علاء اللامي
الحوار المتمدن-العدد: 3618 - 2012 / 1 / 25 - 19:25
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
تحول النزاع السياسي اللفظي بين التيار الصدري و " عصائب أهل الحق"، المنشقة عنه، إلى نزاع مسلح في عدة أحياء بغدادية، كادت تمتد إلى عدد من المحافظات التي تضم معاقلَ الطرفين. تزامن هذا الحدث مع إعلان العصائب تخليها عن حمل السلاح بعد الانسحاب الرسمي لقوات الاحتلال، و إعلانها رغبتها في الانخراط في العملية السياسية الجارية في البلاد، ومع أول ظهور علني لأمينها العام الشيخ قيس الخزعلي في مدينة النجف. زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، شنَّ من مدينة قم الإيرانية هجوما لاذعا على العصائب ناعتا قادتها بـ "عشاق للكراسي" و"مجموعة قتلة لا دين لهم ولا ورع" و بأنهم سلموا سلاحهم للدولة. مراقبون للشأن العراقي قالوا أن النزاع بين الطرفين لا يرقى إلى مرتبة النزاع السياسي على قضايا وطنية مهمة بل هو أقرب إلى النزاعات الشخصية ذات الدوافع الذاتية. آخرون ذكّروا بأن التيار الصدري سبق له أن سلم سلاحه إلى الشرطة العراقية سنة 2005 مشترطا صيغة "البيع" لا "المصادرة"، وانخرط بعدها في العملية السياسية فأصبحت له كتلته البرلمانية و مجموعته الوزارية في الحكومات المتعاقبة، وقد فعل التيار ذلك حين كان الاحتلال في ذروة ممارساته الهمجية، وعلى هذا، يضيف هؤلاء المراقبون، فلا يحق للتيار أن يؤاخذ العصائب على ما فعلت وسبقها هو إليه.
التيار الصدري هدد بأنه سيعيد النظر بوجوده في"التحالف الوطني" الذي تهيمن عليه الأحزاب الإسلامية الشيعية، وفي الحكومة، في حال سُمِحَ للعصائب بالانضمام إلى التحالف. العداء للأخيرة لم يكن حكرا على قيادة الصدر بل تعداها إلى أغلب، إنْ لم نقل جميع القوى والأحزاب والجماعات المسلحة في مناطق الغالبية العربية السُنية، مع ملاحظة أنّ البعض هنا لا يفرق بين التيار والعصائب بل يجرّم الطرفين على خلفية اتهامات طائفية متبادلة.
نظرة إلى تاريخ العصائب، تخبرنا أنها تأسست كحركة مقاومة إسلامية شيعية للاحتلال الأميركي، انشقت عن التيار الصدري، وبدأت العمل المسلح سنة 2004 . عُرِفَ من بين مؤسسيها الشيخ قيس الخزعلي وهو مدينة الناصرية، أمينها العام حاليا، ومحمد طباطبائي وأكرم الكعبي من البصرة وعبد الهادي الدراجي من بغداد. هؤلاء جميعا معممون من جيل الشباب أتباع "الحوزة الناطقة" الرافضة للاحتلال الأجنبي، أما منهاجها الفكري ومبادئها العامة فتذكر مصادر الحركة أنها مستمدة من فكر المرجع الراحل محمد محمد صادق الصدر الذي قتل مع ولديه مؤمل ومصطفى برصاص مخابرات نظام صدام حسين في شباط 1999. وبهذا، فهي تتشابه مع الحركات والأحزاب السلفية الشيعية كحزب الدعوة بأجنحته الثلاثة والمجلس الأعلى وتيار الإصلاح والتيار الصدري وحزب الفضيلة الإسلامي من حيث المرجعية والمبادئ العامة والتكوين المجتمعي الشيعي حصرا. إلا أنّ أحد مؤسسي العصائب، هو الشيخ أكرم الكعبي، حاول أن يخفف من واقع اللون الطائفي الواحد للحركة وتوجهاتها السلفية فقال في لقاء صحفي ( كنّا نقاتل في النجف والفلّوجة كقوّة عراقية واحدة، ونصلّي جماعة واحدة خلف إمام شيعيّ تارة وسنّي أخرى، ولكنّ ذلك لم يَرُقْ للمحتل والتكفيريين، فعمدوا إلى تأجيج الفتنة الطائفية لترسيخ التباعد ما بين فصائل المقاومة ).
يقدر عدد مقاتلي حركة العصائب الفاعلين بحوالي ألف مقاتل، وقد اعتقلت قوات الاحتلال عدد من قياداتها ومنهم الشيخ الخزعلي والشيخ الدراجي وثمانية آخرون سنة 2007 وتم تحريرهم سنة 2011 بعد أسر مجموعة من جنود الاحتلال ومبادلتهم بهم.
ورغم العمليات العسكرية المهمة و الناجحة التي شنتها العصائب ضد الاحتلال، ولكن اتهامات كثيرة وجهت لها، منها ما يتعلق بتورطها في قتل عراقيين أبرياء وعسكريين حكوميين إضافة إلى ارتباطاتها التي قيل إنها الوثيقة مع الحكومة الإيرانية. بعض هذه الاتهامات ، أكده مقتدى الصدر عدة مرات، ولكنه لم يقدم عليه أية أدلة ملموسة إلى القضاء حتى الآن بل اكتفى بشن هجماته الإعلامية عليها، و من داخل إيران حتى، مساويا لها، في آخر تصريح له، بتنظيم القاعدة والبعث الصدامي ومطالبا باجتثاثها. الشخصية السياسية التي تعتبر ناطقا غير رسمي بلسان العصائب، مع أنه يقدم نفسه كوسيط بينها وبين حكومة المالكي هو سلام المالكي، وزير النقل السابق عن التيار الصدري، المالكي نفى وبشدة أن تكون العصائب قد استهدفت عراقيين أبرياء وطالب الذين يتهمونها بذلك بتقديم أدلتهم.
قيادة التيار الصدري ذاتها لم تكن منسجمة في موقفها من العصائب، مصادر من داخلها تحدثت عن وجود توجهين داخلها. الأول، و يمثله أغلب نواب التيار و أعضاء هيئته السياسية، رفض مواجهتها بالقوة المسلحة لما سينجر عنه من ردود فعل إيرانية على اعتبار أن العصائب مدعومة بقوة من إيران ومن المرشد خامنئي شخصيا. وقد أكد سياسيو التيار قدرتهم على لجم الحركة وعزلها سياسيا كمقدمة لتفكيكها سلميا، أما موقف الجناح العسكري فقد أكد ممثلوه على ضرورة تصفية العصائب بالقوة المسلحة وطردهم من معاقلهم وبخاصة من مدينة النجف.
إلى ذلك، دخل زعيم التيار مقتدى الصدر شخصيا، في سجال علني حول الموضوع مع عدد من أنصاره في معقل التيار مدينة الصدر "الثورة" الذين كتبوا له محتجين ومعاتبين ( إنك تمنع المنشقين والمفسدين من التسلق على أكتافنا لكن بمجرد توبتهم تجدهم هم المتصدين لقيادة التيار) ثم أوردوا مثال الشيخ الدراجي الذي أعلن انسحابه من العصائب وعاد إلى التيار وتساءلوا كيف يمكن لهم، وهم الذين تظاهروا ضده بأمر من المكتب "قيادة التيار"، و وصفوه بأشنع الأوصاف " لكنه عندما تاب صار بين ليلة وضحاها ناطقا باسم المقاومة ثم رجع إماما لجمعة مدينة الصدر" واختتموا رسالتهم بقولهم "قد لم يصلك أن البعض منا لاموا أنفسهم بطاعتهم لأمر المكتب". ردُّ الصدر على أصحاب الرسالة الاحتجاجية جاء عنيفا هو الآخر، أعرب فيه عن استغرابه من عدم ثقة أنصاره به، مبررا تكليفه الدراجي مهمات قياديه بأن الأخير "تاب إلى الله توبة نصوحا" طالبا منهم أن "لا تتدخلوا في عملي مثلما لا أتدخل أنا في عملكم".
البيت الإسلامي الشيعي بدا محرجا ومأزوما بعد أنْ تفاقم النزاع بين الطرفين وأصبح مسلحا. و قد حاولت الكتل الكبرى فيه أن تنأى بنفسها عن تفاصيله وعن تحديد موقف محدد منه غير أنّ الوزير السابق عامر الخزعلي، أحد قادة ائتلاف دولة القانون، ومستشار رئيس الوزراء نوري المالكي لشؤون المصالحة، أيد انخراط العصائب في العملية السياسية. وانفرد النائب الصدري جواد الشهيلي بموقف معتدل من الموضوع قائلا أن مشاركة العصائب في العملية السياسية أمر يقرره الدستور ولكنها لن تؤثر على دور التيار الصدري. أياد علاوي زعيم قائمة العراقية أدلى بدلوه في الموضوع فاعتبر انخراط العصائب في العملية السياسية أحد أسباب الأزمة السياسية الراهنة، دون مزيد من التوضيح.
من خارج العملية السياسية، سجل المراقبون موقفا لافتا للمرجع الشيعي المناهض للاحتلال ، الشيخ قاسم الطائي، وهو أحد مؤسسي التيار الصدري ولكنه يعتبر نفسه الآن مستقلا. الطائي طالب في بيان صدر عن مكتبه " بالابتعاد عن المهاترات الإعلامية، فهي ليست في صالح الخط الصدري. و أن المناوشات الإعلامية بين التيار الصدري وعصائب أهل الحق، في هذه الأيام التي يعيش فيها شعبنا بفرحة خروج الاحتلال الأميركي من العراق، لا تخدم إلا المحتل نفسه". وختم بالقول " أن هذه المناوشات هي تصرفات غير مسؤولة، وكان يجب على أبناء الخط الصدري أن يسموا فوق هذه المهاترات". لا يعرف بدقة، ما إذا كانت هذه التصريحات هي التي حدت بالصدر إلى التخفيف من تشنجه ضد العصائب فأدلى أخيرا بتصريح قال فيه إن (العصائب كانوا منا، وهم كأبناء عصاة، أريد هدايتهم ولا أريد عداءهم و أن أبوابي مفتوحة لهم إذا أعلنوا توبتهم وسأختبرهم لفترة).
التطور الأخير في هذا الملف تمثل في تصريحات صحفية أدلى بها الخزعلي إلى " الأخبار" وعلل الخلاف مع التيار بطريقة قيادة السيد مقتدى الصدر ومرجعية التيار. تصريحات ردت عليها النائب في التيار مها الدوري ببيان قالت فيه إن مرجعية التيار " واضحة كضوء الشمس الساطع وهي مرجعية الراحل محمد محمد صادق الصدر ولكننا نتحدى الخزعلي أن يعلن عن اسم مرجعيته" الدوري كررت اتهاماتها إلى الصائب بسفك دماء مدنيين وعسكريين عراقيين أبرياء
باحثون عراقيون في الظاهرة الطائفية اعتبروا أنّ النوايا العبارات البناءة الواردة في مداخلة المرجع الطائي وتخفيف الصدر للهجته ضد العصائب لن يشكلا حلا حاسما للنزاعات والصراعات بين الطوائف أو داخل الطائفة الواحدة ما لم يتم فضُّ الاشتباك دستوريا بين دور رجل الدين السياسي وصفته، ليتحرك كل منهما في مجاله الخاص، من دون أنْ يعني ذلك حرمان رجل الدين من حقوقه السياسية كمواطن عادي لا يتمتع بأي امتيازات أو تمايزات على الآخرين تعلنها علامات دينية خاصة كالعمائم وغيرها!
#علاء_اللامي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟