أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد العبيدي - التماثل والتقابل مقاربة فلسفية لمفاهيم المكان والرؤية في فخار بلاد وادي الرافدين















المزيد.....

التماثل والتقابل مقاربة فلسفية لمفاهيم المكان والرؤية في فخار بلاد وادي الرافدين


محمد العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 3615 - 2012 / 1 / 22 - 22:02
المحور: الادب والفن
    


وهنا لابد أن أشير إلى مقاربة بين فن الرسم والفخار ضمن إعداد أسس فلسفة جمالية تأخذ تقنية المنظور في وضع صراع بين الرؤية الخام والرؤية الرمزية فالتقنية لها أمر واضح في أن يشير (هيغل)وحديثه عن فن الرسم:((هذا الفن يجمع في إطار اللوحة الواحدة بين المحيط الخارجي الذي هو من اختصاص الفن المعماري وبين الشكل الروحي الذي يميز فن النحت فهو يحقق إذن في إنتاج فني واحد ماهو متفرق بين المعمار والنحت ، وما ذلك إلا لأنه يملك القدرة على خلق حيز مكاني يحسن تحريكه حين يعطي للمرء انعكاسا للذاتية))(1)هناك إعجاب واضح (لهيغل) لفن الرسم ويرجع على الإيحاء بالعلاقات المكانية عن طريق اللون فقط فالرسم لايكتفي فحسب برد الأبعاد المكانية الثلاثية إلى عنصر السطح بل يعمد أيضا إلى إيحاء بدرجات البعد والقرب هذا الإعجاب ربما به نوع من الأحادية إذا كانت له تلك الإيحاءات والألوان واللعب بها كيفما يشاء.وهذه الأحادية لفن الرسم قد أعطت لفن الفخار ان يعمل بالبعد الثالث وان كانت الرسوم المضافة بألوانها واكاسيدها اللونية البراقة والزجاج والمواد الكيماوية والتقنية العالية التي عملت بها وأعطت فضل كبير لهذا الفن.فنلاحظ ((ان فن الرسم يهمل البعد الثالث بشكل مقصود حتى يعوض الواقع المكاني الصرف بمبدأ اللون الذي هو أعلى المبادئ وأغناها))(2) .وهنا يظلم فن النحت لأنه لايشمل بالمبادئ الفنية وهو اللون والألوان من تقنية التكوين والفخار من تقنية التكوين لكنه يتحمل اللون بالاكاسيد مرة ومن ثم يتحمل التكوين بالتقنية مرة اخرى وبالتالي يتحمل الكثير بأشكال مرسومة عليه أو أشكال مضافة سواء النحتية منها او غيرها تاركا النحت الفخاري يعوض الواقع المكاني الصرف له.لكن هذه النتيجة تحث المشاهد وخصوصا في فن الفخار وبالذات فخار بلاد الرافدين القديم ومراحله المتعددة وادواره ان يعلن استدخال المكان الخارجي وجعله انعكاس فكري في التكوين وينفي المكان الواقعي ليحوله الى انعكاس تجريدي مرهون بالعمليات الفكرية وبتأثيرات بيئية لذلك فأن فن الرسم في نظر ((هيغل)) كان اكثر روحية من فنون النحت والعمارة ولا ادري لماذا لم يتطرق الى فنون الفخار والخزف .وبالرغم انه لم يخوض في تفاصيل تقنية الرسم بل يكتفي بالاعلان عنه بالمنظور الخطي لكن في الفخار تجتمع العديد من العناصر الحسية الاساسية التي يلجأ اليها الفخار لكي يعبر عن البعد المكاني ومن ثم يوحي ضمنيا بوجود العلاقة الوطيدة بين الرسم والنحت المتمثل بالاضافات على سطوح الاواني الفخارية وهذا مايهمنا بالدرجة الاساس والوقوف على بعض الجوانب التي لها علاقة بميلاد تقنية المنظور.
ولكن اريد العودة الى فخار بلاد الرافدين مرة اخرى فأننا سنلمح هو ان الرسام في تلك الفترة يستفاد من فن الرسم والمقصود بالرسم هو الرسوم الجدارية .لان الرسم الاعتيادي لم يصلنا في تلك الفترة جانب الاستفادة كانت من الادوات المرسومة والاشكال التي كانت بدورها تحكم السيطرة على الصعوبات الجمة التي تحدثها قواعد المنظور وبالرغم من الاستفادة منها في فن الفخار فكانت حقيقة متباينة من شكل الى آخر ومن فخارية الى آخرى .لكن الرسم الجداري له اسلوب خاص كان رسام بلاد الرافدين يطبق القواعد الهندسية ويجسد فكرة العمق تجسيدا تشكيليا مثلما يفعل فنان الفخار.
((وبهذا نرى ان وضع مكان المشاهد الذي يبصر الجسم الممدد من زاوية نظر قريبة نسبيا ومن موقع انسان متوسط القامة قد يكون انتصار لان تعتبر فن الرسم فن متكامل ومستقل بذاته مادام بمقدوره تمثيل عمق وحجم ومنظور الاجسام المرسومة دون حاجة الى الاستعانة بالمنظور المعماري))(1)
الفن الفخاري والفخاريات عدة وابسط الأمثلة لفخار العبيد الجنوبي في بلاد وادي الرافدين كانت هناك علاقة بين الفضاء التشكيلي والفضاء البنائي طرق تقنية تبنى بها الفخارية ومن ثم تضاف عليها رسومات او اشكال نحتية اذن هناك علاقة واضحة في الاستعانة بالمنظور البنائي وفي الفخار هناك اولوية ان تبحث في عوامل قيام المنظور في فن الفخار مادام هناك رسم يضاف او نحت مضاف واسباب تشييد القواعد لابد ان تكون مكملة الواحدة الاخرى لترتبط بالتمثل المكاني وله تأثير بالغ على فن الرسم ومن ثم النحت وحتى النحت الفخاري الواقع ان فن الفخار اذا كانت عليه رسوم مضافة او اشكال نحتية مضافة بالتاكيد يتميز بقوة وعمق كونه يحمل مهارات معمارية بنائية ويؤسس تصور جمالي للمكان الذي يؤثث عليه .وقد تم تشكيل خاص عندما توصل الفخار الفنان الرافديني عندما توصل الى انهاء التصور المكاني ويملأ الفراغ ليعطي للمكان حرية في التعبير ((المكان لم يعد الحيز المغلق ،بل هو كم متجانس يوجد في جميع الاتجاهات))(1).
في هذا المجال نرى اغلب الدارسين لهم قضية واحدة للاهتمام بدراسة المنظور في مجال الرسم لكن هناك تحول جذري لتصور المكان البنائي لان فن الفخار وفنان الرافدين يضع تصميم لم يكن ذات نسق مغلق من المستويات والسطوح والتي تنتهي الى تحديد صورة داخلية.ونرجع بذلك الى فخار سامراء العديد الالوان والتكوينات كانت هناك بعض الخطوط والتي تتقاطع مع مستويات تمتد وتستمر بحيث تكون موقع هندسي تلتقي عنده كل الخطوط وهذا نوع كبير من ان يحيل هذا الفن (( مكان التقسيمات الوسطية تقسيما جديدا للمكان ضمن نسق يعيد انتاج نموذج متخيل لكنه يفسح المجال لكل جهات المكان)) (2).
واذا كان بالامكان الاختصار بأن يتمثل حسب الاجسام وعلاقتها مع الخطوط في الوسط او الجانبية وفي آن واحد يتم بالتحديد وفق ماتمليه علينا الهندسة الرياضية التي عملت من الفخار بأن الاقتصار على الاجسام لوحدها غير كاف فربما كانت الخطوط والاشكال هو العنصر المحسوس ،والوان الاكاسيد هي التي وحدها تعطي استجابة لادخال الضوء ومع الاثنين يتم تحقيق وحدة الاجسام.
في فن الفخار يتم تحديد التقنية في التكوين لكن ستظل متباينة في اكثر من جهة مع ان الوظيفة لهذا الفن تقوم على مبدأ الاستهلاك او الاستخدام لكن تحقيق الجمالية عندما يقوم على عنصر الخط واللون ويكمن في تحديده واضافة الاكاسيد اللونية يتمثل في مساحة وعلى مسافة محددة لانه لايسمح بالزوائد مع مراعاة (( موضع محدد من الشعاع وكل الالوان مع الاشكال المرسومة والمضافة على سطوح الفخاريات تبدو للرائي وكأنه مجسم وشبيه بالموضوعات المرئية))(1)
لاشك من ان القارئ قد يفطن الآن لوحده بأن المنظور الذي يتعلق بها الامر تخالف النظر الطبيعي ،فهو منظور رمزي اكثر من انه منظور تلقائي وهذا الموضوع يدافع عنه ((بانوفسكي ) في كتابة ((المنظورية كصورة رمزية )) وهذه الدراسة الكلاسيكية – سيكون لها موقع كبير على فنان الرسم – وجاءت استمرار لفلسفة للصورة الرمزية والتي وضع ((ارنست كاسيرر) مبادئها ولايمكن بالتالي فصلها بصيغة عامة عن خط ((كانط)) وبهذا ان بانوفسكي قد استغل جيدا مدلول الوظيفة الرمزية لتصميمه على المنظور في فن الرسم. من هنا فأن الاطار الفلسفي العام التي طرحت به مشكلة المنظور نرى ان فن الفخار هو ألاخر يعتمد على نظرة جديدة اضحى معها الهاجس الرئيسي والبداية واضحة اشكال فخارية مضافة على رسومات وفخاريات مضافة عليها اشكال نحتية .بالآمكان جيدا استخراج ((الوظائف الرمزية )) وهذه الملاحظة كافية لوحدها ان تعطينا انطباع في ان نصل الى ((كانط الجديد)) هذا التصور قد انطلق منه (كاسيرر) والذي يقوم على تصميم فكرة (كانط) والتي تقول بأسبقية صور المعرفة على الموضوعات التي ينطبق عليها. وهنا نتسائل الم يكن الفخار الرافديني القديم وبأشكاله المختلفة والتي تعمل ضمن دائرة المعتقد الديني هي التي تنطلق منها فكرة كانط كون كل فخار المعبد مقدس ولاينحصر عند هذا فقط وانما تماثيله الكبرى هي استخراج صور رمزية.فأضافة السوائل المقدسة عملت هي الاخرى في ميادين الاسطورة.وعندما تشمل ذلك دخلت في دائرة ((نقد المعرفة)) ومنها ((الانثروبولوجيا الثقافية)) وشملت ميادين اللغة والعلم على حد سواء .
هذا من جانب والجانب آلاخر الفخار القديم في بلاد وادي الرافدين كانت به افكار تلقائية وخصوصا رسوم الاشكال الازهار والنباتات والسنابل ووجود الحيوانات الاسماك والعقارب انها افكار تعكس واقع خارجي بتأثيرات بيئية.وكانت فعلا تعتمد الى بناء ماتتوفر عليها من اطر رمزية فزيادة الانجاب والتناسل والخوف من الشمس وجمال الزهور كلها عملت في ميدان اللغة والفن والاسطورة يجسد كل واحد منها. هذا النسق المستقل يرجع قيمته في نظر ((كاسيرر)) الى ((يجيز التصور النسقي المتكامل لجميع هذه العوالم التعبيرية بحيث يكون بمقدورنا استخراج خصائصها النوعية والمشتركة))(1).
وهذه الخطوات هي بالتأكيد خطوات كبيرة نحو امتلاك فن الفخار نحو الوظيفة الرمزية وليس غريبا بعد هذا في ان يلحق (( بانوفسكي)) تقنية المنظور بهذه الوظيفة الرمزية ولكن كان الحاقها ناقص لانه لم يشمل الفنون التشكيلية كلها بل اعتبر الابداع الفني صفة عامة ومفعولة من مفعولات الصور الرمزية وهو نفسه يقول في هذا الصدد(( انه لمن الواضح جدا في ميدان الحدس الفني ان كل حيازة للصورة الجمالية داخل ماهو حسي ، لن تكون ممكنة الا لاننا ننتج في الخيال العناصر الاساسية للصورة وعليه فكل فهم للاشكال المكانية يرتبط اذن في النهاية بهذه الفعالية الداخلية التي تنتج هذه العناصر وبشرعية الانتاج))(2) هذا التصور يجعل من المنظور مفهوما رمزيا لانجده عند (بانوفسكي) لوحده فهناك (هوبيرداميش )( الذي يعتبر بأن المنظور في فن الرسم لم يكن دور له في مضمار المتخيل لوحده ،لانها لم تقم فقط بخلق صورة بل كان لها ايضا دور وظيفة رمزية خاصة ))(3) من هذا التصور احيل اقوالهم في البحث الى فنون الفخار. والقديم هو اولى بذك كونه البداية ويسمح للباحث بالتعرض لكثرة وجوده لا وسبل طرائق تناوله تبقى مفتوحة فهي قابلة لان تكون موضوع للتخيل ولتاريخ الافكار ولمبادئ الفلسفة .
فقد كان (( ميرولوبونتي)): قضية المنظور لم تكن حكرا على فن الرسم لوحده بل هي قضية كل الفنون وشغلت الفلسفة بنفس المقدار التي شغلت تاريخ الافكار))(1) هناك مقاربة بالامكان ان يؤديها الباحث هو ان نجد هناك تبرير واهتمام متزايد بتجربة الادراك والرؤية في فن الرسم لكن فن الفخار هو اساس لان يعطي تلك المبادئ نوع من الحرية في التنفيذ لان من خلاله نستطيع فهم عوالم الرؤية والقدرة الواضحة بخلق عوالم تشكيلية قائمة على جمالية اكاسيد الالوان اولا ومن ثم الاحجام والاشكال فقد كان هذا الفن مصدر اقناع يعبر عن ادراك بنائي صنعته الايدي.(( وبأمكاننا ان نعود من هذا الادراك الذي صنعته الثقافة الى الادراك الخام))(2) من هذا يسمح لنا القول وقد نجده في ثنايا الفلسفة.ان التأملات العديدة في فخار بلاد الرافدين كانت تتوخى بالدرجة الاساس فهم آليات الادراك الذي صقلته الثقافة لاجل الخوض في خبايا الادراك الخام. فلن نستغرب من القول في ان المنظور في اشكال الرسوم المضافة على الفخار هي حدث وليد ثقافة بلد وان الادراك نفسه متعدد الاشكال. ولكن نحتاج بذلك الى مبررات بأن الادراك يسبق المنظور .كون الفنان الفخار يدرك الاشياء في الطبيعة وبتأثيرات البيئة يستطيع ان يتصدر ذلك العالم الموضوعي المليء بالاشياء والتي تحتاج الى تفسير. وهذا دعا لفنان الرافديني الى الاقرار بأن المنظور هو يبدأ بقياس السطح ولا يكون تغيير عن العالم بشكله التلقائي وهذا وحده كان اختبار ذاتي في ان يبقى المنظور بطابع موضوعي.فمنظور قياس السطح كان احد خصائصه الوحيدة في ان يمثل الاشياء. وعملية الادراك هي الاخرى اخذت تحتاج قياس مقياس السطح فيعرف ان يضع العقارب والاسماك وكذلك السنابل والزهور. وبالمقابل الشمس والنجوم والكواكب كلها تمثل شئ مدرك وتتبنى ارقام بيانية يحتاجها الفنان الان بتشكيل حتى خصائص النقطة .وعالم الرياضيات مكتشف عنده من تلك الفترة وبرسوم ادراكية على قطع من الطين الفخارية. هذه الامور كانت ترجمة مباشرة في البصريات او الرؤية الاخرى .هذه الآراء اخذ العديد من رواد الفلسفة الاخذ بها وعدم الابتعاد عنها ابدا.وهي الاقرار بأن المنظور هي اداة عملية تقوم دائما على اساس البناء الرمزي الذي يجرد العالم من خصائصه الحسية ويرفعه الى مقام الاطر الموضوعية.
ونستطيع من خلال العديد من الدراسات بأن المنظور لقياس السطح يقوم بتحريف شكل المظاهر المرئية. وهذا التحريف يتم وفق التخطيط البنائي ((تحملني داخل الاشياء نفسها فتظهرها كما يراها الله او بلغة ادق: انها لاتعطيني الرؤية الانسانية للعالم بل المعرفة التي يمكن ان ينشئها إله لايشوبه التناهي عن الرؤية الانسانية))(1).
ولكن هناك أراء تقول لم يكن هناك تحريف في الرسوم البدائية القديمة ومن ضمنها رسوم وتشكيلات ومنحوتات الفخار وخصوصا الفخاريات للدور الرابع في العبيد الجنوبي كانت هي الوحيدة ربما تحمل الى جهات اربعة أي بمرحلة دائرية تعمل وهذا يعطي نوع من التجربة المتناهية للمنظور الذي يمثل صورة عالم ومجتمع لم يكن بدائي ولكن كان اول في ان يستطيع تشييد عوالم موضوعية واعطاءها خط بأتجاه المشاهد تتمتع بوابل من العلاقات العددية فيما بينها ومن ثم تأثيرات البيئة الواضحة عليها.وفي الرسوم الفخارية كانت لها الفضل في إن تمنع المنظور من اقتحام الجزيئيات فيه .وهذا واضحا ان تكون الاجابة عن السؤال من خلال بقاء فخار بلاد الرافدين ولكل ادواره متحصن في وضع ورزين وهذه القراءة له كانت عوامل فرق بين عالم المنظور وعالم الادراك التلقائي.ولا تقف عند هذا الحد بل استطاعت ان تبرز الفروق الجوهرية بين العديد من الفنون التشكيلية في بلاد الرافدين. فخار بلاد الرافدين استطاع ان يـجد المنظور ويجعله قاعدة للابداع الفني وكذلك كان جسرا موصلا بين فنون الرسم القديم والحديث والمعاصر. حيث ان الفخار هو الوحيد الذي تخلى عن ربط النشاط التشكيلي بوظيفة التمثيل الموضوعي فكانت مثلا أواني سامراء للنساء الراقصات.ودوران الحيوانات حول بركة ماء ووجود العقارب. وراقصات الطبول كلها اعطت عوامل واضحة لتنظيمات خطوط داخلية وفق القانون المشترك بين الرسم الجداري والرسم على الفخار وهذا بالتأكيد يهم المشاهد ويتهيأ للجديد. والاواني الاخرى تعمد الفنان الرافديني انه لا يريد الافصاح سوى عن حدود ضيقة يتقن بها نظام المنظور عندما بدأ الاختزال واعطى للمنظور مهمة اخرى في حرية الرؤية فيسجنها في نقطة ثابتة لا تتغير وهي وحدة الموضوع. وجعل من نظام الاختزال هذا تفريغ للوجود من اغنى ادراكاتها ليحل بدله موضوعات لم تخترق البصر وكأن الاشياء تمتلي سطح الفخاريات فكان هنا التجريد واضح في اعداد اواني اخرى لاحقة وبنفس الموضوع.
وهنا يستطيع الباحث ان يسجل رأي هو ربما قد لاتكون هذه اللامبالاة في اعداد الاشياء والتي ولدتها موضوعات الرسم على تلك الاواني هي سوى تعبير عن المسافة الثقافية التي تفصل بين عالمين هو عالم الانسان الاول والعالم الآخر وهذا صريح عن الانصهار في العالم لم يعد (( يستفز الادراك سوى تعبير صريح عن الانصهار في العالم الثقافي))(1) هذا التمثيل للموضوعات هو بالدرجة الاساس بعكس الاشياء الخارجية من زاوية عين ثابتة (( المنظور هو اكبر من مجرد سرد تقني يراد به تقليد واقع وقابل لان يعطي كما هو فعلا امام كل الناس انها ابتكار لعالم مسيطر عليه))(2). وبذلك فان فنان الفخار في بلاد الرافدين يعالج المنظور ومن خلال كل اعماله الفخارية بتقنية التماثل ذلك لان كل ما يبتغيه هو ان يطبق القواعد الدقيقة ببلوغ الاشياء ذاتها ومن ثم يصل الى مرحلة الاقناع،وهذا الترابط الذي يقوم بين المنظور والتمثل يوضح عادة مسألة مهمة بعد الاقناع هو ان يكون تمثيلا للواقع وللطبيعة .وبهذا اعطى لتقنية المنظور شكل آخر في تجسيد المنظور الملازم لتقنية هذا الفن.والتي تمثل الموقع الحقيقي. فالمنظور يعين النقطة في فن الرسم مثلما يعينها في فن الفخار وبهذا بوسعنا اعتبار كل الرسوم المضافة مؤشرا دالا على المكانة الخاصة التي اصبحت احتلال المنظور وقواعده عند فنان الفخار. وما يعزز تلك الافتراضات هو كيف منح المنظور وصفا رياضيا وعقليا مستقلا عن الرؤية الطبيعية وخصوصا في فخاريات حلف اذ ان الرسوم المضافة عليها لا تكمن في تمثيل الاشياء فحسب وانما كما تراها العين.في الطبيعة وخصوصا مواضيع الاكاسيد اللونية. بل تعدى ذلك الى الوصول الى فرضيات قوانين المنظور على العقل ومعنى هذا ان نظام المنظور لا يعدو ان يكون بناء عقلي يلجأ اليه الرسام وليس هناك ما يحتم بالضرورة وجود مطابقة بين مجالات المنظور ومجالات الرؤية الطبيعية.
وبهذا البحث نستطيع ان نستعير من لغة ((هوسرل)) ان الامكنة والمواضيع التي شيدتها تقنية المنظورية هي بالاساس بناءات مثالية حتى تبدو للمشاهد على انها تنطق بالحياة والواقعية فهو وليد نزعة موضوعية اكثر مما هي وليدة عالم الانسان نفسه كونها تصدر عن نزعة موضوعية)).
في فن الفخار هناك مقاربة فنية لقواعد المنظور من خلال تحليل تلك اللغة لانها تعتبر من الدراسات الهامة في هذا المجال كونها تقوم بتسليط الضوء على الاسباب التي دعت الى تطبيق المنظور على فن الفخار غير ان هذا الجانب يبدو واضحا بصورة كلية في فخار بلاد الرافدين حيث ان مفهوم المكان التشكيلي يقترن بتطبيق قواعد المنظور وبه صيغ رياضية للمكان. فكان توزيع المربعات والمثلثات والمعينات تقترن بصيغ رياضية توزيعية محكمة وكذلك الرسوم المضافة وحتى الملونة منها كانت تعمل بقواعد الرياضيات لكنها لاتترك بناء المكان مطلقا. الكثير من الرسوم على الاواني الفخارية وفي الادوار الفخارية وعلى مدن بلاد الرافدين منذ فترة النشوء حتى العصر الاكدي تلك فترة ازدهار لهذا الفن والذي جعل هو ألاخر من المكان اطار ثقافي بين الكيفية الواضحة في الابتعاد عن طريقة بناء مكعبات الى بنية المكان الواضحة.



#محمد_العبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فن الفخار الرافديني القديم .... دراسة في السياق...
- وفاء عبد الرزاق... جسد أنثى في ممارسة الشعر
- الرسوم الجدارية ... احدى القوى العليا في نظام التشكيل في بلا ...
- الجماليات غير المرئية ... الخزاف العراقي ( سلام جميل ... انم ...
- أسطورة الزمن القريب .... شاهد في حضارة الرافدين.
- الضوابط المألوفة في اللوحة التشكيلية .... عند الرسامة بتول ا ...
- العراقي الحقيقي هو الذي يُبدع في كل الظروف
- الفن التشكيلي الخزفي والحدث السياسي………
- عمر المطلبي .... لوحات تقنية .. مناورة حققتها الصدفة.
- الخزاف تركي حسين ... جماليات الفكرة المباشرة
- عماد الطائي ...الحداثة وثقافة المفردة في اللوحة التشكيلية.
- قاسم نايف .... البحث عن مسارات مغايرة .في فن الخزف...
- أثر البيئة الاجتماعية والموروث الحضاري في الأسلوب الفني ……
- فضاءات نضال الأغا اللونية...والتعامل مع اللوحة التشكيلية.
- علي نوري ....واتجاهات الخزف العراقي المعاصر.
- الأستاذ الدكتور زهير صاحب.......حاوره : محمد العبيدي
- بلاسم محمد جسام ... وفكرة انغلاق النص ... في اللوحة التشكيلي ...
- مدينة ايشنونا المرجع والتواصل..وبداية تكوين المدن.. في بلاد ...
- بناء المكان في فن الفخارالرافديني القديم.....
- علي الرواف .... أعمال خزفية ، إذابة التجسيم ، تحطيم الوزن وا ...


المزيد.....




- مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب ...
- فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو ...
- الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
- متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
- فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
- موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
- مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
- يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد العبيدي - التماثل والتقابل مقاربة فلسفية لمفاهيم المكان والرؤية في فخار بلاد وادي الرافدين