أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - ميثم الجنابي - (4) الهوية العراقية وآفاق البديل الديمقراطي















المزيد.....

(4) الهوية العراقية وآفاق البديل الديمقراطي


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 1069 - 2005 / 1 / 5 - 10:17
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


من المقال السابق يتضح، بان فكرة الاستعراق هي فلسفة الحد الأدنى الضروري والعام للوحدة الوطنية. فهي الفكرة التي يمكنها أن توفر الشروط الضرورية لوحدة الدولة والمجتمع. مما يعطي لها على الدوام أهمية وفاعلية سياسية آنية ومستقبلية أيضا. إذ أن محك ومعيار الإدراك السليم لدروس التاريخ العراقي المعاصر، تتجلى في مستوى تجسيد الإجماع التام على المبادئ الكبرى المتعلقة بإقامة دولة القانون والمؤسسات الشرعية، والعمل بالدستور الثابت والمجتمع المدني وقواعد الديمقراطية الاجتماعية، عبر تحويلها جميعا إلى مرجعيات متغلغلة في ذهنية ونفسية الأفراد والجماعات والقوميات والأحزاب السياسية والحركات والجمعيات والنقابات. وهي مرجعيات لا يمكنها العمل في ميدان السياسة وبناء الدولة والمجتمع والثقافة دون تحديد مكونات الهوية العراقية التي حاولت رسم حدودها الخاصة ضمن ما أسميته بفكرة الاستعراق والتمسك بقواعدها الأساسية العامة، كما عرضتها في المقال السابق.
فهو المعيار والمحك الذي يكشف عن مستوى نضج الحركات الاجتماعية والأحزاب السياسية فيما يتعلق بموقفها من الإشكاليات الواقعية الكبرى التي يواجهها العراق حاليا. وفي حال تطبيق ذلك على مجرى الأحداث السياسية التي رافقت، على سبيل المثال، وضع أسس ونموذج البنية السياسية في "مجلس الحكم الانتقالي" و"الوزارة المؤقتة"، فإننا نرى الضعف البنيوي المميز للوعي السياسي العراقي فيما يتعلق بادراك خصوصية ومعنى الهوية الوطنية. طبعا إن ذلك لا يخلو من الأثر الهائل للتخريب والتدمير الذي تركته التوتاليتارية في العراق، الا أن ذلك لا يبرر الانسياق وراء ردود الفعل المباشر عليها. والقضية هنا ليست فقط في الخطورة الكامنة وراء فكرة التقسيم والمحاصصة على أسس غير سياسية، رغم ما يبررها من الناحية المجردة في أوضاع العراق الحالية، بوصفها ظاهرة مؤقتة، الا أن انتقالها بصورة تلقائية إلى تركيب الوزارة، فانه مؤشر على وجود خلل جوهري في المواقف والرؤية لنموذج الدولة المنشودة وآفاق تطورها. والقضية هنا ليس فقط في أن "الوزارة المؤقتة" ليست "تكنوقراطية" بالمعنى الدقيق للكلمة، بل وبأساليب "الاختيار"، التي لم تكن في الواقع اكثر من "مضاربة" لا تليق بمستوى التضحيات الجسام التي قدمها الشعب العراقي في مجرى صراعه المرير ضد الدكتاتورية. بينما تفترض الحكمة السياسية للحركات الاجتماعية والأحزاب والأفراد الانخراط الفعال من اجل المساهمة المخلصة في تأسيس حقيقة الهوية العراقية بالشكل الذي يجعلها مرجعية تاريخية – ثقافية – سياسية مندمجة في نسيج وعيه الاجتماعي والقومي.
وهي مساهمة لا يمكن تحقيقها دون إدراك حقيقة الاستعراق ومبادئها الكبرى. فهي مساهمة تفترض، كحد أدنى، أولوية العطاء لا الأخذ. وقد سبق للمتصوفة أن قالوا "إذا استطعت بذل الروح فتعال، وآلا فلا تشتغل بترهات الصوفية!". ونحن نقول اليوم لكل من يريد أن يتصدى لإشكاليات العراق الكبرى "إذا استطعت بذل الروح من اجل العراق فتعال، وآلا فلا تشتغل بترهات الوطنية!"
الا أن الصيغة العملية للاستعراق تفترض بدورها تطبيقا ملموسا على القوميات الأساسية فيه من خلال تحديد ماهية كل منها من حيث طبيعة الانتماء للعراق ومستواه وبواعثه الداخلية وغاياته الموضوعية. فالأقوام في العراق المعاصر لا تتشابه من حيث طبيعة انتمائها القومي والثقافي للعراق، كما تختلف بواعث وغايات تكاملها القومي فيه. ومن الممكن تصنيف درجات انتماءها إليه وبواعثه الموضوعية بالشكل التالي، أولا: التيار الأكثر عضوية وامتزاجا به هو التيار القومي العربي والآشوري، ثانيا: الأكراد الفيليون والتركمان الشيعة، ثالثا: الأكراد في المناطق الشمالية منه والتركمان – ذوي النزعة التركية.
والمصدر الموضوعي لهذا الاختلاف في الانتماء يتحدد بعاملين جوهريين الأول هو مستوى التكامل القومي ونوابض اتجاهاته الداخلية، أي دوافع الاتجاه الدفين والفعلي للحركة القومية نفسها، والثاني، هو مستوى الاندماج الثقافي والروحي وانعكاسه في وعي الذات التاريخي.
ففيما يخص القومية العربية، فان العراق والعروبة مندمجان فيها بصورة تامة وعلى كافة الأصعدة. وهو اندماج لا يمكن الفصل بين مكوناته،بحيث يمكننا الحديث عن كينونة عربية للعراق. بمعنى استحالة إدراك وفهم الوجود التاريخي للعراق دون العرب. والشيء نفسه يمكن قوله عن الآشوريين (السريان أوالكلدانيين وجميعهم كيان واحد) وكل الأقوام العراقية القديمة بمختلف أديانها ومعتقداتها. بمعنى أن كيانها وكينونتها واحدة ومندمجة بالعراق. والقضية هنا ليست فقط في انهم مكوّن تاريخي وثقافي وروحي وسياسي فاعل في وعي الذات التاريخي للعراق، بل وأيضا للأرومة المشتركة بينهم وبين العرب. إذ يشكلان من حيث الجوهر كيان واحدة مندمج في الكينونة العراقية ذاتها.
أما الأكراد الفيليون في العراق، فانهم يشكلون من الناحية المادية والمعنوية كيانا شبه منصهرا في الكينونة العراقية - العربية - الإسلامية. وينطبق هذا أيضا على تركمان العراق الشيعة. ذلك يعني، أن هذه المكونات أما انها جزء من الكينونة العراقية - العربية ( كالعرب والآشوريين) أو مستويات متنوعة من تركيب عناصر العراقية والعربية والإسلامية (كالأكراد الفيليين والتركمان الشيعة).
أما الكيان الكردي (الكوردي) في العراق، فان اندماجه بالعراق اقل من الناحية الموضوعية، بفعل ضعف التكامل الذاتي للقومية الكردية من جهة، وبفعل النوابض الداخلية للتوجه القومي الساعي إلى بناء قومية ودولة مستقلة من جهة أخرى. فهي نوابض مميزة وملازمة لكل حركة قومية. والحركات السياسية الكردية هي بلا استثناء حركات قومية. وهو أمر طبيعي ومشروع. من هنا فان النوابض الدفينة أو السحيقة الكامنة وراء بناء الرؤية القومية في مختلف الميادين يجري تخيله أو تصوره أو تأسيسه صوب التكامل "الكوردي" (الكردستاني). أي أن حوافزه الداخلية ونياته وغاياته صوب تكامله الذاتي.
والشيء نفسه يمكن قوله عن التيار "التركماني" (التركي) في العراق. انه يتشابه مع التيار "الكوردي"، ولكنه يفعل ذلك تحت ضغط الثقل "الكوردي" القومي (الشوفيني)، كما كان يفعل التيار القومي "الكوردي" تحت ضغوط الثقل القومي العربي (الشوفيني).
طبعا إن هذا التقسيم لا ينفي وجود أقليات أخرى كثيرة، الا أن التركيز على هذه التيارات ينطلق من كونها الأكثر تأثيرا ونموذجية بالنسبة لفهم واقع وآفاق التيار القومي في العراق. كما أن تحليلها ينبغي أن يخدم تأسيس الهوية العراقية والحفاظ على أصالة واستقلالية مكوناتها القومية والثقافية.
بعبارة أخرى، إن المهمة تقوم في تأسيس السيمفونية العراقية من آلات وجوده التاريخي والواقعي من خلال جعل فكرة الاستعراق فلسفة الرؤية السياسية للنفس والآخرين. وهي فكرة تستمد مقوماتها، كما أشرت سابقا، من التاريخ الذاتي للأقوام والأمم العراقية، وقادرة في نفس الوقت على جعل العراقية أسلوب تذليل العرقية، وبالتالي رفع الجميع إلى مصاف القومية الثقافية. إذ ليس المضمون القومي والثقافي والسياسي للاستعراق سوى العمل من اجل ارتقاء جميع الأقوام القاطنة في العراق من العرقية إلى العراقية. بهذا المعنى يمكن النظر إلى الاستعراق على انها ظاهرة قومية رفيعة المستوى من حيث كونها نفيا ثقافيا للعرقية وليس للقومية كما هي. وهو الأمر الذي يعطي لنا إمكانية القول، بان الاستعراق هو الحد الأقصى للقومية الحقيقية في العراق والمدى الثقافي الأرحب لها.
كل ذلك يدفع بدوره مهمة العمل من جانب جميع القوى السياسية والاجتماعية في العراق لكي تكون حركات وتيارات قومية بالمعنى الذي يستجيب لروح الاستعراق، بمعنى الدفاع عن حقيقة المصالح الجوهرية للعراق. وهو أمر مستحيل التحقيق دون تحويل الاتجاه القومي إلى اتجاه وطني أولا وقبل كل شئ. مما يفترض بدوره العمل من اجل جعل الوطنية قومية – ثقافية. فهي الفكرة التي تحتوي بقدر واحد على أبعاد منهجية وسياسية عملية متجانسة داخليا بالنسبة لحل إشكالية الوطني والقومي. وفي ظروف العراق فأن شكل تجليها يقوم في تأسيس فكرة الهوية العراقية بوصفها هوية تاريخية – ثقافية.
أما تطبيقها العملي، فانه يفترض جمع الجهود الذاتية من قبل القوميات لأجل بناء هذه الهوية التاريخية الثقافية. إذ لا يمكن صياغة قواعد ثابتة للجميع وذلك بسبب تباين وتمايز واختلاف مستوى التكامل القومي ووعي الذات التاريخي عند المكونات الأساسية العرقية في العراق. لكن إذا كانت المهمة الكبرى تقوم في أن نصنع منه عراق لا مجرد تجمع أعراق، فان الصيغة العملية لبلوغ هذه الغاية تفترض إعادة النظر بقضايا ثلاث أساسية، وهي، أولا: فكرة القومية العنصرية وذلك صوب توجيهها نحو فكرة الأمة الثقافية والقومية الثقافية، ثانيا: العمل على تحويل فكرة الأمة الثقافية إلى جزء من النظام الديمقراطي والمجتمع المدني، ثالثا: العمل من اجل الاندماج الشامل في نظام الحقوق المدنية العراقية باعتباره الأسلوب الأمثل لتجسيد وتحقيق التعددية القومية والثقافية ومساواتها على كافة الأصعدة.
(انتهى...)
*** *** ***



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الهوية العراقية وآفاق البديل الديمقراطي 3
- 2.الهوية العراقية وآفاق البديل الديمقراطي
- (1)الهوية العراقية وآفاق البديل الديمقراطي
- الشعر والشاعر وإشكالية الحرية
- فلسفة السيادة وسيادة الدولة في العراق المعاصر
- الغلاة الجدد وأيديولوجيا الجهاد المقدس
- التصوف الإسلامي وفكرة وحدة الأديان
- محاكمة البعث ورموزه
- استئصال البعث ومهمة البديل الديمقراطي في العراق
- العراق وإشكالية المثلث الهمجي
- القضية الكردية وإشكاليات الوطنية العراقية
- العراق وعقدة الطائفية السياسية
- الغلاة الجدد وأيدبولوجية الإرهاب المقدس
- زمن السلطة
- الطريق المسدود للمؤقتين الجدد
- المثقف والسلطة، أو إشكالية القوة والروح المبدع
- السلام القومي والمصالحة الوطنية في العراق
- المؤقتون القدماء والجدد
- المعارضة والمقاومة – المفهوم والغاية
- الإرهاب والمخاض التاريخي للحرية في العراق


المزيد.....




- صدق أو لا تصدق.. العثور على زعيم -كارتيل- مكسيكي وكيف يعيش ب ...
- لفهم خطورة الأمر.. إليكم عدد الرؤوس النووية الروسية الممكن ح ...
- الشرطة تنفذ تفجيراً متحكما به خارج السفارة الأمريكية في لندن ...
- المليارديريان إيلون ماسك وجيف بيزوس يتنازعان علنًا بشأن ترام ...
- كرملين روستوف.. تحفة معمارية روسية من قصص الخيال! (صور)
- إيران تنوي تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة رداً على انتقادات لوك ...
- العراق.. توجيه عاجل بإخلاء بناية حكومية في البصرة بعد العثور ...
- الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا استعدادا لضرب منطقة جديدة في ضا ...
- -أحسن رد من بوتين على تعنّت الغرب-.. صدى صاروخ -أوريشنيك- يص ...
- درونات -تشيرنيكا-2- الروسية تثبت جدارتها في المعارك


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - ميثم الجنابي - (4) الهوية العراقية وآفاق البديل الديمقراطي