أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - ليث العبدويس - مُذكّرات لاجئ سياسي














المزيد.....

مُذكّرات لاجئ سياسي


ليث العبدويس

الحوار المتمدن-العدد: 3612 - 2012 / 1 / 19 - 14:50
المحور: الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
    


اجتزنا - في العراق على الأقل - نُقطة اللاعودة مُنُ زمنٍ مديد، وعبرنا ضِفّة العَمار الى شاطئ الخراب القفر المُجدِب، قطعنا المرساة وأغرقنا قوارِب النجاة وأحرقنا عند رُسوّنا اسطولنا اليتيم وأقمنا الحدَّ على قُبطاننا الوحيد، عربدنا في لحظته المُقدّسة ولم نمنحه سيجارةً أخيرة أو ابتهال مصلوبٍ بعيدٍ عن مُقلتي أمّه وشفتي زوجته، فهل ترانا تحجرنا واسِعاً؟
وَقودُ صمودِنا في وجه الإعصار على وَشَك النفاذ ولمّا نَصل إلى المُبتغى الضائِع، هناك حيثُ فِردوسُ الأرض محضُ خُرافةٍ خلقتها اختناقاتُنا المكبوتة وحشرجاتنا الصامِتة، فلمّا تجلجلتْ بينَ جنبات ارواحٍ معذّبة، أطلقت تهاويمها المُلتاثة مُثرثرةً بِصوتٍ عال، صوتُها الدافِق كمداً يختَزِلُ قرونَ الإحباط والعبث وخيبات الأمل المُعتّقة، ولئن توخيتُ الدِقّة في توصيف بُكائيّات العصر العربي الأجوف، فأني – وعلى المُستوى الشخصي – مُصابٌ بِفرط الإعياء والإرهاق والبؤس.
تَعبِتُ من نِداءِ مُعتَصِم لنْ يَعتَصِم، وكرهتُ الوقوف عند مَغارِب الحياة وهوامِش الأيام استنهِضُ هِمماً خامِدة، وغيرةً جامِدة، ونخوةً لنْ تنتخي، زمننا العراقي الحزين يفترشُ بِساطَ الأزمة المُزمنة المؤبّدة المُلتَفة حولَ أعناقِنا مُنذُ نبحتْ كلابُ الروم الجرباء في بِلاط الرشيد المَنيف، ومنذُ احتسى أولُ مُجنّدٍ أشقر كأس انتصارِه المؤجل على أطلال آخرِ مأذنة، ومنذُ اكتسى كُلُّ شيءٍ في بلادي بالسواد، من حُفَر المُفرقعات العَميقة، وبُقع دمائِنا المُتيبسة، وقتامة عمائِم موبوءةٍ بِرغبات أشدَّ قَتامة الى عباءاتِ الأُمهات المُنكَسِرة تَنوء بِحمل دَهرٍ مِنَ الحرب والجوعِ والأشواق القتيلة لِوليدٍ مَغدور، وأبٍ لَمْ يَعُد ذاتَ صَباح.
من نحنُ لتتبسم في وجوهِنا الحياة؟ نحنُ محضُ صَدىً لهذرٍ بِلُغةٍ ميّتة وظِلالٍ لكائِنات مُنقرضة، لم نخرُج بعدُ من كُهوف الأنسان الأول، مشطوبةٌ معوجّة محروقة أسمائُنا وبصماتُ أصابِعنا.
سوادٌ شديدٌ دفعني اليوم أن أحاوِل جاداً ودونَ مُزاح طردَ وهم الوطن الجميل من مُخيلتي المُتعَبة، وَهمٌ خلّف فيما خَلّف من آثار تِلك الطَبقات الجليديّة من الذُعرِ والخوف في أعماق جُغرافيّة ما وراء حُدود الدفء والشمس والصيف والصحراء، أشباح فِرق الإبادة، زوار الكوابيس المعتادون، وعويلُ النسوة الغامِض في الحواري البعيدة المعزولة، وتلاشي ملامِح الأصدقاء الراحلين إلى صقيع الشمال الآمن، ولكَ أن تتصور! كيفَ يُطاوِعُ المرءُ أقدارهُ الخَفيّة فيرتَحِلُ قَسراً من الجنائن المُحتلّة الى قِمم الثُلوج الحُرّة، ولكني – ولكي أتحرى الدِقّة - لستُ حزيناً لِتَشرُدي الطوعي ومنفاي الذي اخترتُه، أضغاث اللاإنتماء أخفُّ وطأةً على كاهِلي من واقِعٍ ترفُضُهُ مقاييسي الإنسانيّة في حدودِها دونَ الدُنيا، فَكَم هوَ مُخجِلٌ أمامَ الذات أن تُعلِن انتِسابَكَ لِمُجتَمَع الكراهيّة، وَكَم هوَ مُرعِبٌ أن تُفصِحَ عن هويتِكَ التي تُدينُك.
لستُ مُتقعّراً أو مُتشدّقاً أو مُتفيهِقاً، لِكلٍ مِنّا آثامَهُ وذُنوبه، بيدَ أني أرفضُ قَطعياً أن أتحوّل تدريجياًّ إلى جزّارٍ أو ضَحيّة، أرفضُ عرض القوة الفارِغ الأول، وأرفضُ دور الضُعف الهزيل الثاني، وهُما أبرز شَخصيّات بلدي بعد الجلاء، وهُما العلائِقُ الرئيسة في حقبة السُقوط الحُرّ التي يَمُرُّ بها وطني المُبعثر المُتشقق، وتذكيراً بموضوعيتي، فأنني أرغبُ في شطب لفظة السُقوط ليحُلَّ بدلاً عنها تعبيرُ التسلُّق، ومرّة أخرى أفشلُ في تلطيف مناخات الإخفاق المُريعة المُلتفّة كالعِقد - كالقيد، كالمشنقة – على رَقبةِ وطني المَنسي، لأن "تسلّق" بلدي لا يَمِتُ بِصِلةٍ لما نألفُهُ من تَسلّق، بلدي يَتسلّق بالمقلوب، نحو الأسفل، يصعَدُ عَميقاً ولا يُغادِرُ الهاوية إلّا لِهاوية ابعد.
هكذا وببساطة، قررتُ الرحيل، لأني برحيلى اتفادى تسرّب رَماد وطني لآخر ذرات جسدي وآخر مسامات روحي وآخر ذكرياتي الجميلة، لأني أكرهُ التغوّلَ والتحوّلَ والتبدّل والانعطافات المُفاجئة، لأني لا زلِتُ - بِرغم المَصاب الأليم – أعبقُ بِبقيّة عِطرٍ عَلَقَ بِذاكرتي من تَضوعات نهرٍ كان أسمهُ دِجلةَ ما لم تَخُنّي مُخيلتي التي اختلطتْ عليها الأمور.



#ليث_العبدويس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نَحنُ.. والبَحرُ..وإسرائيل
- سوريا وَفَلسَفةُ الثُعبان المُقَدَّس
- رِسالةٌ إلى بشّار الأسَدْ
- وَقَفاتٌ عِندَ مُسلْسَلٍ مَمْنوع
- خرْبَشاتٌ طُفوليّة على جِدار العيدْ
- جرائِمُ الشَرَف.. وَقفةٌ شُجاعة
- ليبيا.. انتهاءُ عامِ الرَمادة
- وحشٌ طليقٌ في الشام
- -جمهورية- انكلترا المُتَحِدة
- فينيقُ لُبنان..ورمادُ الطائِفيّة
- هوامش على دفتر الثورة
- الصومال.. محنةُ الضمير.. محنةُ الإنسان
- الإرهاب الإسلامي ..تهافت النظرية
- هل شارف عصر الطغاة على الانتهاء؟


المزيد.....




- السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
- الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
- معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
- طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
- أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا ...
- في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
- طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس ...
- السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا ...
- قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
- لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا ...


المزيد.....

- العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية / هاشم نعمة
- من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية / مرزوق الحلالي
- الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها ... / علي الجلولي
- السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق ... / رشيد غويلب
- المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور ... / كاظم حبيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟ / هوازن خداج
- حتما ستشرق الشمس / عيد الماجد
- تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017 / الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
- كارل ماركس: حول الهجرة / ديفد إل. ويلسون


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - ليث العبدويس - مُذكّرات لاجئ سياسي