الدكتور جبار سيد فليح ...

نعيم عبد مهلهل

الحوار المتمدن-العدد: 3626 - 2012 / 2 / 2 - 13:47
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    

الدكتور جبار سيد فليح ...
القلب السومري من الفرات الى نهر ماين ...............!

تلدُ مدينة الناصرية أحلامها من روعة تواريخها . هذه المدينة التي صنعها الطين وظلال النخل وقيثارات الأغاني ودكاكين بيع القمح ودشاديش الفقر ونعوش الشهداء وقصائد الشعراء وكل حلم يرسم ظلال الشمس الساطعة في هذه المدينة الخصب التي عاشت والى الأبد تلد المعناة والابتسامة في رحم وردة واحدة وهذا مالم تفعله أي مدينة اخرى في هذا العالم.
هذه المدينة المورقة بصفاء دمعتها وأراجيح ذكرياتها وأبداعها الموسوم بصدق القلوب .صنعت وما زالت طوابير الحالمين ، تصنع الامكنة والمحطات المضيئة التي تثبت فيها المدينة انها ولود وهي مؤى لأجفان ابناءها مهما نأت بهم الازمنة والامكنة فأليها الرجوع كما سندباد من عودة طويلة .كما عطر ابراهيم الخليل في مساءات اور يحمل شمعته ويعود اليها حاملا سنبلة من سواقي الشوق في بساتينها وشمعة من ليل مواويلها المنتشية بحنجرة داخل حسن وحضيري وحسين نعمة وجبار ونيسة .
مدينة التألف الحالم لكل الديانات .
شارع للتوراة . ومحلة عريقة للصابئة . ونوافذ لبيوت المسيحيين الطيبين آل جوزيف وطوبيا .ومسلميها الكثر لا يعرفون مذهبية الانتماء بل يعرفون مذهبية الدين والانتماء الثقافة والتحضر والإنسانية ليعشوا بألفة ومودة عجيبة في مدينة واحدة تلمهم هي الناصرية .
الحبوبي . الصفاة . بستان زامل .بستان الحاج عبود .سيف الحنطة . شارع ست لنده . سينما الاندلس والبطحاء .جامع الحاج عباس والحاج طالب وفالح باشا ومدرسة التضامن الاسلامي .سوق الصياغ .القيصرية .الصفافير . سوق الندافين وباب الشطرة وقرية فرحان وبهو البلدية ومقبرة الصابئة والمكتبة العامة وحديقة غازي ودموع شاكر الغرباوي وهو يحلم حتى وهو في قبره الان بطبع ما كتبه عن تاريخها في عدة أجزاء ولم يتحقق حتى الان . محلات باتا وشارع الجمهورية وبيوت اليهود ودواوين سطوح بيوت محلة السيف ، موكب الخضارة والمجارية وابو الهيسو وناصر تخت وعبد ابو الكبة .
أمكنة صنعت اساطيرها مع تواريخ المدينة وامكنتها وسجلت في ضمير عشاقها وابناءها اللحظات الخالدة اينما كانوا في محطات العيش .في غربتها ومنافيها او في نهارات الغبار ورغبتها لتعيش حالمة بعيدة عن الفقر والتهميش والوعود الوهمية.
اليوم وفاء لهذه المدينة وللعطر النازف من وردة الشوق في قلوب ابناءها وودت التحدث عن واحد من عشاق ظلها وخبرها وذكرياتها بالرغم من فراقه الطويل والبعيد عنها .
الدكتور جبار سيد فليح العلوجي . دكتور الاختصاص بطب الاطفال في مدينة فرانكفورت الالمانية . تعرفه جيدا المدينة أنجبت شاعر المانيا العظيم غوته ولا تعرفه مدينته كما تعرفه فرانكفورت .ربما بسبب هجرته المبكرة عن الناصرية التي لم ينسى ابدا أنها المطر الذي يسقي في عروقه الحنين اليها كلما تذكرها .وربما كانت لياليه البعيدة في غربته عنها لعشرات السنين يماثل في خواطره ذكريات محلة السيف ومحل الحبوب لوالده المرحوم سيد فليح العلوجي واخوانه في بيتهم الكبير قرب الفرات الذي يمازج فيه لحظة الشوق بين امواجه وموج نهر ماين القريب من بيته بذات المسافة .فيحدثني عن دموع تغسل عن اجفانه كل ذلك الحنين الجميل لتلك الايام.
هذا الرجل لم ينسى العراق وناصريته .ولم ينسى أنه يحمل في رقبته دين الانتماء والرجوع الى مدينته .
وحالما اتاه الفرج بعد عام 2003 حتى عاد الى مدينته .حالما حقائب الاشتياق والرغبة بخدمة المدينة والتقليل من معاناتها .
وبالفعل جعل بيت اهله مقرا للالتقاء بالناس واطلع على حجم المعاناة واهمها امراض الطفولة المستعصية العلاج ومنها من تعرض للأثار القصف والمعارك في مصائب الحروب التي كانت فيها شظايا الطائرات الأطلسية والقاذفات العشوائية وما تلاها من معارك اصيب فيها الكثير من الاطفال الابرياء ليساهم هذا السومري ــ الناصري الغيور بالتنسيق مع منظمات وجهات خيرية الالمانية وبجهده الخاص ونخوته قام بنقل العديد من الاطفال والمرضى المصابين لعلاجهم في المستشفيات الالمانية وجلب كميات من الادوية والعلاجات وتوزيعها على محتاجيها . وقد التقيت شخصيا بعوائل عولج اطفالها بإسهام ودعم ورعاية من الدكتور جبار سيد فليح ليتحدثوا عن رجل طيب وانسان مثابر وعقل طبي متخصص ويتابع كل الحالات التي ساهم بنقلها الى المستشفيات الالمانية وتسهيل كل اجراءات السفر فكان بهذه الخطوة الرائدة يمثل الصورة الاروع والانقى عن وفاء الرجل لإنسانيته وسومريته وناصريته عندما يكرر المجيء الى الناصرية ليكمل مشواره مع من يحتاجوه من ابناءها دون ان يطمع بمنصب وجاه او أي تكريم .لاسيما انه يحتاج الى التكريم المعنوي بالفعل من قبل الحكومة المحلية ووزارة الصحة والمرجعية الدينية في الناصرية والاحزاب التقدمية ومنظمات المجتمع المدني.
واتمنى على دائرة صحة ذي قار ان تقيم لهذا الرجل الشهم والانساني والغيور ان تبادر بتكريمه علنا وتسمية واحدة من قاعات كلية الطب بالمدينة بأسمه . او يدعى الدكتور جبار سيد فليح في واحدة من زياراته للمدينة ليزرع نخلة او زيتونة في حديقة مستشفى الاطفال تُذكرُ زواره بقيمة ما فعله الرجل من اجل ابناء مدينته في حين تعجز الحكومة المحلية عن ذلك.
هذا الرجل ( الدكتور جبار سيد فليح ) الذي ذكرني لقائي به امس تحت لسعة البرد الالماني وانخفاض درجات الحرارة الى 12 تحت الصبر ليعيد حديثنا دفئ ازمنة الذكريات عن الناصرية ومحلتنا العريقة محلة السيف وسوق الطعام حيث لأبيه وابي علوتين متجاورتين لبيع الحبوب .ويجاورهما شريط من ذكريات العلاوي الأخرى لسيد ارشيك والحاج صبر وعبد الله الغزال وحسين دلي وسيد ابراهيم مطلك وسيد يونس وسيد محيسن وسيد بدر وآل بو أحميد واخرين نسيناهم .
ذكرني بمقال كتبته عنه عام 2006 عندما زرت عائلة واحد من الاطفال الذين نالوا رعايته وساهم في سفرهم لألمانيا وعلاجه من اثار قصف خاطئ لمفرزة امريكية وهو ذاهب وعائلته لزيارة مراقد ائمة سامراء في الطريق ما بين بغداد والدجيل .
قال لي الدكتور جبار أمس وانا استذكر معه ما كتبته عنه : ان نبض العراق والناصرية يسري بدمه وعظامه .وحلمه ان يخدم مدينته واهله وناسه.
صورة الوفاء الرائع هذا تحتاج الى ان ندون اسم الدكتور جبار سيد فليح في ذات الالواح التي كان اهل اور يدونون فيها اسماء الشعراء والمحاربين وحكماء الطب ليخلدوا في ذاكرة تاريخ هذه الارض التي يصيبها الام ملح الجفاف وامنيات النهوض واحلام ان تعود الناصرية مدينة للورد والحنين ونسائم عكد الهوى.!

الناصرية / نيسان / 2006 / دوسلدورف / فبراير 2012

#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات