طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 3622 - 2012 / 1 / 29 - 12:10
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بورتريه ل ( عم سعيد )
طلعت رضوان
ربطت الصداقة بين أبى وعم سعيد . وكانت الحارة الواحدة والبيت الواحد عاملين مساعدين . كان عم سعيد يعمل طبالا فى فرقة موسيقية لإحياء الأفراح . بعد خمسين عامًا – وكان قد تجاوز سن السبعين – أخبرنى أنه أصبح عضوًا فى فرقة موسيقية تعمل فى الفنادق الكبرى والعوامات النيلية .
شكّل عم سعيد جزءًا من وجدانى منذ طفولتى ، خاصة وأن أبى كان يستأمنه على اصطحابى لحضور الأفراح ، وحضور الاحتفال بموالد الأولياء . كلّما تقدّم بى العمر ، كنت أتوقف أمام مديح المنشدين وهم يُخاطبون الحسين ب (( ياسيد الشهداء )) ويخاطبون شقيقته ب (( يا طاهرة )) وسمعت كل أقاربى وكل جيرانى وهم يُطلقون هذه الصفات على الحسين وعلى شقيقته . وعندما تعمّقت قراءاتى عن الحضارة المصرية ، عرفتُ أن صفة ( سيد الشهداء ) أطلقها جدودنا المصريون القدماء على أوزير . وأن صفة ( الطاهرة ) أطلقوها على إيزيس .
كنت قد تجاوزت الخمسين ، عنما أصرّ عم سعيد على دعوتى لقضاء سهرة فى أحد الفنادق . أجلسنى أمام ترابيزة قريبة من الفرقة الموسيقية . همس فى أذن أحد العاملين ببضع كلمات وأشار علىّ ، واذا بالترابيزة تمتلىء بشتى أصناف الطعام والشراب .
اكتمل أعضاء الفرقة الموسيقية . كل عضو يُدندن على آلته . بإشارة معينة من المايسترو انتظموا فى عزف لحن راقص مع دخول الراقصة .
استرعى انتباهى أن أذن الراقصة وأحاسيسها مع آلة الطبلة دون غيرها من الآلات . وأن نظرات عينيها وتعبيرات وجهها ، تؤكد العلاقة الوثيقة بين حركاتها ويد الطبّال . وعندما كانت تلاطف عم سعيد ببعض المداعبات ، كنت أتساءل : هل هو إهتمام شخصى ، أم هى من ضرورات المهنة ؟
فى هذه الليلة رأيتُ شخصية جديدة تمامًا ل ( عم سعيد ) الذى جمع فى تعامله مع الطبلة بين العاشق والبهلوان . بدقة معينة على الطبلة تتوقف الراقصة . وبدقة مختلفة تتحرك . لم أره يعزف على الطبلة وهو جالس أو واقف . كان يتحرك حيث تتحرك الراقصة . عيناه فى عينيها . يقذف الطبلة فى الهواء ، وعندما يلتقطها ، تكون الدقة التى تتوقّعها الراقصة . يجلس مقرفصًا . غير مشغول بكفيه ، فهما تعرفان عملهما . نظراته على الكائن الذى يُحرّكه . حيّرتنى نظراته وحركاته ، وشغلنى سؤال استعصت علىّ إجابته : هل يسعى عم سعيد للإجادة والإخلاص وإتقان العمل ؟ أم أنه يتعبّد فى الوجه البريىء والجسد الرشيق ؟
فى طريق العودة فكّرتُ أن أطرح عليه سؤالى ولم أفعل ، إذْ عندما تأملتُ وجهه ، أحسستُ أنه ذهب الى عالم لاأعرفه . طلب من سائق التاكسى التوجه الى ميدان الحسين . كنت أتوقّع التوجه الى العباسية حيث نقيم . عندما أبديتُ له دهشتى قال (( أنا متعوّد أصلّى الفجر فى الحسين كل يوم )) .
*****
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟