|
العرب على مفترق طرق خطير
عبد الحميد ملكاني
الحوار المتمدن-العدد: 1072 - 2005 / 1 / 8 - 10:38
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لم يسبق في تاريخ البشرية أن عرف العالم والاقتصاد العالمي وضعا أخطر من الوضع الحالي كما لم يسبق له على المستوى السياسي أن عرف هذه الهجمة الأيديولوجيةة الليبرالية الجديدة في المجال الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي التي تريد فرض نمط واحد من التفكير والثقافة هو النمط الغربي ونموذج وحيد وأوحد من النمو هو نموذج اقتصاد السوق النيو الليبرالي الذي يضع مصلحة الفرد قبل مصلحة المجموعة ويضع الفردية قبل التضامن والتعاون الجماعي. كما لم يسبق للعالم أن عرف في العلاقات الدولية تباعدا بين بلدان الشمال المتطورة وبلدان الجنوب النامية كما هو اليوم، إذ أصبحت الأولى تسيطر على تقريباً كل هيئات القرار العالمية سواء الاقتصادية منها أو التجارية أو السياسية، بل أكثر من ذلك، فالعالم أصبح تحت هيمنة دولة واحدة هي الولايات المتحدة الأمريكية ، التي بفضل تفوقها التكنولوجي – العسكري والاقتصادي أصبحت تسيطر على القرار السياسي – العسكري والاقتصادي والاجتماعي في العالم، وتراجعت الدولة عن مهامها الاقتصادية والاجتماعية وتركت تسيير شؤون مجتمعاتها والعالم لمجموعات مالية أصبحت تحاول تقرير مصير الأجيال الحاضرة بل حتى القادمة. على المستوى الاقتصادي، لم يسبق للعالم أن عرف هذه الهيمنة الخطيرة للشركات متعددة الجنسية وفروعها وكذا مجموعات ضيقة من أصحاب الأموال على الاقتصاد العالمي والمبادلات الدولية فتنامى وتركز الرأسمال المالي على حساب مجال الإنتاج، مما فتح المجال لقوى الرأسمال المالي على الخصوص وقوى المضاربة والسمسرة والريع، على قوى العمل والإنتاج والإبداع، والبيئة والثروات الكونية، والمكاسب الاجتماعية التي حققتها الإنسانية منذ قرون، والقوى الديمقراطية والاجتماعية في العالم. أما على الصعيد الاجتماعي فالفوارق بين الدول والشعوب بلغت مستوى من التباعد أدى إلى تفاقم مشاكل الفقر والمجاعة والبطالة والتهميش لشعوب بأكملها، زيادة على المشاكل البيئة والتلوث والاستغلال غير العقلاني للثروة العالمية التي هي ملك البشرية جمعاء. والبلدان العربية في مفترق طرق خطير بحكم موقعها الجيوستراتيجي والدور المخطط لها في استراتيجية الرأسمال الدولي. فعلى المستوى السياسي، غزو العراق الشقيق والوضع في فلسطين المحتلة، وضعف الأنظمة العربية وعدم قدرتها الوصول إلى موقف موحد ومنسق، يؤكد الهيمنة الأحادية للولايات الأمريكية على مفاتيح القرار. لكن، ومن جانب آخر، فإن الإخفاقات المتكررة والمتعددة على مختلف الأصعدة التي ترجع في معظمها لغياب الديمقراطية والحوار والمشاورة ولجم قوى المجتمع المدني، وتطويق حريات الصحافة والتعبير والتنظيم، وتفشي الفساد والرشوة والرداءة، وطغيان الحلول الآنية والمؤقتة للمشكلات، وعدم إعطاء الأهمية الكافية للعلم والبحث والتطوير، وتدني وضع المرأة، قد أدت أكثر فأكثر لتباعد الهوة وتراجع الثقة بين حكام الأنظمة البيروقراطية والريعية في البلدان العربية وبين الشعوب والقوى الحية المنتجة والمبدعة، كما أدت لاغتيال الحلم ولفقدان الأمل وانعدام الأفق خاصة لدى فئة الشباب. وعلى الصعيد الاقتصادي، فرغم القدرات المادية والبشرية الهائلة التي تتمتع بها، ورغم المجهود الاستثماري بعد الستينات وخلال الفورة البترولية الأولى والثانية، ادخلت البلدان العربية منذ الثمانينات في فترة طويلة من الإنكماش الاقتصادي تمثلت في تراجع معدلات النمو وتفاقم العجز في موازين المدفوعات. والواقع، أن البلدان العربية دخلت منذ ذلك الحين في أزمة تنموية حقيقية، فالنماذج التنموية ونماذج التصنيع التي اعتمدت، لم تعط النتائج المرجوة لأسباب ذاتية وموضوعية، ولم تستطع تحقيق التكامل الأمامي والخلفي للاقتصاد، الأمر الذي ولّد اختلالات بنيوية خطيرة عمقت من خضوع البلدان العربية للتقسيم الرأسمالي الدولي للعمل ولإستراتيجية الرأسمال الدولي، في ظل غياب لإستراتيجية للتكامل الاقتصادي العربي الذي هو أحسن سبيل لتدعيم قدراتها التفاوضية الجماعية والتخفيف من الآثار السلبية للعولمة الجارية على اقتصادياتها وشعوبها. والأخطر من ذلك هو في حين تعرف هذه البلدان عمليات تهريب مخيفة لرؤوس الأموال، فإنها ستدخل في مأزق المديونية الخارجية وسوف تضطر لتطبيق السياسات الاقتصادية الليبرالية الجديدة عبر برامج التعديل الهيكلي المطلوبة من صندوق النقد الدولي والبنك العالمي مع كل النتائج الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المترتبة عنها. أما في المجال الاجتماعي ورغم التحسن الذي طرأ في سنوات السبعينات على كل مؤشرات التنمية البشرية، فإن الإنكماش الذي دخلت فيه البلدان العربية منذ الثمانينات وتطبيق وصفات المؤسسات المالية والنقدية الدولية، قد أدى إلى تفاقم خطير لمشكلة البطالة التي أصبحت مشكلة بنيوية خطيرة تكاد تهدد الانسجام الاجتماعي والاستقرار السياسي في العديد من البلدان، بالإضافة للمشكلات الأخرى كإنخفاض القدرة الشرائية والطلب ونقص الأمن الغذائي والمياه وتزايد مظاهر الفقر والتهميش. أكثر من ذلك، فإن تطبيق السياسات الليبرالية الجديدة في معظم البلدان قد أدى إلى تراجع دور الدولة والتخفيض من الإنفاق العام الأمر الذي أنعكس سلباً على مستوى الخدمات الصحية والتعليم والتكوين والتوظيف، كما أدى لتهديد منظومة الحماية الاجتماعية وأنظمة المعاش. أمام هذا الوضع، هل يمكن للبلاد العربية أن تضع ثقتها في قدراتها البشرية ومثقفيها وقوى المجتمع المدني، وفي الديمقراطية والشفافية والحوار؟ هل يمكن لها أن تجند مواردها وثرواتها المادية الضخمة وتحويلها لخدمة اقتصادياتها في صالح شعوبها؟ هل يمكن لها أن تعيد الهيبة للدولة لتلعب دورها الاستراتيجي في تسطير وتطبيق خطط التنمية وفي التعديل الاقتصادي وتنظيم اقتصاد السوق؟ هل يمكنها تحقيق كل هذا من أجل الشروع في انطلاقة اقتصادية حقيقية تمكنها من الوصول للتنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تحد من مشاكل البطالة والفقر والإقصاء وترفع من مستوى الخدمات الصحية والتعليم والتكوين، وتقلص من الأمية وتحقق الرقي الاجتماعي بصفة عامة. هل يمكنها تحقيق كل هذا من أجل الشروع في إزالة التناقضات الاقتصادية العربية تمهيداً لبناء التكامل الاقتصادي العربي، السبيل الوحيد لتقوية القدرات التفاوضية للبلدان العربية أمام التكتلات الأخرى كالاتحاد الأوروبي، وأمام المنظمات الدولية الأخرى بالأخص المنظمة العالمية للتجارة، وأمام قوة وجبروت الشركات متعددة الجنسية والرأسمال المالي الدولي؟ هذا التكامل الذي يسمح للبلدان العربية بإيجاد مكانتها المواتية في العولمة الجارية التي تريد جعلها ضمن الخزان العالمي للمواد الأولية والنفط خاصة خلافاً لما تريده لها الشعوب العربية لتكون قوة إنتاجية تنشأ الثروة وفرص العمل وتلبي طموحاتها في العيش الكريم والعمل اللائق. وتنخرط في الحركة الاجتماعية العالمية من أجل عولمة بديلة أكثر عدالة اجتماعية وتضامن ومساواة بين الشعوب.
#عبد_الحميد_ملكاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التعددية الاقتصادية وسيلة هامة لتحقيق التنمية في الدول النام
...
-
مفهوم الديمقراطية من منظور حزب النهضة الوطني الديمقراطي السو
...
المزيد.....
-
بوتين: لدينا احتياطي لصواريخ -أوريشنيك-
-
بيلاوسوف: قواتنا تسحق أهم تشكيلات كييف
-
-وسط حصار خانق-.. مدير مستشفى -كمال عدوان- يطلق نداء استغاثة
...
-
رسائل روسية.. أوروبا في مرمى صاروخ - أوريشنيك-
-
الجيش الإسرائيلي: -حزب الله- أطلق 80 صاورخا على المناطق الشم
...
-
مروحية تنقذ رجلا عالقا على حافة جرف في سان فرانسيسكو
-
أردوغان: أزمة أوكرانيا كشفت أهمية الطاقة
-
تظاهرة مليونية بصنعاء دعما لغزة ولبنان
-
-بينها اشتباكات عنيفة بالأسلحة الرشاشة والصاروخية -..-حزب ال
...
-
بريطانيا.. تحذير من دخول مواجهة مع روسيا
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|