|
ما معنى -انحناء الزمن-؟
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 3617 - 2012 / 1 / 24 - 11:07
المحور:
الطب , والعلوم
بفضل نظرية "النسبية العامة"، أصبحنا نفهم "الزمن" على أنَّه شيء "ينحني (أو يتقوَّس)"، و"يتمدَّد (أو يَطول)"، و"يتباطأ".
ولا ينحني إلاَّ "المستقيم (أو المستوي والمنبسط)"؛ ولا يتمدَّد (أو يَطول) إلاَّ "المتقلِّص (أو القصير)"؛ ولا يتباطأ إلاَّ "السريع".
والزمن إذا انحنى فلا ينحني إلاَّ بصفة كونه جزءاً لا يتجزَّأ من "كُلٍّ"؛ وهذا "الكُلُّ" إنَّما هو نسيج "الزمكان"، أيْ "الزمان" و"المكان" باتِّحادهما الذي لا انفصام فيه؛ فـ "المكان" و"الزمان" ينحنيان معاً، ويتماثلان في "نِسْبَة الانحناء".
كيف نفهم "انحناء" الزمن؟
إنَّكَ تَحْسِب الزمن بالثواني أو الدقائق أو السَّاعات..
تخيَّل "الدقيقة الواحدة" على أنَّها "خط (أو مسافة)" بين نقطتين.
هذا الخط يمكن أنْ يكون "مستقيماً" أو "منحنياً"؛ فافتَرِضْ أنَّ سنتيمتراً واحداً هو طول هذا الخط وهو مستقيم؛ فإذا رَسَمْتَه منحنياً يصبح أطْوَل (يصبح، مثلاً، ثلاثة سنتيمترات).
وهذا إنَّما يعني أنَّ "الدقيقة الواحدة" من "الزمن المنحني" تَعْدِل "ثلاث دقائق" من "الزمن المستقيم (المستوي المنبسط)".
وفي هذا المثال نفسه، تَقِف على معنييِّ "التمدُّد" و"التباطؤ"؛ فـ "الدقيقة المنحنية" أطول، وأكثر تمدُّداً، وأبطأ حركةً، من "الدقيقة المستقيمة".
ويُمْكِنكَ تخيُّل "الدقيقة الواحدة" على هيئة "كوب"، موضوع تحت "حنفية"، يسيل منها الماء (في الكوب) قطرةً قطرةً؛ ومع امتلاء الكوب نَحْصَل على "دقيقة واحدة".
تَدفُّق الزمن عندكَ قد يكون أبطأ من تدفُّقه عندي؛ وهذا إنَّما يعني، بحسب هذا المثال، أنَّ امتلاء كوب واحد (بالماء) عندكَ يتزامن مع امتلاء ثلاثة أكواب عندي، أيْ أنَّ الدقيقة الواحدة عندكَ تَعْدِل ثلاث دقائق عندي.
الزمن عندكَ قد يبطؤ أكثر (أو ينحني أكثر، أو يتمدَّد أكثر) فيتزامن امتلاء كوب واحد عندكَ (وهذا الكوب مع امتلائه هو كناية عن إتمام دقيقة واحدة) مع امتلاء عشرة أكواب عندي؛ وهذا إنَّما يعني أنَّ الدقيقة الواحدة عندكَ أصبحت تَعْدِل عشر دقائق عندي.
وهذا التباطؤ في تدفُّق الزمن عندكَ إنَّما يُعَبِّر عن، ويعكس، تباطؤ كل شيء، وكل الأحداث، عندكَ؛ فسَيْر عقارب ساعتكَ قد تباطأ؛ لأنَّ كل الأحداث عندكَ قد تباطأت.
ولو كان تباطؤ الزمن عندكَ يعني فحسب تباطؤ ساعتكَ لَوَجَدْتَّ، مثلاً، أنَّ قلبكَ الذي ينبض نحو 70 نبضة في الدقيقة الواحدة أصبح ينبض 80 (ثمَّ 90، ثمَّ 100) نبضة في الدقيقة الواحدة.
إنَّ قلبكَ، ومهما تباطأ الزمن عندكَ، يظل ينبض نحو 70 نبضة في الدقيقة الواحدة، من وجهة نظركَ أنتَ؛ وهذا هو السبب الذي يجعلكَ تشعر أنَّ الزمن عندكَ، وكل شيء، يسير كالمعتاد.
"المراقِب الآخر" هو الذي يشعر أنَّ الزمن عندكَ، وكل شيء، أصبح أبطأ من ذي قَبْل؛ لكن من هو هذا المراقِب؟
إنَّه الذي يعود إلى إطار مرجعي آخر (أو إلى "زمكان" آخر). إنَّه الذي يسير عنده الزمن أسرع، أو الذي يكون الزمن عنده أقل تمدُّداً، أو أقل انحناءً. إنَّه الذي يرى أنَّ كل دقيقة عندكَ تَعْدِل (مثلاً) ثلاث دقائق عنده.
هذا المراقب (لا أنتَ) هو الذي يرى أنَّ كل دقيقة عندكَ تَعْدِل ثلاث دقائق عنده، وأنَّ قلبكَ ينبض نحو 23 نبضة في الدقيقة الواحدة (بحسب ساعته هو، أو من وجهة نظره هو، أو نِسْبَةً إليه هو).
أمَّا أنتَ (الذي ترى أنَّ الزمن عندكَ، وكل شيء، يسير كالمعتاد) فترى أنَّ كل دقيقة عند هذا المراقب (أو في إطاره المرجعي، الذي قد يكون كوكباً، أو مركبة فضائية) تَعْدِل 20 ثانية عندكَ، وأنَّ قلب هذا المراقب ينبض نحو 210 نبضات في الدقيقة الواحدة (بحسب ساعتكَ أنتَ، أو من وجهة نظركَ أنتَ، أو نِسْبَةً إليكَ أنتَ).
الزمن يبطؤ؛ وهو يبطؤ بـ "الجاذبية" أو بـ "التسارُع".
كيف يبطؤ بـ "الجاذبية"؟
تخيَّل أنَّكَ تعيش على سطح كوكب، تزداد وتَعْظُم "كتلته" في استمرار. في هذه الحال، يزداد ويَعْظُم، في استمرار، انحناء الفضاء الأقرب إلى سطح هذا الكوكب.
وأنتَ تستطيع أنْ ترى بعضاً من النتائج المترتِّبة على ذلك؛ فإذا كنتَ واقِفاً على سطح الكوكب، وقِسْتَ وزنكَ، فإنَّكَ تراه قد ازداد؛ وإذا كان الجسم الساقِط سقوطاً حُرَّاً من نقطة تعلو سطح الكوكب بألف مترٍ (مثلاً) يصل إلى هذا السَّطح بعد عشر ثوانٍ من إسقاطه فإنَّكَ الآن تراه يصل إليه بعد خمس ثوانٍ (مثلاً) من إسقاطه.
وتستطيع أنْ تتوصَّل إلى النتائج نفسها (عند سطح الكوكب، أو في الفضاء الأقرب إلى سطحه) من طريق زيادة كثافة (لا كتلة) الكوكب، وتقصير نصف قطره.
وبـ "التسارُع"، أيضاً، يبطؤ الزمن؛ فكلَّما زِدْتَّ سرعة مركبتكَ الفضائية (مثلاً) تباطأ الزمن عندكَ (من وجهة نظر مراقب آخر يسير الزمن عنده أسرع). ومع استمراركَ في زيادة سرعة مركبتكَ تصبح الدقيقة الواحدة عندكَ تَعْدِل (مثلاً) عشر دقائق عند هذا المراقب (ومن وجهة نظره هو) بعدما كانت تَعْدِل خمس دقائق (مثلاً).
إنَّ التغيير في السرعة، زيادةً أو نقصاناً، أو التغيير في اتِّجاه السَّيْر، هو الأمْر الذي فيه يَكْمُن سبب تباطؤ (أو انحناء، أو تمدُّد) الزمن.
كيف نتأكَّد أنَّ الزمن عندكَ قد تباطأ فعلاً؟
نتأكَّد ذلك من طريق تشبه تلك التي نراها في مثال "مفارقة التوأمين".
افْتَرِضْ أنَّ أحد التوأمين ظلَّ في داخل حجرة صغيرة تسير في الفضاء الخالي تماماً من مصادِر وحقول الجاذبية بسرعة ثابتة (لا تزيد، ولا تنقص) وفي مسارٍ مستقيم، وأنَّ التوأم الآخر قد غادر هذه الحجرة في رحلةٍ فضائية إلى كوكب شديد الجاذبية.
من وجهة نظر الذي بقي في تلك الحجرة، تباطأ الزمن لدى توأمه المغادِر، أو المسافِر.
تباطأ في أثناء السَّفر؛ لأنَّ مركبته كانت تتسارَع؛ وتباطأ (بسبب الجاذبية) عند مكوثه على سطح ذلك الكوكب.
ولَمَّا عاد هذه المسافِر إلى تلك الحجرة، والتقى توأمه، تأكَّد لهما أنَّ الزمن يبطؤ بـ "التسارُع" و"الجاذبية"؛ فالمسافِر هو الآن أصغر عُمْراً من توأمه بعشر سنوات (مثلاً). لقد أنْتَج التباطؤ في الزمن هذا الفَرْق (الفعلي والحقيقي) بين عمريهما.
الزمن ينحني (مع انحناء المكان). لكن انحناء الزمن لا يعني، ويجب ألاَّ يعني، أنَّه يرجع القهقرى؛ فالزمن مهما انحنى يظل يسير دائماً إلى الأمام، فلا عودة أبداً إلى الماضي (إلاَّ بمعناها الجدلي).
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ما يَسْتَحقُّ الاهتمام في -المبادرة العربية-!
-
دُوَلٌ لنفي الحقوق!
-
-25 يناير-.. ثورة بدأت ولم تنتهِ!
-
-المستقيم- في فضاءٍ مُنْحَنٍ
-
-سَدُّ الذرائع- إذ أصبح سياسة فلسطينية!
-
شيءٌ من -فلسفة التاريخ-
-
شَرُّ البليَّة ما يُضْحِك!
-
-الزمن- إذا -تمدَّد-!
-
أسئلة تثيرها -الأزمة السورية-!
-
مِنْ أوجه -الأزمة- في -الربيع العربي-!
-
مِنَ -الكوزمولوجيا الدينية- إلى -الديانة الكوزمولوجية-!
-
-إيران الشمشونية- قَيْد الصُّنْع!
-
تسمية خادعة ل -استئناف المفاوضات-!
-
-القصور الذاتي- في -فضاءٍ مُنْحَنٍ-
-
الديمقراطية الطوباوية!
-
الفضاء -الآخر- Hyperspace*
-
معنى -النجاح- في مهمَّة -المراقبين العرب-!
-
كيف نفهم -الكون-
-
-معارِضون- يجب نبذهم!
-
-الإصلاح- في الأردن.. طريق أخرى!
المزيد.....
-
أسطوانات الأوكسجين الطبية سبب لتحطم الطائرة في فيلادلفيا+فيد
...
-
كيف يكشف كتاب من تأليف الذكاء الاصطناعي عن مخاوف المبدعين من
...
-
للمذاق والصحة.. لهذه الأسباب تجنبى خلط الطماطم مع الخيار في
...
-
علامات لتشخيص الشامة السرطانية
-
القصة الكاملة للطفلة المكسيكية التي قضت في حادث تحطم الطائرة
...
-
البيت الأبيض: خروج -كوفيد-19- من مختبر صيني -حقيقة مؤكدة-
-
كيف يؤثر نظامك الغذائى على صحة العين.. احرص على هذه الأطعمة
...
-
6 آثار جانبية للإفراط فى استخدام زيت الزيتون رغم فوائده
-
وسائل إعلام: أسطوانات الأوكسجين الطبية سبب محتمل لتحطم الطائ
...
-
أسباب ألم الصدر.. متى يشير لمشكلة قلبية
المزيد.....
-
هل سيتفوق الذكاء الاصطناعي على البشر في يوم ما؟
/ جواد بشارة
-
المركبة الفضائية العسكرية الأمريكية السرية X-37B
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في الهند
-
-;-السيطرة على مرض السكري: يمكنك أن تعيش حياة نشطة وط
...
/ هيثم الفقى
-
بعض الحقائق العلمية الحديثة
/ جواد بشارة
-
هل يمكننا إعادة هيكلة أدمغتنا بشكل أفضل؟
/ مصعب قاسم عزاوي
-
المادة البيضاء والمرض
/ عاهد جمعة الخطيب
-
بروتينات الصدمة الحرارية: التاريخ والاكتشافات والآثار المترت
...
/ عاهد جمعة الخطيب
-
المادة البيضاء والمرض: هل للدماغ دور في بدء المرض
/ عاهد جمعة الخطيب
-
الادوار الفزيولوجية والجزيئية لمستقبلات الاستروجين
/ عاهد جمعة الخطيب
-
دور المايكروبات في المناعة الذاتية
/ عاهد جمعة الخطيب
المزيد.....
|