نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 1068 - 2005 / 1 / 4 - 10:42
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
حـــــزب المواطنة
المواطًًََََََََََََََََََََََنة - بفتح الطاء- فوق أي أعتبار. ومفهوم المواطنة أوسع من أية رؤىآنية ومصلحية ضيقة, وأرسخ تأسيسا, وهي بذلك أمضى وأبعد زمنيا ومستقبليا .والمواطنة بذلك فوق أية أحزاب أو تكتلات. فمفهوم المواطنة أو الإنتماء هو أول ما يكسبه الإنسان حين تلاقي عيناه النور الأبدي الوهاج. وهو بذلك يكتسب صفة سياسية سامية وشاملة ودون أن يتقدم بأي طلب انتساب.وهناك فصل واضح وصريح بين هذه الميزة وأي مبدأ أوفكر سياسي مهما كان شاملا وعريضا. وهي سباقة على الجميع فلأنك مواطن فقط تستطيع أن تكون في هذا الحزب أو ذاك الفصيل, برغم وجود أحزاب أممية في وقت من الأوقات.وفي الدول المتشرذمة, والمتشظية, ودائمة الإنشطار,والتي هي في طور البناء, والتكوين, والنماء, تغيب المواطنة وتتراجع للوراء ليحل محلها الولاء للقبيلة, والعشيرة, والفئة الدينية, والسياسية ,والعرق أوالأثنية الضعيفة أو الرموز من الأشخاص, أمام قوة وجبروت المواطنة الأشمل والأعم.ومن هنا فإن أحد تعريفات مبدأ المواطنة ,هي أن يتمتع إنسان ما بكافة الحقوق ,والقيام بكافة الواجبات واتجاه الجمبع ,وأن يكون ولاءه للمصلحة العامة والوطن ولا شيء سواء.
وفي ظل الولاءات الضيقة والتحالفات القبلية والعشائرية البدائية والحزبية التحزبية, يبقى الجميع ضعفاء وفرادى هائمين حضاريا ومفككين وغير مستقرين. فيما نهضت دول من القاع ومن مهاجرين متناثرين هنا وهناك, لتتربع على عرش العالم وهي لم تكن موجودة قبل ثلاثمئة عام من الآن وهو رقم هزيل في عمر الأمم والشعوب والأوطان.ولقد ظهر واضحا ومن خلال التجربة أن الولاءات الحزبية, والعنصرية ,والأثنية, والدينية برغم قوتها الذاتية الكامنة الدفعية, والمعبرة عن تطلعات وآمال مجموعات متباينة في مرحلة ما , كانت أيضا عاملا في اضمحلال واندثار الكثير من الأمم والحضارات, فيما بقيت الأوطان ثابتة ومستمرة على مر الزمان.ولا يمكن الآن لدول تقوم على الدين, والعنصرية ,أو أية أحادية بأي شكل كان, من البقاء والإستمرار, إذا لم يكن مبدأ المواطنة الواسع الشامل هو الأساس والمعيار.أو أن يتنطح فصيل ,او حزب أو شخص ,أو تيار ويقول أنا الوطن, والوطن أنا,كما فعل أحد ملوك أوروبا من الدهماء ,وكان أن حل فيما بعد ضيفا على مقصلة أحد الثوار.
ويخطىء من يظن – ومع تطور الحياة وتبدل الأفكار وتقدم العلوم والإختراعات واختزان المعارف وثورة الإتصالات وفورة المعلومات- أن الأفكار لاتتغير أو لاتتبدل وتبقى ثابتة مع الأيام ولا تخضع لأي اعتبار. وأن المبادىء السياسية مقدسة ,والعقائد ثابتة والأحزاب دائمة.فحتى الأديان المنزلة من السماء لم تسلم من مبدأ التشظي والإنشطار. فمثلا أحزاب الخضر والبيئة لم تكن أبدا ذات أهمية أو قيمة قبل الثورة الصناعية وغول التكنولوجيا والإختراعات,وقد تفقد أهميتها حكما بعد تكيف الإنسان مع كل هذه المستجدات. فما ترفضه اليوم قد تقبله غدا,وما هو مقبول اليوم قد يكون مرفوضا غدا.ومافعله البعض من مبادرات سلمية كان خيانة في مرحلة ما فيما هو شعار مرفوع الآن وعلى أسنة الرماح , و لاءات الخرطوم النارية الشهيرة صارت نكتة وزورا وبهتان.وكان كثير من الزملاء والأخوان يعيبون على هذا ,او ذاك الإنتقال والتبديل بين هذه الفكرة أو تلك, ونبذه وتركه لما كان يفكر فيه بالأمس والخوالي من الأيام. ولكن العكس هو الصحيح طالما أن الأفكار تتطور وتتبدل وتتغير على الدوام فالأجدر بك ان تقبل هذه المتغيرات.وأما الكلام عن الثبات والبقاء والإلتزام بفكر واحد متشنج مهما تبدلت الأحوال فهو ضرب من الإنتحار السياسي لامحال, وغرق في الأوحال.وقد ثبت بالواقع والتجربة أن الأفكار التي لم تتطور وتتوالد طواها النسيان وأعرض عنها بنو الإنسان.فلغة الخطاب في الستينات غيرها في السبعينات ومختلفة تماما في أواخر التسعينات.وهي جديدة تماما في الألفية الثالثة.
فالأفكار السائدة في بداية القرن العشرين أصبحت من المنسيات والبدهيات والذكريات المضحكة ولا تعتبر ذات قيمة, أو بال الآن, علما أنها كانت براقة وجذابة وقتذاك وتستهوي عقول وألباب المواطنين والسياسيين على حد سواء.إلا أن الزمان وتطور الأحداث تجاوزها وجعلها في خبر كان.وكان الحديث وقتذاك عن العروبة والإتحاد فتحا وضربا من الرجولة والإقدام ,ومع تطور الحياة وتقدم العولمة أصبح لا معنى لهذا الكلام.ورأينا كيف اندثرت أفكار كثيرة كانت قوية ومثيرة وخف بريقها وضاعت في زحمة المتغيرات الكبرى, وموجات التقدم العلمي والتكنولوجي والجيشان الإجتماعي دائم الغليان. وتقدمت أفكار وأحزاب جديدة لتحتل الصدارة ولكن بقي الهم الوطني في صلب اهتماماتها الأولى.وتنتشر الآن مثلا في أوروبا حمى الأحزاب اليمينية المتطرفة بعد أن كانت في الصفوف الخلفية تتوارى بخجل وحياء, وذلك بفضل "نجوم الإرهاب" العالميين الأشاوس وقواديهم المسهلين لهكذا عهر ودعارات, و الذين أججوا هذه المشاعر الكامنة السوداء,وهي نقطة في غير صالح الفكر الأوروبي المتنور,ولكن كل ذلك بفعل تطور الأحداث التي تفرض نفسها على الإنسان. صحيح أن هناك أحزابا تتبنى شعارات ضرورية في وقت ما,ولكن عندما تتحقق هذه الشعارات ,لمن يكون الولاء وما هي المهام؟فمثلا ماذا تفعل أحزاب التحرير بعد التحرير والإنتصار؟وهل من معنى لوجود أحزاب تدعوللاتحاد بعد تحقيق الوحدة والإتحاد؟فالكل يعود بالنهاية إلى حضن الأوطان.وتبقى شعارات الأحزاب كلها آنية ومرحلية وتفقد بعد حين مبرر البقاء.
ولقد كانت هناك ودائما أحزاب تعبر وتستلهم اتجاهات الرأي العام, وتقطف ثمار ذلك نصرا في الإنتخابات, ولكن حين تصل إلى السلطة سرعان ما ينقلب عليها الجميع,وحدث ويحدث هذا في كل مكان. وهي عملية ذكية لأناس يستقرؤون الرأي العام وينتجون على أساسه الأفكار ثم يسوقونها في سوق السياسة ويقطفون الثمار. ولكن لا يدوم معهم الحال, وتنشأ من صلبهم أفكار جديدة وهلم جرا,لتصبح الأفكار الأصلية بالية وعقدة أمام التطور والاندفاع.وكما قال أحد السياسيين الأفذاذ إذا أردت أن تحرق أي حزب أو أشخاص ضعهم فورا في سدة الحكم, ومهما كانت شعبيتهم فإنها فورا ستنهار .ولذلك نرى أحزابا كثيرة تفوز بنتائج كاسحة ولكن سرعان مايعرض عنها الناس وتصبح عبئا على نفسها. ولذلك فإنه كان من الخطأ الفادح عندما فاز فصيل أصولي متطرف أن أبعدوه عن الحكم والبرلمان ,لكنا رأينا هل كان سيستحلب المعجزات ويخترق المجرات؟ وكنا وفرنا على أنفسنا كل تلك الدماء والعذابات والمعاناة, وأنه ولا شك كان سيحترق بنار العجز والشلل التام , ويحمل كل الأوزار والتبعات ,ولو كان منزلا من السماء. لإنه لن يفعل, في الحقيقة, أكثر مما فعله "الشباب".
ولذلك نرى في البلدان التي تحكمها أحزاب متصارعة ومتنافسة يكون رمز الدولة فيها حياديا بشكل عام ولا ينتمي لأي من تلك الأحزاب, وكذلك في الملكيات الدستورية فمن العيب أن ينتمي ملك لفئة ,أوينحاز لحزب أو تيار,ويعد ذلك خرقا لمبدأ المواطنة الأسمى ,والأكبر, ويكون بشكل عام رمزا للوطن ومقبولا من كل الفرقاء, وحكما عند المنازعات,وفوق كل الإختلافات .وهو الذي يعتمد ويقبل استقالة رئيس الوزراء "المتحزب"الذي يحركه مجموعة من النشطاء . وهذا بالطبع لا ينفي عن كل الأحزاب صدقيتها وإخلاصها ووطنيتها ويشكك في عملها, ورمز الدولة ذاك يلقى قبولا واستحسانا لدى الجميع,أو تراه يستقيل فورا إذا كان منتميا لأحد الأحزاب ليمثل الوطن الذي هو فوق وأكبر من الأحزاب.وعظماء رجال العالم وموحدي الأوطان وبناة الدول كانوا دائما خارج هياكل وأطر أية أحزاب وسجلهم التاريخ في صفحاته على هذا الأساس.
فالعلماني,والأصولي الديني بكافة "تشظياته" المتعددة,والمحافظ,والتقدمي ,والرجعي, والقومي, والليبرالي, والمعتدل ,والبيئي, والماركسي ,والأخضر,والتيارات العرقية والإثنية الفسيفسائية أحيانا,واليمين, واليسار, والوسط تجمعهم صفة المواطنة والإنتماء وهي الأقوى من أي اعتبار وهم جميعا "رفاق" ,ويجب أن يكونوا أعضاء عاملين حكما, في حزب المواطنة.وما نراه اليوم هنا وهناك من تعصب وغلو وتطرف لهذا الحزب أو التيار,والتعسكر والتخندق , والتمترس وراء الشعارات ,هو ابتعاد عن حزب "المواطنة الأم" وتناسي لهذا المبدأ الهام الذي يجب أن يكون هو المعيار والأساس في العمل الوطني العام.
وطالما كنت أتساءل عن السبب في قيام دول قوية وعظمى تتسيد العالم على مجموعة من المهاجرين من الشرق والغرب والشمال والجنوب ومن مختلف العرقيات والأديان والأشكال والأجناس والألوان, وبدون وجود هذا الكم من الأحزاب ,فيما نفشل في جمع "رأسين بالحلال" ومن قرية واحدة و"يعملون في نفس الحقل أو البستان" .ودائما كنا نتغنى بالتاريخ المشترك , واللغة ,وسماحة الأديان ولكن نتناسى ذلك عند أول اختلاف أو صدام .والآن تنتقل عدوى التفسخ والتحلل إلى ميادين السياسة والعمل العام الذي لا يقبل المزح أو الهزال.ونرى وفي أكثر من مكان ,على هذه الرقع المهترئة من العداء, الجميع يصرخ في وجه الجميع , والكل مشمر عن ساعديه ومستعد للنزال وخوض غمار أي نزال أوعراك, ولا نرى أي استعداد للجدل أوالمناقشة والحوار. بل استعداء مسبق وإلغاء مبكر لكل الإتجاهات والخاسر الأكبر هو الوطن ومبدأ المواطنة. ونسي الجميع وفي ذروة العراك أنهم جميعا في حزب المواطنة سواء بسواء, برغم عدم أشهاره, وتغييبه المتعمد في بعض الأحيان, وأنهم جميعا على أرضية واحدة إذا مااهتزت اهتز الجميع وذهبوا في عالم النسيان. وظلت - وبكل أسف- تقاليد أحزاب الإقصاء والإلغاء والتعصب والإنكار والإهمال أقوى من كل الأحزاب.
لذلك فإن الولاء للأوطان يجب أن يبقى هو الأساس , وأن تتوسع الرؤى الضيقة والإستعداء , والخلاف لتحل محلها أفكار التصالح والنظرة الأشمل إلى ماوراء الآفاق, وحتما , -وهناك ودائما ولا بد- أرضيات مشتركة يتفق عليهاالجميع في هذا الميدان ومنطلقات عامة تضع في اعتبارها أولا, واخيرا, مصلحة الوطن التي هي فوق كل الإعتبارات.وحزب المواطنة هو الحزب الوحيد الذي تبقى فيه عضوا مدى الحياة,ومن الولادة وحتى الممات...
حزب المواطنة....................ناصروه يا"رفاق".
نضال نعيسة كاتب سوري مستقل
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟