|
نورمان فينكلستاين، ليس متضامنا فحسب!
سلام حمدان
الحوار المتمدن-العدد: 3611 - 2012 / 1 / 18 - 12:26
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قبل أربعة عشر عاما ، أو ما يزيد قليلا ، استقبل موسى أبو هشهش وعفاف غطاشة في منزلهما على أطراف مخيم الفوار، الأكاديمي والناشط السياسي ، نورمان فينكلستاين، الذي جاء بهدف زيارة فلسطين ، تضامنا مع انتفاضة شعبها ضد الاحتلال الكولونيالي الاسرائيلي. في تلك الزيارة ، التي لم نعرف إن كانت طالت أم قصرت، تعهد نورمان لأبو هشهش بالاخلاص في الدفاع عن قضية بلاده العادلة. هذا ما ورد في الفيلم الوثائقي القصير الذي بثته الجزيرة الاخبارية ، على فضائيتها، قبل يومين. وفى نورمان بعهده على مدار الأعوام الماضية كلها ، وإلى الحد الذي تركه على أبواب البطالة والعوز. نورمان فينكليستاين هو اكاديمي أمريكي من أصل يهودي، ينتمي الى أخلاقيات الانسانية وشرائع العدل ، لا شرائع السماء، وفق تعريفه لنفسه. وهو ينحدر عن أبوين بولنديين اعتقلا وعذبا على يد النظام النازي، الا انهما نجّيا من المحرقة دون كل أفراد عائلتيهما، وليهاجرا بعد أن وضعت الحرب أوزارها في 1945 ، الى الولايات المتحدة الأمريكية ، وينجبا ولدين، أصغرهما نورمان. رفض والدّي نورمان، رغما عن العوز والحاجة، الهجرة الى فلسطين، حيث كانت بانتظارهما "أرض الميعاد" المنشودة ، اذ لم يأتلفا يوما فكرة اقامة وطن للشعب اليهودي "المشتت في أرجاء الأرض" على انقاض وشتات شعب آخر. وقد كبر نورمان وتوسعت مداركه ضمن ذلك المناخ، ليصبح لاحقا باحثا في أصول القضية الفلسطينية ، ومنظرّا مفوّها وثابتا لعدالتها. كتب العديد من الكتب والمقالات والدراسات حول الموضوع، وأخذته الحمية بعيدا الى حد الدخول ، بتصميم وثبات ، الى حقل المحرمات بالتطرق الى وقائع محرقة اليهود، في العهد النازي، وسبل استخدامها والاتجار بها لخدمة الاسترتيجية الصهيونية الاستعمارية. وجاء كتاباه: "صناعة الهولوكوست: تأملات في استغلال المعاناة اليهودية" و "ما يفوق الوقاحة: اساءة استخدام اللاسامية وتشويه التاريخ" ، كأهم انجازاته في هذا المجال ، والتي ساهمت ، الى حد بعيد ، في التحامل والتحريض عليه ،ومن ثم التعرض له تباعا ، وفي عمله ،حتى طرده من الجامعة . فنورمان خائن في عرف الديمقراطية الصهيونية، توجب معاداته الى حد منعه من دخول اسرائيل. بالرغم مما عاناه هذا الناشط الانساني، من أصول يهودية ، الا ان ذلك لم يثنه لحظة عن تبني قضية فلسطين العادلة، ومتابعة الترويج لها والدفاع عنها في مختلف المواقع ومن على العديد من المنابر، حتى من كان منها معاديا. وقد كان بامكان نورمان أن يتبع الطريق المعاكس، فينوح مع النائحين ويستثمر المحرقة ليرتقي أعلى درجات السلم، الا أنه آثر أن يظلّ وفيا لذكرى أقربائه الذين التهمهم أتون العنصرية والكراهية وأحّط صفات البشرية: الجشع. وقد بلغت شهرة نورمان فينكيستاين أوجها ، حين خاطب طلاب جامعة كاليفورنيا ، مدافعا عن غزة ومنددا بحصارها والحرب عليها، وقد تصدّى في نفس المحفل الى طالبة يهودية ضربت، كالعادة، بسيف اللاسامية وارث المحرقة، قائلا أنه لا يتعاطف مع دموع التماسيح –حين أجهشت الطالبة في البكاء – ومذّكرا بنسبه الى أسرة أبيدت في تلك المحرقة، "لا مكان للمزاودة" فهو أكثر من يعرف عن تلك المأساة وحجم هولها ، وهذا بدوره أكثر ما يجعله رافضا متشددا ضد العنصرية الاسرائيلية وهمجية دولتها مع الفلسطينيين، أهل البلاد الأصليين. اقتحم نورمان تابو المحرقة احتراما ووفاءا لذكرى ضحاياها. هذا ما قاله أيضا في ألمانيا، التي تتسربل أجيالها المتتابعة في عقدة الذنب، فيوصدون الأبواب دون الماضي، بدلا من البحث عميقا للتعلم مما جرى. هناك وُصِم فينكليستاين، الناجي من المحرقة، بدمغة اللاسامية القاضية، الا أنه لم ينثن ولم يلن، ولم يتوقف البتة عن تحطيم الأوثان التي صنعتها مدرسة الصهيونية ، في سعيها لمتابعة ارهاب واخراس صوت العدالة. ونورمان فينكلستين ليس استثناءا ، إذ هناك الكثير من الناشطين السياسيين، ومن أصول يهودية، ممن تصدّوا للدفاع عن قضية فلسطين العادلة، منهم مثلا، لا حصرا، نعوم تشومسكي وايلان بابيه وفليتسيا لانغر. سعيهم للحق وتحت عنوان "ليس باسمنا" كاد أحيانا أن يودي بحياتهم، ونجح بالتأكيد في حرمانهم من حياة هادئة ومرفّهة. وحين سألوا نورمان ، في احدى اللقاءات العامة، لماذا لا تترك قضية فلسطين جانبا بعض الوقت ، وتتصدى لقضايا هامة أخرى مثل قضية التبت أو الأكراد؟ أجابهم بكل بساطة: وماذا أقول إذا لصديقّي موسى وعفاف اللذان يعانيان بؤس الحياة تحت الاحتلال، في مخيم الفوّار؟
#سلام_حمدان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مصر التي في خاطري
-
كلام لا يسقط في الهواء!
-
ما الذي يعيق تطورنا الاجتماعي في فلسطين؟
-
وقفة مراجعة حول-المجتمع المدني- الفلسطيني
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|