قضايا و اراء
42282 السنة 126-العدد 2002 سبتمبر 11 4
من رجب 1423 هـ الأربعاء
لو
لم يقع الهجوم الارهابي علي نيويورك وواشنطن, في الحادي عشر من سبتمبر2001. هل
كانت سياسة أمريكا الخارجية ستأخذ نفس الاتجاه المندفع الذي تمضي فيه الآن؟ هل كانت
ستتصرف بنفس الطريقة, في الإصرار علي توجيه ضربة عسكرية تغير الوضع كاملا في
العراق, وفي التأييد المطلق لحرب شارون ضد الشعب الفلسطيني, والنظر إليها علي
أنها حرب علي إرهاب, وفي الانفراد في السياسات تجاه دول العالم, تصل إلي حد
الخلاف الشديد والفاصل بينها, وبين حلفائها في أوروبا دون أن تهتم بعواقب هذا
الخلاف؟إن نظرة إلي الفكر السياسي, والمواقف التي ظهرت علي سياسة بوش الخارجية,
فور وصوله إلي البيت الأبيض, في يناير2001, تظهر إندفاعا إلي الميل لاسرائيل
وحربها ضد الفلسطينيين باعلان نفض يدهم من المواجهة الجارية في الشرق الأوسط,
وخلع أنفسهم عن أسلوب كلينتون في الوساطة لحل النزاع, وتركهم اسرائيل وحكومة
شارون, يتعاملان مع الوضع المشتعل بطريقتهم.
وبالنسبة للعراق فقد جعلوا منذ
الشهر الأول لتولي بوش الحكم, المشكلة التي تحتل أولوية اهتماماتهم في الشرق
الأوسط, قبل القضية الفلسطينية, ثم أن خلافاتهم مع أوروبا بدأت من اليوم الأول
بتوالي ظهور مواقف من شأنها إحياء مناخ الحرب الباردة والتوترات الدولية, شملت
مشروع رامسفيلد وزير الدفاع لانشاء درع الدفاع الصاروخي الذي اعتبرته أمريكا جدار
أمن لها من أي هجوم صاروخي من الخارج, ورفضها مفاهيم المشاركة مع روسيا, ووصف
الصين بالشريك الاستراتيجي, وهو ما كان جزءا من إدارة كلينتون لسياسته
الخارجية, وشملت كذلك ظهور نزعة الهيمنة, وأن أمريكا هي الأقوي, وهي مالكة
القرار في شئون العالم وتراجع الاهتمام بدور القانون الدولي, والأمم
المتحدة.
وإذا كانت هذه هي الملامح الأولية لسياسة
إدارة بوش الخارجية, فقد سبقها من قبل أن تصل المجموعة الرئيسية في فريق بوش
للسياسة الخارجية إلي السلطة, في سنوات وجودهم في المعارضة في فترة التسعينات,
ارتباطهم السياسي والفكري والعقائدي بالليكود في اسرائيل, كحليف مع اليمين
الجمهوري في أمريكا, وتعزيز اقتناعهم في تلك الفترة[ منتصف التسعينات] بما
كان يلح عليه نيتانياهو والليكود من أن العرب والمسلمين هم العدو الارهابي
لأمريكا( البديل عن الشيوعية), وما كان يردده نيتانياهو علنا في خطبه في
الكونجرس وفي مؤتمراته الصحفية, حول هذا المعني, وقوله بالتحديد إن اسرائيل هي
الحليف الذي لاغني عنه لأمريكا في مواجهة هذا العدو, باعتبارها الأكثر خبرة
وتعاملا ومعرفة به عن طريق أجهزة مخابراتها, بالاضافة إلي وجود مدرسة في السياسة
الخارجية الأمريكية خاصة بين اليمين الجمهوري شعارها: اسرائيل تعرف أكثر, وهو
ما كان يعني أن الولايات المتحدة عليها أن تبني قراراتها وسياساتها في الشرق
الأوسط, حسبما تراه وتقدره حكومة اسرائيل.
.. الأساس إذا كان موجودا,
ولم يكن في حاجة لما حدث في الحادي عشر من سبتمبر, لصنع سياسة جديدة, أو فكر
استراتيجي جديد ومختلف, لكن ما فعله الحادي عشر من سبتمبر, إنه خلق المبرر,
وأعطي لهذا التفكير السياسي قوة دفعه, وانطلاقه دون قيود, ليصل إلي المدي الذي
نراه عليه اليوم, وظهور ما يجري وكأنه حرب ضد عدو يهدد أمريكا ووجودها وأمنها
ومصالحها, مع أن هذا الارهاب ومنظماته يختلف كلية عن العدو السابق[ الاتحاد
السوفيتي], في أنه لايمكن أن يصل إلي هذا المدي من التهديد, لأكثر من سبب
منها: أنه ظاهرة لها أسبابها السياسية, التي يمكن لو أزيلت هذه الأسباب, أن
يقضي علي هذا التهديد الارهابي لأمريكا إلي حد بعيد. ومنها أن هذه المنظمات
الارهابية مهما بلغت خطورتها, فهي قادرة علي احداث أضرار جسيمة مادية وبشرية,
لكنها لاتملك أن تهدد وجود المجتمع الأمريكي وقيمه وفلسفته.
وهذا عكس العدو السوفيتي السابق الذي كانت فلسفة مواجهته ضد الولايات
المتحدة, قائمة علي عنصرين متبادلين: الأول هدم الأسس التي يقوم عليها المجتمع
الأمريكي من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية, وإحلال النظام الشيوعي
بفلسفته محلها, والعنصر الثاني هو فناء وإبادة الدولة الأمريكية, بالضربة
النووية الكاسحة.
وكان هذان العنصران متبادلين علي جانبي خط المواجهة, أي
انهما هدف لأمريكا, مثلما هما هدف للاتحاد السوفيتي وحلفائه, وأنه بذلك يحمل
رسالة للانسانية.
وبالتالي فإن جو الحرب الشاملة
الذي تندفع فيه السياسة الخارجية لحكومة بوش, يفتقد المنطق السياسي, ولذلك واجه
رفضا عالميا حتي من حلفاء أمريكا في أوروبا الذين لم يقتنعوا بمبرراته.
ومع
ذلك فإن الادارة الأمريكية مندفعة في هذا الاتجاه الذي قال عنه مسئولون وخبراء
أمريكيون مثل جيمس وولسي المدير الأسبق للمخابرات المركزية, إننا نخوض الحرب
العالمية الرابعة, منذ اليوم الحادي عشر من سبتمبر, ونحن لسنا في عملية دفاع عن
النفس, لكنها حرب هدفها حماية نظم وقيم المجتمع الأمريكي.
وهو الاتجاه الذي اكتسب ملامح أكثر وضوحا وصراحة, بالخطاب الذي ألقاه
الرئيس بوش أمام الأكاديمية العسكرية في وست بوينت في يونيو2002, والذي كشف فيه
عن المبدأ الجديد الذي تجري مناقشته للاستراتيجية الأمريكية في العالم, وهو مبدأ
الهجوم الوقائي علي عدو محتمل, حتي ولو لم تكن قد ظهرت علي هذا العدو نية العداء
ــ الآن ــ لأمريكا. وأن علينا أن نضرب هذا العدو في أرضه, ولا ننتظر حتي تظهر
لنا تهديداته.
وهو مبدأ يعمل علي خلق مواجهات وبؤر نزاع, ويزيد من مواقع
النزاعات الاقليمية, بدل أن يحلها, لكنه يتفق مع فكر الهيمنة الذي يري أن إعادة
رسم الخريطة الاقليمية في كل منطقة في العالم, بالشكل الذي ترضاه أمريكا, لابد
أن تسبقه عملية هز الأوضاع القائمة في هذه المناطق وخلخلتها.
فالعراق ليس مستهدفا لهدف التخلص من صدام ونظام حكمه فحسب.
هذا هدف, لكنه ضمن أهداف أخري أهم وأعظم, فالخريطة الاقليمية المطلوبة بعد
التعديل شرطها ــ إن كنت ستبدأ بهز العراق, أن يحاط العراق بأنظمة صديقة لأمريكا
متعاونة معها دون حدود أو تحفظات كتركيا, أو أنظمة مطلوب أن تهتز خوفا مما جري
للعراق, فتكون أكثر استجابة وأقل اعتراضا. وتظل واقعة العراق رسائل نذيا
لها.
ولهذا لايغيب عن الملاحظة في نفس الإطار, أنه بخلاف العراق, فإن
مراكز البحث للنخبة السياسية في واشنطن مشغولة بمناقشة موضوع آخر, وهو ما إذا كان
ممكنا مهاجمة إيران عسكريا, ــ حتي في حالة عدم صدور أي عمل استفزازي منها
لأمريكا ــ والهدف تدمير المفاعل النووي, الذي يخضع لرقابة الوكالة الدولية
للطاقة الذرية, وهي رسالة تلحق برسائل أخري تتلاحق في واشنطن هذه الأيام تحمل
معاني الضغط, والتهديد المستتر والتحذير, لدول عربية, ظهرت منها مواقف تتراوح
بين الرفض الكامل, وبين التحذير من أي عمل عسكري ضد العراق, حتي ولو لم يكن هذا
الموقف به أي شبهة تعاطف مع صدام ونظام حكمه, وإنما يحمل تقييما للأخطار التي
ستصيب المنطقة وشعوبها, بل وستضر بالمصالح الأمريكية ذاتها.
.. الصورة بتفاصيلها تعود بنا إلي السؤال: ــ لو لم يكن
هجوم الحادي عشر من سبتمبر, هل كانت الولايات المتحدة, ستأخذ هذا الاتجاه في
السياسة الخارجية؟
إن تتابع الأحداث منذ نقطة البدء, وبالمقدمات التي شهدناها
منذ تولي الرئيس بوش السلطة, تظهر وجود برنامج عمل أو أجندة سياسية من الأصل,
وسيجري تنفيذها, سواء وقع الحادي عشر من سبتمبر أم لم يقع.. كل ما هناك إضافات
ورتوش تبلور المبادئ الأساسية للبرنامج؟.
وإن ما
جري في عهد حكومة بوش هو انقلاب في السياسة الخارجية.. انقلاب بكل ما تحمله
الكلمة من معني, ووجه الخطورة بالنسبة لنا نحن الدول العربية, أنه كان هناك
معمارا هندسيا للعلاقة مع الولايات المتحدة, شيد علي أساس تصميمه بناء متكامل
لعلاقة تبادلية, ثم فاجأنا الطرف الآخر في هذه العلاقة التبادلية, بأن هجر هذا
البناء, وبدأ يصمم معمارا مختلفا, يشيد عليه بناء آخر له مواصفات وضعها
باختياره, ودون العودة للآخرين, الذين هم شركاء له في هذا السكن, أو في هذه
العلاقة التبادلية, والتي هي نوع من المصلحة المشتركة, القائمة علي تأمين
مصالحهم, وأن تقيهم من أي مفاجأة, ثم يقوم هذا الطرف الآخر, بدعوة شركائه
العرب, لأن يدخلوا المبني المشيد توا, والذي لايعرفون عنه شيئا, وهل مافيه[
وهو مازال مغلفا بالغموض], يتناسب مع مالهم من حسابات, وظروف, وخصائص,
وثقافة, وتقاليد, وقيم, وحضارة, وانتماء اقليمي, وارتباطات مصيرية
لشعوبهم بشعوب أخري في المنطقة.
فهل تحركت دول العالم العربي لتواجه هذا
الانقلاب؟
لا أقول أن تنقلب عليه بانقلاب مضاد,
لكنني أتصور أن تحسب الاحتمالات, وأن توضع بدائل لسياسات, تكون جاهزة للتعامل
مع أي احتمال تواجهه من بين الاحتمالات التي تتوقعها وتبحثها.
إن الغرب,
وأمريكا علي وجه الخصوص, يتعامل معنا جميعا كعرب, وإذا قرروا اتخاذ سياسة تجاه
المنطقة, فهي سياسة لاتفرق بين هذا وذاك, لكنها تقصد الجميع باعتبارهم العرب,
أليس من المنطقي أن تلتقي دول المنطقة كلها كعرب وتفكر في سياسة تجمعهم يتعاملون
بها مع وضع اختلف, بل انقلب علي ماكان عليه؟.. فما كانوا يتعاملون معه, صار
آلة معطلة, والآلة الجديدة, لن تصلح مفاتيحهم القديمة, لتشغيلها. فماذا هم
فاعلون؟
الأهرام