صادق إطيمش
الحوار المتمدن-العدد: 3623 - 2012 / 1 / 30 - 07:07
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
لماذا التيار الديمقراطي العراقي ...؟
سؤال يطرحه البعض إستفساراً عن ماهية وجود تنظيم آخر يضاف إلى جملة التنظيمات الأصلية والمنشطرة التي تعج بها الساحة السياسية العراقية منذ تسع سنوات ، فلم تغن الشعب العراقي من فقر ولم تشبعه من جوع. سؤال مشروع يقودنا إلى دراسة الساحة السياسية العراقية سابقاً وحالياً قبل الإجابة عليه إجابة قد تلبي بعض اوكل حيثيات هذا السؤال .
في تاريخ العراق الحديث وبالتحديد بعد تشكيل الدولة العراقية الحديثة بعد الحرب العالمية الأولى ووضع العراق تحت الإنتداب البريطاني الذي أتى ببعض افراد العائلة ، التي اصبحت تسمى بالعائلة المالكة بعدئذ ، من الحجاز وتأسيس عرش لها في العراق بدء العمل السياسي من قِبَل اهل العراق الذين وجدوا انفسهم وقد خُدعوا بالنداء الذي كان يبشرهم بتحريرهم من النير العثماني ليقعوا تحت تأثير الإستعمار البريطاني عبر عوائل وأفراد وحتى احزاب نصبتهم أجهزة الإنتداب لتجعل منهم رأس الرمح في مواجهة الشعب العراقي بعد ان اسبغت على بعضهم صفة المواطنة العراقية عبر قانون الجنسية العراقية السيئ الصيت الذي سُنَّ آنذاك ليسلب حق المواطنة من كثير من العراقيين ويمنحها لغير العراقيين من الأعراب والأتراك .
لقد إنطلق العمل السياسي العراقي منذ ذلك الوقت من خلال أحزاب وتنظيمات سياسية وضعت الدفاع عن المواطنة العراقية وحقوق المواطن العراقي المسلوبة في مقدمة برامجها ، لم يشغلها عن ذلك التفتيش للمواطن العراقي عن هوية اخرى غير هذه الهوية التي شكلت محور النضال الوطني على الساحة السياسية العراقية آنذاك .
واستمر هذا النضال لأربعة عقود من الزمن تقريباً خاض فيها الشعب العراقي من خلال منظماته واحزابه الوطنية معارك إنتصار تارة وهزيمة تارة اخرى ضد أجهزة الأمن السعيدية واقبية تعذيب بهجة العطية ، قدم فيها العديد من الشهيدات والشهداء من التنظيمات الحزبية ومنظمات النساء والحركة العمالية والطلابية والفلاحية تأطرت بحملة الإعدامات التي نفذتها اجهزة الأمن الملكي بالخارجين على النظام ومعاهداته الإسترقاقية وسياساته القمعية .
وجاءت ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 لتعكس ما ناضل الشعب العراقي وقواه الوطنية من اجل تحقيقه طيلة العقود الماضية . وقد تحقق فعلاً ما أغضب أيتام الملكية المقبورة واجهزتها القمعية وسادتها خارج الوطن حتى إستطاعت كل هذه القوى من لم شتاتها مستعينة بمن شرعنوا لها قتل ثورة الرابع عشر من تموز ليجهزوا على هذه الثورة في يوم داكن الظلام مورست فيه ابشع الجرائم التي أودت بحياة الآلاف من خلال دكتاتورية البعث في الثامن من شباط الأسود عام 1963 والتي إستمرت اربعة عقود إضافية اخرى ، تخللتها خمس سنوات لحكومات عسكرية قادها الأخوين عارف ، بعد ان إنقلب عارف الأول على حلفاءه البعثيين بعد تسعة أشهر من إرتكابهم للمجازر التي شارك فيها هو نفسه .
وما ان سقطت دكتاتورية البعث عام 2003 حتى إنفتحت الشهية لممارسة العمل الحزبي الذي إكتضت به الساحة السياسية العراقية التي عاشت التكاثر الإنشطاري لأحزاب وتجمعات لم يكن أحد يعي بالضبط مسمياتها او توجهاتها ، خاصة تلك التي إتخذت من الدين منهجاً سياسياً لها والتي تشابهت في طروحاتها التي جعلت من الدين سياسة ومن السياسة تجارة ومن الإثنين وسائل لتحقيق غايات ذاتية وآنية ، ابعدت النضال الوطني عن غاياته الأساسية في النهوض بالوطن إلى مصاف العالم المتقدم عبر إستثمار خيراته وطاقاته وإمكانياته الكثيرة جداً في مختلف المجالات .
لقد تبلورت الساحة السياسية العراقية في السنين التسع التي تلت سقوط البعثفاشية عن قوى وأحزاب وتجمعات دينية ولادينية جعلت همها الوحيد الإستيلاء على السلطة السياسية لا لتكنس مخلفات دكتاتورية اربعة عقود من تاريخ العراق الحديث ، بل لتكرس نوعاً آخر من الحكم قد لا يمارس تلك الأساليب الدكتاتورية في الحكم إلا انه لم ينجح خلال هذه السنين التسع في حل الكثير الكثير من المشاكل الإجتماعية والسياسية والثقافية من مخلفات العهود السابقة والتي يعاني منها الشعب والوطن ، وكل هذه الأحزاب والتجمعات تبرر اعمالها هذه وجميع ما سرقته من المال العام وما صرفته على مليشياتها وما اهدرته على مشاريعها التي لا وجود لها حتى على الورق وما تحقق من الإثراء الفاحش لبعض الفئات والشخصيات التي برزت مؤخراً على الساحة السياسية العراقية ، بعد ان كام كل هؤلاء لا يملكون شروى نقير بالأمس ، لقد جرى كل ذلك باسم الديمقراطية التي فهمها هؤلاء من خلال العمليات ألإنتخابية فقط ، ودن ان يدركوا كنه واسس ومبادئ هذه الديمقراطية التي تشكل الإنتخابات جانباً واحداً منها ليس إلا. إنها خيبة الأمل التي أصابت الفقراء والمعدمين والذين تعرضوا لقمع وتهميش وملاحقات البعثفاشية المقبورة بالأمس والذين يرون بأعينهم اليوم كيف تزداد سعة الهوَّة يومياً بين الفقر والغنى ، بين العلم والجهل ، بين دين السماء ودين الفقهاء ، كما يرون بأعينهم يومياً أيضاً كيف يتم التوافق والإنسجام بين السياسة والتجارة وبين النفاق والثراء .
كل ما مرَّ على العراق وأهله خلال السنين التسع الماضية ولَّد ردود فعل لدى بعض القوى الوطنية والشخصيات الإجتماعية والتوجهات الدينية أفرزت من خلالها نداءات متكررة لجمع شمل العراقيين المؤمنين حقاً بالديمقراطية ومبادئها واسسها والبدء فعلآ بوضع المقترحات المطروحة لهذا الجمع موضع التطبيق العملي والخروج بها من طور المكاتب إلى الشارع العراقي الذي ينتظر ذلك منذ أمد ليس بالقصير. نداءات تدعوا إلى عكس ما يشعر به المواطن العراقي فعلآ وما يشعر به طيلة هذه الفترة التي ذاق وعاش فيها مآسي أحزاب المحاصصات الطائفية والتكتلات المناطقية والإنتماءات العشائرية القبلية وأحزاب التعصب القومي الشوفيني العربي والكوردي على حد السواء والتكتلات الرجعية التي سخّرت بقايا البعثفاشية وفسحت لها المجال للإستمرار في جرائمها ضد الشعب والوطن . ولم يخفف من آلام المواطن حتى تلك الكيانات الهزيلة التي إنبثقت عن الإنتخابات التي كان المواطن يأمل بنتائجها خيرآ , فإذا الذين وضعتهم هذه الأحزاب على قوائمها ألإنتخابية والذين شكلوا الغالبية العظمى في البرلمان العراقي ما هم إلا شلة من التجار والسواح والكسالى والمرتشين وحتى المشاركين في أعمال إرهابية ضد الشعب الذي أتى بهم إلى هذا البرلمان الذي أصبح موضع النكتة لدى المواطن العراقي . أما المؤسسات الحكومية التي أُبتلي المواطن بإجراءاتها الرسمية الروتينية ألمملة وفي أحيان كثيرة البعثفاشية أيضآ فإنها لا تعكس روح التغيير الذي يريده الشعب العراقي بعد مآسي أربعة عقود من الحكم الدكتاتوري الرهيب البشع وسوف يطول بنا الحديث لو تتبعنا " ألجر والعر " بالطول والعرض والعمق والإرتفاع الذي تخرج به السياسة العراقية اليومية بين هذه ألأحزاب التي تسمي نفسها دينية , لا يتكلم من ينتمي إليها إلا بعد بسملة طويلة وحوقلة أطول ليقذف ما يحلو له من الكلام الذي لا صلة له بالواقع المُعاش والذي يدور جله حول المصالحات والمحاصصات والمقاولات ومؤتمرات ولقاءت الطوائف والملل والنحل والصحوات والقبائل وكأننا نعيش العهد القبلي من جديد بعد أن كنا نتعلم في مدارسنا منذ عشرات السنين بقضاء الإسلام على العصبيات القبلية والنعرات العشائرية ، وبعد أن قضت ثورة الرابع عشر من تموز المباركة على شبه ألإقطاع السائد في العهد الملكي المقبور ونظامه المتمثل بقانون دعاوى العشائر ألذي إقترن بتغييب الدولة عن حكم الريف الذي جعله هذا القانون في متناول يد السراكيل وملاكي ألأراضي وشيوخ العشائر والقبائل . ودولة ألأحزاب الدينية المُغيبَة ألآن أيضآ جعلت العراق ككل , وليس الريف فقط , بيد سراق قوت الشعب , وتجهيزات البطاقة التموينية نوعيآ وكميآ تصرخ منذ أمد طويل بهذه السرقات. وليس هناك من كاشف حقيقي وفعلي لهذه الإنتهاكات والسرقات لحد الآن , لا بل فإن بعض من جازفوا بكشفها على العلن, قد جازفوا بحياتهم أيضآ وأُغلقت ملفاتهم مذيلة بعبارة : لعدم توفر الأدلة .
البطاقة التموينية تمثل جانبآ من المأساة المتعددة الوجوه . وستصيب الإنسان السوي الكآبة الدائمة إذا نظر بجد إلى كل وجه من هذه الوجوه سواءً فيما يتعلق بالخدمات التي تُذكر دائمآ ولا تُرى أو بالبطالة المستشرية والتي تنخر في عظام الإنسان العراقي أوالفساد ألإداري الذي جعل وطننا بفضل المحاصصات الدينية والقومية في المقدمة , وهذا هو المركز الوحيد الذي نحتل فيه المقدمة , لم تسبقنا فيه غير دولة الصومال . فمَن الذي سبب ذلك يا ترى إذا كانت الدولة محكومة من أحزاب تدعي التدين حقآ , يحتل فيها المُبسملون والمُحوقلون ذوي أللحى المُحناة والجباه الموسومة والأصابع المرصعة بالخواتم أغلب , إن لم تكن جميع , مواقع السلطة والتسلط ...؟ فالدولة العراقية اليوم هي ورقة المرور للثراء والإبتزاز والقهر والتسلط لمنتسبي ألأحزاب الدينية الحاكمة من جهة , ورمزآ للحرمان والإذلال والبطالة والعوز والمآسي اليومية المتكررة للمواطن من جهة أخرى .
إنطلاقآ من كل ذلك ومن الكثير ما خفى أصبح الصراخ للتفتيش عن البديل عاليآ جدآ , تزداد حدته كل يوم يمر ولا تُتخذ فيه الخطوات العملية الواضحة لإيقاف هذه الحالة المزرية التي يمر بها الوطن وأهله . إن النداءات التي تكررت لإيجاد البديل عملت فعلاً على إيجاده والإنطلاق به على الشارع العراقي كي يراه المواطن فعلآ ويشعر به وبوجوده وليعيد الثقة إليه بنفسه وبالعملية الديمقراطية برمتها. فكان التيار الديمقراطي العراقي الذي إنطلق رسمياً في تشرين الثاني ( اكتوبر ) من عام 2011 بعد مضي عدة سنوات على التحضير لهذه الإنطلاقة التي نرجوا لها ان تكون مباركة من نفحات الشعب العراقي وتطلعاته نحو ديمقراطية حقة بكل ما يتعلق بها من إجراءات وقوانين ترافق المواطن العراقي على طريق المزيد من كسب الحريات وتحسين الوضع المعاشي والإرتقاء بالمستوى التعليمي والنهوض بالثقافة العراقية والفن العراقي بمختلف إتجاهاته وتشعباته . لقد إقتنعت قوى التيار الديمقراطي العراقي بأنه لا يمكن ألإنتظار لأكثر من هذا الوقت ,فانطلقت الدعوات داخل وخارج الوطن بأوراق عمل واضحة ومواعيد ثابتة لعقد اللقاءات التي تجمع قوى الديمقراطية العراقية المتحررة من كل الأفكار التي عملت ولا زالت تعمل على ترسيخها قوى ألإسلام السياسي الحاكم الآن في العراق وقوى المحاصصات بكل أنواعها . وما إلتفتت إليه هذه القوى الديمقراطية العراقية هو ألإنتباه على تسلل أي إتجاه تّشم منه رائحة البعثفاشية التي تحاول الآن الرقص على جراحات الشعب العراقي لتعيد فكرها الشوفيني ألأسود إلى الحياة مستغلة سوء الوضع السياسي والإقتصادي والثقافي الذي يمر به الوطن . لقد وضع التيار الديمقراطي العراقي نصب عينيه أهدافاً للمرحلة القادمة إتفق عليها جميع منتسبيه مع تباين إنتماءاتهم السياسية والفكرية . إلا ان إيمانهم المطلق بالديمقراطية الحقة ، وليس الإدعاء بها ، جعلهم يبرمجون هذه الأهداف الوطنية المشتركة لعملهم في المرحلة القادمة . وهذه دعوة لكل العراقيين الذين يشاركون هذا التيار العراقي الوطني السعي لتحقيق هذه الأهداف ان يطلعوا على الوثائق التنظيمية والبرنامج السياسي من خلال إطلاعهم على موقع التيار الديمقراطي عبر الرابط :
http://www.altayaraldemokrati.com
والتواصل معه للإستزادة بكل المعلومات حول هذا التيار وطبيعة عمله والتي قد تجيب على السؤال المطروح أعلاه : لماذا التيار الديمقراطي العراقي ؟.
الدكتور صادق إطيمش
#صادق_إطيمش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟