سيدة عشتار بن علي
الحوار المتمدن-العدد: 3628 - 2012 / 2 / 4 - 19:30
المحور:
حقوق الانسان
التّجديف هو عدم إظهار تقدير أو احترام تجاه شخصيات مقدّسة في ديانة ما أو تجاه رموز دينية أو تجاه عادات ومعتقدات معينة. وهي التّهمة الّتي وجّهت لنجم الكوميديا طيلة ثلاثين عام الفنّان عادل امام, فقد قضت محكمة مصرية بحبس الممثل عادل إمام ثلاثة أشهر بعد أن أدانته بـ "الإساءة إلى الإسلام" في أكثر من عمل سينمائي ومسرحي .وقد صرّح الفنّان المتّهم عادل إمام(71 عاما) لوكالة الصحافة الفرنسية "إن حكما صدر ضدي بالحبس ثلاثة أشهر بتهمة الإساءة إلى الإسلام" مع دفع غرامة قدرها ألف جنيه مصري (حوالي 160 دولارا,وجاء الحكم الّذي أثار صدمة في الوسط الفني والجماهيري خاصّة وأنّ الثورات الّتي اشتعلت كان دافعها الأساسي الأمل في التّمتع بالدّيمقراطيّة والحرية بما فيها حرّية الإبداع ، وكان القلق قد انتشر في أوساط الفنانين والمثقفين المصريين الذين تملّكهم الذّعر من أن يفرض البرلمان الذي يهيمن عليه الإخوان المسلمون والسلفيون قيودا على حرية التعبير والإبداع,وقد جاء الحكم الّذي صدر ضد عادل إمام حسما لكلّ التساؤلات والقلق,ففي في الوقت الّذي انتظرت فيه الشعوب العربية بجميع فئاتها قطف ثمار ثوراتها,وشمّ نسيم الحرية الّذي حرمت منه لسنوات عديدة هاهو الإحباط والسّواد والدّم يسيطر على المشهد العربي ,فقد آن الأوان لتصفية كلّ من حاول استخدام عقله يوما ما ,وكلّ من كتب رواية أو قصيدة أو قام بعمل فنّي فيه إساءة للشّبشب واللّحية والجلباب الّتي يعتبرها الحكّام الجدد مقدّسات لا يجب المساس بها,بل إنهم يذهبون إلى أبعد من ذلك باعتبارها مساسا بالذّات الإلهية,فماذا يمكن أن نتوقّع بعد هذا الحكم الجائر النّاتج عن نفوس مريضة وحاقدة استغلّت فرصة جلوسها على كرسيّ الحكم لتشرع في توجيه سياط وسيوف نقمتها على المثقّفين والفنّانينن الّذين هم من أفراد هذا الشّعب ,بل انّ الكثير منهم نزلوا الى الشّوارع وشاركوا في الثورة لينتهي بهم الأمر الى التّجريم والمحاسبة,وكلّ جرمهم هو تعبيرهم عن هموم ومشاكل مجتمعهم,فالفن عامة هو أنه نتاج إبداعي نابع من ثقافة الإنسان، وهو التعبير التلقائي عن الذات وهو أيضًا ضرورة حياتيّه كالماء والهواء للبشر وقد يستخدم الإنسان كلّ المواد المتاحة له ليعبر بها عن أحاسيسه ومعتقداته
"سيدي القاضي الموقر: أرجو تجريم هذه المرأة الفاسقة لأنها أصرت على أن تلد طفلا عاريا!!
هي طرفة أمريكية يتذكرها الأمريكيّون من الطّرائف الشعبية الّتي تهزأ بانطوني كومستاكAnthony Comstock وهو متطرّف شهر باهتمامه الهستيري بمقاضاة الفنانين والأدباء والناشرين بتهم الفسق والدعارة . جنّد طاقاته لمحاربة حرية التعبير الفني والأدبي خلال حقبة مهمه من تاريخ صراع المجتمع الامريكي الطويل والمضني من اجل تطبيق وترسيخ ماجاء به الدستور من حريات شخصيه. ويذكر التّاريخ بسخرية واستهجان هذا المتطرف كومستاك بشكل خاص لتمكّنه من شن حمله واسعة عام 1872 تحت عنوان "نعم للأخلاق, ولا للفن والأدب" والتي تمكن فيها من إقناع المحاكم الامريكيه لاتخاذ قرارات نهائيه لنبذ قرابة 16 طن من المواد المنشورة وتجريم 3600 شخص بين فنان وكاتب وناشر حتى ذاع صيته السيئ في ارجاء المعموره فتداول الناس العديد من القصص والطرائف حول تطرفه الأرعن بدعوى حماية الأخلاق والمقدّسات
انّ تداول الأمريكان لقوانين أنطوني كومستوك على سبيل التّندّر والسّخرية يجعلنا ندرك أنّه مازال أمامنا الكثير كي نستطيع ادراك ركب الحضارة الغربيّة الّي يعتبرها السّلفيون والحكّام رجسا من عمل الشّيطان معتقدين وموهمين أنفسهم بأنهم صانعو الثّورة وأنّه آن الأوان ليتمتّعو هم بالحرّية كما يرونها على حساب حرمان غيرهم ,وأستغرب لم يغضّ هؤلاء أبصارهم ولا يحاولون فهم الأسباب الّتي جعلت المجتمعات المتقدّمة تعير اهتماما واسعا لرعاية وصيانة حرية التعبير الشخصي للحد الذي تتبوأ فيه هذه الحريه موقع الصدارة في دساتير هذه المجتمعات وتحتل الفقرات الأولى والاساسيه في لوائح حقوق الإنسان. ذلك ان حرية تعبير الفرد عن ذاته , سواء اكانت حرية الراي والكلام والنشر والتجمهر والاحتجاج السلمي اوحرية اعتناق الدين والمعتقد اوحرية التعبير الفني والادبي وحتى حريات الأفراد الشخصية فيما يختارون ,هي تعبير عن احترام كينونة الإنسان ,وهي التي تميزه بشكل واضح عن بقية الكائنات الحيه. فمصادرة حرّية القول والتّعبير هي اغتيال للتفكير والعقل ومنع للدّماغ البشري من التّطوّر الطّبيعي, الصّفة الأكثر أهمّية في تمييز الإنسان عن بقيّة الكائنات الأخرى والّتي لا تقلّ أهمّية عن الوجود البيولوجي,وهوما يعتبر جريمة في حقّ الانسان من خلال قتل روح المبادرة الابداع الّتي حبته بهما الطّبيعةوتعطيل إمكانيات الفكريّة الموجودة فيه ,ومن هنا ندرك ايضا انه ليس من قبيل الصّدفة أن تعمل الأنظمة السياسية الفردية والدكتاتورية الاستبدادية جاهدة لكبح تلك الحريات وخنق المبادرات الشخصية وقمع النشاطات الفكرية وتحجيم الممارسات الابداعيه حتّى أنّه بات من المعروف والمعلوم ما عاناه المثقّف العربي عبر تاريخه الطّويل من أصناف التخويف والإرهاب والاعتقال والتشريد والقتل فيما أذعن البعض الاخرللتّرويض ولتدجين والإذلال والمسخ.يقودنا هذا حتما الى فهم أهم أسباب القصور الفكري الّذي يعانيه الإنسان العربي,فنوعيّة النتاج الفكري ماهي إلا انعكاس لطبيعة المجتمع الّذي تنبع منه كما هي انعكاس للنّظام السّياسي السّائد, ولنا أن نرى القفزات النوعية والكميه في طاقات الابتكار والإبداع والمبادرة في المجتمعات التي يحترم فيها الأفراد وتحترم فيها حرّيات الإنسان وكرامته فيما يتراجع ويتردّى الإنتاج الفكري وتتقادم المهارات وتذوي الطاقات في مجتمعات السيطرة والاستبداد والهيمنة السياسية, اذ تذوب قيمة الفرد في بوتقة التّحزب والتسييس والشعارات الوطنية والقومية والدّينية ,وكلّ لوائح المنع والتّحريم
لقد شهد القرن الماضي أوسع موجة لهجرة المثقّفين والفنّانين العرب بحثا عن حرّية العمل والإبداع والعيش ,فمن المعلوم أنّ أهمّ شروط التّفكير الإبداعي الخروج عن المألوف والتّقليدي,كما أنّ الانعتاق من المحرمات وسياسة المنع ضرورة ملحّة لكلّ من توفّرت فيه ملكة الإبداع,هذا النوع من التفكير يسمّى out of box وهو حاسم للتفكير الابداعي.و هذا النوع من التفكير لايقبل المحرمات والشروط والإرهاب,هذا ما أكّد عليه Edward de Bonoوهو طبيب وعالم نفس مالطي ومن اهم الاختصاصيين في تدريب هذا النوع من التفكير
إن الحكم الّذي صدر في حقّ عادل إمام هو جرس رعب مؤذن بحقبة جديدة من أحقاب الإرهاب الفكري والفنّي في المجتمعات العربيّة, فقد ذكرت صحيفة الأهرام المصرية، أن الحكم صدر على الفنان الكوميدي غيابيًّا خلال جلسة محكمة جنح الهرم, وجاء في الدعوى رقم 24215 لسنة 2011 التي أقامها سلفي يسمى عسران منصور أن عادل إمام قدم أعمالاً فنية سخر خلالها من الدين الإسلامي والجلباب واللحية مستشهدا بمسرحية الزعيم وفيلم مرجان أحمد مرجان وبأعمال فنية أخرى استخفّ فيها بالإسلام وسفَّه تعاليمه، حسب ما ادّعاه مقيم الدعوى.
ما حصل مع عادل إمام يجيب عن أسئلة عديدة فرضت نفسها على الوسط الثّقافي فور الإعلان عن صعود الإخوان الى الحكم,كما أنه برّر القلق الّذي اجتاح نفوس المثقّفين والفنّانين,ومعلوم أن الرؤية الاخوانية للفن تقيّده بمعايير محدّدة,فهم يردّدون دائما قناعات الشيخين محمد متولي الشعراوي ومحمد الغزالي التي يلخصونها في تلك المقولة الشهيرة «حلاله حلال وحرامه حرام»، وهو تعبير فضفاض حيث يشبهون الفن بإطار أو وعاء , ومنطق الحلال والحرام وحده الّذي سيحدّد ما يمكن أن يوضع في هذا الوعاء, وبما أنّ الإخوان يرفضون الفصل بين الفنّ والدّين بل هم يخضعونه لقواعد مطلقة فانّ سياسة الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ستكون هي الفيصل في الأعمال الفنّية والأدبيّة والفكريّة القادمة
#سيدة_عشتار_بن_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟