أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - عندما فتح المبدع خزانة الكلام















المزيد.....

عندما فتح المبدع خزانة الكلام


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 3616 - 2012 / 1 / 23 - 08:56
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يعيش الأديب الكبيرجميل عطية إبراهيم فى سويسرا منذ بداية الثمانينات من القرن العشرين ، ويزورمصرمرة أومرتين فى العام ، ولكن رواياته العديدة التى كتبها بعد هجرته ، أبلغ تعبيرعن أن الهجرة بالجسد لاتعنى الهجرة بالروح والوجدان . واذا كان الوجدان وحده – لأى مبدع- مثل الجناح الواحد للطائر، فإن الجناح الثانى هومتابعة أدق التغيرات الاجتماعية والسياسية التى مرّبها وطنه. ومن هذه المتابعة يستخلص المخاطرالتى تُهدد شعبه ، وهو ما حرص عليه فى كل إبداعه الروائى ، مثل روايته (خزانة الكلام) .
تعتمد الرواية على أسلوب تعدد الأصوات ، فتحكى كل شخصية (الحدث الواحد) من زاوية رؤيتها الخاصة. الصوت الأول لصاحبه عابد عبدالمتجلى زوغلى ، المسئول عن المكتبة التى ورثها عن جده وأبيه. ونجح فى تحويلها الى شبه مكتبة عامة للطلبة والباحثين. واذا طلب أحدٌ موسوعة غيرموجودة بالمكتبة سارع بشرائها ، مثلما فعل عندما اشترى موسوعة الطب فى مصرالقديمة. يتوازى مع هذا إهتمامه الأثيربإنجازموسوعة التنويرلمجابهة تحديات الألفية الثالثة. ورغم أنه يُطلق عليها (موسوعة التنويرالإسلامية) فإن شعارها ((لاتكفيروعمادها الديموقراطية ومراعة حقوق الإنسان)) ولأنه رمزالفكرفى الرواية ، لذلك يرى أن ((ألق الكتابة نورونار)) .
المكتبة فى عمارة فى موقع متميز. تسعى شركة من الشركات العابرة للقارات لشرائها. وهنا يبرزالصوت الثانى لصاحبه د. سامح ابن أخت عابد . سامح طبيب عظام ناجح ، تستغل شركة (بان إكس كوم) طموحه ليُقنع خاله بالبيع . يتحمس سامح للفكرة ولكن خاله يرفض بإصرار. يشتبك الصوت الثانى (سامح) مع الصوت الثالث لصاحبته (مارينا) بصفتها ممثلة للشركة . فبعد علاقة عشق جسدى ، يكتشف سامح أن مخطط مارينا تدميرحلم خاله فيهجرها . تتطورالأحداث وينجح سامح فى تحديد بعض الجينات . وتتأكد صحة معادلاته حول تخليق فقرات وعظام لها صفات ومزايا العضوالطبيعى . كما أعلن فى المؤتمرات العلمية أن أبحاثه لاترجع له وحده ، وإنما بفضل فريق العمل من زملائه ، وكان فى ذلك يقتدى بالعالم المصرى العالمى د. أحمد زويل . تسعى الشركة لشراء واحتكارأبحاثه واقناعه بالسفرالى أمريكا فيرفض ، فيتم إغتياله بواسطة خطة وضعتها مارينا ، التى فشلت خطتها السابقة بتوجيه تهمة تهريب الآثارلعابد ، الذى شعرأن هذه التهمة بمثابة القضاء على روحه ، فرأى أن يكتب شهادة وفاته بنفسه فقال ((شهادة الوفاة معلقة على الباب الخارجى . إعلان موتى فى كلمتين : المكتبة مغلقة)) كادت هذه التهمة تقضى عليه ، لولا إلتفاف الأصدقاء حوله ، فكان يُردد دائمًا ((تهريب الآثارخيانة للتاريخ)) .
تهمة تهريب الآثارتُبرزالصوت الرابع (النقيب علاء العتر) الذى تولى إجراء التحريات فى البلاغ المقدّم من مارينا ضد عابد عبدالمتجلى . وهو الذى كشف أن الإتهام ملفق. وبعد أن نشرت الصحف صورمارينا الممثلة للشركة وفضح أسلوبها فى إتهام الشرفاء ، تقررنقل النقيب علاء الى الأقصرلردع وإرهاب كل من يتمسك بقيم النبل والشرف ، لذلك كان تعليق الأستاذ عابد ((ضابط لم يرضخ تم عقابه بنقله. الفساد له ركائز)) النقيب علاء ارتبط وجدانيًا بمكتبة الأستاذ عابد منذ أن كان طفلا. تردّد على المكتبة مع خاله الموسيقارسعيد على بهجت ، الذى تخصص فى آلة موسيقية نادرة هى آلة (المندولين) وعزف عليها من مؤلفاته الخاصة. الموسيقارسعيد مات فى مكتبة عابد (كان واقفًا فجلس بسرعة. قال آه وانتهى الأمر) النقيب علاء كما أحب الرسم فى طفولته أحب خاله الموسيقار، لذلك يحفظ كلماته ويترنم بها دائمًا : ((تمام النغم مقياس العدل ونورالحقيقة. تمام النغم فى كماله. والكمال لايعرف زيادة أو نقصان. أما الطرب- آفة الشرق- فمنبعه نقص النغم عن تمامه)) هذه الكلمات كتبها الموسيقار سعيد كمقدمة لمقال عن علم تمام النغم . ويتساءل النقيب علاء : لماذا لم يُنشرهذا المقال ؟ هل لأنه يربط بين تمام النغم وكماله من جانب ، وبين الحقيقة والعدل من جانب آخر؟ وهل الربط بين الفن وتحقيق العدل أحد أسباب طرده من الجيش عام 54 ؟ ويرى علاء أن خاله المطرود من الجيش لم يكن الوحيد الذى وقع عليه غدرضباط يوليو لذلك يناجى نفسه قائلا((لم يكن وحيدًا فى هذا الأمر. وقع له ما وقع للأستاذ عبدالمتجلى زوغلى فى بداية الثورة. وما وقع للأستاذ عابد فيما بعد عام 66 . ربما هذا هو سر الصداقة التى جمعت بين خالى وعائلة زوغلى باشا ووحد بينهم الظلم)) (ص130) .
لم يتجاوزالنقيب علاء الحقيقة ، فالصوت الأول (عابد) يقول عن أبيه ((أبى لم يكن ساذجًا. فهومفتش تحقيقات ورئيس نيابات. ولولا قيام حركة الجيش ومعاداتها للوفد فيما بعد لأصبح وزيرًا للعدل. روحه تصحبنى وتُعزينى . طُرد من الحكومة عام 54 وقال : لن أركن الى الشكوى أوالكسل. مهمتنا تربية أجيال جديدة . غابت صفحات ثورة 19 بغياب النحاس باشا . وكانت وصيته لى : اذا صادفك الظلم كما صادفنى ، تفرغ للمكتبة يا عابد)) (74) كذلك فإن بوشناق الطهطاوى يتذكرأن صديقه (أبوالمحاسن) والد مارينا كان يكتب التقاريرضد زملائه ويتحسر قائلا ((حقيقة كانت البلد كلها غارقة فى التقارير ، وهذه من نقائص الناصرية)) (ص116) .
مع تعدد الأصوات يكون صوت (نفوسة بنت النخيلى) التى تعمل فى مكتبة عابد ، ورغم أنها لم تُكمل تعليمها ، فهى المسئولة عن المكتبة وتوجيه الطلبة الى المراجع وتعافرلتتعلم الكمبيوتر. وقد رسم المبدع شخصيتها (بأسلوب فنى بديع) لتكون بمثابة الكورس فى المسرح اليونانى الذى يُحذرويتنبأ بالكوارث. فقبل إغتيال د. سامح بتخطيط من مارينا ، قالت للرائد علاء وقالت لنفسها أكثرمن مرة ((مارينا فى حقيبتها سكين. رأيتها معها عندما جاءت مع الدكتورسامح . رأيتها فى المنام وفى يدها سكين . وسامح دمه سايح على الأرض . ذبحته)) (139 ، 140) ولذلك قال بوشناق لنفسه بعد أن نفذت مرينا جريمتها ودبرت إغتيال د. سامح ((صدقت نفوسة فى تخوفاتها . رأتْ المصيبة بعينين مغمضتين قبل وقوعها . قالت وروت ولم يسمعها أحد. سخرنا منها والمصيبة قائمة على رؤوسنا)) (192) يضع المبدع جملة فى بداية الرواية (تبدو عفوية) ويكون صداها فى النهاية ، لذلك فإن عابد لم يكن مغاليًا عندما عقد مقارنة بين ابن أخته د. سامح ونفوسة فقال ((سامح أفلح كطبيب واشتهروتناقصت مداركه. نفوسة التى توقفت عن التعليم تفوقه إدراكًا بأمور الدنيا. الكتورسامح يتعامل مع الواقع . لايُثرى خزانته بذكريات وأحلام يعيش عليها فى أوقات الجفاف)) (ص 8) نفوسة رأتْ الشرفى عينى الفتاة مارينا بعد أن اتهمت الأستاذ عابد بتهريب الآثار. ورغم أن نفوسة لاتملك أدلة مادية فإن الوقائع تطابقتْ مع روحها الشفافة الملهمة . فوالد مارينا تزوج من إسرائلية ويعمل لمصلحة إسرائيل والصهونية فى تخريب الزراعة المصرية. ومع ذلك تقول مارينا عنه ساخرة ((أبى رجل عظيم هرم من أهرامات الجيزة. أعرف أكاذيب أهل أمى . الرعاة لايُشيّدون أهرامات. كل شىء يُكمل الأسطورة. لابأس . لن أخالفهم . بنى قوم موسى الأهرامات. نكتة أطلقها بيجين ولم يُصدقها أحد. لافى الشرق ولافى الغرب. أنا أيضًا لاأصدقها. نكتة ينقصها الخيال)) (155) إن ما ذكرته مارينا متطابق مع ما حدث بالفعل ، حيث صرّح بيجين أن جدوده العبريين هم بناة الأهرام ، قالها مرة فى كامب ديفيد ومرة فى مصر تحت أقدام أبى الهول. وبينما سخرالمثقفون فى العالم المتحضرمن أكذوبته لم ينطق واحد من أصحاب الشأن بكلمة. وهكذا فتح المبدع خزانة الكلام مثل الراوى فى صندوق الدنيا : مصر فى تحدى مع أعداء التنويروسرقة وإغتيال عقول المصريين لصالح إسرائيل وهكذا تتقدم دولة عمرها 60 عامًا وتتخلف دولة عمرها آلاف السنين. وكأن إغتيال د. سامح فى الرواية استمرار لمسلسل إغتيال العقول المصرية ، منذ العالمة سميرة موسى ويحيى المشد وسعيد بدير. روايات جميل عطية إبراهيم زاخرة بالشخصيات الحية والأحداث الدرامية ، ورغم ذلك يتجاهلها كتاب السيناريووالمخرجون ، فهل جمالياتها الفنية وعمقها الفكرى أحد أسباب هذا العزوف ؟
*****



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يحيى الطاهرعبدالله وإعادة تشكيل الواقع إبداعيًا
- جمال البنا والتربص لكل مختلف مع الكهنوت
- مفهوم الوطن فى رواية بيوت بيضاء
- شهر زاد على بحيرة جنيف
- عبدالرحمن أبوعوف وثنائية الإبدع والقمع
- ثمن الحرية وحصاد عام من الدم
- جميل عطية إبراهيم والتأريخ بلغة فن الرواية
- العلاقة بين (المواطنة) و (القومية)
- النبل والبؤس فى طاحونة الحياة
- سناء المصرى : ضميرحى وعقل حر
- التنوير المصرى والجامعة الأهلية
- بورتريه لابن عمى المليونير م . م
- تونا الجبل : ميلاد مُتجدد للحضارة المصرية
- ميس إيجيبت وجدل العلاقة بين الثقافتين المصرية والعربية
- سليمان فياض : الواحد المتعدد
- النص الدينى والتفسيرات المتعددة
- العالمانية والاستقرارالاجتماعى
- هل يؤمن الأصوليون الإسلاميون بالديموقراطية
- مأزق السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل
- الأدب واتعبيرعن التغيرات الاجتماعية


المزيد.....




- عمال أجانب من مختلف دول العالم شاركوا في إعادة بناء كاتدرائي ...
- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي ...
- أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع ...
- الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى ...
- الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي- ...
- استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو ...
- في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف ...
- ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا ...
- فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي ...
- استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - عندما فتح المبدع خزانة الكلام