أطلعت على ما كتب الأخ الأردني ناهض حتّر في جريدة النهار ليوم الأربعاء
المصادف 14 آب 2002 والتي عنونها بـ"واجبات الوطنيين الأردنيين نحو العراق". وقد
أحسست، كوني عراقي، بدافع نفسي وأخلاقي عظيم لمساعدة الأخ ناهض للنهوض بصورة كاملة
بثقل مسؤولياته تجاه شعب العراق.
بالرغم من أن مقالة السيد ناهض حملت "بعض"
التطور الواضح في طريقة مخاطبة النظام العراقي وقوى سياسية عربية وصفها بالغوغائية
(ديماغوجية)، الا ان السيد ناهض توقف في منتصف الطريق، ومن دون ان يصل الى
الهدف.
دعا السيد ناهض نظام صدام بالتفاهم مع قوى الحركات الوطنية
العراقية، ولكنه أخطأ خطأً فادحا عندما أستثنى أطرافا رئيسية من المعارضة العراقية
تختلف مع السيد ناهض في طريقة التعامل مع نظام صدام، أو ربما بنوع التحالفات الآنية
التي حتمتها ظروف وحالات سياسية عالمية معروفة. ولا أدري ما هي بنظر السيد ناهض
المستلزمات التي تحتاج تقديمها الحركات الوطنية العراقية المعارضة لنظام صدام لكي
تستوفي الشروط، وبالتالي تمكنها من الجلوس على طاولة التفاهم معه؟ هل تهرب السيد
ناهض من تحديد هذه الحركات كان سببه في الحقيقة هو انعدام وجود هذه الحركات على
الساحة العراقية الا بالشكل القتالي؟ أم ان كل هذه الحركات المعارضة العراقية (من
ضمنها الحركات التي اجتمعت مع الحكومة الامريكية في واشنطن مؤخرا) هي ليست حركات
وطنية في نظر السيد ناهض؟ وإن كان هذا هو تصوره، فانه قد أخرج نفسه من باب المصلح
الى باب آخر هو اعرف به مني، وهو بذلك يكون قد انتزع من الشعب العراقي حق ان يقرر
مصيره من خلال حركات و تحزبات خارجة عن نطاق الحزب الأوحد الذي يدعي صدام الانتماء
إليه.
من غير المستغرب أن يلجأ الإنسان الى التبسيط في فهمه للأمور عندما
يواجه حالة معقدة، خصوصا قضية بحجم قضية الشعب العراقي المظلوم. وهذا بالفعل ما حصل
مع السيد ناهض عندما أراد ان يضع حلا سريعا لما يراه "تهديدا للعراق". ولو ان السيد
ناهض كان قد التقى بفصائل المعارضة العراقية الكثيرة، الإسلامية منها
والعلمانية،لأدرك ان الحل هو ليس باستجداء حالة تفاهم مع نظام صدام. الا ان السيد
ناهض نظر الى العراق من وجهة نظر مواطن اردني، من دون استيعاب مطالب شعب العراق
ممثلا بالحركات العراقية المعارضة، ودليل ذلك تراه بقوله ان "العراق الذي يمثل
العمق الاستراتيجي للأردن". وهنا انا لا أستطيع ان امنع نفسي من ان استنتج ان السيد
ناهض يميل الى معالجة المشكلة العراقية بالطريقة التي تضمن بقاء الحالة الترقبية
الهشة التي اعتاد عليها المواطن العربي في صراعه مع قوى الأنظمة العربية من جهة
وقوى توسعية إقليمي أخرى من جهة أخرى. وهو بذلك يرفض ان يقاوم النزعة النفسية
الهادرة التي تدفعه الى التركيز على مصالح النفس والأهل و العشيرة او الحزب او
الدولة التي يعيش تحت كنفها، فتجعل منه ضيقا منحسرا لا يرى الا ما يريد و لا يسمع
الا ما يحب.
ويبدو لي ان السيد ناهض قد اخطأ طريقه فبدلا من ان يضع سمّاعته
الطبية على قلب شعب العراق لفحصه فهو قد وضعها على قلب نظام صدام، وهذا ما يفسر
استنتاجاته التي تقول ان نظام صدام في حالة خطر لذا فهو يقترح على المواطنين
الأردنيين ان يتقدموا بما لديهم لإنعاش قلب النظام بأسرع وقت ممكن.
كيف يستطيع السيد ناهض ان يقنعنا
انه من الممكن ان تبني نظاما ديمقراطيا مع بقاء نظام صدام الحالي؟ هل ان المشكلة هي
ان العراقيين غير ممثلين في برلمانات، أو مجالس بلدية؟ بالتأكيد المشكلة هي اكبر من
ذلك بكثير، فنظام صدام الذي قتل مئات الآلاف من العراقيين، وقطع آذانهم، واستخدم
الحديد الحار لكي جباههم لرسم علامة ناقص (ـــ) عليها، وهجر الآلاف من العراقيين من
قبائل عربية معروفة الى إيران، والذي يرفض الحقوق المدنية و الديمقراطية للشعب، لا
يمكن ان يُعامل الا كمجرم يستحق تعجيل القصاص عليه في الارض لكي تستقيم موازين
العدالة، ولكي يتمكن شعب العراق من لعق جراحه، وبناء نظام ديمقراطي يحترم حقوق
الإنسان.
يريد
السيد ناهض من شعب العراق ان يصدقه ويأخذ من يده "دواء" المرض، وهو يرفض فكرة
ان يحاسب شعب العراق جلاد يه؟ ولعمري فان السيد ناهض يريد لشعب العراق النازف قلبه
دما عبيطا ان يلتهم حبات من المسكنات او انه بمعنى آخر يطلب من نظام صدام بزرق شعب
العراق حقنه مورفين، تاركا القلب ينزف من دون علاج. أي حنكة وأي علاج؟ العلاج
بالوهم والخداع أظنه.
أذكر في سنه 1996 عندما كنت أمارس الطب في
إحدى مستشفيات جنوب العراق، دخل المستشفى أحد المسؤولين المهمين في النظام وكان
مصابا بعيار ناري بمفصل ذراعه الأيسر، وأثناء وجودي في غرفته، سمعته يقول بصوت
جهوري لزواره أن "الذين أصابوني بطلق ناري لم ينالوا ثأرهم مني، لان نفس هذا الذراع
قد حمل السلاح الذي اعدم مائتين وواحد من غوغائييهم في مدينة البصرة عام 1991". كيف
يتمكن الأخ ناهض من ان يتجاهل حق الشعب العراقي بتخليص نفسه من نظام دموي مجرم؟
وبناء نظام ديمقراطي يحترم حقوق الإنسان، ولا يتشدق بإعدام شباب شعب العراق
المظلوم. هل يريد الأخ ناهض من شعب العراق ان يدافع عن نظام لم يدع له حرمة الا
ودنّسها؟ كيف تستطيع من ثُكلت بأبنائها الأربعة ان تدعوا لنظام صدام بطول العمر؟
وكيف يستطيع من قُطعت كفاه ان يصفق لنظام صدام؟ و كيف يطلب من الأكراد الذين هلك
منهم الآلاف بغازات النظام السامة ان يقوموا بتقبيل يد نظام صدام؟
و هنا يتحتم
على المواطنين الأردنيين و كل الأشقاء العرب ان يقوموا بمد يد العون للشعب العراقي
وقوى الحركات العراقية المعارضة، وهي تقوم بثورتها القادمة من خلال تقديم الدعم لها
والضغط على الحكومات العربية بالسماح لفصائل المعارضة العراقية للتجمع فيها
والانطلاق منها نحو التغيير. و لكني اعلم أنني اطلب المستحيل، فالسيد ناهض لن تسمح
له أنانيته السياسية الى اختيار جانب الضعيف (شعب العراق) لا بل اكثر الظن انه
سيستمر بالتعامل مع قضية شعب العراق بحجم ما يهمه منها كمواطن اردني لم يكن في يوم
من الأيام تحت طائلة يد نظام صدام القاتلة.
ويحلم السيد ناهض "بهبّة عربية
واسعة رسمية وشعبية، تدفع الإدارة الأميركية الى إعادة حساباتها" في مسألة الهجوم
على النظام. وكنت تمنيت ان أرى هذه الهبة العربية الواسعة في الشارع العربي عندما
ضرب نظام صدام الشعب العراقي الكردي بالغازات السامة، وعندما قتل عشرات الآلاف من
العراقيين في انتفاضة عام 1991. ولكنها لم تحدث، وربما لن تحدث أبدا لأسباب يطول
شرحها. نعم قد تحدث هذه الهبة العربية التي يحلم بها السيد ناهض، ولكن صاعقة شعب
العراق ستُخرس كل الهبات، فهُم من قُتلوا وهُجّروا لا الشعب العربي. فمن كان من
الشعب العربي من يعرف الظلم فأدعوه أن لا يقف مع الظالم، ومن كان من الشعب العربي
يعرف الاضطهاد فلا يقف مع جلاد شعب العراق. كونوا منصفين، وإلا فكونوا مراقبين
لصاعقة شعب العراق القادمة...
و كأني بأمٍ عراقية ثكلى بأولادها الذين قتلهم
نظام صدام تدعوا على السيد ناهض بان يسلط الله عليه نظاما مثل نظام صدام لكي يصحو
من أوهام "عمق نظام صدام الاستراتيجي"، و لكني أشفق على المواطنين الأردنيين من هذا
المصير... عافاكم الله يا شعب الأردن الشقيق.. أعينونا للخلاص من بطش نظام صدام، يا
أخوة.
عادل
عوض
كاتب عراقي في المنفى - أميركا
إيلاف خاص