أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - ميثم الجنابي - الهوية العراقية وآفاق البديل الديمقراطي 3















المزيد.....

الهوية العراقية وآفاق البديل الديمقراطي 3


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 1068 - 2005 / 1 / 4 - 11:53
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


طبعا، إن لكل ظاهرة حدودها الخاصة بها. وهي حقيقة تقترب من البديهة، الا أن التعقيد الأكبر يقوم في كيفية ومستوى إدراكها الفعلي. فالعاقل يمكنه أن يدرك قيم الخير والجمال، الا أن بلوغها العملي على الدوام أشد تعقيدا. وهي معضلة وقف ويقف أمامها العقل النظري والعملي، باعتبارها إحدى إشكالياته الفعلية الكبرى. بل هي المحك الذي تقاس به حقيقة النوايا والأفعال والنتائج.
وإذا كان الفكر النظري القديم، قد حاول حل هذه الإشكالية من خلال استعمال مختلف الوسائل بما في ذلك الأخلاقية والدينية، فان التجربة التاريخية تبرهن على أن الأسلوب الأمثل يقوم في وضعها ضمن معايير الرؤية العقلانية المحتكمة إلى القانون والمرهونة بفعله. وهو رجوع يتحدد مضمونه وفاعليته وقيمته أيضا بمستوى التطور الاجتماعي والسياسي للأمم وقواها الاجتماعية والسياسية. ومن اجل بلوغ هذه الحالة، فان ذلك يفترض تربية الرؤية العقلانية بالشكل الذي يحرر الحركات الاجتماعية والأحزاب السياسية من مخاطر الوقوع في تجاهل مضمون الفكرة الفلسفية القائلة، بان لكل ظاهرة حدودها الخاصة، وبالتالي، فان تجاوزها يؤدي إلى خرابها. وهي فكرة سبق وان بلورتها الثقافة الإسلامية بعبارة "كل ما تجاوز حده انقلب إلى ضده". وهي حقيقة ثابتة وشاملة. وحتى حالما أجاب أحد الحكماء عندما سألوه مرة عن "حد الغباء"، قائلا "انك سألتني عما لا حد له"، فانه كان يدرك أيضا، بان "اللامحدود في الغباء" هو مضمون التجاوز فيه. أما في ميدان العمل، فانه يؤدي دون شك إلى الخراب والهاوية. ولعل تجربة الاستبداد الشامل وغبائه غير المحدود في تجاوز الحدود جميعا، أدى إلى انهياره السريع والمريع والمخجل.
وهو انهيار فتح الأبواب على مصراعيها أمام الاحتمالات المتنوعة والإمكانيات الهائلة بالنسبة لشروط التطور الاجتماعي والاقتصادي والثقافي. وهي إمكانيات واحتمالات وثيقة الارتباط في الظرف الراهن بإقرار الحد الأدنى الضروري والعام من الوحدة الوطنية بالنسبة للعراق. دون أن ينفي ذلك إمكانية الاختلاف السياسي حول آفاق وسبل التطور المقبل للدولة والمجتمع والثقافة.
فقد وضع الانقلاب التاريخي الكبير الذي رافق زوال الدكتاتورية في العراق مهمة تحديد ماهية الهوية الوطنية العراقية، باعتبارها إحدى أهم القضايا الفكرية والسياسية بالنسبة لبناء الدولة ونظامها السياسي والاجتماعي وثقافتها اللاحقة. كما انها إحدى أهم قضايا الفلسفة السياسية بالنسبة لمستقبل العراق واتجاه تطوره اللاحق. فعليها تتوقف مواد الدستور ومنها يمكن توقع المسار اللاحق لبنية الدولة ومؤسساتها وعليها يمكن وضع مبادئ التربية والتعليم. باختصار أنها تمس جميع المكونات الجوهرية لبنية الدولة والمجتمع والاقتصاد والثقافة. وهو أمر طبيعي، وذلك لان "الهوية" هي "الأنا". ومعرفة النفس هي مقدمة المعرفة الحقيقية والفعل بموجبها. وليس مصادفة أن تتوصل الفلسفة منذ زمن سحيق إلى فكرة "اعرف نفسك"! وهي حقيقة كبرى كشفت عنها أحداث العراق الأخيرة عندما "انهارت" قواه بين ليلة وضحاها! وهو أمر يشير ببساطة إلى واقع افتقاد العراق إلى ذاته الأصلية أو هويته الخاصة، بسبب الانتهاك السافر لمكوناتها من جانب التوتاليتارية والدكتاتورية.
وليس المقصود بالذات الأصلية والهوية الخاصة كيانا مستقلا قائما بذاته، بقدر ما هي الكينونة المتراكمة تلقائيا من مجرى معاناة الأمم حل إشكاليات وجودها الطبيعي (الاجتماعي والسياسي والاقتصادي) والماوراطبيعي (الروحي). وبالتالي، ليست الذات الأصلية والهوية الذاتية سوى التاريخ المدرك والمتجسد في صيغ معقولة وعملية لوعي الذات التاريخي والثقافي للأمم. ولعل أهم هذه الصيغ هو الدولة والمجتمع والثقافة. وهي صيغ وثيقة الارتباط بكيفية إدراك وتجسيد المكونات الجوهرية لوعي الذات التاريخي عند الأقوام والأمم. وليس مصادفة أن تسعى الأنظمة التوتاليتارية والدكتاتورية على الدوام إلى عزل الأمة عن تاريخها عبر صنع "تاريخ مقدس" للاستبداد والإرهاب، هو تاريخ مزيف بحد ذاته سرعان ما ينهدّ ويندثر مع أول خرق لجدران سجونها ومعتقلاتها. وسبب ذلك يقوم في أن إبعاد الأقوام والأمم عن تاريخهم الذاتي هو الأسلوب "الثقافي" الوحيد لإعطاء السلطة "شرعية" استحكامها على الماضي والحاضر ومصادرة المستقبل. الا أن التجارب التاريخية في كل مكان تبرهن على انها أفعال بلا مستقبل، ومصيرها المحتوم هو الزوال والاندثار بصورة مخجلة وفاضحة.
غير أن هذا الاستنتاج العام يفترض تدقيقه الملموس فيما يتعلق بفكرة الهوية العراقية، بوصفها الموضوع الجوهري لفلسفة المجتمع العراقي إلى جانب فلسفة الاعتدال العقلاني وفلسفة المرجعية الثقافية، الذي يتوقف عليهن آفاق ومسار التطور اللاحق للدولة والمجتمع والثقافة. ولعل الصيغة المعقولة والواقعية بالنسبة للعراق في الظرف الراهن تقوم في تحويل الحكمة الآنفة الذكر في رؤية بديلة يمكن أن نطلق عليها اسم "حكمة الاستعراق". وهي حكمة ينبغي أن تستمد مقوماتها من التاريخ الذاتي للأقوام والأمم العراقية، من خلال جعل العراقية أسلوب تذليل العرقية، وبالتالي رفع الجميع إلى مصاف القومية الثقافية. وليس المقصود بالاستعراق هنا سوى فلسفة الفكرة الوطنية القادرة على تمثل مضمون الارتقاء من العرقية إلى العراقية. بهذا المعنى يمكن النظر إلى الاستعراق على انها ظاهرة قومية رفيعة المستوى من حيث كونها نفيا ثقافيا للعرقية وليس للقومية كما هي. وهو الأمر الذي يعطي لنا إمكانية القول، بان الاستعراق هو الحد الأقصى للقومية الحقيقية في العراق والمدى الثقافي الأرحب لها. وهي الحكمة الكبرى التي ينبغي تمثل حقائقها استنادا إلى التاريخ العريق للعراق وتجاربه السياسية المعاصرة وتوظيفها في بنائه الجديد.
وليست هذه الحكمة النظرية والعملية المتعلقة بإعادة بناء الدولة والمجتمع والثقافة استناد إلى رؤية فلسفية متكاملة تأخذ بصورة منظومية مكونات العراق، سوى ما أسميته بحكمة الاستعراق. فهي المكونات التي ينبغي على الدوام توليفها العقلاني والإنساني في سبيكة جديدة تتجاوز العهود السابقة جميعا إلى آفاق تجعل من فكرة الاستعراق والعمل من اجلها معيار الحق والحقيقة. بمعنى العمل من اجل تحويلها إلى "حقيقة الحقائق" الوطنية. وهي حقيقة ينبغي أن ترتقي إلى مصاف المنظومة، بمعنى العمل فيها حسب قواعد منسجمة لعل أكثرها جوهرية هي:
أولا: إن العراق ليس تجمع أعراق.
ثانيا: إن العراق هوية ثقافية سياسية.
ثالثا: إن العراق غير معقول ولا مقبول خارج وحدة مكوناته الرافدية - العربية - الإسلامية.
رابعا: إن العربية – الإسلامية هي جوهر ثقافي.
خامسا: إن الهوية الثقافية المفترضة للعراق والعراقية هي الاستعراق.
سادسا: إن الاستعراق هو الحد الأقصى للقومية في العراق.
سابعا: إن الاستعراق هو البيت الذي تتعايش فيه جميع القوميات في العراق بصورة متساوية ومنسجمة.
ثامنا: إن الاستعراق هو ضمانة البقاء ضمن الهوية التاريخية الثقافية للعراق والاحتفاظ بالأصول القومية الذاتية له.
تاسعا: إن الخروج على الاستعراق هو رجوع إلى العرقية، ومن ثم فهو خروج على منطق الهوية الثقافية للعراق والعراقية وعلى مكونات وجودهما الجوهرية.
عاشرا: الخروج على الاستعراق هو خروج على الحكمة الثقافية والسياسية لتاريخ العراق، ومن ثم فهو خروج على القانون أيضا.
بهذا المعنى يشكل الاستعراق الإطار الذي يضمن للعراق إمكانية العمل الموحد انطلاقا من أن الأبعاد القومية القصوى فيه لا ينبغي أن تتعارض مع الفكرة الوطنية. ومن ثم فان كل الخلافات الممكنة فيه ينبغي أن تخدم ديناميكية تكامله الداخلي من اجل تجاوز الخلل البنيوي القائم في تاريخ وآلية الدولة العراقية الحديثة. وبالتالي فان أي نشاط يتعارض مع مضمون واتجاه الاستعراق سوف يؤدي بالضرورة إلى الاندثار الفعلي من واقع العراق وتاريخه. والقضية هنا ليست فقط في أن أي فعل من هذا القبيل محكوم عليه بالفشل بسبب الوحدة التاريخية الثقافية لأرض الرافدين، بل ولان أية قوة تظهر عليه ينبغي أن تعمل من اجله، وإلا فإنها ستنقرض بالضرورة. فهو القدر الذي كوّن العراق والقائم في أقدار توازنه الداخلي.
*** *** **



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 2.الهوية العراقية وآفاق البديل الديمقراطي
- (1)الهوية العراقية وآفاق البديل الديمقراطي
- الشعر والشاعر وإشكالية الحرية
- فلسفة السيادة وسيادة الدولة في العراق المعاصر
- الغلاة الجدد وأيديولوجيا الجهاد المقدس
- التصوف الإسلامي وفكرة وحدة الأديان
- محاكمة البعث ورموزه
- استئصال البعث ومهمة البديل الديمقراطي في العراق
- العراق وإشكالية المثلث الهمجي
- القضية الكردية وإشكاليات الوطنية العراقية
- العراق وعقدة الطائفية السياسية
- الغلاة الجدد وأيدبولوجية الإرهاب المقدس
- زمن السلطة
- الطريق المسدود للمؤقتين الجدد
- المثقف والسلطة، أو إشكالية القوة والروح المبدع
- السلام القومي والمصالحة الوطنية في العراق
- المؤقتون القدماء والجدد
- المعارضة والمقاومة – المفهوم والغاية
- الإرهاب والمخاض التاريخي للحرية في العراق
- المهمة التاريخية للمثقف العراقي


المزيد.....




- من زاوية جديدة.. شاهد لحظة تحطم طائرة شحن في ليتوانيا وتحوله ...
- أنجلينا جولي توضح لماذا لا يحب بعض أولادها الأضواء
- مسؤول لبناني لـCNN: إعلان وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرا ...
- أحرزت -تقدمًا كبيرًا-.. بيان فرنسي حول وضع محادثات وقف إطلاق ...
- هجوم صاروخي روسي على خاركيف يوقع 23 جريحا على الأقل
- -يقعن ضحايا لأنهن نساء-.. أرقام صادمة للعنف المنزلي بألمانيا ...
- كيف فرض حزب الله معادلة ردع ضد إسرائيل؟
- محام دولي يكشف عن دور الموساد في اضطرابات أمستردام
- -توجه المحلّقة بشكل مباشر نحوها-.. حزب الله يعرض مشاهد من اس ...
- بعد -أوريشنيك-.. نظرة مختلفة إلى بوتين من الولايات المتحدة


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - ميثم الجنابي - الهوية العراقية وآفاق البديل الديمقراطي 3