صائب خليل
الحوار المتمدن-العدد: 1068 - 2005 / 1 / 4 - 11:55
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
قبل حوالي سنة حدثت مجزرتين مروعتين في نفس الوقت في كل من كربلاء والكاظمية, راح ضحيتها الكثير من الناس, وارسلت الرعب في قلوب ما يزيد عن عدد الضحايا كثيرا. وقتها كتبت مقالة ادعوا فيها الشيعة والسنة ليس فقط الى التحلي بالوعي والمحافظة على الاعصاب وعدم السماح لاعداءهما ان يثيروا الفتنة بينهما, ولكن الى المبادرة الى ضرب تلك الفتنة, والتقارب على مستوى لم يعرفه تأريخهما السابق, فكتبت:
" الى متى نقبل الخسائر تلو الخسائر والهزائم تلو الهزائم؟ لا تقولوا لي ان الهدوء و"تجنب الفتنة" انتصار, هذا كلام نقنع به انفسنا. المبادرة في يدهم ليكيلوا لنا الصفعات والكفخات, ثم علينا ان نفرح بسيطرتنا على اعصابنا. وهذا الالم ماذا نفعل به؟ حسنا....انا مقتنع ان هدف هؤلاء الانذال هو التفرقة واثارة الفتنة والطائفية والحرب الاهلية وربما بقاء الاحتلال طويلا, واننا لن نفعل ما يريد لاننا واعون ووووو... لكن هذا لا يكفي. لا يكفي ان نعرف ما يجب ان لا نفعله, بل اريد معرفة ما يجب ان نفعله تجاه هذا الهجوم وهذا القتل وهذا الاستنزاف! اريد ردا", فما هو الرد؟ وهل يمكن الرد على عدو دون ان نعرفه, وكل ما نعرف منه اهدافه؟
نعم ...نعم...يمكن ذلك! لقد تجلى الحل امامي ناصعا واضحا مثل الشمس! انه الحل الذي سينزل الغضب والحيرة والالم في قلوب المجرمين, وينعش قلوبنا باحساس الرد والنصر والتشفي منهم. الحل هو: ان لانكتفي بعدم السقوط في الفخ وتنفيذ ما يريد ويأمل الغادرون, بل ان نبادر ونفعل عكس ذلك تماما! يريدون زيادة العداء بين الشيعة والسنة؟ لن نكتفي بان لا يزيد عداؤنا, بل سنخفضه! سيتحدث ائمتنا وسادتنا مع بعضهم, وسنحرص ان يرى المسلمون واعداؤهم ذلك. يريدون رؤية العراق سابحا في دماء الحرب الاهلية؟ سنفعل المستحيل لكي يرى الجميع ان العراق صار بعد الجريمة اقرب الى السلام والتعاون من اي وقت مضى. يريدون ان يزداد الشق بيننا؟ سنصلي معا في كل مسجد من مساجد العراق, ولو تحملنا الجهد من اجل ذلك. ان في هذا رمزا عظيما اضافة الى انه يحرمهم هدفهم الرئيسي للفتنة. فلن يضرب مثل هذه الجوامع سنة او شيعة, بل سيكون واضحا انه عدو للاسلام والعراق. وكلما قاموا بجريمة جديدة لن نكتف بأن "لا نحقق اغراضهم" بل سنجعلها ابعد منالا, الى ان يقتنع ان جرائمه تعمل عكس ما يروم فيتوقف عنها!
لنبدأ بجعلهم يندمون على جريمتهم الكبرى بشئ غير معتاد..لنخترع عيدا يخلد شهداء كربلاء والكاظمية وليكن عاشوراء شهرا يصلي فيه المسلمون في مساجد مختلطة تجمع الشيعة والسنة ويستمعون الى خطباء من كلا الطرفين كل عام! اليس هذا رائعا! الن تفرح ارواح شهداؤنا وهي ترى ان حياتها لم تذهب هدرا"؟
وان فعلوها ثانية سنوحد طريقة صلاتنا ووضعية ايدينا ودعواتنا ....وان فعلوها ثالثة فسنصوم ونفطر ونحج معا! "
(http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=15831 )
كتب لي احد اصدقائي "ان ما تقوله يوتوبيا, حلم غير واقعي" وكان صادقا. فتتالت الضربات, ولم يتقارب الشيعة والسنة من بعضهما. رغم اني اقر ان تجنب الحرب الطائفية كان انجازا كبيرا, لكني كنت اطمح الى اكثر من ذلك. اطمح الى المبادرات السياسية التي يفتقدها هذا الشعب من قادته ليواجه بها هذا الارهاب مجهول المصدر.
الاسبوع الماضي ودعت عام 2004 بخبرين افرحاني فعلا. فرغم حجمهما الصغير, الا ان بذرة المبادرة الى الهجوم ضد اعداء الشعب العراقي كانت واضحة وجميلة في الخبرين.
خبر المبادرة الاولى كان من د.علي ثويني, (معمار وباحث [email protected]) حيث استغل علاقاته ليحرم اعداء العراق من الدعم فكتب:
" وجهنا نداءا بأسم العراقيين إلى عشيرة الخصاونة إحدى أكبر عشائر الأردن ، حيث يقطن جل عناصرها في منطقة أربد. وأوردنا إستهجاننا من أمر مشاركة عناصر تحمل أسم عشيرتهم في الدفاع عن زمر البعث وصدام التي تمثل بالنسبة لنا نحن العراقيين إهانة وتجريح وجرم"....."ورجونا مجلس العشيرة بأسم الجميع أن تتبرأ من العناصر الحاملة لأسم "الخصاونه"، و التي مازالت تتبجح التأييد والدفاع عن صدام وعصابته أو ربما تجد صيغة تراضي داخل مجلس العشيرة، يقنع المارقين من الصداميين بالعدول عن الأمر "
" وجهنا خطابنا هذا للعاقلين وأصحاب الرأي والحل والعقد في مجلس العشيرة الواقع في منطقة أيدون في أربد، وأرشدناهم إلى تفضيل أسلوب التحاور ومناقشة الأمر والخروج بإعلان ، يتبرءون فيه من هؤلاء وأن لاتلتزم العشيرة بمواقفهم السياسية "
فكتب له صديقه الدكتور أسامه علي الناصر الخصاونه، ممثل العشيرة، وهو معمار وأستاذ جامعي ومسؤول شؤون الهندسة والتخطيط في بلدية أربد, انهم يتبرءون مما يروجه جماعة ينتسبون إلى تلك العشيرة:
" مجموعة من الناس لا يعدون على أصابع اليد أو أدنى ولا يعبرون ألبته عن رأي العشيرة. من هنا أقول لكم بان الناس عرفوا الحقيقة التي تجلت وصرحت عن حالها بوضوح ،بان صدام واعوانه لم يعملوا شيء سوى خراب بيوت الأمة العربية كاملة و لم ينج أحد من مصائبه وجرمه، و هاهو قدره قد حان وهي نهاية كل ظالم و لا ريب في أمر الله.
أقول لك باسمي و باسم أعيان عشيرة (آل خصاونه) بأنه لا علاقة لهم في مهزلة الدفاع عن صدام واعوانه، وهم من هؤلاء "هاني وزمرته" براء. وبرغم قناعتي بان دفاع هؤلاء المنتفعين، لن يجدي نفعا ، فالظالم لا بد أن يأخذ جزائه وهاهي عدالة السماء قد حلت، و قد حققها الله قبل أن يحققها العبد.
ستنجلي الأمور إنشاء الله قريبا على العراقيين، و تشرق شمس اليوم الذي يتمناه كل شريف في هذه الأمة، فكفى العراق ما دفع من ضرائب لا يستحق أن يدفعها ،وحينما يفهم الجميع أن الزمان قد طوى صفحة مريرة كان اسمها صدام وعصابته، و لن تعود سيرتها مرة أخرى."
بالطبع ليس مصدر فرحي محاولة منع الدفاع عن صدام, لاني اؤمن ان اي متهم, حتى بمستوى الدناءة التي كان بها صدام, يجب ان يحاكم بشكل عادل, وان يكون له محام دفاع. الا ان الدعم الذي كان يقدمه المحامون الاردنيون يتعدى ذلك الى التعاطف والدعم السياسي لجلاد شعبنا الاقسى في التأريخ, وهو ما يحق لنا ان نتألم بسببه.
ان مبادرة د. ثويني تستحق كل التقدير والتأمل بهدف تكرارها حيثما امكن ذلك.
اما الخبر الثاني فكان مبادرة السيد السيستاني بترميم الكنائس التي خربها الإرهابيون! والخبر كما جاء واضحا:
"في تصرف حضاري راق يدل على مستوى الحكمة التي يتمتع بها سماحة آية الله السيد علي السيستاني المرجع الديني الكبير وفي رسالة واضحة لتعزيز الوحدة الوطنية العراقية، وفي رد على المتخوفين من بروز الهلال (الشيعي)، امر سماحته بترميم كافة الكنائس المسيحية التي طالتها يد التخريب."
تبارك هذا التصرف الجميل! اما العجز الذي يقف عند خط كتابة المقالات التي "تستنكر" الارهاب و" تتضامن مع الكفاءات العلمية بوجه القتلة" و " تستهجن الهجوم على الكنائس والاقليات المسيحية والصابئية", فانها لا تثير الا الضحك المؤلم. كأن اؤلئك القتلة سيقرأون مقالاتنا ويخافون او يأسفون!
واسوأ من العجز في العمل السياسي, الحماقة السياسية, التي لاتكتفي بالموقف السلبي, بل تذهب ابعد من ذلك الى وضع المزيد من القوى في جانب الاعداء, مثل تصريحات بعض المراهقين السياسيين والكتاب الذين يدفعوننا الى خسارة صداقة ممكنة لدول كاملة مرة واحدة, بتصريحاتهم العنجهية او كتاباتهم الانفعالية, بل يذهبون الى تحويلها الى اعداء. ثم يضيفون على ذلك تسلسل هذه الدولة الجارة او تلك بالعداء. فهذه الدولة العدو رقم واحد وتلك رقم اثنين. هكذا سنجد انفسنا محاطين بالاعداء, لينفرد بنا من سيقدم نفسه على انه الصديق الوحيد او الحل الوحيد الممكن.
قارنوا بين ذلك التصرف, والاصرار السياسي للدكتور ثويني الذي اصر ان لايخسر العراقيون حتى عشيرة اردنية واحدة دون بذل الجهد ومحاولة كسبهم! قارنوا بين نتائج ذلك التهور وحكمة السيد السيستاني الحريصة على ان يصحح اي خطأ في تصور المسيحيين عن موقف المسلمين منهم!
لنتعلم النضج السياسي من هذه المبادرات السياسية, فالسياسة كما قالوا "ان تكسب اكبر عدد ممكن من مراكز القوى, وان تفصل عدوك عن اكبر عدد ممكن منها."
#صائب_خليل (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟