ومسلحة، تؤهل لأن تجتمع هذه القوة رغم الخلافات البينية. أما إذا إنتصرت، فالخلافات ستظهر تباعا، على غرار كل الحركات المسلحة، يسارية، معتدلة، أم يمينية. وتجارب العالم تشهد. ما بالك وفيلق بدر، لا يخضع مرجعيا إلى الحكيم وحده. ثم إن السؤال المستحق، هو: أين كان فيلق بدر من أحداث إنتفاضة شعبان؟! لم لم يشترك، ومن الذي منعه من نصرة المنتفضين الذين بدأت ماكنة النظام تطحنهم ثم تشويهم على نار هادئة يوما بعد يوم؟! إذا كانت إيران هي التي منعته فليصرح المجلس الأعلى بهذا علنا، لأنها حزورة تاريخية ذهبت بسببها الدماء؟ كما إن لنا رأيا ببعض عمليات المجلس الأعلى من إعتيالات هنا وهناك أو تفجيرات حتى في ساحات عامة كالشورجة، هذه المحاولات لا نراها جادة، لأنه إذا صدقنا تقييم المجلس الأعلى للنظام، فهذا النظام لن يهتم بقتل ألاف البعثيين الصغار، أو الشرطة المعلومة الإنتماء الطبقي أساسا. وخارج إطار التهم والإستصغار، أقول، لو كانت القوة التي لقائد المجلس الأعلى عند أية جهة صادقة بدعواها لإسقاط النظام، لأسقطته منذ زمن!
د نوري المرادي
12 9 2002