|
إشارات لضرورة إدماج التطوير الذاتي في الوسط التعليمي
همام الزياني
الحوار المتمدن-العدد: 3628 - 2012 / 2 / 4 - 19:31
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
إن الوسط التعليمي هو المحك الذي يختبر نجاح أو فشل السياسة التعليمية، و هو الحكم على قدرة هذه الأخيرة على أن تضمن التكافل ( التأثير المتبادل) الإيجابي بين الوسط و غيره من الأوساط الأخرى، التي تسند بعضها البعض،من أجل تحقيق هدف يسمو فوق كل الأهداف، و هو تكوين و تخريج مواطن كوني متزن نفسيا بنيله لكل الاحتياجات النفسية على النحو السليم، متحكم بذاته بأساليب البرمجة و الرياضة الذاتية، و مبدع فكريا و شعوريا، بممارسته للتفكير العلمي الايجابي، و استفادته من طاقته الداخلية الهائلة، لتحقيق آماله و أحلامه، و مواجهة كل السياقات السلبية بروح رياضية و بتفتح نفسي و عقلي لائق، إنه المواطن الكوني أخلاقيا، و فكريا، و شعوريا، مواطن يخدم مجتمعه ووطنه، مواطن وصل لدرجة الوعي الذاتي. الوسيط الأساس من بين وسطاء الوسط التعليمي، و الحامل لصلاحية منح العلم الأزرق كإشهاد بنقاء و صفاء المناخ التعليمي، هو التلميذ، الذي ليس و فقط تعبيرا عن حالة إنسانية تنحصر في زمن و مكان الخطاب، بل تاريخية تضم تراكمات السيرورة و الصيرورة التعليمية بمساوئها التي لا تحتاج إلى حجة إثباتية و محاسنها التي تستدعي منا مجهرا ميكروسكوبيا للعثور على بعض منها في هذه التاريخية ( التلميذ، الوسيط) المتهالكة. هذا الوسيط هو ضحية لعبة التملص من مسؤولية البناء الإنساني، بتراشق التهم بالتقصير بين مختلف الأوساط الشريكة، و يحاول الوسيط الكفيل ( الجهاز الحكومي) إعادة المصالحة مع غيره من الوسطاء، بنية تحميلها جزءا من المسئولية، و إقحامها في مهمة البناء، فنسمع عن ثنائية ( الأسرة و المدرسة)، ( السينما و المدرسة)، ( هيئات صناعة الكتاب و المدرسة....)، إلا أن الأهداف التي أشرت إليها في البداية تأتي في الهامش و تتحقق بشكل غير مقصود، إذ المراد من كل الثنائيات، أرْقَمتُ سجلات المهرجانات، و تتويجات النجاح، لضمان استمرار ضخ الايرادات المالية، و الحفاظ على ورقة الاعتماد، فالكل يستفيد من هذه الثنائية إلا من لأجله صممت و لخدمته كانت و لسعادته ظهرت، الكل يستفيد إلا هذه التاريخية المتهالكة على صغرها و هذه البنية العقيمة على عذريتها، الوسيط الأساس ( التلميذ). لقد فهمت لوبيات التعليم الخاص، قيمة الجودة في بناء الذات، و علمت أن من بين المشاريع الناذرة في وطننا، مشاريع الاستثمار في الذات الانسانية بهدف الرفع من كفاءة أدائها، كذات ذكية، و لها مؤهلات داخلية فائقة للمألوف، فعملوا على الفهم و انتاج المنهج الذي يترجم الفهم، فكانت ان استقطبت أعداد لا يستهان بها ، كان يفترض أن يستفيد منها الوسط التعليمي العام، كنماذج محفزة و مبلورة للخطة الفصلية، و البرنامج المؤسساتي، و للسياسة الحكومية. إن التعليم الخاص و الأجنبي بالدرجة الأساس، أثبت جدارته على تطوير الذات الإنسانية، ليس كذات تتمتع بمهارات رياضية و منطقية في الفهم و حل المسائل، بل كذات تفكر و تحس و تشعر، و تتحرك. فإلى جانب الخط الذي تمنح له خمس نجوم في تطوير و تنمية المهارت الفكرية و المنطقية و الرياضية، نجد خطا موازيا ثانيا، لتنمية الذكاء الاجتماعي و التواصل وسط السياقات الاجتماعية، الأسرة، المؤسسات الاقتصادية، المؤسسات التجارية... لا يقل تقييمه عن الخط السابق، ويصاحب الخطين خط تنمية الذكاء العاطفي، لتفهم الذات مشاعرها و أحاسيسها و تعرف كيف تتعايش مع التجارب العاطفية و تتقبل نتائجها و تتغلب على السيء منها. أما الوسط التعليمي العام، لا زال حقل تجارب للنظريات المستوردة، و العيب ليس في النظريات، لأن الحكمة ضالة المؤمن حيث وجدها أخذ بها،بل العيب في التنزيل و التكييف و التحيين، و العيب في عدم الاتعاض، فقد قال سيدنا علي كرم الله وجهه ( في كل تجربة موعظة)، كيف ينتج جهاز حكومي وصي على السواد الأعظم من الوطن، سياسة تعليمية ناجحة، و نظريات منتجة في الحقل التعليمي، و هي تفتقد إلى مختبر للبحث التربوي التجريبي، إلى خلية عملاقة للترجمة الكونية، إلى خلية للمتابعة على غرار المتتبعين لسعر العملات و براميل النفط و الذهب يوميا، إلى تكنولوجيا البحث العلمي التربوي و التتبع المستمر، إلى مركز وطني لتكوين المكونين المراقبين بدل ( المفتشين) لتحيين مناهج تكوينهم و تقديمهم لمشاريع عمل سنوية و متابعتها ثم تقديمهم النتائج العملية لهذه المشاريع التي ينبغي ألا تقل نسبة نجاح المشروع عن خمسين بالمئة، إلى مركز وطني للتكوين الإداري و التسيير الجماعي، لغرس روح العمل الجماعي لدى المدراء، و تعودهم على أساليب العمل بروح الفريق و ما يقتضيه من تمتع بمعايير عالية الجودة.... و غيرها من المقترحات التي جاءت من الملاحظة العفوية و من التامل الذاتي.
لقد خبرنا الوسط التعليمي و كنا الطرف المستقبل/ المنتج ( التلميذ) و خبرناه و نحن مكونين و معليين و مربين لمدة لم تتجاوز الخمس سنوات، لكنها كانت كافية لتثير اشمئزازنا من واقع التعليم، و تلتهب بداخلنا شرارة الغيرة على عطائنا، على الذات المستقبلة التي تستهلك دون أن تستحيل إلى تحفة منحوتة خالدة، بل تستهلك لدرجة الإفناء، على الأمانة التي ضيعها و يضيعها من وسطاء الوسط التعليمي، فساد و عقم المنهاج التعليمي، إلا ما برز من الجهود الذاتية. إن تجربتنا مع التلاميذ من من زاوية معاشرة نفسية و فكرية و سلوكية، لمحنا خضوع التلاميذ للبرمجة السابقة، و اشتغالهم بها بشكل تلقائي، و من قنوات البرمجة السلبية، الأسرة( الوالدان) و إن كان التعبير اللغوي يعبر عن رفضهم لتوجه آبائهم، مما يعبر عن عجزهم عن التخلص من البرمجة السلبية السابقة، لعدم توفرهم على تقنية فعل ذلك رغم أنها بسيطة من حيث الفهم النظري، و متوسطة من حيث التدريب الذاتي لرؤية النتائج، المدرسة قبل المستوى الثانوي التأهيلي، الأصدقاء، الإعلام، الحديث مع الذات، فمن خلال جلسات الاستماع التطوعية التي قمنا بها تبين أن أغلب التلاميذ يستعملون المستوى الأول من الحديث مع الذات و هو " الإرهاب الداخلي" حيث يبعثون إشارات جد سلبية إلى مركز العقل الباطن، خاصة ما يتعلق بالشخصية التعليمية، و هو يخلق التقبل السلبي، و الحضور إلى الفصل الدر اسي بالتقبل الايجابي الوهمي، أي استصحاب شخصيته داخل المقهى، جلسات السمر، نوادي الإنترنت، الملاعب الرياضية، تلك الشخصية التي يعيشها حينئذ بالتقبل الإيجابي الوهمي، و ما يزيد من يقين التقبل الايجابي الوهمي الذي هو تقبل سلبي، فرض أطر التدريس للباس معنوي يراه التلميذ ليس على مقاسه و ليس من ذوقه، فهم لا ينتبهون إلى حصول شرخ في بنائه التعليمي، حدوث بتر لسيرورة التعليمية الفعالة التي تبرمج إيجابيا و تطور فكريا و شعوريا و عاطفيا، و السر يمكن في استخدام تقنيات التنمية البشرية من طرف الأطر لرفع مستوى الحديث مع الذات إلى التقبل الايجابي الحقيقي. إنهم يفتقدون إلى الاحتياجات النفسية الطبيعية، التي تمنح فطريا لمختلف ممالك الثدييات و غيرها، و الوسط التعليمي بجفاء أسلوبه يقر بالكائن الإنساني كذات بدون احتياجات نفسية، فماذا ينتظر من هذه الذات ان تعطي إن كانت فاقدة أصلا للمحرك. أنهم يستهجنون الابتكار و الابداع، لاستنزافهم من طرف طريقة إلقائية عمودية الأنشطة فيها لا تتجاوز حدود تجارب لا تمتع و لو عينه فكيف تدغدغ فكره، فألفو كسل الأخذ، و يعتبرون كل دعوة للابتكار و الابداع من طرف استاذ مجد و مبدع دعوة شاقة متعبة، انى لها أن تجد صدى في عهن كسل أكل عليه الدهر و شرب. أنهم يعانون من أزمة الفعل الاستراتيجي الذي ينم عن فوضى في التفكير و الجو النفسي الداخلي، فاجاباتهم داخل الفصل، و الإجابة عن الاختبارات المحروسة للقدرات المهارية و المكتسبات المعرفية، و عروضهم داخل الفصل و خارجها و طرقها... تعبر بالملموس عن أزمة الفعل الاستراتيجي. الانضباط يفرض داخل الفصول الدراسية، تبعا لقدرة الاستاذ على فرضه بقوة شخصيته، و هو خطأ قاتل لأن الانضباط قبل أن يكون سلوكا هو ملف راسخ في العقل الباطن، إن الانضباط لا يعني الصمت، بل المداومة على التواصل و التفكير و العطاء أثناء الحصة الدراسية، و هو قيمة سلوكية تأتي من القدرة على التحكم في الذات و إدارتها، و موضوع الإنضباط هي عقدة الفصول الدراسية، و حله يأتي من تطوير شخصية الأستاذ لتكون شخصية فاعلة ممغنِطة، و اعتماد أساليب التطوير الذاتي و التنمية البشرية لترسيخ تلقائية الانضباط لدى التلاميذ. رزوح أغلب التلاميذ تحت نير التفكير السلبي، الذي ينتج أحاسيس سلبية و سلوكيات سلبية، و في الأخير نتائج سلبية نفسيا و عضويا، إن الوسط التعليمي، يقدس معلومة الكتاب المدرسي، و معلومة المذكرات المحلية و الأكاديمية و الوزارية، و يحتقر بل لا يكترث للفكرة، و كيفية حمايتها من الارتماء في أحضان السلبية، إن منح حرية التفكير للوسط التعليمي مع الالتزام بنسق النصوص المؤطرة، و الابتعاد عن سلطة الاخضاع لكل ما هو خشبي، لا يقل أهمية عن الدفاع الكوني عن حرية الصحافة ( حرية الكلمة و التعبير)، ديمقراطية الوسط التعليمي، تأتي من اعتباره وسطا مشتركا لكل الشركاء، و من أهمهم التلميذ، فوجب أن تكون له حرية التفكير المؤطرة بالبرمجة على تقنيات التفكير الإيجابي و التفكير العلمي. ضمور الرغبة الطموحة، أو ضمور الدوافع التي تعد محرك السلوك الانساني، تشل طاقة الوسط التعليمي، و تعدم قدرته على العطاء الابتكاري و الابداعي، الوسط التعليمي، هو ملاذ البحث عن الذات فوجب أن يكون الأب الروحي للتلاميذ، الذين يخرجون منه و هم في يقين الوعي بالذات و تقديرها و إدارتها. إن كان الوسط التعليمي، يقاس حاليا بالكم، فالواقع يريد كيفا، لا نريد حشو المعلومات، بل نريد منهجا في تعليم طريقة في التفكير المنتج و الابتكاري، و هو من سيبدع في المعلومة و يعرف كيف يسيطر عليها و يتغلب عليها، الأندونيسيين لم يثقلوا ذاكرة الطلبات بالمحاضرات الورقية الطويلة و التي تقاس بعدد الصفحات، في مجال تقنية السيارات، بل حفزوا التفكير الابتكاري و الابداعي، بعد أن أطروا الطلبة بتقنيات التفكير العلمي، ففتحوا لهم الباب لإطلاق العنان لمهاراتهم و قدراتهم و تخيلهم، لتصميم و إخراج سيارة هي الرؤية المشتركة للفريق، فنجحوا في إخراج سيارة أندونيسية فكرة و تصميما وإخراجا، بالامكانات الذاتية، ستنافس منتجات دول صناعية لها تاريخ عريق في مجال السيارات، وواقعنا، تطويق قدرات التفكير الابتكاري، و تطويعه بمهارة يسخر منها الزمان " بضاعتنا ردت إلينا"، مضمونها لا نريد سيارة تتحرك، بل نريد محفوظة اسمها، تقنيات صناعة السيارات. هكذا تعود طلابنا، بل هكذا برمجوا ان يحاولوا بذاكرتهم لا بقدراتهم و مهاراتهم، إنهم لا يفكرون بل يقومون بعملية الاسترجاع الفكري، لا ينتجون بل يحاكون، ببغاوات بشرية ( و آسف على الوصف). إن الجو المدرسي صار جد متوتر،وكل الأطر التي يفرض أن تنسجم في العمل كفريق، لتعيد موجات التوتر إلى ترددها الطبيعي- عشنا تجارب و لا نزال نسمع عنها- تلخص المهمة في اجتماعات سريعة تخرج بنتيجة آنية، هي قرارات زجرية و تأديبية؛ و من خلال إطلاعنا فهمنا ان الغرب قد فهم الأسباب، و منها المتعلقة بالتلميذ، و عمل على إيجاد الطرق و الأساليب الكفيلة بالتغلب على هذا التوتر، فهموا مثلا أن بداية التعليم الثانوي، هي فترة تصل فيها التقلبات الهرمونية إلى نهايتها، و سن البلوغ يشرف على إكمال دوره الفيزيولوجي و الابستيمولوجي..إلخ، فهموا اصطحاب التلاميذ لأثر الثقافة الشعبية و تأثرهم بضغط النظراء، إنهم فهموا أن توتر الجو المدرسي، أشبه ما يكون بعضة الثعبان (السم القاتل) التي تحتاج إلى علاج مستعجل بمصل مهيأ سلفا و أثبت جدارته العلاجية،إن مرحلة التعليم الثانوي التأهيلي، مرحلة لإكمال النضج، و كل من خرج من هذه المرحلة و لم يكتمل لديه النضج كمفهوم كلي، نعتبره ضحية من ضحايا الوسط التعليمي. إن من مظاهر توتر الجو الدراسي التي عايشناها بالتجربة، العنف المدرسي الذي هو مشكلة وطنية، بل التقارير تشير إلى أنه من المشاكل العالمية، بنوعيه النفسي و البدني، و النفسي أكثر حضورا و ناذر الإدراج في التقارير التي تعتمد كمصدر للاحصائيات. و هو يحتاج إلى برامج ذكية و متخصصة لتغلب عليه. و من مظاهر توتر الجو المدرسي دورة الصراع على المستوى الأفقي ( النظراء-النظراء) و المستوى العمودي ( النظراء- الأطر)، و الدراسات الاجتماعية تلخص المسار الحلزوني للصراع في ( عدم الثقة، الاستفزاز، التصعيد،طريق مسدود). و بالتجربة نجزم أن هذه هي العناصر الجوهرية المكونة لقضية الصراع داخل الوسط التعليمي، و تجنبنا الصراع من خلال خلق مسار حلزوني عكسي، استنتجناه بالتأمل الذاتي لكنه كان استنتاجا علميا عملاقا، سبقنا إليه رواد التواصل الاجتماعي، التغلب على الصراع يأتي من التعاطف و هي القوة التي تزرع الأمان في منطقة الاحتياجات النفسية لدى الآخر، و بعدها التقبل لإشعار الآخر بوضعه الاعتباري كشخصية فاعلة، ثم التبادل كشرط حتمي للتقبل، و بعدها حصلنا على الاستمراية النسبية. العبارة القائلة "الشخص الذي يتم جبره على الاقتناع لا يقتنع أبدا"، و التلميذ/ الوسيط الأساس، في كثير من الأوساط التعليمية هو ضحية، الاجبار على الاقتناع، و من مظاهره: - أسلوب التدريس لا يعتمد على طرق الاقناع التربوية. - الغلاف الزمني لا يقسم بالسوية بين مراحل دراسة الفكرة، حتى تختم بالتبني. - عدم الايمان بالتبادل أثناء الحصة الدراسية ( حرية التفكير المؤطرة). - غموض بعض عناصر الفكرة، و عدم وضوح صورتها المعنوية في ذهنية المتواصل/ التلميذ. - تقزيم زمن الاستماع للمتواصلين على حساب التكلم من طرف المدرس. - سلطة الاختبارات المحروسة، التي تعتمد كثيرا على الاسترجاع الفكري. - التجاهل بدل التحفيز، التخطيء بدل التصويب، و الرفض بدل القبول. - الاقناع بما يحقق رضا المخاطِب لا ما يحقق رضا المخاطَب. الوسط التعليمي قد تراجعت كفاءته في تطوير العقول و شحذ الهمم و تنمية الكفاءات، لقد صارت عميلة التعليم الذاتي، مفهوما أجنبيا عن الوسط التعليمي، لاستقطابه من طرف الوسط المعلوماتي، المواقع الالكترونية و الشبكات الاجتماعية و البرامج الخدماتية و الهواتف الخولية، هنا تجد التعليم الذاتي يبرز بدرجة امتياز، لكن نتائجة تكون كارثية على مستوى وعي الذات، كنتيجة نهائية لعملية التعلم و التطور. الوسط التعليمي يكرس اليأس، و يقر حينئذ بمفهوم أبناء اللوم، الذين يقرون نتيجة تأثرهم ببرمجة التنشأة الاجتماعية اللتي ليست في الغالب إلا نقاط ضعف الآخرين، بمبدأ ضحية الظروف، و الاستسلام لظلمة الحتمية، الشيء الذي يولد لديهم الاحساس بفقد الأمل و فقد الحافز، و من ثم الوقوع في مستنقع الركود. إن الوسط التعليمي، بدل أن يكون حريصا على ترسيخ مبدأ ترتيب الأولويات من خلال العمل على تدريب الطلبة على الاشتغال بالفعل الاستراتيجي، و نظام التخطيط، نجده وسطا للارتجالية و غياب الإلتزام ... إنه وسط للاتزام بتنزيل النصوص القانونية و المذكرات الوزارية و الاكاديمية، التزام يحتقر الفعل التربوي، و يعبر عن مسار الصراع. الوسط التعليمي أبان من خلال منتجه النهائي و هو الخريج أو منتجه النسبي المنقطع أو المكتفي بشهادة الباكالوريا، عن عجزه على صناعة المواطن الذي ينتقل من مستوى الاعتماد على الآخرين إلى مستوى الاعتماد على الذات و منه ممارسة الاعتماد بالتبادل. إن هذه الملاحظات السريعة التي ليست إلا غيضا من فيض، أبانت لي عن أن قضية التربية و التعليم، لا زالت تعالج بشكل سطحي، مادامت عملية الإصلاح التي يتشدقون بها في كل مرحلة انتقالية، تركز على البرامج التعليمية و تغيير المناهج من خلال تنزيل فجائي بعد استيراد لسلعة ديداكتيكية و بيداغوجية و تسويقها في سوق التربية و التعليم الوطنية دون انجاز دراسة استراتيجة للسوق للوقوف على احتياجاته و معاناته و ظروفه. إن مشكلة التربية و التعليم قبل أن تكون مشكلة برامج و مناهج هي مشكلة الموارد البشرية، مشكلة تتلخص في تجاهل القيمة السحرية لاستثمار الموارد البشرية، و استثمار الطاقات الهائلة التي تتمتع بها، و الكفاءات القوية التي تزخر بها بالفطرة، إنها مشكلة التركيز على صناعة النموذج الإنساني الفعال و السليم. أما التلقين و الاسترجاع من التعليم الابتدائي إلى التكوين العالي، لن يفيد شيئا، لن يفهم المدرس نفسية المراهق الذي يدرسه و يعرف كيف يتعامل معه ليطور ذاته من خلال الدرس الذي يجمعهم، و هو لم يتلقى تدريبا يساعده على وعي ذاته و تفكيره في أفكاره التي ينتجها، ولم يتلقى تدريبا في إدارة الذات و التحكم فيها... إلخ و إن كان قد حصل على نقطة امتياز في مادة علوم التربية، أثناء تخرجه من المركز الجهوي التربوي. إن تجربتي شخصيا تشهد بوضوح الارتجالية في سوء الاستفادة من كفاءة الموارد البشرية و التعامل معها بمبدأ حشو المعلومات و تلقينها، لقد كنت أعاني من عقدة الخوف من الحديث وسط الجماعة، أخاف من المبادرة وسط الغير، رغم أنني كنت مبدعا و مبتكرا على المستوى الفردي و كنت جد مقنع في السياق الثنائي، كنت أبتعد عن أحرج وسط الجماعة. فكيف سأمارس مهنة تفرض علي أن أكون وسط جماعة و أتعامل معها و أفهمها و أقنعها، كنت كثير الصمت ليس لحكمة بل لخجل. بدأ التكوين و استمر و انتهى و مشاكلي التي دخلت بها خرجت بها، و لم أتغلب عليها إلا بعد انفتاحي على مبادئ التطوير الذاتي و التنمية البشرية، بل من خلاها اكتشفت أخطاء أخرى كانت تعطل طاقاتي و قدراتي الهائلة، كانت تجعلني أنغمس في التفكير السلبي و الأحاسيس السلبية لقد تحررت بفعل ذلك العلم، و علمت كيف فوتت المدرسة العليا للأساتذة فرصة ذهبية للاستفادة من قدراتي لو أنها من خلال طاقمها أحسنت قبل البدء بالتكوين فن الاستماع النشيط و أتقنت فن المقابلة الشخصية، و أبدعت استمارة الاستبيان النفسي، و اسندت إلى خلية متخصصة في التطوير الذاتي و التنمية البشرية و الإرشاد النفسي، ملفي لأتخلص من تلك المشاكل، إنني أوكد على أهمية التركيز على طرق و أساليب فهم الذات الإنسانية فهما يسمح باعتماد المنهاج التعليمي أو التكويني المناسب.
#همام_الزياني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مخالفات ضد الصحة النفسية و التدريب على إصلاحها ( الحلقة الاو
...
المزيد.....
-
ماذا فعلت الصين لمعرفة ما إذا كانت أمريكا تراقب -تجسسها-؟ شا
...
-
السعودية.. الأمن العام يعلن القبض على مواطن ويمنيين في الريا
...
-
-صدمة عميقة-.. شاهد ما قاله نتنياهو بعد العثور على جثة الحاخ
...
-
بعد مقتل إسرائيلي بالدولة.. أنور قرقاش: الإمارات ستبقى دار ا
...
-
مصر.. تحرك رسمي ضد صفحات المسؤولين والمشاهير المزيفة بمواقع
...
-
إيران: سنجري محادثات نووية وإقليمية مع فرنسا وألمانيا وبريطا
...
-
مصر.. السيسي يؤكد فتح صفحة جديدة بعد شطب 716 شخصا من قوائم ا
...
-
من هم الغرباء في أعمال منال الضويان في بينالي فينيسيا ؟
-
غارة إسرائيلية على بلدة شمسطار تحصد أرواح 17 لبنانيا بينهم أ
...
-
طهران تعلن إجراء محادثات نووية مع فرنسا وألمانيا وبريطانيا
المزيد.....
-
اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با
...
/ علي أسعد وطفة
-
خطوات البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا
...
/ سوسن شاكر مجيد
-
بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل
/ مالك ابوعليا
-
التوثيق فى البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو
...
/ مالك ابوعليا
-
وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب
/ مالك ابوعليا
-
مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس
/ مالك ابوعليا
-
خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد
/ مالك ابوعليا
-
مدخل إلى الديدكتيك
/ محمد الفهري
المزيد.....
|