|
الحكم على عادل امام ليس اول الدجن ولا آخرها
بهروز الجاف
أكاديمي وكاتب
(Bahrouz Al-jaff)
الحوار المتمدن-العدد: 3627 - 2012 / 2 / 3 - 12:58
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مصر، بلد الحضارة والعلم والادب، مصر الطهطاوي و المنفلوطي واحمد شوقي و طه حسين وتوفيق الحكيم ومحمد عبد الوهاب وام كلثوم و نجيب محفوظ و اسماء لاتعد و لاتحصى ممن انجبتها أرض الكنانة وسقاها النيل من عذبه، و شعب مصر الحاذق الذكي ذي الذوق الرفيع جعل من مصر قبلة للادب والفن، يرنوا اليها العالم بالفخر، ليس لعروبتها او اسلاميتها ولا لموقعها او امكاناتها المادية أوالاقتصادية، فمصر بلاد قليلة الموارد كثيرة الخلق، ولكن لأنها اثببت على مر العصور بان المال وحده لايصنع حضارة ولو انه قادر على طلاء وجه بلاد بغطاء حضاري فانه لايقوى على صنع الجوهر من الحجر البليد. مصر التي استهدفت في علمها وادبها وفنها بوساطة من لايريد ان يرى لمصر دورها في ادامة الحضارة في محيطها، بدعم من البعض الذي يحسد مصر في حضارتها وفي تقدمها، يوم كان ذلك البعض لابلاد ظاهرة له غائصا في الجهل وفي التخلف لايميز مابين نفسه وبيئته الا الرمال والجمال التي ربما لم يرها هي ايضا في ايامه دائمة الغبرة. ومصر كأي بلاد اخرى فيها بشر، وفيها العاقل و الجاهل، فيها النافع والمضر، ولكن الواقع الحضاري لها جعل من شعبها شعبا دقيقا موزونا يتعامل مع الامور بروية متكئا على موروث آلاف السنين من الحضارة والكبرياء جعلت مصر بيئة خصبة للعلم والادب والفن. أما العائق الرئيس الذي وقف في مسار العبقرية المصرية، كما اخبرنا التاريخ، فكان التزمت الذي يقول بالتحريم والتزندق والتكفير، ويمنع مجاراة الحضارة الانسانية. ففي بدايات القرن المنصرم جوبهت افكار عدد من المتنورين أمثال علي عبد الرازق و عبدة البرقوقي و منصور فهمي وامين الخولي بالجحود فيما حوكم طه حسين الذي قلما انجب العرب عقلا مثله بحجة الاساءة للاسلام في يوم كان للعقل دوره الريادي في مصر الحديثة. وعلى الرغم من استمرار تلك النزعة الجاحدة على حرية الرأي والفكر الى يومنا هذا، فقد كان ذلك واحدا من اهم العوامل التي أثارت العقل المصري على الرد لتكون مصر قبلة لاتباع التجديد والعقلانية، ولعل الازهر كان وما زال منحازا الى العقلانية والاعتدال من خلال شيوخه وائمته وخصوصا الشيخ محمد عبدة وطلبته ومن تبعهم، الا ان البعض من الدجن الدهماء ممن يتصور بانه انتصر في (اتابة) منصور فهمي وطه حسين، وهما اللذان لم يكفرا ولن يتوبا بل أجهرا بأفكارهما التي انجبتها عقولهم من خلال البحث العلمي والتقصي عن الحقيقة بالاستدلال المنطقي فحسب، و من يتبع تلك الدجن اليوم ينتشي بالنصر على اكتاف المصريين و يعد بمعاداة الادب والفن واستئصال سبل الحضارة، فذلك استمرار في مسير الدجن التي يبدوا أنها نفذت في يوم مغبر اراد له اهل مصر ان يكون ربيعا، ولان اهل مصر ارادوا بعفويتهم المعهودة ان يقطفوا ثمار ماسوف ينبته الربيع، مادروا ان عدتهم مبعثرة وغير ذات نشاط، فالعقلية التي جعلت من طه حسين زنديقا مازالت منظمة وذات امكانات مادية وتنظيمية كبيرة ولها انصار منظمون ولهم عون سخي من جهلة الامس القريب في خارج مصر، ولهم دعاية موجهة ومنظمة، فأمسى الدجن يغطي سماء مصر، وعاد التحريم والتكفير مهيمنا مرة اخرى الى ان طال عادل امام، اذ حملت الينا الاخبار بأن الممثل المصري الذي رسم البسمة على شفاه المصريين والعرب عقودا وانتقد الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي في مصر بما لايستطع قلم ان يكتبه ولا سياسة ان تجهر به، حكم عليه بالحبس ثلاثة اشهر ودفع غرامة مالية لاساءته الاسلام واللحية والجلباب! وهنا لانعرج على مدى عدالة الحكم ولا عن سبب صدوره غيابيا من دون تبليغ ومن دون دفاع، ولا عن مبلغ الغرامة ولا عن فضولية المشتكي وفضول الحاكم، بل نقيس ذلك على الذي بدأ ينخر في جسد الحضارة المصرية وفي مصر ومستقبلها برمته، قبل الانتخابات وبعدها، وما ينتظر منه بعد تغيير الدستور وانتخاب الرئيس و تغيير التشريعات والاحكام. فمحاكمة عادل امام لم تكن أول الدجن، فقد حكمت احدى المحاكم المصرية على الطبيب ايمن يوسف منصور بالحبس ثلاث سنوات مع الشغل والنفاذ، وان المفارقة في ذلك كانت بان الحاكم الذي حكم فيه هو المستشار ايمن يوسف وذلك في العشرين من نوفمبر الماضي حيث لم تكن الانتخابات قد افرزت نتائجها بعد، ولربما كان ذلك ايضا من باب الفضول لتماثل اسمي الحاكم والمحكوم، وقد كانت التهمة هي الاساءة الى الاسلام أيضا بسبب تعليقات ذكرها المتهم على صفحته في الفيسبوك منتقدا التوجه الاسلامي في مصر لما بعد الثورة. وقد اثار ذلك حفيظة الرأي الحر في مصر مثلما ادى الى ردود فعل دولية حين علقت صحيفة الواشنطن بوست في عددها الصادر يوم 22 نوفمبر على الخبر ذاكرة بأن مصر تتجه نحو الاسلام المحافظ، وهاهي قد وصلت الى ذلك. وكذلك مازالت قضية الرجل المسيحي نجيب ساويريس الذي اتهم بالاساءة الى الاسلام في يوليو الماضي تدور في فلك المحاكم بسبب نشره لرسوم كاريكاتورية على صفحته في التويتر. وهنا نتسائل، لقد بدأت الاتهامات باشخاص عاديين قبل الانتخابات فطالت عادل امام بعدها، فما الذي ينتظر مصر بعد الهيمنة على التشريعات والسلطة التنفيذية؟ ان مصر زاخرة بامثال عادل امام من كتاب ومثقفين ومفكرين وفنانين ممن قالوا آراءهم قبلا وحوكم على اثر بعضها اليوم عادل امام, أما من لم يقل كلمته بعد، فان الواقع السياسي اليوم في مصر يشي بأن محنته ستكون اشد. ان الدساتير المصرية السابقة كفلت حرية الرأي والعقيدة والفكر وكلها استندت على الشريعة الاسلامية كاحدى اهم مصادر التشريع ورأت جواز الاخذ بالمدنية ومجاراة التقدم و يسرت اطلاق العنان للفكر فابرزت العباقرة. انها مهمة عسيرة على المصريين الا يبذروا بثورتهم ويحافظوا عليها من يوم قد لايروا فيه ماعهدوه من بيئة ارادوا لها ان تكون أفضل ويدركون ان الدجن ماضية في تكثفها وأن يعطوا للعقل حظه في التشريعات وفي الدستور وينأو بأنفسهم عن الطوفان.
#بهروز_الجاف (هاشتاغ)
Bahrouz_Al-jaff#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في امريكا والعالم العربي، التغيير لا نبتا أخرج ولا زرعا حصد
-
فليكن ما يكون، ولكن ماذا سنكون عليه نحن؟
-
ديانة (النسخية) الجديدة وثورات جيل الانترنت
المزيد.....
-
وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور
...
-
بابا الفاتيكان: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق
-
” فرح واغاني طول اليوم ” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 اس
...
-
قائد الثورة الإسلامية: توهم العدو بانتهاء المقاومة خطأ كامل
...
-
نائب امين عام حركة الجهاد الاسلامي محمد الهندي: هناك تفاؤل ب
...
-
اتصالات أوروبية مع -حكام سوريا الإسلاميين- وقسد تحذر من -هجو
...
-
الرئيس التركي ينعى صاحب -روح الروح- (فيديوهات)
-
صدمة بمواقع التواصل بعد استشهاد صاحب مقولة -روح الروح-
-
بابا الفاتيكان يكشف: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق عام 2021
...
-
كاتدرائية نوتردام في باريس: هل تستعيد زخم السياح بعد انتهاء
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|