أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - سعاد خيري - 2- بوادر الوعي الوطني















المزيد.....

2- بوادر الوعي الوطني


سعاد خيري

الحوار المتمدن-العدد: 3621 - 2012 / 1 / 28 - 12:11
المحور: سيرة ذاتية
    


- 2
- بوادر الوعي الوطني
كان بيتنا يتمييز بارقى مستوى من الاناقة والثقافة في المدينة , بفضل جدي وامي .فقد دخل الراديو في بيتنا منذ اواسط الثلاثينات.وكان الجميع يستمع لنشرات الاخبار . وتتسرب المفاهيم السياسية والمشاعر الوطنية عفويا الى عقول الصغار . قتل الملك غازي ولبسنا السواد في المدرسة , ولكن في البيت علمنا باتها مؤامرة انكليزية مع عميلهم نوري السعيد. لان الملك غازي كان وطنيا . ولبسنا الخاكي وكان لي ثلاث خيوط لتفوقي بالدراسة في فترة رشيد عالي الكيلاني. وتظاهرنا في المدرسة فرحا باسقاط طائرة بريطانية , واخيرا تبين انها كانت عراقية . وفرحنا عندما اعفينا من الامتحان باللغة الانكليزية في بكلوريا الصف السادس, عام 1941 كرها للمستعمرين . وفي السنوات المتقدمة من الحرب العالمية الثانية كنت الاحظ امي واحد اخوالي يذهبان ليلا الى السرداب حاملين الراديو ليستمعا الى اذاعة موسكو , ويفرحا بالانتصارات التي حققها الجيش الاحمر على الفاشية الهتلرية. وحتى الاجتياح الغوغائي للمحلات والبيوت اليهودية والاعمال الوحشية التي راح ضحيتها الكثير في بغداد , لم تؤثر على مشاعر العائلة وعلاقاتها . فقد جرى تعليله بتدابير الانكليز لعودة نفوذهم . كما يفعل الامريكان اليوم بعد جلاء قواتهم املا بطلب اعادتها. واوت الكثير من العوائل المسلمة , اليهود وانقذت حياة الكثيرين . ولم يكن واضحا انذاك علاقات الحركات الصهيونية بتلك الاحداث وتعاونها مع القوات البريطانية الغازية وتخطيطاتها الاجرامية بحق يهود الشعوب الاخرى , بهدف تجميعهم في البلد الذي يحلمون به للانطلاق منه الى الهيمنة على العالم, ويقدمونهم قربانا لمصالح الراسماليين اليهود. كما لم تمنع تلك الاحداث امي من تحقيق سفرتها السنوية الى بغداد واخذي هذه المرة معها لاساعدها بالعناية باختي الرضيعة امل . وهكذا شاهدت بغداد لاول مرة عام 1941 , وقد انهيت توا المرحلة الابتدائية. كم تجولت في شارع الرشيد وبهرني عنفوانه الذي تجسده حركة الجماهير وحيويتها رغم مظاهر الحزن العميق والحقد الدفين.وكم سحرتني واجهات المحلات الكبيرة بمعروضاتها . وتجولت في حديقة غازي في الباب الشرقي, واعجبت بتمثال السعدون.حيث كنا نقيم في بيت عمة امي الواقع في الباب الشرقي.في حين تسكن عمتي في شارع غازي الذي اصبح اسمه شارع الكفاح بعد ثورة 14/تموز. وعلى الرغم من كل اهتمام عمتي واولادها بنا,كنت لا اميل للبقاء عندها للفارق الحضاري بين شارع غازي وباب الشرقي والبتاوين.فالاوضاع الاجتماعية والاقتصادية في شارع غازي لا تختلف كثيرا عنها في العمارة. حيث كثافة السكان الكادحين ومعاناتهم التي تعكسها سحنتهم والازقة المزدحمة بالاطفال الحفاة . اما في الباب الشرقي والبتاوين , فترى الابنية الجميلة والحدائق الغناء والجماعير المترعة والسيارات الفارهة والنسوة الجميلات السافرات المرتديات احدث الموديلات . ومع ذلك بقيت في ذاكرتي تلك الجولة في محلة ابو سيفين وهي من محلات شارع غازي.حيث تجلس النسوة على عتبات البيوت يحكن الصوف او يطرزن او يبعن الكبة وانواع الاغذية . وكثيرا ما يتشاجرن بسبب الاطفال . وفي سوق حنون اشترت لي امي لفة لوبياء لا انسى طعمها ولم استطع تذوق لذتها في اية لفة لوبياء حتى الان.
وعادة كنا نقضي الصيف على ضفاف دجلة وفي الصباح الباكر نستقبل القرويات لنشتري منهن لاهلنا البيض والخضر . ثم نعود بعد فترة, حيث يترك القرويات قواربهن مربوطة ويذهبن الى السوق لبيع ما حملنه من القرية وشراء ما يحتجن اليه . كنا نركب القوارب ونجذف على قدر ما يسمح به الحبل المربوط به ونهرب قبل وصولهن الينا . واحينا كنا ناخذ الشراشف ونتعاون على امساك اطرافها لنصيد الاسماك الصغيرة . وفي الشتاء كنا نتحلق حول المنقلة لنستمع الى القصص التي يرويها جدي ومن بعد رحيله والدي ونحن نشوي الكستناء او ناكل التمر الاشرسي مع الجوزاو التين رجاو. ويمر بائع الشلغم المسلوق باغانيه المحببة التي تثير الشهية فنركض لشراء ما يكفي للعائلة منه. واقسى ما كنا نعاني منه حبيبة وانا هو مهمة اخذ اختنا الاصغر كلير الى الفراش والبقاء بقربها حتى تنام.فنحرم من القصص ومن التمتع بالجمر المتقد في المنقلة البرونزية الجميلة . وكانت لخبثها تتظاهر بالنوم وما ان نعود ونحن نتحرق شوقا للتمتع مع العائلة حتى تصرخ.
كانت علاقتي باختي الاكبر حبيبة حميمية وكنا ننام في سرسر واحد . ومعها رسمت وقرأت القصص التي كانت تملآ صندوقا كبيرا يعود لخالي القاسي , ونحن في خوف من ان يكتشف امرنا.فقد سبق ان تلقيت منه الصفعة الوحيدة في حياتي . وكانت مرعبة حيث بقيت اثار اصابعه على وجهي لعدة ايام . في حين كنت احذر اخوتي من الضوضاءلانه كان في قيلولة . كنا في العطلة الصيفية نصعد الى الطابق الثاني ونجلس على اكداس افرشة الشتاء نقرأ قصص غادة الكاميليا وفوستا وباردليان وغيرها من القصص المترجمة الى العربية وفي المساء نخرج التمثيليات على مسرح بيتنا في الشناشيل حيث كان في صدرها دكة عالية يمكن سترها بالستائر . في حين كانت العائلة في الصيف تحتل الطابق الارضي حيث الجو ابرد ومبرد بالعاقول المرشوش بالماء والمراوح الكهربائية وما اعطر رائحة العاقول.كانت فرقتنا التمثيلية تتكون من البنات الست في البيت اخواتي وانا وخالتي ونكمل الفرقة بصديقتينا لميس وساهرة.
لم يكن في مدينة العمارة مدرسة ثانوية للبنات وعندما اضطرت ابنة احد المعتقلين بتهمة الفاشية ان تدرس في ثانوية البنين , حدثت ضجة في المدينة ولذلك اضطرت العائلة تحت ضغط امي واصرارها على اكمالنا الدراسة الى ارسال اختي حبيبة الى بغداد لتكمل الثانوية في معهد الملكة عالية في القسم الداخلي . ولحقت بها في السنة الثانية,عام 1944.
ترك غياب حبيبة فراغا كبيرا في حياتي دفعني للتفكير اكثر في مجريات الحياة في البيت والمدينة . فألمني كثيرا وضع الطفلة سعدية وهي اصغر مني سنا وانحف لانها مصابة بالدزنتاريا وهي تعمل وتنام في بيتنا لقاء مائة فلس في الشهر كما المني منظر ام من سكنة الصرائف المجاورة , وهي تحمل الدنان الذي نتهرب من تكليفنا باخراجه من الرز قبل الطبخ . ولما سألتها ماذا تعمل به قالت انها تريد طحنه لاطعام اطفالها. وفي مطالعة الصف الثالث متوسط كان موضوع مدام كوري وكان استاذ اللغة العربية معمما حيث كانت مديرية المعارف في العمارة تستكمل ملاكاتها في التعليم بالاساتذة وكان مدير المعارف نفسة الاستاذ ناجي يوسف يدرسنا الرياضيات . طلب استاذ اللغة العربية كتابة انشاء بعنوان , الفقر لا يعيق العبقرية, وفي تلك السنة كان جارنا قد انهى الثانوية وحصل على المركز الاول على العراق ومع ذلك حال فقره دون حصوله على مقعده في البعثة الى الخارج ومنحها الى احد ابناء الاغنياء!
واقنعوه بالحصول عليها في السنة التالية! ولاول مرة تتدفق افكاري, ولاول مرة يقرر الاستاذ قراءة ما كتبت على الصف. لم يفرحني ذلك بل دفعني للتفكير اكثر للتفوق العلمي لخدمة الناس عن طريق العلم , اقتداء بمدام كوري.
ومرت سنوات المراهقة دون احداث عاطفية تذكر . فقد شغلني التفكير بوضع العائلة كما كرهني بالزواج كثرة الخطاب منذ سن الثانية عشر . فاعلنت للجميع انني لا اتزوج الا بعد ان يتزوج جميع اخوتي واخواتي وفعلا هذا ما حدث .
كانت علاقاتي بصديقاتي حميمية جدا منذ الطفولة , ولذلك لم يكن لي الكثير من الصديقات, كنا في الابتدائية ثلاثة نحتل المواقع المتقدمة في الصف وكان لكل منا كنية اصطفاها لنا الاخرون . فزهرة كانت تلقب بام شيبة بسبب خصلة شعرها الذهبية ومزلي ام عيون البزون لكون عيونها ملونة وانا العمشة بسبب رمشة عيوني. وفي المتوسطة كنا ثلاثة ايضا . لميعة عباس عمارة الشاعرة وسلمى داود الحميد اجمل فتيات العمارة . اقتسمنا التفوق لميعة وانا . هي في اللغة العربية وانا في الرياضيات . وكنا الوحيدتين اللتين اجتزن الامتحان العام. وكان نجاحها التفاتة رائعة من مصحح دفاتر الرياضيات . فعندما لم تستطع لميعة حل المسائل الرياضية , حولت منطوق الاسئلة الى شعر ومن خلاله طلبت من المصحح ان لا يحرمها من اجتياز المرحلة بسبب ضعفها في الرياضيات فهي اديبة ولا تريدسوى اكمال دراستها الادبية . وهكذا افترقنا .



#سعاد_خيري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفصل الاول من رحلة حياة البدايات
- البشرية تغذ السير نحو تحررها رغم المصاعب والتضحيات
- رحلة حياة امرأة عراقية عبر اخطر مراحل تطور شعبها والبشرية
- تجتاز البشرية مرحلة المطالبة بالحرية الى مرحلة صنعها
- البشرية تغذ السير نحو تحررها رغم المصاعب والتصحيات
- يحق للفلسطينين التمتع باول منجوات عصر التحرر لانهم اغنوا تار ...
- الانتفاضات والاعتصامات المعاصرة ميادين اعداد الاجيال الصاعدة
- دماء الشهداء تؤجج الحراك الجماهيري وتطور اهدافه
- التحرك الجماهيري العراقي يوطد ديناميكيته بالتظافر مع تحرك عم ...
- البشرية تغذ السير نحو تحررها باسقاط الانظمة الموغلة بالتخلف ...
- ثورة 14/تموز رائدة الثورات التحررية المعاصرة ومحكمة الشعب من ...
- لماذا يموت الشعب الصومالي جوعا والسبيل الوحيد لانقاذه
- العامل الحاسم في اجتياز البشرية المرحلة الانتقالية لتحررها و ...
- من صعوبات مرحلة الانتقال التي تمر بها البشرية استماتتة قوى ا ...
- ثلاثة ايام للغضب والتحدي والامل في بغداد عاصمة الكون ومصدر ا ...
- تطور مقاومة الشعب العراقي للاحتلال افقد المحتلين وادواتهم اع ...
- وتبقى ساحات الاعتصام والتظاهرات الميدان الرئيس لتحقيق الاهدا ...
- اخر واصعب المراحل الانتقالية في تاريخ البشرية لانجاز تحررها ...
- انهاء الاحتلال وادواته الهدف الرئيس والموحدلجميع مكونات الشع ...
- متطلبات العصر تخترق اقدم حصون الراسمالية الجماهير الاسبانية ...


المزيد.....




- -لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د ...
- كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
- بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه ...
- هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
- أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال ...
- السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا ...
- -يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على ...
- نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
- مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
- نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - سعاد خيري - 2- بوادر الوعي الوطني