أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - ليث العبدويس - مُذكرات لاجئ سياسي 2














المزيد.....

مُذكرات لاجئ سياسي 2


ليث العبدويس

الحوار المتمدن-العدد: 3614 - 2012 / 1 / 21 - 19:04
المحور: الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
    


مُذكرات لاجئ سياسي 2
سأستلُّ، من جُعبة مُخيلتي المضطربة، أشد الكلمات وقعاً، وأكثر الجُمَلِ ثُقلاً، كي أُفنّدَ أسطورتكَ وأُبدّد زيفك، في معبَدِكَ أصرخ كالمجنون: حررني من قُدُسيَتِك، حبلُكَ السُرّي يعتَصِرُ شرايينيَ، عَلَقُكَ يَمتَصُّ دَمي، عليَّ اليومَ أن أستقيل مِنك أو أن تستَقيلَ مِنّي، لا فَرق، ثُنائيَةُ النَكَدِ والنُحس التي نُمثِلُها لمْ تَعُد مُجدية، تلبَستُكَ مُجبراً دون إرادة، ودونَ أدنى حُريّةٍ في الانتماء، تماماً كما تتلبسُنا أسمائُنا التي لا نَملِك من اختيارها شيئاً مهما بَدتْ غبيّةً أو قبيحة.
وكما أن لِصاحب الاسم الشنيع الحقَ في شَطبِ اسمه، في مَحقِهِ، في مَحوِهِ، في استبدالهِ، في بعثَرَتِه، في لعنِهِ، في البصق عليه، في تغييره متى ما بَلَغَ سِنَّ الرُشدِ وانفَلَتَ مِن ربقة الأسر الطُفولي الساذِج، بِدعوى يُقيمها على أمين سِجلّه المَدَني، ذلك المجهول الذي يُعبئنا في أسمائِنا بل يُعبئ أسمائنا فينا، دون حولٍ منّا ولا قوّة، فأني اليوم أعلن براءتي من بِطاقتي الشخصيّة، من جَوازِ سَفري، ومن أوراقي الثبوتيّة، اليوم أعلنُ قَطع عَلاقتي، انفكاكي من جاذِبيّة المجموعة الشمسية، ولكَ أن تنتقي لي اسماً جديداً لي يتناسَبُ مع حالة انشقاقي الجديدة، خائِن، مُتآمر، غادر، وصدقني، لستُ أحداً من هؤلاء.
ولأنَّ جبريَتُكَ نَمتْ كبؤرة الشؤم ورافقتني كعاهة مُستَديمة، فأني أحيطُكَ علماً بأني اليومَ قد شارفتُ على بُلوغِ مرحَلَةِ ما بَعدَ وِصايَتِك، وأني، قررتُ إنكار كُلّ انتماء مني إليك، وَكُلَّ وَشيجَةٍ تربِطُني بِك، وأني.. أكرَهُكَ رُغمَ أني أهيمُ بِكَ حُباً، وأمقُتُكَ رُغمَ كوني أتفَصَّدُ مِنكَ إجلالاً، حاقدٌ عليكَ أنا، برغمِ ما جرى وما لم يجرِ من أشياء في علاقتنا الهُلاميّة المختزلة .
مُشوّهةٌ هي مَعالِمُك في رأسي المصدوع، معطوبَةٌ صوركَ الضاجّة، مملكَةٌ فسيحَةٌ أنتَ مِنَ الممنوعِ إلى الممنوع، لكني قررتُ التمرُّدَ على المألوف، والثورةَ على السائِد، لنْ تنكَمِشَ فورةُ عصياني على جبروتِكَ مهما ارتفع هديرُ حناجِرِ جُندِك التالِفة المشروخة وهم يزعَقونَ بأوامركَ السُلطانيّة، ولعلّي أستَغِلُّ سويعة الهُدنة الرَخوة التي لَمْ توقّع بينَ جيشِكَ الجرّار وعُصبَتي الضَئيلة لألقي على مسامِعِكَ الكريمة محاضرةً خاطِفة عن الحُريّة.
فهي، هذه الحروف الأربع المتوهجة المزركشة بنوافير الدَمِ والمحفوفةِ ببحّة الكادِحينَ وسُعالُ الراقِدين في مشفى النقاهة من وَجع الحُب، الخاطفينَ من ثُغورِ الحبيبات اعترافاً سريعاً بإدانة العُشّاق وتفجيرِ كُلّ بوابات الوصول الى الحدود المُستحيلة، هذه الحُريّة – يا وطني الذي استحال خَصمي، وَكم من مَحَبّةٍ انقلبتْ عَداوة – رايَةٌ لَنْ تَفهم - ومهما استطالَ بِكَ عُمُرُ الاستقلال أو قَصُرَ عَهدُ الاحتلال- شيئاً من غرائِبيّة ما يلتَمِعُ من رُسوم على نسيجِها المُخضّبِ، مُرمّزةٌ مُشفّرةٌ مُطلسَمَةٌ هي تِلكَ النُقوشُ مُغلّقَةٌ دون أفهام المُستَبدين وألباب الطُغاةِ بِرَغمِ بِدائيّة التعبير وعَفويّة المطلب.
ولأننا، في لاوعينا، نخشى من كُلّ مالا نفهَمُه، فأننا عادةً ما نُقرّرُ، بِحُمقٍ وهستيريا، تدمير ذلكَ المجهول الطارئ المُستَجِدْ، كأي طِفلٍ ينهَمِكُ في تفكيكِ أجزاءِ دُميَتِه التي أُهديتْ له للتو، ينغَمِسُ في استخراجَ أحشائها، يدفَعُهُ نَهَم الاكتشاف البريء، يُلِحُّ عليه التساؤل الفِطري القديم : ماذا تُراه يختبئُ تحتها منْ أسرار؟
ولئِن صَفَحنا عن الصَغير الذي حطّم لُعبَتَه الجديدة، وعذرنا سذاجَتَهُ يومَ رَضَّ رأس العُصفور الأسير مُلوّحاً بِجُثمانِهِ الهامِد في مَرَحٍ طُفوليٍ دموي، فأني أفشلُ كُلَّ مرةٍ في تسويغِ زمجَرَتِكَ المُستمرّةِ في وجهي.
أتُراكَ أباً سيئاً؟ أم تُراني ابناً عاقّاً، عبداً آبِقاً، أجيراً هارباً، محكوماً فاراً، لعنةٌ لَعناء؟ تلاشتْ كالأثير غُمامةُ الذكريات الجميلة عنك، حتى الحمائِمُ حَزمتْ أمتِعتها وغادرتْ أغصانَكَ المُتيبّسة دونَ رجعة، تمنعتْ الأزهار فيك على النحل وأبتْ التفتُحَ ذات يوم، اختارتْ الذُبول على فراديس أنداء الصُبح، ذوتْ الأيام وشطبتْ نفسها من تقاويم التاريخ وغادرتْ الى اللازمان.
بِلادي مَكَبٌّ هائِلٌ للأحزان بحزامٍ من الإسمنت الصلد والفولاذِ المضفور الصدئ، بِلادي تِمثالٌ نَحتتهُ أزاميلُ العنفوان الأعمى، وطني جُثّة أميرٍ وسيمٍ مجهولُ الهويّة، ملقاةٌ عند رصيف الضمير الدولي نزعتْ عنه الضباعُ تاجهُ وحُليّه، غارِسةً في جبينِهِ طوقَ الأشواك وفي مِعصميه مسامير العذابات والحيرة، فهلّا أدرتَ لي خَدّكَ الآخر، يا وطني، إن كُنتَ فعلاً آخر مسيحٍ، أو كُنتُ أنا أوّلَ يَهوذا.
موبوءٌ أنا بارتعاشة ولادتي الأولى على تُرابِك، ومسحوقٌ أنا باختلاجة الرحيل عنه، وما بينَ الخفقتينِ كنتَ أنت المتنَ المليء بعبق الهويّة النفّاذ، فيما ضغطني نصُّك السميك حتى هُزِمَ وجودي على مساحتك البيضاء، واستحلتُ محضَ هامشٍ مهمل، مُجرد مُلاحظةٍ عابرة.
لستُ جاحِداً او ناكراً للجميل، لستُ عاضاً ليدكَ المعروقة المُتغضِنة التي تُشبِهُ يَدَ أبي، لستُ شامِتاً بل مُنكسِراً عند مُنعَطَف الوجع واستدارة الآهة الأخيرة، أُخفي عنك كُلَّ ميتاتي وخيباتي وقارورةً ضمّتْ رماد أحبتي في انتظار خليجٍ منطوٍ على أمواجٍ زرقاء خَجلى، في انتظار تجلي الفجر ومخاض الشمس الرمداء.

ليث العبدويس – بغداد - [email protected]



#ليث_العبدويس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مُذكّرات لاجئ سياسي
- نَحنُ.. والبَحرُ..وإسرائيل
- سوريا وَفَلسَفةُ الثُعبان المُقَدَّس
- رِسالةٌ إلى بشّار الأسَدْ
- وَقَفاتٌ عِندَ مُسلْسَلٍ مَمْنوع
- خرْبَشاتٌ طُفوليّة على جِدار العيدْ
- جرائِمُ الشَرَف.. وَقفةٌ شُجاعة
- ليبيا.. انتهاءُ عامِ الرَمادة
- وحشٌ طليقٌ في الشام
- -جمهورية- انكلترا المُتَحِدة
- فينيقُ لُبنان..ورمادُ الطائِفيّة
- هوامش على دفتر الثورة
- الصومال.. محنةُ الضمير.. محنةُ الإنسان
- الإرهاب الإسلامي ..تهافت النظرية
- هل شارف عصر الطغاة على الانتهاء؟


المزيد.....




- اتصال جديد بين وزير دفاع أمريكا ونظيره الإسرائيلي لبحث -فرص ...
- وزير الخارجية العماني يدعو القوى الغربية لإجبار إسرائيل على ...
- يوميات الأراضي الفلسطينية تحت النيران الإسرائيلية/ 1.11.2024 ...
- المركز الإفريقي لمكافحة الأوبئة يحذر: -جدري القردة- خرج عن ا ...
- جنرال أمريكي: الدول الغربية لا تملك خطة بديلة لأوكرانيا بعد ...
- الهجمات الإسرائيلية على لبنان وجهود التسوية / 1.11.2024
- أوستن وغالانت يبحثان فرص الحل الدبلوماسي ووقف الحرب في غزة و ...
- زلزال بقوة 5 درجات يضرب جزر الكوريل الجنوبية
- حسين فهمي يتعرض لانتقادات لاذعة بسبب صورة وحفل عشاء مع وفد ص ...
- ارتفاع إصابات جدري القردة في أفريقيا بنسبة 500% وتحذيرات من ...


المزيد.....

- العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية / هاشم نعمة
- من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية / مرزوق الحلالي
- الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها ... / علي الجلولي
- السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق ... / رشيد غويلب
- المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور ... / كاظم حبيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟ / هوازن خداج
- حتما ستشرق الشمس / عيد الماجد
- تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017 / الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
- كارل ماركس: حول الهجرة / ديفد إل. ويلسون


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - ليث العبدويس - مُذكرات لاجئ سياسي 2