|
سقف الدين الأمركي والنظام النقدي الدولي
جليل شيعان ضمد
الحوار المتمدن-العدد: 3629 - 2012 / 2 / 5 - 18:21
المحور:
الادارة و الاقتصاد
1
المقدمة : في عالم تسوده الهيمنة الامريكية , وتشكل رأيه العام وسائلها الاعلامية ، وجد هذا العالم نفسه فجأة يلوك أكذوبة سقف الدين العام الأمريكي ، وأنشغل بشروط كل من الحزبين الديمقراطي والجمهوري لرفعه , وليجد نفسه على شفا حفرة من النار والأنهيار الاقتصادي ، لتاثيرهذا السقف المباشر على كل من النظامين الاقتصادي والنقدي الدوليين، بانتظار الحل أو المنقذ الأمريكي الذي لابد منه ( ولكن في اللحظات الاخيرةعلى الطريقة الهوليودية) , ليقدم العالم الشكر للأدارة الامريكية لأنقاذه من الكارثة الاقتصادية التي تنتظره والتي هي السبب الحقيقي فيها ** . وحقيقة الأمر ان الحزبين متفقان على رفع هذا السقف , كما رفعوه عشرات المرات في السابق ، لأنه يحقق مصلحة امريكية خالصة على حساب الدول الاخرى متقدمة ونامية وليذهب العالم الى الجحيم ,لاقتناع الادارة الامريكية ان مؤسسات برتن وودز ومواقف الدول الاخرى ولأسباب مختلفة كفيلة باستمرار الوضع الاقتصادي والنقدي الدولي الحالي. كما أن الحزبين متفقان على تخفيض النفقات العامة وخاصة الفقرات التي تمس مصالح الفئات الأكثر فقرا لتقليص عجز الموازنة الذي تم تقديره بأكثرمن 1.6 تريليون دولار لعام 2011 كمحاولة كما يدعون للحد من نمو الدين العام الذي وصل الى مستويات فلكية ليتخطى الناتج المحلي الاجمالي الذي يعد الأكبر في العالم البالغ اكثر من 5 .14 تريليون دولار 1. لكن الحزبين كما يبدومختلفان من الناحية الأخرى فيما يخص الضرائب , لأهداف سياسية داخلية ضيقة مصبوغة بطابع اقتصادي مفتعل . حيث يرى الديمقراطيون فرض المزيد منها على الأغنياء ورجال الاعمال وهو الأمر الذي يرفضه الجمهوريون بحجة تاثيره السلبي على الاستثمار بل يذهبون أكثر من ذلك الى تخفيض هذه الضرائب لتشجيع الاستثمار وبالتالي زيادة الناتج القومي الأمر الذي يؤدي الى توسيع وعاء الضريبة ومن ثم حصيلتها انسجاما مع نظرية جانب العرض . ومن هذا يتضح بشكل جلي ان المسألة المثارة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري حول شروط رفع سقف الدين الامريكي (الذي كما يبدو ليس له حدود كما يتضح من التجربة التاريخية لأنه يعمل لصالح الولايات المتحدة الامريكية كما اشرنا الى ذلك )لاتتعلق
**لاحظ سيناريوهات حالة أطلاق وهبوط المركبات الفضائية الامريكية التي لابد وتعرضها لبعض المشاكل المفتعلة التي تحل في اللحظة الاخيرة لشد الأنتباه وليهتف العالم برافو U.S.A . 1- usdebtclock.org في 1/ 8 / 2011
2 بالتأثيرات السلبية بل الكارثية على الأقتصاد العالمي وأقتصادات وحقوق وألتزامات الدول الأخرى عن طريق أغراقها بالدولارات التي تشكل ما يقارب ثلثي الاحتياطات الدولية 1 ، بل المسألة أضحت بموجب المنطق الأمريكي مجرد خلاف داخلي بين الحزبين حول شروط زيادة الضرائب من عدمها لرفع سقف الدين الامريكي . هذا السقف الذي أصبح ثقيلا جدا جدا على الأقتصاد العالمي ولابد من هدمه بدل رفعه لأنه في التحليل النهائي هو الذي أنتج الأزمة الأقتصادية والمالية العالمية الحالية التي ابتدأت عام 2008 * وما زالت آثارها الكارثية على الاقتصاد الأمريكي والاقتصاد العالمي تتفاعل وتتصاعد لتتخطى الانهيارات المتتالية للأسواق المالية الى عجوزات هائلة في الموازنات العامة وبالتالي التراكم الضخم للدين العام وخاصة في الدول الرأسمالية الكبرى كالولايات المتحدة ودول الاتحاد الاوربي واليابان والآتي أسوء كما نشاهده في الوقت الحاضر. وعليه لابد من ملاحظة أن الأقتصاد العالمي الحالي ، الذي يتميز بالترابط الشديد بين أقتصادات الدول ، يعيش في ظل أحادية أمريكية في أتخاذ القرار ، معتمدة في ذلك من ناحية على طبيعة النظام النقدي الدولي السائد القائم على عملتها الدولار كعملة أحتياط دولية وكذلك على مؤسساتها المحلية مثل بنك الاحتياطي الفدرالي والشركات المتعددة الجنسية ، ومن ناحية أخرى عن طريق المؤسسات الدولية وخاصة صندوق النقد والبنك الدوليين ومنظمة التجارة الدولية . كل ذلك أدى الى نتيجة مهمه تتمثل بتبعية وتأثر أقتصادات الدول الأخرى بسياسات وأداء الاقتصاد الامريكي . أن طبيعة النظام السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية القائم على الهيمنة العسكرية وما تتطلبه من انفاق عسكري هائل , أضافة الى طبيعة النظام الاقتصادي والنقدي الدولي الذي يعمل لصالحها وأحد اسباب ثرائها الاقتصادي لابد وأن يؤديان الى نمو مستمرفي معدلات كل من عجز موازنتها وتراكم دينها العام , الذين أتخذا أتجاها تصاعديا منذ الحرب العالمية الثانية الى الآن وسوف يستمر هذا الاتجاه التصاعدي في المستقبل لأنه ببساطة يعمل لصالحها( كما سنبين ذلك لاحقا بالتفصيل ) الى ان تظهرقوى سياسية واقتصادية دولية جديدة تستطيع بجديه ان تع مصالحها السياسية والأقتصادية لتحد من هيمنة الولايات المتحدة وهو الأمر الذي يمكن القول انه بدء منذ سبعينات القرن الماضي وربما يحتاج الى وقت أطول لتحقيق هذه الغاية .
1- كما تشير الى ذلك أغلب مصادر وتقارير ودراسات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، رغم تحفظاتنا المشروعة على دقة معلومات هاتين المؤسستين لأنهما خاضعتان للتأثيرات الأمريكية . *جذور هذه الازمة من الناحية الموضوعية تعود الى 1971 حين أخلُت الولايات المتحدة الامريكية بألتزاماتها الدولية بتحويل الدولار الى مايقابله من ذهب وفق اتفاقيات برتن وودز.
3 في هذا البحث سنحاول أستجلاء بعض النقاط الهامة المتعلقة ببعض الجوانب النظرية للدين العام والمديونية الخارجية أولا ، أضافة الى محاولة الغوص في جذور مشكلة الدين الأمريكي وتشخيص الاسباب الحقيقية لتراكمه ثانيا ، والأهم من ذلك الأشارة الى خصوصية هذا الدين والآثار المترتبة عليه على مستوى الأقتصاد الأمريكي وعلى مستوى الأقتصاد العالمي ، مركزين على آثاره على النظام النقدي الدولي الذي عانى خللا واضحا منذ أعتماده وأرتكازه على الدولار كعملة تسوية وأحتياط دولية ثالثا . وأخيرا محاولة تصور البديل المحتمل لهذا النظام النقدي الذي من الممكن أن يخدم بشكل متوازن مصالح جميع الدول المتقدمة والنامية رابعا. أولا - الدين العام (السيادي) والدين الخارجي : من المهم جدا أن نفرق بين الديون العامة السيادية والديون الخارجية للدول، لأن التأثيرات على متغيرات الاقتصاد الكلي تختلف بآختلاف هذه الديون كما تعتمد على طبيعة هيكل كل نوع منها . فآلديون العامة السيادية هي ديون الدولة حصرا سواء كانت ديون داخلية أو ديون خارجية أو ألأثنين معا . أما الديون الخارجية فهي تعني مجموع الديون العامة السيادية الخارجية من جهة مضافا أليها ديون القطاع الخاص الخارجية ( ديون المصارف والمؤسسات المالية والشركات ) . وعندما نتكلم عن أزمة الديون العامة السيادية فنحن نتكلم عن عدم قدرة الدولة على تسديد أو خدمة ديونها بشقيها الداخلي والخارجي معا . لكن الخطورة الكبيرة في حالة الديون العامة السيادية تتأتى عندما تتراكم ديونها الخارجية لتشكل نسبة كبيرة من أجمالي ديونها الداخلية والخارجية .لأ ن الدولة تستطيع أن تعالج مشكلة ديونها الداخلية في حالة تراكمها عن طريق أجراءات ترتبط بشكل أساس بالسياسة المالية مثل فرض ضرائب أضافية , أو عن طريق الأصدار النقدي الجديد (الذي في حقيقته نوع من ألضرائب عندما يؤدي الى رفع ألمستوى ألعام للأسعار)أو تخفيض ألنفقات ألعامة , بينما ألدولة لاتستطيع ألألتجاء ألى مثل هذه ألأجراءات المالية فيما يتعلق بديونها الخارجية . وتعتبر ألولايات ألمتحدة ألأمريكية ألأستثناء من هذه ألقاعدة حيث أستطاعت وتستطيع معالجة أزمات تراكم ديونها ألسيادية ( وحتى ديون قطاعها ألخاص ألداخلية والخارجية ، كما حدث في ألأزمة ألمالية والأقتصادية ألحالية بأعتمادها حزم الأنقاذ ) بمزيد من المديونية عن طريق ألأصدار ألنقدي ألجديد للدولار بأعتباره العملة الرئيسية في ألأحتياطات ألدولية وبالتالي يتيح لها أمكانية تسديد ديونها بعملتها المحلية . ومن الجدير بالذكر أن هذا الاستثناء ممكن تصوره وهو قابل للتطبيق في الدول التي أصبحت عملاتها جزء مهم من الأحتياطات الدولية كاليورو والجنيه الأسترليني والين في حالة عدم وجود ضوابط صارمة للأصدار ألنقدي ألجديد لمثل هذه العملات , وهو الأمر الذي يتطلب ألعمل بألحاح على أصلاح حقيقي وجوهري للنظام ألنقدي ألدولي .
4 في حالة أزمة ألديون ألخارجية للدول ، فأن المشكلة بالأساس تتعلق بتراكم الديون السيادية المستحقة للأجانب أضافة الى تراكم ديون قطاعها الخاص لهم . أما لماذا تكون الدولة طرفا أيضا في حالة تراكم الديون الخارجية على قطاعها الخاص وعجزه عن تسديدها ، كما هو الحال في اليونان وأيرلندة وبعض دول الأتحاد الأوربي الأخرى والولايات المتحدة الأمريكية ، فأن الأمر غالبا ما يعود الى ألأهمية الحيوية لهذا القطاع في النشاط الأقتصادي وتأثيراته الحاسمة المباشرة على المتغيرات الكلية للأقتصاد وأهمها الركود والبطالة والتضخم . من أعلاه يتبين لنا بوضوح أن أزمة مديونية الدول تتعقد كثيرا في حالة تراكم هذه الديون بشقيها المرتبطة بالديون السيادية أولا والمرتبطة بديون القطاع الخاص ثانيا وطبيعة هيكل هذه الديون فيما أذا كانت داخلية أم خارجية ثالثا. وعليه يمكن القول أن أعتماد مؤشرات تخص نسبة الدين العام الى الناتج المحلي الاجمالي( وحتى نسبة خدمة الدين العام الى الصادرات ) لوصف درجة أو حدة أزمة الديون السيادية أو الديون الخارجية قد لاتعني شيئا مهما ذا دلالة أذا لم تعرف طبيعة وهيكل هذه الديون التي أشرنا أليها *. فليس أرتفاع هذه النسبة يعني وجود أزمة كما هو الحال في أيطاليا وبلجيكا وبريطانيا وفرنسا واليابان ألتي ديونها ذات طبيعة سيادية داخلية . وليس أنخفاضها يعني عدم وجود ألأزمة كما في البرتغال وأيرلندا والتي ديونها ذات طبيعة خارجية ذات علاقة بقطاعها الخاص . كما أن الولايات المتحدة الامريكية من ناحية والدول النامية من ناحية أخرى لها خصوصية في هذا المجال . لهذا فأن تشخيص أزمة ألمديونية ودرجة حدًتها ومن ثم أساليب معالجاتها (أعادة هيكلة أو سياسات مالية أو نقدية ) في أية دولة تتعدى ألأعتماد على مؤشر أو مؤشرين عامين ، بل تتطلب معرفة مؤشرات أضافية مثل طبيعة الدين وهيكله وطبيعة بنية كل من الناتج المحلي الأجمالي والصادرات والأستيرادات والنفقات العامة والأيرادات العامة والضرائب والأهمية النسبية للقطاع الخاص ومستوى التطور بمؤشرات التنمية البشرية المستدامة .
----------------------------------------------------------------------------------------- * هناك عدة دراسات في هذا المجال تشير الى نسبة تدور حول 50% من الناتح المحلي الأجمالي بأعتبارها آمنة للمديونية الخارجية . كما أن البعض يعتقد أن النموالأقتصادي يتردى عندما يتجاوز الدين العام نسبة 90% من الناتج المحلي . ولنا رأي في هذا الصدد تمت الأشارة أليه أعلاه وسوف نشير أليه في هذا البحث لاحقا أيضا. لاحظ المصادر التالية : - مورت زوكرمان ، أمريكا المفلسة بحاجة الى التقشف : http://www.aleqt.com/2011/07/23/article_561696.htm - د . بلقاسم العباس ، ادارة الديون الخارجية ، المعهد العربي للتخطيط ، أصدارات جسر التنمية ، العدد (30) ، 2004 . 5 ثانيا - جذور مشكلة الدين الأمريكي : يمكن تتبع أصل مشكلة الدين الأمريكي الى أتفاقيات برتن وودز لعام 1944 حيث أعطيت للولايات المتحدة أفضلية في أعتماد عملتها الدولار كعملة تسوية دولية مقابل الألتزام بتحويل الدولار الى ما يقابله ذهبا بنسبة ثابتة ( 35 دولار للأوقية الواحدة ) بآعتبارها تملك أكبر أقتصادا مزدهرا ومواردا هائلة تتيح لها الوفاء بآلتزاماتها الدولية . وكان من الممكن أن تسيير الأمور بشكل جيد على مستوى النظام النقدي الدولي الجديد لو وضعت ضوابط وآلتزامات أضافية على الولايات المتحدة الأمريكية وخاصة في مجال أصدار وطبع الدولار من جهة وأنشاء مؤسسة دولية مهمتها الأشراف والمتابعة والتدقيق في هذا المجال *. ذلك أن ألتزام الولايات المتحدة الامركية تحويل دولاراتها ذهبا لايكفي لأن المنطق الأقتصادي والسياسي سيفرض عليها لاحقا حالات أغراء لتحقيق منافع اقتصادية ضيقة على حساب مصالح الدول الاخرى عن طريق التوسع في طبع وأصدار الدولارات ، دون الأكتراث بتوفير الأحتياطات الذهبية اللازمة لمواجهة طلبات الدول الأخرى في تحويل ما تملكه من دولارات الى مايقابلها من ذهب مادامت عملتها معتمدة كعملة أرتكاز للنظام النقدي الدولي والأحتياطات والتسويات الدولية ، مما يعرض مصالح الدول (وحتى الأفراد من حاملي الدولارات ) والنظام النقدي الى مخاطر جدية كما شاهدناه ونشاهدة الى الوقت الحاضر . من الناحية التاريخية يمكن القول أن جميع الأمبراطوريات السابقة أستندت على قوتين رئيسيتين : القوة العسكرية والقوة لأقتصادية . وتستمر هذه الأمبراطوريات ممارسة دورها المهيمن على الدول الأخرى ما دامت متمتعة بهاتين القوتين , الى أن تصل الى مرحلة أنعطاف تاريخي حاسم تبدأ تفقد فيها تدريجيا أفضليتها في هذين المجالين وخاصة القوة الأقتصادية التي هي وسيلتها في تطوير وديمومة قوتها العسكرية . والولايات المتحدة الأمريكية لما توفر لها من * في مفاوضات برتن وودز في عام 1944 لبلورة نظام نقدي دولي جديد قدمت بريطانيا التي كان يمثلها كينز حينذاك مقترحا مقابلا لمقترح الولايات المتحدة الأمركية مفاده أقامة نظام نقدي تنظم فيه السيولة والأحتياطات الدولية من قبل مؤسسة دولية متعددة الأطراف مثل صندوق النقد الدولي وتمنح صلاحيات خلق وأدارة وحدات التسوية وآلأحتياطات الدولية الجديدة، لكن المقترح لم يكتب له النجاح . للمزيد راجع : - د. حازم ببلاوي ، نظام النقد الدولي ، الجانب المجهول من كينز http://www.ecorim.net/index.php/2011-04-02-16-58-10/143-2011-05-21-14-23-01 , Barry Eichengreen , The bear of Bretton Woods- http://www.project-syndicate.org/commentary/eichengreen29/English
6
أسباب القوة العسكرية والأقتصادية بعد الحرب العالمية الثانية أزاحت الأمبراطورية البريطانية بعد أن دب الضعف في قوتيها العسكرية والأقتصادية لتحل محلها كصاحبة الكلمة الأولى في العالم والهيمنة عليه عن طريق وضع ترتيبات سياسية وأقتصادية وعسكرية جديدة ومأسستها دوليا لضمان هيمنتها . لكن التاريخ لايرحم ويعيد نفسه بشكل مأساوي . فكما أصاب الامبراطوريات السابقة الوهن والضعف والسقوط أو مايمكن تسميته (المرض الأمبراطوري ) نتيجة التمادي في أستخدام القوة وما تتطلبه من سوء أستخدام الموارد الأقتصادية على المستويين الداخلي والخارجي (علما أن أنهيار الأمبراطوريات غالبا ما يبدأ بالعوامل الأقتصادية لتنسحب بشكل متدحرج الى العوامل السياسية والعسكرية ) فلا بد أن يصيب هذا المرض الأمبراطورية الأمريكية الجديدة مؤديا بها الى الأنهيار أو في أحسن الظروف التخلي عن موقعها الأول في العالم والقبول مرغمة في مشاركة دول أخرى صاعدة في هذا الموقع . وهذا مانشاهده بشكل جلي في الوقت الحاضر وفق مؤشرات عديدة اقتصادية وسياسية وعسكرية . ولا يعني هذا بالضرورة حصول الأنهيار في الأمد القصير أو حتى المتوسط وذلك لأسباب تتعلق بوجود بعض العوامل الداخلية والخارجية تعمل على مقاومته وتؤخر حصوله . ولأسباب تتعلق بطبيعة البحث سنركز على الجوانب الأقتصادية المتعلقة بهما . وفيما يخص الولايات المتحدة الأمريكية فأننا سنشير الى بعض هذه العوامل التي تؤخر أنهيارها وكما يلي : 1- من المعروف أن ديون الولايات المتحدة الداخلية والخارجية مقومة بعملتها الدولار الذي يشكل في ذات الوقت حجر الزاوية في النظام النقدي الدولي والنسبة الأكبر من الأحتياطات الدولية ، الأمر الذي أعطى لها ميزة فريدة في أمكانية تسديد ديونها عن طريق طبع المزيد من الدولارات . هذه الميزة التي كانت ولا زالت أحد أهم أسباب أستمرار ثرائها وقوتها ( كما أنها من الناحية الأخرى أحد أهم أسباب أنهيارها المتوقع ) . 2- هناك دول كثيرة ، ولأسباب مختلفة أقتصادية وسياسية وبالترغيب والترهيب ، راكمت ولا تزال تراكم أحتياطات دولارية هائلة 1 تشكل ديونا بذمة الولايات المتحدة الأمريكية مثل الصين واليابان والهند ودول الخليج العربي ليس من مصلحتها أنهيار الأقتصاد الأمريكي وعملته
1- تشير الكثير من الدراسات والتقارير الأقتصادية بما فيها منشورات صندوق النقد والبنك الدوليين أن الأحتياطات الدولارية في الوقت الحاضر تقدر بنسبة 60% من أجمالي الأحتياطات الدولية . وفي كل الأحوال فأن كل المؤشرات الأقتصادية والمالية العالمية ، ولأسباب موضوعية تتعلق بشكل أساس بضعف أداء الأقتصاد الأمريكي ، تشير الى تحول مستمر في الأهمية النسبية لمكونات الأحتياطات الدولية نحو سلة عملات تتراجع فيها أهمية الدولار لحساب عملات الدول ذات الأقتصادات المزدهرة والناشئة مثل الين واليورو واليوان . كل ذلك أضافة الى توجه آخر هو أهتمام هذه الدول بأسواقها الداخلية وتطويرها بأعتبارها الأساس الحقيقي في أزدهارها الأقتصادي وأدعى الى ديمومته بدل الأعتماد على الأسواق الخارجية التي تعرضها الى الهزات والصدمات غير المحسوبة . 7 الدولار لأنها سوف تفقد نسبة كبيرة من قيمة هذه الأحتياطات ، كما لاحظنا ذلك جليا في الأزمة الأقتصادية والمالية العالمية الحالية ، اضافة الى فقدانها سوقا كبيرا لصادراتها واستثماراتها قد يكون أحد أسباب نموها وأزدهارها الأقتصادي.
ثالثا – أسباب نمو الدين العام الأمريكي : سنحاول في هذه الفقرة من البحث الأشارة الى أهم الأسباب الأقتصادية التي أدت الى نمو وتراكم الدين العام الأمريكي وبلوغه أرقاما فلكية غير مسبوقة وكما يلي : 1 – يمكن القول بداية أن السبب المباشريعود الى نمو النفقات العامة في الموازنة الأتحادية (بدوافع سياسية وعسكرية ) بمعدلات مرتفعة ومتسارعة نسبة الى الأيرادات العامة الأتحادية الممولة بشكل رئيسي من الضرائب ، وهو الأمر الذي زرع بذرة العجز الكبير في الموازنة العامة ونموه بمعدلات مرتفعة منذ ستينات القرن الماضي ليصل هذا العجز الى رقما هائلأ تم تقديره بحوالي 1.6 تريليون دولار في موازنة 2011 وليشكل أكثر من 10% من الناتج المحلي الأجمالي الأمريكي لنفس السنة. لقد تضخمت النفقات العامة في موازنة الولايات المتحدة الأمريكية لتصل الى مستويات تاريخية بلغت مايقارب 3.9 ترليون دولار وبنسبة 25.3% من الناتج المحلي الأجمالي لعام 2011 مقارنة مع نسبة 18.2 لعام 2000 . علما أن الأنفاق العسكري كنسبة من أجمالي النفقات العامة بلغ 20.1% عام 2011 مقارنة مع 16.1% لعام 1999 . 1 2 – النتيجة المنطقية لنمو عجز الموازنة العامة هي نمو المديونية العامة أو الديون السيادية ، وغالبا ما يتبادلان التأثير بنفس الأتجاه . بل يمكن القول أن نمو المديونية غالبا ما يكون بنسب تفوق نسب نمو عجز الموازنة لأسباب تتعلق بعبئ خدمة الدين العام ، الأمر الذي يؤدي الى دخول الموازنة العامة فيما يسمى الحلقة المفرغة للمديونية2 ، وبالتالي دخول الأقتصاد برمته في أزمات حادة ذات آثار اقتصادية وأجتماعية وحتى سياسية كارثية مؤلمة كما نشاهده في حالة ---------------------------------------------------------------------------------------- 1 – د. أبراهيم ألسقا ، الأنفاق العسكري والدين العام الأمريكي http://www.aleqt.com/2011/07/29/article_563700.html
2 – هذا السيناريو ينطبق على الدول التي يكون مصدر عجز موازنتها وبالتالي تراكم مديونيتها هو أرتفاع معدلات نمو نفقاتها العامة ذات الطابع الأستهلاكي والعسكري والفساد الأداري ، وهو لاينطبق على الدول التي مصدر عجز موازنتها وبالتالي مديونيتها نمو نفقاتها العامة ذات الطابع الأستثماري والتنموي بشقيه المادي والبشري . 8 اليونان وبعض الدول الأوربية مثل ايطاليا وأسبانيا وأيرلندة وفرنسا وبريطانيا في الوقت الحاضر التي تعاني من المثلث الرهيب : الركود الأقتصادي والبطالة والتضخم . هذا ما لاحظناه ونلاحظه بشكل أكثر حدة في الولايات المتحدة الأمريكية ، حيث ترتب على العجز المتراكم في موازنتها العامة ونموه بمعدلات مرتفعة ،ظهور الدين العام بشقيه الداخلي والخارجي ونموه بمعدلات غير مسبوقة تفوق القدرات الحقيقية لأقتصادها على خدمته وتسديده ، ليسجل رقما فلكيا تجاوز 14.3 ترليون دولار في آب 2011 ، ولازال ينمو ويتراكم متجاوزا نسبة ال 100% من الناتج المحلي الأجمالي في نهاية العام 1 ، مقارنة مع ديونها البالغة 908 ملياروبنسبة 33.6% من ناتجها عام 1980 ، و 5.7 تريليون بنسبة 57.5% عام 2000 و 9 ترليون بنسبة 65% لعام 2007 ، 2 . وهذا ما عرض و يعرض أٌقتصادها * الى خطر الأفلاس ما لم تتخذ الأدارة الأمريكية الأجراءات الجدية الحازمة والحتمية لتقليص وبشكل جوهري من نفقاتها العامة وخاصة العسكرية ، للحد من تراكم عجز موازنتها وبالتالي تراكم مديونيتها العامة . وهي خطوات تؤدي بالنتيجة الى أزاحت أمريكا عن عرشها الأمبراطوري أن عاجلا أو آجلا ، وهو الأمر الذي تحاول مقاومته دون جدوى فقد أصابها المرض الأمبراطوري الذي لا شفاء منه .** 4 – على مستوى المتغيرات الكلية فأنه يمكن القول أن معدلات الأستهلاك والأنفاق المحلي في
1- usdebtclock.org آب 2011 . 2- الدين الامريكي وخطرة على الاقتصاد العالمي
http://www.traidnt.net/vb/traidnt1914057 * والأهم من ذلك ما أصاب الأقتصاد العالمي من كوارث وأزمات وركود وبطالة وتضخم ومجاعة وأعادة توزيع الثروات والقيم الأقتصادية لصالح الآقتصاد الأمريكي بحكم أتفاقيات برتن وودز و طبيعة النظام النقدي الدولي المترتب عليها ، كما أوضحنا ذلك سابقا وكما سنوضحه كذلك لاحقا . **- نعتقد أن الأرقام والأحصاءات أعلاه الخاصة بديون الولايات المتحدة الأمريكية ، والتي مصدرها الأساس مؤسسات أمريكية ، يمكن أن تكون أقل من حقيقتها بشكل كبير، لأنها تعامل ضمن متطلبات الأمن القومي الأمريكي ، وذلك للتغطية على الخسائر الهائلة والنهب المنظم والمستمر لأقتصادات الدول الأخرى المترتبة على الآليات الأقتصادية والمالية والنقدية الدولية التي تعمل لصالح الولايات المتحدة أولا والمترتبة كذلك على مديونيتها الممولة عن طريق طبع الدولارات بلا حدود ثانيا .
9 الأقتصاد الأمريكي يتجاوز كثيرا قدراته الأنتاجية والمالية المتاحة كما تبينه المؤشرات التالية لعام 2011 بوضوح : - الناتج المحلي الأجمالي 14.5 تريليون دولار تقريبا - الدين العام الى الناتج المحلي الآجمالي 100% (ما يقارب 14.5 تريليون) - فوائد الدين العام 3.7 تريليون دولار - أجمالي الدين العام والخاص 54.4 تريليون دولار - أجمالي الديون الخاصة 38 تريليون دولار - ديون خارجية 4.8 تريليون دولار - عجز الميزان التجاري 728.8 مليار دولار - العجز مع الصين 337.6 مليار دولار - أستيرادات النفط 433.3 مليار دولار - عدد السكان 312.6 مليون نسمة - قوة العمل 140 مليون - عدد العاطلون 25 مليون - عدد المتقاعدون 66.2 مليون - عدد الأفلاسات 1.6 مليون حالة - -------------------------------------------------------------- - usdebtclock.org في 15/ 11 / 2011
أن تحليل المؤشرات أعلاه يبين بوضوح حجم الألتزامات المالية والأنفاق العام والخاص الهائل في الاقتصاد الأمريكي (الذي يستهلك مايقارب 20% من الأنتاج العالمي البالغ ما يقارب 75 تريليون دولار) كما تعكسه الأرقام الخاصة بعجز الموازنة العامة وعجز الميزان التجاري وضخامة المديونية العامة والخاصة الداخلية والخارجية وخدمة الدين العام والخاص وفي بلد لا يتجاوز عدد سكانه ما يقارب 323 مليون نسمة وبنسبة 5% تقريبا من عدد سكان العالم البالغ 7 مليار نسمة . 10 أن هذه الحالة غير الأعتيادية في الأنفاق لايمكن تصورها ألا بتمويل غير أعتيادي، كما يستحيل أستمرارها على المدى الطويل لأسباب تتعلق بأستنفاذ الموارد وأمكانات خدمة الديون. وهذا ما نشاهده في حالة الولايات المتحدة التي أستغلت أعتماد دولارها كعملة أساس وأحتياطي في النظام النقدي الدولي لتمويل أنفاقها غير الطبيعي بما يحقق مصالحها على حساب مصالح الدول الأخرى . وذلك عن طريق التمادي في أغراق العالم بالدولارات دون رصيد أو غطاء حقيقي سواء عن طريق الأخلال بألتزاماتها الدولية عام 1971 بتحويل هذه الدولارات الى ذهب وفق أتفاقيات برتن وودز أو فرض سياساتها على الدول الأخرى لكونها القوة الأولى في العالم . كل ذلك رغم بوادر ضعف أقتصادها وأنتاجيته وفقدانه الحيوية والقدرة التنافسية وأنتشار البطالة مع تضخم الأنفاق الكلي رغم محدودية الموارد والأيرادات ، وصيرورته اقتصاد فقاعة قائم بشكل أساس على أنشطة المضاربات * . مع أبتكار وسائل تمويل جديدة محفوفة بالمخاطر مثل أسواق المشتقات والخيارات والمستقبليات التي تستند على التوريق وتنقيد الديون وتشتيت الأخطار، التي تشكل الأرضية الخصبة للأزمات والأنهيارات والأفلاسات الأقتصادية ، ليست على مستوى الأقتصاد المحلي فقط بل وأنتقالها الى أقتصادات الدول الأخرى بحكم الترابط الأقتصادي العالمي والعولمة . وهذا ما لاحظناه ونلاحظه في الوقت الحاضر متمثلا بالأزمة الأقتصادية والمالية العالمية الحالية التي أبتدأت بشكل أزمة أئتمان عقاري أمريكي لتتطور الى أفلاسات أضخم المؤسسات المصرفية والمالية والأنتاجية لتتحول أو تنتهي الى أزمة عالمية شاملة . وكما نلاحظه كذلك الآن في أزمة سقف الدين الأمريكي الذي هدد ويهدد بتحوله ألى أزمة أقتصادية ثانية تتداخل مع الأزمة ألأقتصادية الأولى التي أبتدأت بشكلها الحاد منذ عام 2008 ليتفاعلا وليطيحا بالأقتصاد الأمريكي أولا وأقتصادات الدول ألمتقدمة ثانيا والأقتصاد العالمي وركائزه الأساسية ثالثا . النتيجة المنطقية لمثل هذه السياسة :التراكم الهائل للمديونية والألتزامات الداخلية والخارجية، والوصول الى النقطة الحرجة التي لا تحتمل المزيد من عجز الموازنة والمزيد من المديونية ، حيث أصبحت الولايات المتحدة أمام خيارين أحلاهما مر : أما أعلان الأفلاس أوتطبيق سياسات تقشفية مؤلمة كما هي حالة آيسلندة واليونان ودول الأتحاد الأوربي بشكل عام . 4 – السبب الرابع في النمو غير المسبوق للدين الأمريكي يرتبط بعامل آخر أضافة الى العوامل الأخرى التي أشرنا اليها أعلاه يتمثل بعدم كفاءة وفاعلية السياسة الأقتصادية وبالتحديد السياسة المالية والنقدية التي أتبعتها وتتبعها الولايات المتحدة في أدارة أقتصادها . فالمحافظون الجدد طبقوا منذ عهد ريغان في بداية الثمانينات من القرن الماضي سياسات ما سمي بنظريات
* بدل سياسات الأستثمار في الأنشطة الأنتاجية السلعية الحقيقية والخدمات التي تتعلق بهذه الأنشطة التي هي أساس التقدم والتطور والنمو والتنمية .
11 أقتصاديات جانب العرض التي وقعت تحت تأثير مدرسة شيكاغو ونظريتها الجديدة في كمية النقود ، التي ترتكز على السياسة النقدية وعلى حساب أضعاف السياسة المالية لضمان أستمرارية النمو ومعالجة الركود الأقتصادي . أن الترجمة العملية لهذه السياسة تنفيذ ما سمي سياسة ( التيسسيرالكمي) التي أعتمدها بنك الأحتياطي الفدرالي الأمريكي منذ عام 1987 القائمة على التوسع النقدي وبلا حدود عن طريق الأصدار النقدي الجديد ( الذي يعني المزيد من الدين العام وتراكمه ) لتمويل العجز المتراكم للموازنة العامة نتيجة النمو الهائل غير المنضبط للأنفاق الجاري العام وخاصة العسكري والأمني * ، مترافقا مع أضعاف الدور التمويلي للضرائب وخاصة الضرائب المباشرة على الأرباح ورأس المال بحجة تشجيع أصحاب رؤوس الأموال على الأستثمار **. أن النتيجة المنطقية لمثل هذا النوع من السياسات الأعتماد والتوسع والتمادي في الأنفاق العام والمديونية العامة وتراكمها ونموها بشكل لا يتناسب مع أمكانات الدولة والأقتصاد على أطفائها وخدمتها ، مدفوعة بأغراءات أعتماد الدولار كأساس للنظام النقدي الدولي وعملة الأحتياط والتسويات الدولية . وكما تمت ألأشارة اليه سابقا لقد بلغ الدين العام الأمريكي أكثر من 14.5 تريليون دولار في نهاية عام 2011 كما أصبح لزاما على الحكومة أن تقترض ما معدله 4.5 مليار دولار يوميا لضمان سير الأمور على ماهي عليه فقط . وأذا ما علمنا أن ما يقارب 70% 1 من سندات الدين الأمريكي يشتريها البنك الأحتياطي الفدرالي *** ، وهذا يعني الأعتماد على الأصدار النقدي الجديد ، وهو الأمر الذي يعني من الناحية الواقعية عدم الأهتمام أو حتى مجرد التفكير بخدمة هذا الدين لأنه مدفوع الثمن على حساب الدول الأخرى ذات الأحتياطات الدولارية وسندات الحكومة الأمريكية بشكل تدهور وأنخفاض مستمر بقيمة الدولار وسعر الفائدة على هذه السندات.وهو أمر لايمكن أستمراره الى ما لا نهاية لا على المستوى المحلي ولا على المستوى الدولي كما يلاحظ جليا في التطورات الأقتصادية والنقدية ----------------------------------------------------------------------------------------- * مثل برامج سباق التسلح وحرب النجوم والحروب العلنية والسرية في دول أمريكا اللاتينية وأفريقيا وأفغانستان والعراق وليبيا وسوريا. **لقد واجهت هذه السياسة الأقتصادية والنقدية أنتقادا لاذعا من بعض الأقتصاديين اللامعين مثل جوزيف ستيكليتز(وحتى أدارة أوباما في بدايتها على عكس ما ذهبت اليه لاحقا ) . كما أن هناك الكثير من الدراسات تؤكد على هذا النمو السرطاني للدين الأمريكي في العقدين القادمين .راجع: - روجر ألتمان وريتشارد هاس ، امريكا وأدمان الديون : في مجلة الاهرام الاقتصادي العدد 126 تشرين الثاني 2010 . 1– مورت زوكرمان ، مصدر سابق . ***المشتري الرئيسي للنسبة المتبقية من السندات هي البنوك المركزية والصناديق السيادية الأجنبية في دول مثل الصين واليابان ودول الخليج العربي وغيرها . 12 على هذين المستويين وخاصة في العقدين الأخيرين . رابعا – الآثار الأقتصادية لتراكم الدين العام الأمريكي : يمكن القول منذ البداية أن تراكم الدين العام الأمريكي ورفع سقفة بأستمرار يمثل مصلحة أمريكية خالصة , بغض النظر عن التجاذبات الحزبية والمناقشات والمجادلات بما فيها الأكاديمية ومراكز البحوث التي تغرق المستمع والقارئ بتفاصيل فرعية بعيداٌ عن أصل المشكلة ، ولكنه من الناحية الثانية يمثل ضررا بالغا للأقتصاد الدولي ومصالح الدول الأخرى . سنحاول في هذه الفقرة من البحث الأشارة الى بعض الآثار المتصورة المترتبة على تراكم الدين الأمريكي ورفع سقفه بأستمرار على مستوى الأقتصاد الأمريكي وعلى مستوى الأقتصاد العالمي وكما يلي : 1 – الآثار على مستوى الأقتصاد الأمريكي : أ – وصول الأقتصاد الأمريكي الى مستويات خطرة من المديونية وبالتالي تعرضه الى ضغوط محلية ودولية لمعالجة هذه المشكلة عن طريق الحد من عجز الموازنة بالتخفيض الجوهري للأنفاق العام وزيادة الضرائب على الدخول الريعية والأرباح .أن المشكلة التي تواجهها مثل هذه السياسة المالية التقشفية أنها لابد وأن تؤدي الى تخفيض النفقات الأجتماعية التعليمية والصحية والضمان الأجتماعي من جهة والأنفاق العسكري من جهة أخرى وهما أمران دونهما عوائق كأداء سياسية وأقتصادية وأجتماعية. والأهم من ذلك انها تأتي في ظروف الركود الأقتصادي وألأزمة الأقتصادية الطاحنة التي يواجهها الأقتصاد الأمريكي بوجه خاص والأقتصاد العالمي بوجه عام وهو الأمر الذي يتطلب سياسة مالية ونقدية توسعية لأنعاش الطلب الفعال بالمفهوم الكينزي .أن هذا الوضع المتناقض وضع الأقتصاد الأمريكي بين فكي كماشة: أما تنامي عجز الموازنة والدين العام بآستمرار من جهة أو السقوط في حالة الركود الأقتصادي. وفي تقديرنا أن الحديث عن تخفيض عجز الموازنة والدين الأمريكي من قبل الأدارة الأمريكية هو حديث بعيد عن المصداقية هدفه تشتيت الأنتباه عن تناول آثارهما على الأقتصاد الدولي ،لأنه في النهاية وبغض النظر عن طبيعة الأدارة الأمريكية ( ديمقراطية أو جمهورية ) سوف يزداد ويتراكم كل منهما لكونهما ممولان عن طريق طبع المزيد من الدولارات التي يرتكز عليها النظام النقدي الدولي دون غطاء حقيقي ، وذلك للأستمرار في التمتع بالرفاهية الأقتصادية أولا ، والتفوق العسكري ثانيا ، ولضمان أنخفاض قيمة الدولار ثالثا الذي يجعل الصادرات الأمريكية أكثر تنافسية من ناحية ويؤدي من الناحية الأخرى الى تخفيض وتآكل القيم الحقيقية للأحتياطات والأصول النقدية والمالية والعينية المقومة بالدولار ، وهي تمثل عملية سطو ونقل منظم لثروات ومدخرات الدول الأخرى لحساب الأقتصاد الأمريكي 1 . 1 – للمزيد من التفاصيل راجع : أ.د. جليل شيعان ضمد البيضاني ، حرب العملات والنظام النقدي الدولي ، مجلة الأدارة والأقتصاد ،جامعة كربلاء ، العدد 2 لعام 2011 .
13 ب – أن تنامي عجز الموازنة الذي تجاوز 10% من الناتج المحلي الأجمالي وكذلك تنامي الدين العام الذي تجاوز 100% من الناتج المحلي الأجمالي الأمريكي أدى الى قيام مؤسسات التصنيف الأئتماني الدولية الى تخفيض تصنيفها للدين الأمريكي 1و2 ، وهو الأمر الذي يعني رفع أسعار الفائدة على السندات الأمريكية وبالتالي رفع كلفة ديونها التي ستكون على حساب أنفاقها العام وحزم أنقاذها لأنعاش أقتصادها . كما أن ذلك أدى ويؤدي الى وقوع المالية العامة الأمريكية فيما يسمى ( الحلقة المفرغة للدين ) التي تعني أن الزيادات المترتبة على خدمة الدين تؤدي الى زيادة الأنفاق العام ثم زيادة عجز الموازنة وهو الأمر الذي يتطلب المزيد من الدين العام وهكذا. 2 - الآثار على مستوى الأقتصاد الدولي : يمكن تشخيص وتصور بعض هذه الآثار كما يلي : أ – نتيجة تراكم الدين العام الأمريكي وبلوغه مستويات فلكية من جهة ودخوله من جهة أخرى في لعبة شروط رفع سقف هذا الدين بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري (كما حدث في شهر آب من عام 2011 وفي كانون الثاني من هذا العام 2012) والأنعكاسات السلبية لهذه اللعبة على الملاءة والجدارة المالية للولايات المتحدة والشكوك في قدرتها على تسديد ألتزاماتها المالية لحاملي سنداتها وخدمة ديونها وتنفيذ سياساتها وحزم أنقاذها لأنعاش أقتصادها، فأن هذا أدى
1 – من أهم هذه المؤسسات موديز وستاندرد آند بورز وهي أمريكية لايمكن الجزم بموضوعيتها في التصنيف ، حيث تدل التجارب أنها وضعت كثير من الدول والمؤسسات المصرفية والمالية في مستويات أئتمانية عالية لاتستحقها مثل أمريكا و اليونان وأسبانيا والبرتغال وأيرلندا وأيطاليا ودبي . حيث ثبت أن هذه الدول والمؤسسات تعاني فعلا من صعوبات في تسديد ديونها وأن جدارتها الأئتمانية محل تساؤل . أن كل مافعلته بالنسبة للولايات المتحدة رغم النمو المستمر في عجز موازنتها ودينها العام ، وهي مؤشرات أساسية في التصنيف ، أن غيرت تصنيفها من ثابت الى غير مستقر ، وكذلك فعلت مع فرنسا مؤخرا . 2 – يتداول الأقتصاديون نسبا قد تعتبر أمينة تتعلق بعجز الموازنة العامة ومستوى المديونية العامة . فهم يشيرون الى نسبة 3% من الناتج المحلي الأجمالي كحد أعلى لعجز الموازنة ، و50% من الناتج المحلي الأجمالي كحد أعلى للدين العام . وفي تقديرنا أن هذه النسب قد لاتكون في كل الظروف كذلك ، لأنها قابلة للتغيير زيادة ونقصانا أعتمادا على مجموعة متغيرات أقتصادية مثل : حالة النشاط الأقتصادي (ركود أو أنتعاش ) ، وقدرة الدولة على الأيفاء بألتزاماتها المالية ( مستوى ومرونة الضرائب والنفقات العامة وكذلك الأملاك العامة ) ، وأمكانات الحصول على المزيد من القروض وأعادة جدولة الديون بشروط ميسرة ، والأهم من كل ذلك كفاءة أستخدام هذه القروض ( لأغراض أستثمارية أو أستهلاكية ) . 14 وسوف يؤدي الى حدوث تسونامي بالأسواق المالية المحلية والأسواق المالية العالمية لترابطهما الأئتماني الشديد . وفي ظل الركود الأقتصادي العالمي الحالي فمن المتصور أن هذا الأضطراب في أسواق المال ، الذي نشاهده الآن بشكل جلي حيث فقدت أغلب هذه الأسواق في مختلف القارات أكثر من ربع قيمة مؤشراتها ، سوف يؤدي الى تعزيز الأزمة الأقتصادية والمالية العالمية الحالية وصعوبة الخروج منها والتي يمكن أن تكون في آثارها أسوء من مثيلتها أزمة 29 – 1933 .
ب – والأهم من ذلك أن أصدار المزيد من السندات الأمريكية ، التي تباع عن طريق طبع المزيد من الدولارات وعن طريق سحب جزء من طوفان الدولارات في الخارج في أكبر عملية تدوير تمثل أضخم عملية سطو ونصب في التاريخ لديمومة تمويل الدين الأمريكي الذي كما يبدو ليس له سقفا ، أدى الى أنهيار قيمة الدولار الذي فقد ما يقارب نصف قيمته منذ عام 2000 حتى الآن ، وهو الأمر الذي يعني فقدان وخسارة الحقوق والقيم الأقتصادية والثروات والأحتياطات المقومة بالدولار التي تملكها الدول بنفس النسبة .
خامسا – حتمية أنهيار نظام النقد الدولي ( نظام برتن وودز ) : في هذه الفقرة الختامية من البحث تركيز لما ذهبنا اليه في الفقرات السابقة حول أسباب وآثارالنمو السرطاني للدين الأمريكي على النظام النقدي الدولي الحالي للوصول الى أستنتاجات محددة متوقعة وكما يلي : أ – النظام النقدي الدولي الحالي يستند على ما يمكن تسميته القاعدة النقدية الدولارية أو الدولار غير القابل للتحويل الى ذهب ، بعد أن كان قابلا للتحويل لغاية 1971(قاعدة الصرف بالذهب). هذا الأمر وفر للولايات المتحدة الأمريكية تمويلا غير محدود لعجزها المزدوج في الموازنة العامة وميزان المدفوعات عن طريق الأقتراض بشكل البيع المستمر لسنداتها والتوسع في طبع الدولار دون أن يشكل ذلك عبءً على أقتصادها ، وهو الأمر الذي عزز ثقافة الأستهلاك المفرط لديها من جهة ،وأساس أستمرارية نموها الأقتصادي من جهة أخرى ، دون أن يكون كل ذلك مستندا على أقتصاد يملك العوامل الذاتية للقوة والحيوية والديناميكية والقدرة التنافسية بل أضحى ما يمكن تسميته (أقتصاد الفقاعة)، مما أوقعها في سلسلة من الأزمات الأقتصادية والمالية التي حاولت معالجتها بسياسات (التيسير الكمي) وحزم الأنقاذ وضخ المزيد من السيولة وتخفيض أسعار الفائدة . وهو الأمر الذي أدى الى تفاقم معضلتها الأقتصادية ، التي لاتعالج ألاٌ بمزيد من المديونية وأغراق العالم بالدولارت لكونها معضلة بنيوية مرتبطة بطبيعة التطبيق الأمريكي الخاطئ والمنحرف للنظام الرأسمالي ، الذي أخذ نموذجا أمبراطوريا معتديا على الدول الأخرى وخاصة النامية ( كما هو الحال في النموذج البريطاني الذي سبقه ) .
15 ومن الواضح أنه لولا سياسات حزم الأنقاذ وتوفير السيولة وتخفيض سعر الفائدة في الولايات المتحدة والأتحاد الأوربي وبريطانيا واليابان لأنهار النظام الأقتصادي والمالي والنقدي الدولي برمته ودخل العالم في أزمة أقتصادية أسوء من أزمة 29 – 1933 . لكن هذه المعالجة غير الجذرية لايمكن أن تستمر وأن تحقق أهدافها لأنها مبنية على قاعدة ( معالجة الديون بمزيد من الديون ) وبالتالي لابد من أن تتجدد أزماتها الأقتصادية والمالية وأرتداداتها ، وهو ما نشاهده الآن وبشكل واضح ( وربما بشكل أسوء في المستقبل ) في حالات الأضطرابات الشديدة في أقتصادات هذه الدول كما تعكسه مؤشراتها في أسواق المال والتضخم والبطالة 1 .
ب – أدى الوضع أعلاه على مستوى تضخم الأنفاق والعجز والمديونية في الأقتصاد الأمريكي الى نمو هائل بشكل فقاعة في النشاط الأقتصادي صاحبها أتجاهات تضخمية في أسعار الأصول العينية والمالية ، عززها خلق أدوات مالية جديدة تحوطية من مشتقات وخيارات ومستقبليات أدى بالتالي الى نمو سرطاني للقطاع المالي المضاربي شكل أكثر من 75 % من أجمالي النشاط الأقتصادي على حساب أنشطة القطاعات السلعية التي هي الأساس لأي تطور ورفاهية حقيقية . ومن طبيعة هكذا قطاع أنه قابل للتعثر والأنفجار لكونه مبني على التوسع غير المحدود في الأئتمان والمديونية والتوريق والمشتقات وبأدوات مالية مضاربية مبتكرة تعتمد الواحدة على الأخرى بشكل هرمي مكونة سلسلة مترابطة لكنها قابلة للأنهيار عند حدوث أي تعسُر في أية حلقة من حلقاتها (مثل أزمة ألأئتمان العقاري ) تؤدي الى أنهيار صرحها المالي المضاربي الهرمي الأجوف ساحبة معها باقي القطاعات الأقتصادية وكل أقتصادات الدول المترابطة معها بحكم العولمة متجلية في أوضح صورها في الأزمة الأقتصادية والمالية العالمية الحالية التي أندلعت منذ عام 2008 .
1 – سبق وأشرنا في أكثر من بحث أن الأزمة الأقتصادية والمالية العالمية الحالية التي أبتدأت تتجلى منذ نهاية عام 2007 وأنفجرت عام 2008 ولا زالت مستمرة هي أعمق بكثير مما يحاول بعض الأقتصاديين تصويره . ورغم أن تداعياتها كانت ولا زالت كارثية على مختلف الأقتصادات وبالأخص على الدول المتقدمة ألا أن الآتي أعظم ، كما لاحظناه في ردود الأفعال الأقتصادية على تمثيلية أزمة سقف الدين الأمريكي . راجع : - د . جليل شيعان ضمد البيضاني ، حرب العملات والنظام النقدي الدولي ،مصدر سابق . - د . جليل شيعان ضمد البيضاني و د . شعبان صدام الأمارة ، متطلبات أدارة الأحتياطات ألأجنبية ،مجلة القادسية للعلوم الأقتصادية, جامعة القادسية ،مجلد13،العدد 1، 2011 .
16 ج – في ضوء ماذكرنا أعلاه يتضح أن الأقتصاد الأمريكي في حالة خطر حقيقي وهو معرض للأنهيار في أي وقت من الأوقات . فأستمرارية نموه وتطوره ورخائه وحيويته وقدرته التنافسية قد أرتبط ولازال يرتبط بشكل حتمي بنمو عجز الموازنة والدين العام الممول بمزيد من المديونية والأصدار النقدي الذي أغرق العالم بالدولارات التي تعتبر القاعدة الأساس للنظام النقدي الدولي الحالي . وأصبح الأقتصاد العالمي يعيش مفارقة تثير أكثر من تساؤل حول القيمة الحقيقية للدولار والجدوى الأقتصادية من الأحتفاظ به ؟ فمن جهة لاتوجد مقابل هذه الدولارات أحتياطات غير دولارية بنسبة معقولة ( مثل الذهب والعملات الأجنبية الأخرى ) ، ومن جهة ثانية فأن الأقتصاد الأمريكي المريض وهو يعيش حالة الأزمات المتتالية والركود الأقتصادي لا يستطيع أن يكون ضامن حقيقي لهذه الدولارات . وبالتالي فأن الولايات المتحدة راهنت ولازالت تراهن على النظام النقدي الدولي بشكله الحالي الذي لازال يعتمد بنسبة كبيرة على الأحتياطات الدولارية رغم التآكل المستمر في قيمتها. وهو أمر لايمكن أستمراره لأنه على الضد من مصالح جميع الدول التي فقدت ولازالت تفقد نسبا كبيرة من قيمها الأقتصادية وثرواتها المتراكمة عبر المبادلات والتسويات الدولية . لقد أصبح النظام النقدي الحالي يمثل عملية سطو منظم ومن خلاله تم تنفيذ أكبر عملية سرقة في التاريخ لموارد الدول الأخرى لصالح الولايات المتحدة ( لايعادلها سوى عملية النهب المنظم من قبل الدول الأستعمارية لموارد الدول التي خضعت لسيطرتها ). الغريب أنه رغم وضوح هذه الصورة لدى جميع الدول ألا أن ردود أفعالها لازالت ليست بالمستوى الذي يفترض لضمان مصالحها الآقتصادية . ولقد أعطيت تفسيرات وحجج لهذه الحالة الشاذة التي ترتضي بها الدول هذا النوع من السرقة وعمليات السطو لكنها غير مقنعة من الناحية الموضوعية . وحتى لو رصدنا أتجاها أيجابيا لمعالجة هذا الوضع الشاذ متمثلا بالأنخفاض المستمرللأهمية النسبية للدولار في الآحتياطات الدولية ألاَ أن سرعة هذا الأتجاه لازالت بطيئة جدا مما يثير تساؤلا مشروعا لماذا تقبل هذه الدول مثل هذا الوضع ؟ لماذا تقبل أن تسرق ؟ لماذا تقبل أن ينقل جزء من مواردها وثرواتها وأحتياطياتها وأدخاراتها دون مقابل الى الولايات المتحدة الأمريكية ؟ هل هو الخوف من القوة الأمريكية الذي يحول دون ذلك؟ أم أنها تعيش حالة مرضية ماسوشية masochism تتلذذ فيها أن تكون الضَحية ؟ أم ماذا ... ؟ د - لقد كانت هناك فرصة ذهبية أمام الدول في عام 1971 ، عندما تخلت الولايات المتحدة عن ألتزامها بتحويل دولاراتها الى ذهب ، للتخلص من هيمنة الدولار والنهب المنظم ، وذلك عن طريق العمل الجاد لوضع ترتيبات وأسس لنظام نقدي دولي جديد يتميز بالكفاءة والمرونة في أداء وظائفه كما يحفظ حقوق جميع الدول . علما أن مثل هذا التحول ليس أمامه أية عقبات حقيقية لايمكن تجاوزها ، كما أن هناك الكثير من البدائل للنظام النقدي الحالي ممكن تصورها وتطبيقها ، بل أن بعضها تم تطبيقه فعلا ولكن بشكل محدود . فما هي هذه البدائل ؟
17 سادسا - البدائل المحتملة للنظام النقدي الدولي الحالي : 1 – البديل الأول : العودة الى نظام قاعدة الذهب باعتبار ان الذهب يتميز بثبات نسبي في قيمته الحقيقية و يحوز على ثقة المتعاملين والمدخرين . ورغم جاذبية هذا البديل الاٌ انه من الناحية العملية والموضوعية يبقى الذهب محدودا في عرضه لايستجيب بديناميكية لمتطلبات السيولة الدولية للأيفاء باحتياجات التبادل الاقتصادي الدولي ونموه ،هذه الاستجابة التي تمثل احد شروط النظام النقدي الناجح . اضافة الى ان قيمة أية عملة هي بالحقيقة تستند على قوة اقتصادها وحيويته وطاقته الانتاجية .
2 – البديل الثاني : يتعلق بأقتراح كينز في مفاوضات برتن وودز 1944 حول النظام النقدي الدولي المتضمن تنظيم السيولة والأحتياطات الدولية من قبل مؤسسة دولية متعددة الأطراف مثل صندوق النقد الدولي وتمنح صلاحيات خلق وأدارة وحدات التسوية وآلأحتياطات الدولية الجديدة ( مثل حقوق السحب الخاصة أو أية عملة دولية خاصة يتم الأتفاق عليها بعيدا عن أية عملة تعود لبلد بعينه ) . في تقديرنا أنه رغم وجاهة هذا المقترح ألا أنه تعترية بعض المصاعب المحتملة لعل أولها : أحتمالية خضوع هذه المؤسسة المتعددة الأطراف لتأثير القوة المتنفذة في العالم كما حدث فعلا بخضوع صندوق النقد الدولي وهو مؤسسة دولية متعددة الأطراف الى الولايات المتحدة الأمريكية . ثانيا : وحتى لو لم يقع مثل هذا التأثير فهناك أحتمالية حصول تضارب في المصالح والسياسات المالية والنقدية الأمر الذي يجعل من الصعوبة التوافق بين الدول المكلفة بأدارة مثل هذه المؤسسة الدولية ( وهي في الغالب الدول المتقدمة الأكثر تأثير في الأقتصاد العالمي ) . وفي أحسن الظروف قد تتواطئ هذه الدول علي حساب الدول النامية . كما أن الكلف المرتبطة بتأسيس وأدارة مثل هذه المؤسسة قد تشكل مأخذا جديا في هذا المجال.
3– البديل الثالث : يتعلق بمقترح أنشاء بنك مركزي عالمي يتولى مهمة أصدار وأدارة عملة دولية لأغراض التسويات والأحتياطات . وهذا المقترح في حقيقته مقارب للبديل الأول وما يؤخذ عليه يمكن أن يسري على الثاني . 4– البديل الرابع : وهو في تقديرنا تم فرض نفسه من الناحية العملية في الوقت الحالي ولو بخطى وئيدة ولكنه سيتسارع بمرور الزمن مشكلا بديلا أفضل يتجاوز مآخذ النظام النقدي الدولي الحالي وكذلك مآخذ البديلين المقترحين الأول والثاني أعلاه . هذا البديل يمكن أن يأخذ الصورتين التاليتين :
18 أ – الصورة الأولى : تتضمن أعتماد كل دولة على تكوين أحتياطياتها الدولية من الذهب أضافة الى سلة عملات أبرز الدول المتقدمة التي تسمح بأعتمادها لهذه الأغراض مثل الدولار واليورو والجنية الأسترليني والين ( وهو ما واقع فعلا الآن ) . على أن تقوم بأدارة مكونات هذه السلة من العملات لتحديد الأهمية النسبية لكل عملة وفق توقعات تحركات أسعار صرفها تجاه العملات الاخرى وأهميتها النسبية كشريك تجاري لضمان الحفاظ على قيم أحتياطياتها من التآكل . المشكلة هنا ، أن هذة الصورة قد لا تكون مضمونة النتائج في الحفاظ على قيم هذه الأحتياطات لأن ما أنطبق على الدولار من ناحية التمادي في أصداره والتدهور المستمر في قيمته يمكن أن ينطبق على العملات الرئيسية للدول المتقدمة الأخرى . ب – الصورة الثانية : وهي ما نعتقد أنها ستشكل البديل الأفضل للنظام النقدي الحالي والتي تضمن حقوق كل الدول وبعيدا عن مآخذ البدائل الأخرى التي تم ذكرها . وتتضمن هذه الصورة أن تقوم كل دولة بوضع ترتيبات خاصة مع شركائها التجاريين سواءاً كانوا من الدول المتقدمة أو النامية بشكل ثنائي أو ثلاثي أو رباعي ... أو حتى ضمن تجمع أقليمي وذلك بأعتماد عملاتها ( أضافة الى الذهب ) في تسوية مبادلاتها التجارية مثلما هو حاصل كما يبدو بين الصين واليابان وبين الصين وتركيا وبين الصين والبرازيل . وهذا يعني ان كل دولة سوف تعمل على تكوين أحتياطاتها من الذهب والعملات الاجنبية التي تتلائم وآحتياجاتها مع شركائها التجاريين وتغيرها مع تغير هؤلاء الشركاء . أي أن النظام النقدي الدولي يتوقف أن يكون دوليا بل يتشظى الى مناطق نقدية متعددة تتعدد بتعدد الأتفاقات الثنائية أو الثلاثية أو المناطق الاقتصادية والتجارية و المكونة من مجموعة دول متقاربة او متباعدة .
19
المراجع - أندريه بيرغ وكاثرين باتيللو , تحدي التنبؤ بالأزمات الأقتصادية ، صندوق النقد الدولي – سلسلة قضايا أقتصادية (22) ، 2000 . - الجمعية العربية للبحوث الأقتصادية ، الأقتصادات العربية وتطورات ما بعد الأزمة الأقتصادية العالمية ،( مجموعة بحوث المؤتمر العلمي العاشر ) ، بيروت 2009 . - روبرت موندل ، الخيارات النقدية الدولية ، مجلة كيتو ، المجلد3 ، العدد1 ،1983 : http://www.misbahalhurriyya.org/policies/show/262.html _عبد المجيد قدي ، الأزمة الأقتصادية الأمريكية وتداعياتها العالمية ، مجلة بحوث أقتصادية عربية ، العدد ( 46 ) ، 2009 . - Benjamin J. Cohen , The future of reserve currencies , Financial and Development Report ,IMF , 2009 . - http://www.publicdebt.treas.gov - http://www.project-syndicate.org
20
المصادر - د. أبراهيم ألسقا ، الأنفاق العسكري والدين العام الأمريكي http://www.aleqt.com/2011/07/29/article_563700.html - د . بلقاسم العباس ، ادارة الديون الخارجية ، المعهد العربي للتخطيط ، أصدارات جسر التنمية ،العدد (30) ، 2004 .
- د. حازم ببلاوي ، نظام النقد الدولي ، الجانب المجهول من كينز http://www.ecorim.net/index.php/2011-04-02-16-58-10/143-2011-05-21-14-23-01 - د. جليل شيعان ضمد البيضاني ، حرب العملات والنظام النقدي الدولي ، مجلة الأدارة والأقتصاد ، جامعة كربلاء ، العدد 2 لعام 2011 .
- د. جليل شيعان ضمد البيضاني و د . شعبان صدام الأمارة ، متطلبات أدارة الأحتياطات الأجنبية ، مجلة القادسية للعلوم الأقتصادية ، جامعة القادسية ، مجلد 13، العدد 1، 2011 .
- روجر التمان وريتشارد هاس ، امريكا وأدمان الديون : في مجلة الاهرام الاقتصادي، العدد 126 تشرين الثاني 2010 ، القاهرة . - مورت زوكرمان ، أمريكا المفلسة بحاجة الى التقشف : http://www.aleqt.com/2011/07/23/article_561696.htm -Barry Eichengreen , The bear of Bretton Woods ; http://www.project-syndicate.org/commentary/eichengreen29/English - usdebtclock.org
#جليل_شيعان_ضمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دراسة جديدة تشرح كيف يصل الذهب إلى سطح الأرض
-
السيسي: التحديات الإقليمية أفقدت مصر 7 مليارات دولار
-
تراجع معظم بورصات الخليج وسوق دبي عند أعلى مستوى في عقد
-
آمال النمو الاقتصادي في أميركا تقود العملة الخضراء للارتفاع
...
-
النفط يهبط وسط تقييم لإجراءات تحفيز اقتصادي في الصين
-
المركزي المصري يبقي على أسعار الفائدة دون تغيير
-
الذهب يرتفع بدعم من الطلب على الملاذ الآمن
-
الجمعة 27 ديسمبر 2024 .. أسعار الذهب في السودان اليوم وانخفا
...
-
قبل العمرة .. تعرف على سعر الريال السعودي في السوق الموازية
...
-
آخر التحديثات في البنوك المصرية .. سعر اليورو في البنوك المص
...
المزيد.....
-
الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل
/ دجاسم الفارس
-
الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل
/ د. جاسم الفارس
-
الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل
/ دجاسم الفارس
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|