|
الدفاع عن شعب
عبدالله اوجلان
الحوار المتمدن-العدد: 1071 - 2005 / 1 / 7 - 09:11
المحور:
القضية الكردية
إن الهروب من الحقيقة الاجتماعية أصعب مما يُظَن، وخاصة فيما يتعلق بالمجتمع الذي ينتمي إليه الفرد. إن الولوج في مرحلة السباق الاجتماعي مع الأم منذ حوالي السن السابعة، إنما يستمر على هذا المنوال حتى سن السبعين على حد التعبير الشعبي. فقد أُثبِت علمياً أن الأم هي القوة الأساسية للمجتمعية. ويكمن جرمي الأول بالنسبة لشخصيتي في تشكيكي بحق الأم هذا، وإقراري بمجتمعيتي بمفردي في سن مبكرة. وتعد جرأتي على العيش لوحدي بلا أم أو سيد موضوع بحث وتدقيق بحد ذاته ضمن المجتمع الإنساني الذي ما هو سوى إبداع خاص للغاية على كوكبنا الذي عَمَّر عشرين مليار سنة على أقل تقدير حسب الحقائق العلمية المثبتة مؤخراً. ولو أنني أخذت تنبيهات أمي الكبرى لي ومحاولاتها في خنقي على محمل الجد لربما ما انفتحت طريق التراجيديات التي عشتها. ولكن أمي لم تكن سوى رمزاً للبقايا الأخيرة الخائرة القوى لهيبة الربة المعمِّرة آلافاً من السنين، والموشكة على الانقراض. ورغم صغر سني، إلا إنني لم أتردد في الشعور بأني حر حينما لا أهاب هذا الرمز بقدر عدم حاجتي لحبها. ولكني لم أنسَ ولو للحظة واحدة أن الشرط الوحيد لحياتي يمر من شرفها وكرامتها وصوني إياها. كنت سأصون كرامتها، ولكن على النحو الذي ارتأيته صحيحاً. وبعد هذا الدرس الذي استخلصتُه لذاتي كانت أمي معدومة بالنسبة لي. وبينما مُحِيَتْ حيثيات الربة تلك من محور اهتماماتي، لم أرَ داعياً قط لمحاسبة أحاسيسها تجاهي. لقد كان فراقاً مجحفاً، ولكن تلك كانت الحقيقة. وأضحيت أستذكر أقوالها – بل هل أقول تنبؤاتها أم لعناتها عليَّ – دوماً في أحلك اللحظات المأساوية. إنها الحقائق التي يعجز حتى أمهر الحكماء عن تحديدها. وإحدى أعظم حقائقها كان مفادها: "إنك شديد الثقة بأصدقائك، ولكنك ستبقى وحيداً". أما قناعتي أنا فكانت في أنني سأقيم المجتمعية وأكوِّنها مع أصدقائي. وهكذا تبدأ سيرة حياتي. لم تكن أمي تملك مجتمعاً تمنحني إياه – حتى وإن رغبتْ في ذلك – لأن مجتمعها كان قد تشتت منذ زمن غابر. وما شاءت فعله كان منحي حفنة من حياة لم تقدر حتى هي على امتلاكها. وحكاية الأب مشابهة، وإن كانت بشكل مختلف. منذ أن فتحت عيوني على النور نظرتُ إلى عائلتي على أنها تفرض ذاتها على أساس حيثيات قوة الكلان، وأنها خائرة القوى، مفككة، وليست سوى ميراثاً سقيماً وبسيطاً متبقياً من الأجداد. أما مجتمع القرية ومجتمع الدولة المبتدئ رسمياً بالدراسة الابتدائية، فلم أستسغْهما، ولم أفهم منهما شيئاً يُذكر. فظاهرياً كنت قد صعدت إلى السنة الأخيرة في دراستي في كلية العلوم السياسية – الأقدم والأشهر في تركيا – بتفوق بارز، ولكن النتيجة كانت إلحاق الضربة القاضية بمهارات التعلم. أما المدرسة الثورية التي اخترتُها فيما بعد، فكانت مسنناً في طاحونة أكثر سحقاً وطحناً للحياة. ولو أنني اتَّبعتُ هوسي للذهاب إلى الجبال منذ البداية لربما مزَّقتُ هذه التراجيديا، إلا أن مخاوفي لأجل إنقاذ رفاقي وتنشئتهم وإعدادهم لم تترك مجالاً لسلوكٍ كهذا. وعندما ارتميتُ أمام باب أوروبا الشرقية والغربية باعتبارها الممثل الأخير لحضارتنا، كنت سأرى نفسي مجرداً من كل شيء في أوساط رأس المال وحسابات الربح الجليدية. ولم يعد ثمة أية قوة تسيِّرني في هذه النقطة، ولا حتى عاصفة أنجر وراءها. بل ولم يعد يهمني ذلك أصلاً. في هذه الأثناء أضرم بعض رفاقي النار بأبدانهم لتأكلهم ألسنتها، وكان الكثير من الشباب والشابات اليافعين الأباسل مستعدين للتضحية بكل ما يملكون. لا يمكن إنكار ذلك أبداً، فقد أبدوا أسمى آيات المقاومة وأعظم أشكال الارتباط الذي لا يصدَّق. إلا إن كل ذلك لم يسفر سوى عن تعزيز وحدتي وتجذيرها. عندما أمسكتْ بي القوى السيدة على كافة القارات بوحدة متراصة كقبضة اليد وأرسلتني معتقلاً إلى إمرالي بالمؤامرة المحاكة وفق حساباتها ومزاعمها، كان أول ما خطر ببالي حينها هو الملحمة اليونانية التي تتحدث عن إله اليونان زيوس الذي ربط نصف الإله بروماتوس إلى الصخر في جبال القفقاس، وصار يُطعِم كبده للنسور ويجدده كل يوم. إنه بروماتوس الذي سرق النار والحرية من الآلهة لأجل الإنسانية! وكأن هذه الملحمة تتحول إلى حقيقة تتجسد في شخصيتي. قد يخطر بالبال تساؤل عن العلاقة الموجودة بين سيرة الحياة الموجزة هذه وبين المرافعة المقدمة إلى الهيئة العامة لمحكمة حقوق الإنسان الأوروبية. وأنا أود تسليط الضوء على هذه العلاقة عبر مرافعتي هذه. وبهذه الوسيلة سيكون من أهم أهدافي الإثبات بأن العلاقة بين رأس المال والربح أشد ظُلماً من أظلم الحكام الأرباب، وأفتك سحراً من أفتك الساحرين المشعوذين. إذ لم تسفَك الدماء ولم يسد الظلم والإجحاف بقدر ما كان عليه في القرن العشرين. وأنا كنت وليد هذا القرن، وكان لا بد لي من فك رموزه. إلا إن صياغة التحليلات الواضحة والمفهومة بحق هذه الحقيقة لهو أمر عصيب ضمن هذه الضبابية التي خلقتها الحضارة الغربية بثقل أيديولوجيتها الساحق. كما أن التخلص من قيود الساحر وشباكه ليس بالأمر السهل. ستُلحق الخسائر الفادحة بالظاهرة المسماة بالأتراك في اللعبة الأخيرة، ولربما ستتبقى رواسب إنسانية لا يطاق العيش فيها. إذن، والحال هذه، من المهم بمكان أخذ الهيئة العامة لمحكمة حقوق الإنسان الأوروبية على محمل الجد، وتقديم مرافعة كهذه ما دامت هي سلطة قضائية بحق. يتخبط الشرق الأوسط في القرنين الأخيرين ضمن عجلة مراقبة الحضارة الأوروبية له. وما يشهده يومنا ليس سوى الفوضى والتراجيديات المأساوية اليومية بكل ما للكلمة من معنى. فالأسياد كانوا هم القضاة على الدوام، وقراراتهم كانت أحادية الجانب باستمرار. ويبدو القانون في أيديهم وكأنه آلية تقيس الحقوق في ميزان العدالة وتوزعها، بيد أن ما يوزَّع حقاً ليس سوى القيم المسلوبة والعقاب مقابل الربح. شكلت الحضارةُ الأوروبيةُ الاتحادَ الأوروبيَّ وأسست سلطته القضائية المتمثلة في معاهدة حقوق الإنسان الأوروبية ومحكمة حقوق الإنسان الأوروبية تجاه الإجحاف والحروب السائدة في القرن العشرين الظالم، والذي ليس سوى أثراً من آثار تلك الحضارة. وإذا كانت محكمة حقوق الإنسان الأوروبية لا تود البقاء شكلية، فمن الضروري أن تحدد ما يراد محاكمته حقاً في شخصيتي على نحو سليم. ويجب المعرفة منذ البداية أن اللطف المرسوم بحدود الحقوق الفردية الضيقة لا يمكن أن يكون مقابلاً لعزلة ثقيلة الوطأة وصلتْ عامها السابع منذ الآن. فتقرب كهذا سيكون عقاباً حقيقياً لذاتي وللشعب الذي أمثله على السواء. سأحاكم هذا العقاب في مرافعتي هذه. من الساطع أنني أبدي تقرباً بعيداً كل البعد عن القوانين الرسمية السارية وعن منطق الدفاع التقليدي. وهذا أمر لا بد منه لتسليط الضوء – بأقل تقدير – على مآسي الشعوب المسحوقة تحت وطأة أوروبا، وليكون ذلك جواباً لكل ما يعاش، ومساهمة في إيجاد ولو نبذة من الحلول لها. وسيكون سد الطريق أمام مآسي جديدة محتملة أمراً مرتبطاً بشكل خاص بقوة المرافعة وكيفية الرد عليها. لهذا الغرض شعرت بالحاجة لتداول ظواهر التاريخ الاجتماعي والشرق الأوسط والكرد. إذ تتبدى مدى عظمة وأهمية الإتيان بتفسير وشرح جديد معتمد على تقديم النقد الذاتي ومستنبط العبر اللازمة من التاريخ القريب لحركة PKK باعتبارها عاملاً حديثاً يتوجب النظر فيه بجدية، ولحل القضية الكردية الذي – إن حصل – سيمهد الطريق لتأثيرات متعاقبة في منطقة الشرق الأوسط. لقد وُضِعت لَبَنات تراجيديا الصراع العربي – الإسرائيلي بمظهرها الحديث مع اتفاقية سايكس بيكو في عام 1917، والتي يمكن اعتبارها "مشروع الشرق الأوسط" الخاص بذاك الوقت. حيث تبدو وكأنها لا تستهدف أياً من المستجدات المريعة الحاصلة بالتوجه نحو حاضرنا. وكذلك اعتُبِرت الكيانات السياسية المؤسَّسة حينها بأنها أدوات حل. أما ما حصل حقاً فكان إضفاء صبغة "حديثة" على تقاليد المجتمع الدولتي السلطوي في الشرق الأوسط، بحيث باتت تلك الصبغة تزول في يومنا الراهن وتتساقط إرباً إرباً لتكشف النقاب عن قوة التقاليد العشائرية والإثنية المعمِّرة منذ خمس آلاف سنة على الأقل، وعن حيثيات تقاليد الدولة السلطوية الجوفاء الخائرة القوى. وبزوال هذه الصبغة (القناع) لم يبقَ ثمة فرق أو جانب مختلف يميز اليمين أو اليسار، القوميين المتطرفين أو الإسلاميين، والمدَّعين بأنهم مثقفين أو متنورين أو ساسة، عن هذه الحقيقة الاجتماعية والسياسية القائمة. أما الشرق الأوسط فكان نصيبه من الأزمة العامة التي عاناها نظام المجتمع الرأسمالي الذي مر بأقوى حملات العولمة، هو – وبكلمة واحدة فقط – "الفوضى". لمراحل الفوضى سماتها الخاصة بها، إذ تمثل المرحلة "البينية" الحساسة والحرجة التي تنحل فيها القوانين المعنية بالبنى القديمة في حين تبدأ الجديدة منها بالظهور للتو. وما سيتمخض عن هذه المساحة البينية الخلاقة، ستحدده مساعي قوى الحياة الجديدة في البناء وقوة المعنى لديها. وعادة ما تسمى تلك المساعي في مجال الأدب بالنضال الأيديولوجي والسياسي والأخلاقي. يدخل الكرد مرحلة الفوضى على الدوام وهم مثقلين بوطأة تقاليد ثقافة المجازر السلبية الساحقة، يحسونها تطأ رقابهم في الأزمات المتفاقمة. وإذا لم يوجَّهوا بسلوك بَنَّاء ونبيهٍ للغاية ومفعم بالمعاني السامية، فقد يتحولون وبكل سهولة إلى عنصر صراع واشتباك يفوق في حدته ما هي عليه مأساة الصراع العربي – الإسرائيلي. فخصائصهم الاجتماعية المشوهة والمشلولة والمتمزقة إرباً إرباً تحت وطأة الدول السلطوية الاستبدادية تجعلهم قابلين للتأثر بأي عامل خارجي. وقد باتوا يفهمون توجيههم على هذا المنوال على أنه قدَر تقليدي محتوم أو براديغما ثابتة لا تتغير. إلا أن المرحلة تزداد حساسية وحرجاً مع بدء إدراج الولايات المتحدة الأمريكية – كقوة حاكمة تترأس وترود حملة العولمة الجديدة – الكردَ إلى جدول أعمالها كعنصر أساسي في مشروعها الجديد المتعلق بالشرق الأوسط. وكأن الولايات المتحدة الأمريكية بسياساتها الانعطافية والملتوية الفظة تلك تفرض حدثاً مجهول النهاية – سواء بوعي أو بدونه – مثلما فتحت الطريق لمآسي متعاقبة في كل خطوة خطتها في المجتمع الشرق أوسطي. ولا يتبقى أمام الاتحاد الأوروبي خيار سوى اقتفاء هذه المرحلة ببطء شديد وبعقلانية أكبر حسب متطلبات الربح والمنفعة. ذلك أن مفهوم الدولة التسلطية الاستبدادية لا يحتوي تقاليد التقرب من الكرد بصداقة أو النظ إليهم كظاهرة بحد ذاتها. فالسياسة الوحيدة الراسخة في الأذهان هي: "اسحقه إذا رفع رأسه". هذا إلى جانب تقاليد الكردي الغائر حتى حلقه في الخيانة والتواطؤ وتأجيجه النزعة "العائلية" على الدوام. ومن ضرورات سماتهم تلك أن يؤازروا مفاهيم الدولة السلطوية المحلية بقدر ما يتواطئون مع الأسياد الإمبرياليين الجدد بشكل غير مبدئي دون أي تردد. لم يتبق في الواقع سوى ظاهرة كردية مشتتة إلى أشلاء ومحدودة إلى أبعد الحدود. ظاهرة ليست سوى عبارة عن عناصر عائلية تعرضت لمجازر في الذهن والبنية جعلتها تتجاوز حدود الجهالة المألوفة. لم يَعُدْ هذا العنصر الكردي يميز "كيف يصبح ذاته"، بحيث يمكن الاستفادة منه في خضم الفوضى السائدة في الشرق الأوسط لأجل أي هدف كان. فبقدر ما يمكن استغلاله بأسلوب وحشي، يُعَدُّ في نفس الوقت وسيلة مساعدة ومساندة قصوى في بناء الشرق الأوسط بما يستحق العيش فيه. وإذا ما أفلح الكرد في إعطاء الجواب على سؤال "كيف أصبح ذاتي؟" بمضمون ديمقراطي، فسيكونون – بلا شك – أحد أهم القوى الريادية في النفاذ من الفوضى العارمة بتفوق ونجاح. وحينها لن يتغلبوا على سوء طالعهم فحسب، بل وعلى كل تهاويات شعوب المنطقة ومساراتها المقلوبة. وسيتمكنون عندئذ من وضع حد للإحصائيات الدموية الناجمة عن تقاليد الحضارة الظالمة القائمة منذ خمس آلاف سنة. وسيجتثون جذور أسياد الحضارة الذين طالما مهدوا الطريق لظهورهم وخدموهم بكل عمى سابقاً، ليقدموا أهم المساهمات في نمو وازدهار عصر حرية الشعوب. وفي حال العكس، أي إذا فشلوا في ذلك وطال عمر حملات الأسياد الإمبرياليين وتجذرت في المنطقة، فلن ينجوا حينئذ من لعب دورهم كقوة ملحوظة في سياسة "القتل والاقتتال" في عموم المنطقة بما يفوق حدة الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. ولن تعني الأحداث المعاشة منذ الآن حينئذ سوى شرارات تضرم نيران الاشتباكات الأشد والأفتك ذرعاً. وإذا ما ألقينا نظرة على الألاعيب الممارسة في الدولتين الإسرائيلية والفلسطينية، فإن التنبؤ بمستقبل ألاعيب "الدولة الكردية" لن يتطلب من المرء أن يكون كاهناً. من الضروري التمييز جيداً للفرق المبدئي الموجود بين كل من الدفاع المشروع المسلح من جانب، والعنف الهادف إلى الدولة كأداة حل من جانب آخر. لذا يعد اعتماد طراز حل واقعي "بأساليب ديمقراطية وسلمية" أمراً مصيرياً، بحيث لا يتمركز حول الدولة، ولا يقبل إطلاقاً البقاء في الفوضى العمياء كطراز حياة طويلة الأمد. ويبدو أن التفكير العميق والسامي حول بُناه الخلاقة ومعانيه العميقة، والكفاح لأجلها بحماس وشغف، من أسمى المحاولات وأنبلها. وسأجهد في هذه المرافعة للتخفيف من حدة الآلام الكبرى المنبثقة عن مسؤولية PKK من جهة، وللإسهاب قدر المستطاع في شرح خيار الحل المرتقب بعد استنباطي الدروس اللازمة في موضوع تقديم نقد ذاتي حقيقي من جهة أخرى. إنني أنظر بعين الصواب إلى تقييمي لمرحلة محاكمة إمرالي كفترة بحث عن السلام الديمقراطي ودعوة إليه، وإن كنتُ أعيش ضمن ظروف عصيبة للغاية. حيث تميزت تلك الفترة بقيمة تحولية نوعية بارزة، تكاثفت خلالها ضرورة التخلي مبدئياً عن التطلع إلى المجتمع الهرمي والدولتي، سواء على مستوى الوعي أو الجهد. وأنا على قناعة باستنباطي درساً تعليمياً من هذه الأوقات الحرجة والصعبة. فقد قاومتُ بذاتي طراز المقاومة الفظة وطراز الخنوع والاستسلام السافل على حد سواء. إن دفاعي هنا سيساهم بدرجة مهمة في تحول تركيا، إلى جانب استثمار الكيان السياسي المسمى بـ"حزب العدالة والتنمية AKP" إياه بوعي تام. ورغم كل محاولاتي، إلا إن العجز عن دفع القوى اليسارية – التي يجب أن تكون ديمقراطية – للاستفادة منه على منوال مشابه، يعتبر خسارة هامة. فاليمين – لا اليسار – هو الذي كان يجادل بشأن الديمقراطية. وبالطبع كان اليمينيون سيكونون الطرف الرابح. كان الهدف الأساسي من مرافعتي المقدمة إلى محكمة حقوق الإنسان الأوروبية هو المقايسة بين الحضارتين الأوروبية والشرق أوسطية، ووضع الخيار الديمقراطي إزاء المستجدات المحتملة، وخاصة المتعلقة بالكرد منها. وما انسحاب PKK إلى الجنوب (أي إلى كردستان العراق) سوى ضرورة من ضرورات هذا التقرب. وقد بينَتْ التطورات والاحتلال الأمريكي صحة هذا الموقف. وقد أسهبتُ في هذه المرافعة في التطرق الشامل إلى النقاشات الدائرة على المستوى العالمي بشأن منطقة الشرق الأوسط، مما تبرز أهميتها وتزداد مع مرور كل يوم. إذ لم أتَّبعْ في موقفي العداوة الفظة تجاه الحضارة الغربية، ولا الاستسلام والخنوع المعتاد عليه. بل توخيتُ الحساسية التامة في سلوك موقف خاص وخلاق وتركيبي قيِّم. لقد تداولتُ في مرافعتي المقدمة إلى محكمة أثينا كيفية معالجة مسألة أكثر ملموسية، وأشرتُ بمهارة إلى الحال التي أَقحَم فيها الأوليغارشيون الشعوب. كما وبذلتُ قصارى جهدي لإبراز حياتية النظر إلى القضايا التاريخية مرة أخرى من وجهة نظر الشعوب. أما مرافعتي الأخيرة هذه، فتتسم بكونها متممة لسابقاتها، وهي تأخذ بعين الاعتبار ولوج تركيا وآسيا الصغرى في مرحلة مذكرة الالتحاق بالاتحاد الأوروبي حقوقاً وسياسةً. وستلعب القضية الكردية دوراً رئيسياً في تطور هذه المرحلة بنجاح. وبالإمكان اعتبار المعايير السياسية والديمقراطية ومعايير حقوق الإنسان مقياساً أساسياً في حل هذه القضية. إلا إن تركيا بدولتها وحكومتها تنظر إلى هذا القرار على أنه ضرورة مفروضة بدلاً من تداولها إياه برغبة داخلية منها. وموقفي هذا يشير إلى قلق تركيا التقليدي بشأن الغرب، بالإضافة إلى إشادته بأن سلوك موقف صادق وتحرري إزاء القضية، دعك من إلحاقه الخسائر، سيضفي المعاني القيِّمة على المكاسب العظمى. من المهم بمكان وضع حد فاصل لألعوبة استثمار الورقة الكردية تجاه أوروبا، والتي ابتدأت بمسألة الموصل وكركوك منذ تأسيس الجمهورية التركية. ذلك أن ثورات الجمهورية لم تسفر عن نتائج سوى بقائها تابعة، وتعرضها للانحلال والتشتت الأوليغارشي وللتحولات النوعية أيضاً في حاضرنا. إن التوجه نحو الحل بتداول تركيبة "الجمهورية الديمقراطية – المواطَنة الكردية الحرة" الجديدة بأهمية كبرى، إنما سيؤمِّن الالتحام والتكامل والدمقرطة الحقيقية. هذا ولا يتيح الخيار الديمقراطي وحقوق الإنسان للحضارة الأوروبية المجال أمام أية فرصة للتقرب بشكل مغاير. عندما أضع مقاييس القانون الإيجابي نصب عيني، لا أعطي احتمالاً كبيراً لحصول البحث الجدي في حقوقي. هذا علاوة على أن متانة الأرضية السياسية والاقتصادية التي ترتكز إليها دعواي، وكذلك قوة حقيقة المؤامرة؛ إنما تفوق كثيراً قوة القانون. بيد أن القانون بذاته ليس سوى سياسة مرتبطة بقواعد ومؤسسات على المدى الطويل. وهذا الأمر صحيح بالنسبة لمحكمة حقوق الإنسان الأوروبية أيضاً. ومع ذلك فاستخدام حق الدفاع عن الذات يعد مهمة أخلاقية وسياسية وحقوقية. وأنا على قناعة تامة بأن كفاحي الدفاعي المتواصل منذ ست سنين، أسمى معنىً ويفوق في بَنَّائيته وخلاقيته دفاعي الأيديولوجي والعملي السابق. على من يرغبون محاكمة الغير والحكم عليهم بالموت أن يتمكنوا من محاكمة ذاتهم أيضاً. ومن يود الدفاع عن غيره، عليه معرفة كيفية الدفاع عن ذاته. ومن يسعى لتحرير غيره، عليه أولاً معرفة كيف يحرر ذاته. بهذا فقط قد نستطيع تحويل حق الولادة الحرة لأطفالنا الذين لا يلدون أحراراً، إلى حقيقة واقعية ملموسة. عبدالله اوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني
#عبدالله_اوجلان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأونروا: النظام المدني في غزة دمر تماما
-
عاصفة انتقادات إسرائيلية أمريكية للجنائية الدولية بعد مذكرتي
...
-
غوتيريش يعلن احترام استقلالية المحكمة الجنائية الدولية
-
سلامي: قرار المحكمة الجنائية اعتبار قادة الاحتلال مجرمي حرب
...
-
أزمة المياه تعمق معاناة النازحين بمدينة خان يونس
-
جوتيريش يعلن احترام استقلالية المحكمة الجنائية الدولية
-
العفو الدولية: نتنياهو بات ملاحقا بشكل رسمي
-
مقرر أممي: قرار الجنائية الدولية اعتقال نتنياهو وغالانت تاري
...
-
جنوب السودان: سماع دوي إطلاق نار في جوبا وسط أنباء عن محاولة
...
-
الأمم المتحدة تحذر من توقف إمدادات الغذاء في غزة
المزيد.....
-
سعید بارودو. حیاتي الحزبیة
/ ابو داستان
-
العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس
...
/ كاظم حبيب
-
*الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 *
/ حواس محمود
-
افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_
/ د. خليل عبدالرحمن
-
عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول
/ بير رستم
-
كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟
/ بير رستم
-
الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية
/ بير رستم
-
الأحزاب الكردية والصراعات القبلية
/ بير رستم
-
المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية
/ بير رستم
-
الكرد في المعادلات السياسية
/ بير رستم
المزيد.....
|