|
سوريا: المسلم قائداً للدولة والمجتمع
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 3617 - 2012 / 1 / 24 - 14:12
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
باجتماعات لجنة صياغة الدستور كنا نتوقع أن يصدر دستور سوري عصري جديد علماني شامل وتوافقي، يتماشى مع الواقع السوري، ويـُرضي كل الأطياف السورية، ويلبي طموحاتها في العدالة والمساواة والإخاء، ويعكس، بنفس لوقت، حقيقة الثراء، والغنى، والتنوع، والتفرد المجتمعي السوري، وبحيث لا يتم تغليب فئة على فئة، ولا تنصيب فريق على آخر، ولا إعطاء أية امتيازات لمجموعة على مجموعة، أو منح صك حصري لهذا أو ذاك لقيادة الدولة والمجتمع في سورية. غير أن كل التوقعات والتمنيات كانت مخيبة للآمال، ومحبطة ولا ترتقي لمستوى طموحات جميع السوريين، بدستور عادل وشامل يتساوون فيه جميعاً بالحقوق والواجبات، ويتمتعون بكامل امتيازات المواطنة غير المنقوصة، ولا يكون أحد وصياً على أحد، أو لدى أي أحد آخر "شعرة زائدة"، تميزه عن الآخرين من أبناء وطنه.
لقد كان جل النقد الموجه للدستور السابق، دستور العام 1973، هو تنصيب البعث كقائد للبعث والدولة، عبر "تنصيب" وإشهار المادة الثامنة من الدستور في وجه الجميع، وما جرّ ذلك من ويلات وكوارث مجتمعية، وسياسية، واقتصادية، على ذات الدولة التي انفرد في حكمها، وكان قائداً لها، واحتكرها لأعضائه ومواليه من الباب للمحراب، وهمـّش، وأخرج باقي فطاعات وفئات وتيارات المجتمع السوري السياسية والفكرية من دائرة الفعل والشأن العام، وبلغ، في ممارسات "ألترا"-فاشية، Ultra-Fascist، درجة وصلت حد قطع أرزاق الناس، فمن لم يكن ذات يوم منضوياً تحت رايات الرسالة الخالدة، ومؤمناً بشعاراتها الشهيرة في التبعية المطلقة والعبودية للأعراب وتنصيبهم قدوة وأيقونة على رقبة كل سوري، كان يحرم من العمل والتمتع بأبسط الحقوق الوطنية. وأتت، اليوم، اللحظة التاريخية الضرورية والملـّحة للتخلص من تلك المادة البغيضة، ليس لمضمونها السياسي والإيديولوجي وحسب، بل لجهة بنيتها وتركيبها العرقي الفاشي الذي يسيـّد، ويفوض، ويميـّز العرق "العربي" على باقي الأعراق والمكونات المجتمعية السورية الأخرى، ما أخرج هو أيضاً، وعلى نحو جماعي، مكونات وأطياف، وألواناً سورية أخرى من دائرة الفعل والاهتمام والتفاعل بالشأن العام.
وإذ كان النقد موجهاً للبعث، بالدرجة الأولى، في الدستور "السابق" لجهة تأثيره وخطره السياسي والعرقي، سورياً، فإنني أعتقد أن ذات الخطأ سيتكرر هذه المرة، مع الدستور الجديد، لجهة تأثيره وخطره الديني مع وجود مكونات سورية شتى غير مسلمة واصطدام المادة الثالثة بتطلعاتهم وحقوقهم الوطنية المشروعة، وبهذا فهو يسلب، وعلى نحو غير شرعي، ولا قانوني، ولا إنساني مكونات سورية أصيلة في المجتمع السوري، من حق أساسي من حقوق الإنسان المنصوص عنها في الميثاق العالمي لحقوق الإنسان.
وقد يقول قائل: أن هذا حق من حقوق الأغلبية الديموغرافية السورية. وهذا، برأينا، حق مشروع، وصحيح بالمطلق، لكن الأصح هو أنه طالما هناك عملية ديمقراطية وطالما أن هذه الأكثرية هي التي ستنتخب الرئيس العتيد فلم الخوف من رأي الأكثرية وهل سيكون من خارج هذه الأكثرية؟ ولم لا يترك الأمر لصناديق الاقتراع التي ستنتخب الرئيس المسلم؟ وطالما أن العملية تحصيل حاصل طبيعي فلم تكريس ذلك على نحو دستوري واستفزاز المكونات الأخرى، كما كانت المادة الثامنة تستفز التيارات السياسية والفكرية غير البعثية؟ ولماذا هذا التركيز الاستفزازي على دين الرئيس، وتقديمه على مبدأ المواطنة؟ هل نحن في دولة دينية ثيوقراطية قروسطية، شرطها الرئيس دين الرعية، ودين الرئيس ولا تلتئم، ولا تقوم، ولا تستمر إلا ببعدها الديني؟ أم في دولة مواطنة مدنية عصرية وحديثة شرطها الرئيس الانتماء الوطني؟ ألسنا بذلك نرجع للمربع القديم ونذعن للتيار المحافظ والسلفي، وننصاع لمزاجه، ونتجاهل تطلعات وأماني المكونات الأخرى، ونعطي ذاك التيار لوحده الحق في قيادة وتوجيه العملية السياسية والسلطوية وفرض شروطه الدستورية على الجميع، بدل الارتقاء حضارياً وإنسانياً وإغفال أي ذكر لأي دين، أو عرق، وطائفة، ولون أمام مبدأ المواطنة الإنساني العظيم والجديد، الذي توصلت له البشرية، والغرب الأوروبي تحديداً، في صلح وستفاليا، بعد صراع مرير بين الكهنوت الديني والقوى التنويرية الصاعدة في حينه، وحروب شرسة لم تبق ولم تذر، وحيث أطلق شعار الدين لله والوطن للجميع؟
نعم قد يكون إلغاء المادة الثامنة من الدستور السوري إنجازاً ونجاحاً ملحوظاً وتلبية لمطلب مجتمعي عام فليس هناك شعرة زائدة على رأس البعث والمناضل البعثي، لكن في ذات الوقت حصلت نكسة وخيبة كبيرة وزلة و"ردة" دستورية في الإبقاء على تلك المادة "النافرة"، والفاقعة والمرفوعة في وجه كل سوري غير مسلم، وحبذا لو أكملت لجنة صياغة الدستور، "معروفها"، وخيرها وأزالتها كما أزالت المادة الثامنة، لكانت اللجنة بدت أكثر عصرية، ومنطقية، وترجمة فعلية لمبدأ المواطنة العظيم، المفترض في الوضع السوري، وتلبية لتطلعات جميع السوريين. والسؤال هل هناك ثمة فرق كبير، دستورياً وقانونياً، ومن حيث النتيجة، بين المادة الثامنة التي تقول: " البعث قائداً للدولة والمجتمع"، والمادة الثالثة التي تقول صراحة: "المسلم قائداً للدولة والمجتمع"؟ وهل هناك "شعرة" زائدة على رأس المسلم السوري تميـّزه عن غير المسلم السوري؟
ختاماً، لا يوجد دستور عادل يميـّز ويفاضل بين مواطنيه بهذه العلنية والمباشرة والصراحة، ولا يوجد مواطن حقيقي بحقوق منقوصة، ولا يجوز حرمان أي مواطن من أي حق من حقوقه الممنوحة للآخرين تحت أية ذريعة، هذا خرق فاضح لذات الدستور، ويتناقض مع مواد فيه، وغير موجود أو جائز في الدساتير العصرية، أما في الدساتير والدول الدينية مكل شيء يجوز.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المادة الثالثة في الدستور السوري: عودة الخلافة الإسلامية
-
رسالة إلى معارض سوري
-
غزو سوريا
-
قطر بين عجز التعريب وفشل التدويل
-
نعم ثوار ولا نخجل
-
احذروا الدب الروسي
-
الأسد: خطاب التحدي والانتصار
-
لماذا الخوف من التدويل؟
-
صدف ثورية أغرب من الخيال
-
اضحكوا على دبابات برهان غليون
-
انشقاقات الثورة السورية
-
انتقام إسرائيل
-
لماذا سأنضم للثورة السورية؟
-
عروش بلا جيوش
-
مفتي الناتو الجليل
-
ورطة العرب في سوريا
-
لماذا بق برهان غليون البحصة؟
-
سوريا تشكّل العالم الجديد
-
الجيش السوري في دائرة الاستهداف
-
القرآن وأنبياء الربيع العربي
المزيد.....
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|