|
المسافة بين استئصال البعث إعادة تأهيل البعثي
حمزة الجواهري
الحوار المتمدن-العدد: 1068 - 2005 / 1 / 4 - 10:29
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
2005-01-03 أن نختلف مع الآخرين بالرأي لا يعني إطلاقا إننا نشكك بوطنيتهم، أو نشكك بصدق نواياهم، فالاختلاف وحتى العاصف منه، حالة صحية ولكن يجب أن تكون على أسس مبدئية وثوابت وطنية يتفق عليها الجميع. والذي دفعنا للحديث عن هذا الموضوع هو خلافنا مع الحكومة حول سياستها في إعادة الأمن للعراق وتهيئة الظروف المواتية لإجراء الانتخابات بظل وضع آمن، فالأداء الحكومي خلال السبعة أشهر الماضية كان أداء فاشلا بكل المقاييس ويشكل إحباطا لنا جميعا، حتى إنه أصبح مادة غنية لدعاة تأجيل الانتخابات، حيث أن السياسة التي عرفت بسياسة اللين والاحتواء للبعث أثبتت فشلها ولم يفهمها البعثي على أنها سياسة تريد له وللعراق الخير، فقد ترجمها إلى وسيلة ليندس من خلالها بين أجهزة الدولة وخصوصا الأمنية منها، وذلك ليعبث بأمن العراق بدلا من أن يكون إيجابيا ويحقق الغاية التي أعيد من أجلها وهي إعادة الأمن والاستقرار للعراق. وفشل هذه السياسة لا يجب أن يعني بأي حال من الأحوال نهاية للاطراف السياسية التي تتبناها وعلى رأسهم رئيس الوزراء المؤقت الدكتور أياد علاوي والذين يمسكون بالملف الأمني معه. وقد عالجت هذا الموضوع من خلال الأربع مقالات الأخيرة التي نشرتها تباعا، حيث تحدثت بها بدون تحفظ من أي نوع كان، معتمدا على سعة صدر المسئولين في قبول النقد، وقد تلقيت العشرات، بل المئات من الرسائل التي تؤيد ما ذهبت إليه بالمطلق، ومازلت أتلقى هذه الرسائل لحد الآن، ولكن بذات الوقت تلقيت بعض الرسائل من أخوة مثقفين وكتاب كبار أثرت الموضوع مع ملاحظات غاية بالأهمية وردت بها. فقد تحث الكاتب المبدع أمير الدراجي عنها وتحدث أيضا عن محدودية الخيارات وقضايا أخرى تصب في صلب الموضوع، كما وتحدث د. قاسم حبيب، أحد المثقفين العراقيين الكبار عن البعثي بالإكراه والموقف منه. تبدو المسألة وكأننا أمام حالتين من الخيار الصعب جدا، فإما قبول البعثي كما هو كونه كان مكرها على الانضمام لحزب البعث دون تمحيص في أصل الإكراه، أو المضي في سياسة إجتثاث البعث على عواهنها دون ضوابط، وكلاهما ليس من السهل قبوله بدون مناقشة، وتركنا المسافة بين الخيارين فارغة تماما من أي خيار آخر. العراق في هذه المرحلة هشا للغاية، كذلك الطفل الوليد في مهد عار وسط غيمة من بعوض الأهوار، لذا كان يجب التعامل مع الأزمة العراقية بحذر شديد ومن خلال ضوابط مهنية صرف، لا اجتهادا من هذا وذاك، حيث أن موضوع إدارة الأزمات هو تخصص دقيق له ضوابط مهنية لا يجب التفريط بها بأي حال من الأحوال. فلو كان لدينا حريق وتشكل فريق لإدارة الأزمة، عليه أن يفكر أولا بأساليب حصر الحريق في مكانه كي لا ينتشر، ومن ثم يفكر بمكافحته بحرفية وبأيد ماهرة في هذا المجال، ولو كانت لدينا أزمة تتمثل بوباء قد انتشر فجأة في بلد أو مكان ما، علينا أولا أن نحظر الدخول أو الخروج من هذا المكان، ومن ثم يتعامل الأطباء مع الموضوع بحرفية. ومن خلال المثلين التي أوردتهما نلاحظ أن الموضوع يحتاج إلى تخصص في موضوع محدد وهو إدارة الأزمات، ومن ثم حرفيين لمعالجة الأزمة من داخلها ولا يمكن التجاوز على هذه الثوابت بأي حال من الأحوال. ومن هنا تحدثنا عن بريمر الرجل المتخصص في مجال إدارة الأزمات مهما كبرت، وهو تخصص نادر جدا، لذا فقد كان الرجل المناسب في المكان المناسب بالرغم من الأخطاء التي نسبت إليه، فلم يكن قراره بحل الجيش والقوات المسلحة خطأ، ولا قراره باجتثاث البعث خطا أيضا، حيث كلاهما كان قرارا سليما، وإن الاثنين هما سبب الأزمة من حيث الأساس، وهما صلب الموضوع، لكن كان على العراقيين أن يعطوا النصيحة الصحيحة في أمر معالجة الأمور الداخلية للأزمة، لكن جميع الأطراف طرحوا أنفسهم كوطنيين لا يخطئون بالتشخيص، في حين كان الجميع يحاول أن يمرر أجندته من خلال إدارة الأزمة، وهنا كان الخطأ الثاني ومربط الفرس، فهذه المرحلة لا تقبل الخطأ بأي حال من الأحوال، لذا فالحديث عن البعث واختبار من هو فعلا بأياد بيضاء أو من هو ملوث من ألائك البعثيين المتساقطين الذين بلغ عددهم خمسة ملايين أمر له آثاره المدمرة على العراق ومستقبله، وهذا ما نراه بوضوح من خلال سياسة اللين والاحتواء التي اتبعها علاوي بمباركة من الأمريكان الذين هم بدورهم كانوا قد خضعوا للضغوط العربية المعروفة، ومن قرر هذه السياسة من القادة الأمريكان لم يكن فعلا على بينة من مبادئ هذا التخصص، إي تخصص إدارة الأزمة، فهذه السياسة الخطأ قد أدخلت كل ذلك العدد من الضباط الذين يمارسون اليوم أسوأ دور عرفته البشرية، وهو التعاون مع المجرمين الذين يحملون السلاح من أجل تخريب كل شيء تمهيدا لعودة البعث من جديد، وكان هذا الوضع الأمني المتدهور من إنتاج هذه السياسة. وهنا أريد أن أتحرك في الحيز الواسع الذي تركته لنفسي بين الخيارين التي تحدثنا عنها، أو المسافة بين استئصال البعث وإعادة تأهيل البعثي الذي كان مكرها على الانتماء، إن الكثير من البعثيين بالإكراه هم جيدين ولكن يمكن أن نختبرهم، ولكن حين يكون العراق قويا واقفا على رجليه، فليس من المعقول أن نترك أبناءنا الضالين، وحتى الظالمين منهم، دون أن نفكر بإعادة تأهيلهم ليكونوا عناصر إيجابية في المجتمع، ولكن ليس الآن، كما أسلفت، فالوقت خطر جدا ولا يسمح بأسلوب التجربة والخطأ، ونحن نريد ما هو أكيد ومضمون بحيث لا يتسبب بقتل المزيد من أبناء الشعب، لذا أنا لا أختلف مع من ينظر للإعادة تأهيل البعث نظرة إيجابية، ولكن أختلف معه في التوقيت، وربما الأسلوب الذي يجب أن يتبع لإعادة تأهيلهم، وهو ما سيخضع للتجربة والخطأ، ولكن بعد أن تستتب الأمور، ويعود الأمن لربوع العراق من جديد، وتتشكل حكومة منتخبة من خلال الخيارات المحدودة المتاحة أمام الجميع. كل ما أفكر به هو أن لا تأتي الانتخابات بالبعثيين من خلال، حصان طروادة، أياد علاوي والفئة التي تريد أن تعيدهم خلال الفترة القادمة، حيث إن أياد علاوي لم يكن يعتمد على قاعدة جماهيرية واسعة عندما دخل للعراق بعد سقوط النظام المقبور، لذا فهو أصلا يراهن على ذلك العدد الهائل من البعثيين الذين بقيت أياديهم بيضاء ليكونوا هم قوام حركته التي رفض أن يسميها حزبا، لأنه يعتبرها بالفعل حركة تصحيحية لحزب البعث، وبغير هذا العدد من البعثيين، تبقى حركته بلا جمهور، لذا بدا متسرعا جدا، وبدا وكأنه غير آبه فيما لو ذهب العراق إلى الجحيم، المهم بالنسبة له كسياسي مغامر هو أن ينجح الآن، وفي واقع الأمر لو كان قد تريث قليلا وليس بالضرورة أن يكون على رأس السلطة في الوقت الحالي، فإن أية عملية متأنية في المستقبل تعيد تأهيل البعثيين سوف ترفد حركته أو حزبه بعدد هائل من الأعضاء الجدد، ولكن آن ذاك يكونوا فعلا من ذوي الأيادي البيضاء. ومن هنا أستطيع أن أقول إني لست ضد إعادة تأهيل البعث، بل هي ضرورة وطنية ملحة، ولكن هذا الوقت ليس هو الوقت المناسب لها. لذا فنحن لسنا مختلفين مع علاوي ودعاة إعادة تأهيل البعثيين الذين فعلا أياديهم بيضاء، ولكن الاختلاف في الأسلوب والتوقيت، وهذا أيضا لا يعني السكوت على علاوي وحكومته التي ارتكبت أخطاء تجاوزت الحدود التي يمكن للمرء أن يسكت عليها، فهي تقود العراق نحو الهاوية فيما لو استمرت بهذا المنوال لفترة أخرى من الزمن، ولست ضامنا من أن علاوي سوف يغير من هذه السياسة التي دافع عنها ويطبقها اليوم بلا ضوابط فيما لو استمر على رأس السلطة التنفيذية لفترة أخرى. يجب أن يبقى الخلاف مفتوحا بين الأطراف التي تشارك بالعملية السياسية، وهذه هي الديمقراطية التي نسعى إلى نقل قيمها إلى مجتمعنا العراقي، وهذا يعني أن لأي منا حق الاختيار أو الخلاف مع الآخرين، ويعني أيضا التمسك بحقوقنا المدنية، ولكن تبقى مهمة مثقفينا من الليبراليين كما هي ومحددة بنقل قيم المجتمع المدني ( الديمقراطي) للعراقي الذي بقي بعيدا عن جدا عن القيم الديمقراطية، ولا يعرف شيئا عن حقوقه المدنية بعد أن غيبت عنه خلال عقود طويلة من الحكم الشمولي في العراق، حتى أن العراقي لا يعرف أن له حقوق من أي نوع كان، وينبغي له التمسك بها كحقوق مقدسة.
#حمزة_الجواهري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تأجيل الانتخابات مقابل إجتثاث البعث
-
حق التمثيل في العراق يشوبه التشويه
-
حل القوات المسلحة الصدامية لم يكن خطأ، بل أصح قرار
-
الانتخابات العراقية، قائمة إتحاد الشعب
-
منهجية جديدة للبعث في الإرهاب
-
أمير الدراجي والانتحار انتخابيا
-
البعث، أس البلاء، ولعبة شد الحبل مع الذات
-
تيار ولاية الفقيه لا يهدد الديمقراطية في العراق
-
الديمقراطية لابد قادمة لأنها إرادة شعب
-
العراقي يستطيع أن يحمي صناديق الانتخابات
-
لدي اعتراض
-
حديث في الانتخابات، الكورد واليسار العراقي
-
حديث عن الانتخابات، قائمة الشيعة
-
فشلوا في الاختبار الأول، وتجاوزا على الدستور
-
المصالحة بين أطياف الشعب وليس مع البعث
-
مناورة تأجيل الانتخابات دعاية انتخابية
-
القصة الحقيقية لانتصار العراق في شرم الشيخ
-
مثلث الموت محاولة جديدة لإثارة حرب طائفية 2-2
-
مثلث الموت محاولة جديدة لإثارة حرب طائفية 1-2
-
رسالة مفتوحة للدكتور علاوي رغم مشاغله
المزيد.....
-
مدفيديف: الناتو منخرط بشكل كامل في الصراع الأوكراني
-
السعودية.. إحباط 5 محاولات لتهريب مئات آلاف حبوب -الكبتاغون-
...
-
مصر.. الداخلية تكشف تفاصيل واقعة مصرع عامل دليفري بعد تداوله
...
-
اليونيفيل: إصابة 4 جنود إيطاليين من قوات حفظ السلام في جنوب
...
-
محمود الهباش: وجود إسرائيل في غزة لن يكتسب شرعية مهما طال
-
مشاركة عزاء للرفيق رؤوف الحباشنة بوفاة جدته
-
من هو الكاتب بوعلام صنصال وما مصيره منذ وصوله للجزائر؟
-
خبير عسكري: الاحتلال يستهدف مربعات سكنية بسبب تعثر عمليته ال
...
-
هل اكتشفت أم محمد هوية الواشي بنصر الله؟
-
قوات الاحتلال تقتحم جنين ونابلس واعتداءات للمستوطنين في الخل
...
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|