نادية حسن عبدالله
الحوار المتمدن-العدد: 3622 - 2012 / 1 / 29 - 12:05
المحور:
حقوق الانسان
أفرزت الأحداث الأخيرة في سوريا حالة من الانقسام بين المعارضين السوريين في الداخل والخارج، وبدأت الاتهامات والتشكيك بالأخر تطلق في كل الاتجاهات ولكل إنسان يخالف الآخر بالرأي.
وقد شكل التخوين الذي مارسه النظام السوري ضد المعارضة الوطنية أبشع وأقسى أنواع الاتّهامات. طالت التهم الحركات السياسية المعارضة من أحزاب وشخصيات، حيث كان التخوين أسهل الوسائل لإنهاء هذه المعارضات وزجها في السجون بتهم التآمر على الوطن أو بدعوة التدخل الخارجي أو التعامل مع العدو الصهيوني.
تتقاطع مقولة التخوين مع مقولة التآمر في الثقافة العربية بل تتلازمان وتهدفان إلى غرض واحد يختزل بالإقصاء والقضاء على الآخر. حيث يقوم النظام بالترويج لنظرية المؤامرة من خلال ترديد المفردات التخوينية بشكل واسع في هذه الأيام، ويجري إطلاقها لدى كل اختلاف في الرأي أو حتى في وجهة النظر بين القوى المعارضة. ولا تأخذ العقلية الحالية بمشروعية الاختلاف بين البشر في الحكم على القضايا، سواء اتصلت بالسياسة أم الفكر أم الدين.. كثيرًا ما تحوّل صاحب الرأي المخالف إلى عدو، وهو اتّهام يلقى جزافاً، أحياناً كثيرة، ويصل ذروته عندما يسود العجز عن إدارة الخلافات بأدوات الحوار وقبول الرأي والرأي الآخر.
تتسع ظاهرة التخوين أو تتقلص بمقدار ما تكون المجتمعات حققت حدًا من التطور الحضاري، تصل بموجبها إلى مرحلة الاعتراف بالرأي والرأي الآخر، وحق الاختلاف، والاحتكام إلى القوانين والعلاقات الديمقراطية في تسوية الخلافات، ومن دون رمي الآخر بالاتهامات التي تلغي فورًا منطق الاختلاف.
إن الاتهامات التي تشنها قوى المعارضة على بعضها البعض يسئ للمعارضة السورية بأكلمها لأنه يظهرها منقسمة وغير قادرة على الوصول إلى موقف موحد - على الأقل في المبادئ الأساسية للثورة حول إسقاط النظام والدولة المدنية- فإذا كنا غير قادرين على تحمل اختلافاتنا السياسية والفكرية اليوم فما هي مشروعية مطالبنا بالحرية والديمقراطية والتعددية السياسية؟
إن المرحلة الحرجة الراهنة التي نمر بها تتطلب وجوب الوعي في كافة أرجاء الوطن، فهو بحاجة لكل واحد فينا، ففي الوقت الذي لا يحترم الواحد فينا رأي الآخر ويظهر عدم تقبله له، والتي قد تصل إلى حد التخوين فإنه يزيد النار اشتعالاً ويغذي الضغينة بين الأطراف التي من المفروض أنها تشكل درع الوطن.
من الضروري أن نبتعد عن سياسات الاتهام والتخوين والتشكيك بالأخر. إن مبادئ الدولة المدنية ترتكز على أسس هامة يجب العمل على ترسيخها في المجتمع، ولا يمكن للتحول الديمقراطي أن يصبح حقيقية إلا إذا عززنا مبادئ وثقافة احترام الرأي الآخر، والحوار مع الآخر، والتسامح وقبول الآخر.
ثقافة احترام الرأي الآخر
إن قبول ثقافة الآخر المختلف لا يعني بالضرورة الاقتناع بها، إنما هو إقرار بوجود الاختلاف معها وبوجود هذه الثقافة وقبولها من قبل الآخر، شرط أن لا تكون تلك الثقافة مبنية على حساب حقوق الآخر أو وجوده، كما ويجب النظر إلى الآخر المختلف من دون تمييز بسبب الجنس أو الدين أو القومية أو الخلفية الاجتماعية أو الاتجاه السياسي أو أي سبب آخر، وطالما أن الاختلاف لا يكون على حساب وجود الآخر أو حياته، فالآخر هو فرد مواطن، له نفس الحقوق وعليه نفس الواجبات، فيجب احترام هذا الاختلاف والعمل على تعزيز قبول ثقافة الآخر المختلف مهما بلغت درجة الاختلاف، وتفعيلها بشكل طبيعي بما تنسجم مع واقعنا ومتطلباته.
فثقافة الاختلاف إذن تعني احترام كل وجهة نظر ورأي واختيار مخالف لآرائنا وأفكارنا واختياراتنا وسماعه ومناقشته في أجواء يسود فيها الاحترام والهدوء وسعة صدر بعيد عن الاتهامات والتخوين، وذلك بفسح المجال لصاحبها للتعبير عنها وشرحها. فكما هو معروف، فاختلاف الآراء والأذواق والأفكار رحمة وقد تكون سبب ازدهار المجتمعات واغتنائها. أما الخلاف فهو يسبب في تحجر المجتمعات و تخلفها و جر الويلات عليها.
ثقافة الحوار
تشكل ثقافة الحوار الإطار العام ومقدمة لبناء أسس الديمقراطية، وتدخل هذه الثقافة ضمن اللبنة الأولى من لبنات احترام الرأي والرأي الأخر. إن ثقافة الممارسة الديمقراطية ترسي احترام الرأي الأخر عبر النهج الديمقراطي وكلما زادت الممارسة زاد التراكم الثقافي للديمقراطية.
ينطلق هذا التحديد من الاعتراف المبدئي والنهائي بواقع التعدد والاختلاف والتعارض مقدمةً ضروريةً لا يقوم حوار بدونها. فالحوار لا يكون إلا بين اثنين مختلفين ومتعارضين أو أكثر، كما يكون بين اتجاهيين قكريين أو حزبين سياسيين أو أكثر، وبين شعبين أو أمتين أو أكثر.
والحوار يعني تبادل وجهات النظر والاستماع لوجهة النظر المتعارضة بشكل ينم عن احترام وتدقيق، ويقوم مستندا على التعددية، مع اعتبار أن جميع وجهات النظر محترمة الا ان الحقيقة نسبية وكل يملك جزءاً لايتجزأ منها، وأن الحقائق دائما متغيرة تبعا لظروف الزمان والمكان.
وانتهاج سياسة التخوين والتكفير والاتهامات ، وفتح النار على المخالفين، واحتواء المتفقين، في سلوك بعيد جداً عن السلوك الديمقراطي والحضاري الإنساني ، بعيدا عن لغة الحوار ومبادئ ثقافته .
ويمكن أن ترتكز ثقافة الحوار على قدرة الإنسان في التفاعل مع الآخرين، من خلال اعتماد القدرة على الحوار والاستماع إلى الرأي الآخر، والقابلية على احترام وجهة النظر المعارضة بغية التحاور، بالإضافة إلى القابلية على طرح الأفكار بشكل عقلاني ومنطقي سليم يعتمد البساطة، وتهدف المجادلة من أجل الوصول إلى القواسم الإنسانية المشتركة في أية قضية تطرح للحوار، وتلك القدرة يتميز بها الإنسان دون غيره، غير أن تلك القدرة ترتبط ايضا بأحترام الرأي الأخر والاستماع له والمقدرة على مناقشته بالوسائل الإنسانية المعهودة .
ولهذا فقد باتت عملية إلغاء الآخر وشطبة والتطرف في محاربته، واللجوء إلى أساليب التهميش والتخوين، جميعها أساليب تعني الارتداد والنكوص عن ممارسة الفهم الإنساني في عملية الحوار . حيث يعتبر إلغاء الآخر والعمل على شطبة ضربا من ضروب انتهاك حق الإنسان في الفكر والعقيدة والاختلاف، وإلغاء لحقوقه المنصوص عليها دستوريا التي يكفل حمايتها القانون.
إن الحوار والتواصل دائماً وأبداً هو الطريق الصحيح لحل كافة القضايا العالقة، وهو البديل الصحيح عن فرض الرأي بالقوة، وبالحوار نحافظ على التواصل والمحبة والسلام، ونعمق معاني الديمقراطية والتعاون، حيث إن غياب الديمقراطية تنعدم إمكانية تكافؤ الفرص في التعبير عن الرأي, وإن غياب العدالة السياسية تنقطع فرص الحوار والتواصل بين مكونات المجتمع, وإن غياب سلطة القانون يقع الضرر على الجميع بدون استثناء.
الحرية الشخصية للفرد المتمثلة في حرية التعبير عن الرأي أو الكلام هي امتداد لحرية الفكر وحرية الاعتقاد والتحرر من العوز، والتحرر من الخوف وبقية الحريات الأخرى. لذلك كانت محط اهتمام ولها الأولوية في القوانين والتشريعات والدساتير المحلية والمواثيق الدولية, فلكل فرد الحق في حرية الرأي والتعبير.
ثقافة التسامح
كما إن ثقافة احترام الآخر وثقافة الحوار هامان في الوصول إلى الدولة المدنية لا بد من نشر ثقافة التسامح والتعايش وقبول الآخر المختلف في ظل هذه الظروف الحساسة والحرجة التي نمر بها. ولا يتحقق التسامح وقبول الآخر، إلا بالحوار والتواصل، والمشاركة الحقيقية في اتخاذ القرار، لأن إقامة حوار بناء، وخلق فضاء للنقد والفكر المستقل يسود المجتمع حالة من الاستقرار والسلام والتعايش مهما اختلفت أعراق ومعتقدات أبنائه.
ويمكن تعريف التسامح بأنه: الاحترام و القبول والتقدير للتنوع الثقافي ولأشكال التعبير والصفات الإنسانية المختلفة. إن هذا التعريف للتسامح يعني قبل كل شيء اتخاذ موقف إيجابي فيه إقرار بحق الآخرين في التمتع بحقوقهم وحرياتهم الأساسية المعترف بها علمياً. وممارسة التسامح لا تتعارض مع احترام حقوق الإنسان ولا تعني قبل الظلم الاجتماعي أو تخلي المرء عن حقوقه ومعتقداته أو التهاون بشأنها عالميا.
كانت الدعوة إلى التسامح بدأت تأخذ بعدها العالمي الرسمي منذ أن بدأت المواثيق الدولية تذكرها أو تشير إليها في نصوصها ربما بدءا من ميثاق الأمم المتحدة ثم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وأثمرت الجهود الدولية بشأن نشر ثقافة التسامح عن صدور " إعلان مبادئ التسامح" عن المؤتمر العام لليونسكو في عام 1995 و إعلان عام 1996 عاما دوليا للتسامح. و اكتسبت الدعوة الدولية للتسامح زخما ملحوظا على اثر التصاعد الأخير في أحداث العنف و الإرهاب و كراهية الأجانب واضطهاد/ سوء معاملة الأقليات ورواج بعض نظريات الصراع أو الصدام الثقافي/ الحضاري.
إن التسامح نابع من السماحة، وهو اعتراف بثقافة الآخر، وتفاهم جماعي متبادل بين مختلف الفئات والمجتمعات ويعتبر التسامح مبدأ من مبادئ حقوق الإنسان، يتضمن الحرية والمساواة. ويقبل هذا المبدأ بالفروقات والاختلافات الدينية والثقافية على أنها طرق أخرى في فهم الله والإنسان والكون. فالتسامح, بهذا المعنى, ليس مساومة فكرية أو دينية، كما أنه بالمقابل لا يلغي الخصائص والمميزات الفريدة, ولا يقفز فوق الفوارق الدينية والحضارية, إنه الاعتراف الهادئ بوجود التباينات, ومن ثم احترام هذه التباينات باعتبارها إثراء للوجود البشري ودعوة إلى التعارف والتثاقف.
مفهوم التسامح بحقوق الإنسان ، وقيمة التسامح تتعلق بمجموعة من الحقوق التي تميز أي نظام دمقراطي مثل السماح بالتعبير عن الرأي و التنظيم و مساواة الجميع أمام القانون, والرفق بأسرى الحرب، واحترام أو قبول رأي الأقلية. والتسامح ممارسة يمكن أن تكون على مستوى الأفراد والجماعات والدول، وهو مبدأ ينبثق عنه الاستعداد للسماح بالتعبير عن الأفكار والمصالح التي تتعارض مع أفكارنا ومصالحنا.
إن المجتمع الإنساني ينطوي على درجةً كبيرة من التباين والتوحد في الوقت نفسه, يتجلى التباين في العدد الكبير من الأعراق و الأجناس و الأديان و القوميات التي تحمل قيماً ومعتقدات تؤدي إلى ثقافات مختلفة, ويتجلى التوحد في أن كل أعضاء هذه الجمعيات يشتركون في كونهم يسعون للعيش بكرامة وسلام وتحقيق طموحاتهم ومصالحهم وعلى ذلك, فإن ما يجمع الناس هو أكثر مما يفرقهم.
إن حرية الرأي والتعبير حق من حقوق الإنسان التي تنادي بها اغلب دساتير الدول ومن المفترض ان تكون حقا طبيعيا للفرد يحاول من خلاله ترسيخ ثقافة الحرية والمسؤولية الذاتية والجماعية وبلورة حق النقد والمحاسبة للأفراد كل حسب موقعه الفاعل في المجتمع.
كلنا سوريون وكلنا نريد دولة مدنية تعددية وعادلة ...ونحن جميعا نريد سورية حرة وقوية أبيه متطورة يتمتع فيها الجميع بالحرية والديمقراطية وتطبق العدالة الاجتماعية للجميع .. فلا ينبغي أن يخون كل منا الأخر لمجرد أنه مختلف معنا في الرأي.. تعالوا نتواصل ونتعلم ثقافة احترام الرأي الآخر وثقافة الحوار وثقافة التسامح، إذا تمترس كل أحد في خندقه ورفض الآخر، فإننا لن نحسن حواراً ولن نصل إلى اجماعا حول ثورتنا وحول حريتنا وحول الوصول الى دولتنا المدنية الحديثة.
ما نحتاجه في ثورتنا هو معارضة قادرة على انتزاع ثقة المجتمع وثقة الشارع الثائر، عبر المسارعة في إنشاء وعي جديد يأخذ الديموقراطية كغاية في ذاتها لا مجرد وسيلة لتحقيق هدف أو نصر سياسي عابر. إننا بحاجة إلى معارضة قادرة على الحوار واحترام روح المنافسة والاختلاف والرأي الآخر وتنأى عن الاتهامات والتخوين، وتحترم ثقافة الحوار والتسامح.
#نادية_حسن_عبدالله (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟