هل تبوح لنا الطبيعة بسرها؟

محمد ماجد ديُوب

الحوار المتمدن-العدد: 3627 - 2012 / 2 / 3 - 13:40
المحور: الطب , والعلوم
    

سؤال هام يتبادر إلى الذهن بإستمرار هو هل تبوح لنا الطبيعة بسرها ؟ والأصح هل نصل يوماً ما إلى معرفة كل أسرار الطبيعة ؟أو هل بإمكان البشرية أن تضع يدها على القانون العام الذي يحكم حركة الوجود ؟

السؤال بحد ذاته يتضمن بعداً ميتافيزيائياً خطيراً ليس بسبب تكوينه وإنما لأنه يوضح بشكل جلي أن نظرية الميكانيك الكمي لم تفهم بعد بشكل عميق بعد وبسبب وهنا المشكلة الكبرى بسبب عدم قدرة العقل البشري حتى الوقت الراهن على التخلص من فكرة السببية التي تكرست في أعماقه بسبب دراسته لكل ما يجري حوله والتي تقود بشكل آلي نحو نقطة فاصلة في عملية الخلق وهذه النقطة التي لايمكن تجاوزها وهي فكرة وجود خالق لهذا الوجود أي وجود الله

عنما طرح آنينشتاين نظريتيه في النسبية الخاصة والعامة والإستناج أن الكون يتمدد وهذا مايأخذ ببراهين هابل عليه بعد ملاحظته أن المجرات تتباعد حتى بشر ذلك بولادة نظرية الإنفجار الكبير والتي تعود بالوجود إلى لحظة مفصلية كان كل مافيه يتجمع في حيز لايتجاوز حجم رأس الدبوس وبدأت الدراسات العلمية للكشف عن كمية مما سمي المادة السوداء تكفي قواها الجاذبة ليعود الوجود إلى لحظته المفصلية تلك أي أن تعاد الكرة مرة أخرى

مازالت هذه الدراسات مستمرة بسبب السيطرة شبه المطلقة لنظرية الإنفجار الكبير المشتقة من فكرة تمدد الكون التي إستنتجت من نظرية النسبية العامة وبسبب إعتماد برهان هابل على ذلك

يفهم من النسبية أن الكون منتظم في حركته وأن قوانين النسبية تحكم تلك الحركة وهنا نجد ما يمكن أن نسميه في آن لعم أي نعم ولا في آن معاً إذ أن الوجود منتظم في حركته فهذه نقول فيها لا أما أن قوانين النسبية تحكم حركته فهذه نقول فيها نعم وهنا ربما يسأل أحد ما كيف يكون ذلك؟

مع ظهور ميكانيك الكم إتضح أن الحركة في الوجود هي حركة إحتمالية أي أنها تخضع لقوانين علم الإحتمال مما ينفي صفة الإنتظام عنها كما تنتفي صفة الإنتظام عن حركة ذرات بخار الماء في الغيوم وبالتالي عن حركة الغيم نفسه

لو وقف مراقب على بعد كبير عن سطح الأرض ما كيف يرى حركة الغيوم ؟ بالتأكيد إن سير الغيوم نحو جهة معينة سيدو لهذا المراقب وكأنه يسير على مسار منتظم إذ لايمكنه أن يرى التغيرات الثانوية التي تطرأ على حركة هذا الغيم بسبب البعد الكبير مثلما نعجز نحن عن رؤية الحركة الهائلة لذرات أي مادة لأنها دون قدرتنا على رؤيتها بسبب صغرها وما نجده من ثبات في شكل أي مادة صلبة ما هو إلا بسبب أن القوى المسيطرة على هذه الذرات تجبرها على البقاء في حيز مكاني محدود

لنتخيل حركة بخار الماء المحصور في طنجرة بخارية نقوم بتسخين السائل الذي فيها ماذا نجد ؟ لوقدر لنا أن نرى ذلك بوسيلة ما لوجدنا أن هذه الذرات في حالة حركةعشوائية سريعة وبطاقة حركية كبيرة ولكنها تتم في حيز محدود بفضاء الطنجرة مما يوحي بسبب عدم قدرتنا على رؤية الذرات بأن هذه الذرات في حالة سكون
وبسبب هذه الحركة العشوائية الحقيقية لذرات الغاز تتم دراسة الغازات دراسة إحصائية أي دراسة لاتحمل في بينتها مبدأالحتمية كما في الدراسات التي تتم وفقا لقوانين الفيزياء المعروفة كحركة قذيفة مثلاً

لمن يعرف مبادىء علم الإحصاءسيجد بسهولة كبيرة أن هذه القوانين تظهر لناحالة أي مادة تدرس بوساطته حالة مانراه من حركة الغيوم على مسافات بعيدة عن الأرض إذا يبدو الإنتظام المخادع لحركة المادة المدروسة وهي في الواقع ليست كذلك

إن مجرى نهر الزمن يشبه تماما مجرى أي نهر أو مجرى حركة الغيوم في السماء ففيه نرى أن كل شيء يسير وفق إنتظام ما مع أنه في الواقع ليس كذلك ومن هنا نجد الإرباك الكبير الذي أصاب منظري الماركسية عندما ظهر ميكانيك الكم فأوقفوا العمل بقانون الحتمية المبني على قوانين نيوتن وأدخلوا إلى قوانين الجدل القانون الرابع الذي هو قانون الصدفة والذي هو تعبير وإعتراف صريح بقانون العشوائية في أية حركة

قانون الصدفة هذا أسميته في مقال سابق لي بقانون العامل (س) والذي يعني أن هناك عوامل مجهولة قد تتدخل وتجري تغييراً على مسار الحركة لأي متحرك كإنحراف قذيفة عن مسارها بسبب هبوب عاصفة مفاجئة لم تكن في الحسبان حيث لم يكن هناك اي مؤشر على إمكانية حدوثها

يقودنا هذا إلى القول أن كل ما يتحرك في هذا الوجود وهو يتحرك فعلاً هو خاضع في حركته هذه إلى قوانين الإحصاء أي قوانين الإحتملات أي أن كل متحرك هومتحرك بشكل عشوائي وهذا يقودنا إلى نفي صفة الإنتظام عن الوجود

مما سبق يكون الإستنتاج المنطقي أنه لاحقيقة واحدة في ها الوجود بل على هناك حقائق لاحصر لها وفي كل حركة هناك دوماً حقيقة جديدة وفقاً لقانون العامل (س)والأهم أن لاتكرار لحركة ما بشكل مطابق في مجرى نهر الزمن والأخطر هو الإستنتاج أن الطبيعة المتحركة في كل جزء فيها مهما كان صغيراً أو كبيراً تحمل دوماً في حركتها شيء جديد فألغاز الطبيعة لاحصر لها ولن تنتهي مادامت هذه الطبيعة متحركة لأن حركتها لانهائية في مجرى الزمن الذي يظهرها وكأنها منتظمة كما يظهر ماء النهر في جريانه أو كما تظهر الغيوم في حركتها

إن الطبيعة في حركتها متطابقة تماما مع بخار الماء الذي يتصاعد من ماء يغلي فكما أن هذا البخار يستحيل معرفة أسرار حركته كذلك هي الطبيعة

إني أجد في ذلك سبباً يدعو الجميع كما دعاني لإسقاط ما يسمى اليقينيات الكبرى وأهمها وجود خالق خلق هذا الكون وفقاً لقانون عام يسري على كل ما في الطبيعة ولنا في تجربة هايزنربك التي توضح ودون مواربة عدم قدرتنا على معرفة مكان الفوتون وزخمه في آن فإما معرفة مكانه أو معرفة زخمه ولاسبيل لغير ذلك
إن بنية الوجود هي بنية أقرب لبنية غاز أو بخار ماء هو في حركة أزلية تسبب وجوده على ما هو عليه والعامل(س) يلعب دوره بقوة في تطورات حركته ومعرفة كل عناصر هذا العامل(س) هو أمر غير ممكن بل هو المستحيل بعينه

#محمد_ماجد_ديُوب (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات