أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - محمد جمال باروت - محنة الاتجاه "الليبرالي" في جماعة الإخوان السورية















المزيد.....

محنة الاتجاه "الليبرالي" في جماعة الإخوان السورية


محمد جمال باروت

الحوار المتمدن-العدد: 244 - 2002 / 9 / 12 - 03:44
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


 

أخبار الشرق - 11 أيلول 2002

شكّل مؤتمر الحوار الوطني الذي عقدته جماعة الإخوان المسلمين السورية في لندن بين 23 و25 آب الماضي، مناسبةً لإعادة طرح السؤال عن مدى مصداقية التوجه "الليبرالي" الجديد للجماعة، الذي عبّرت عنه في ميثاق الشرف "الليبرالي" الذي طرحته في أيار من العام الماضي. إذ انطلقت الجماعة في تنظيمها للمؤتمر بغض النظر عن إخوانيته المهيمنة وهشاشة تمثيليته لـ "قوى" المعارضة، من "تكريس" و"شرعنة" مبدأ التحالف الجبهوي ما بين جماعة الإخوان المسلمين وبين تنظيماتٍ قومية ويسارية علمانية.

وتكمن إشكالية هذا التوجه في الجماعة، في أن مسألة التحالف ما بينها وبين تنظيمات علمانية "كافرة"، قد شكلت إحدى أخطر موضوعات الخلاف الجدية والحقيقية في صفوفها. وتعود جذور ذلك إلى أن الفكر الحركي الإسلامي السوري قد ابتعد في الستينات إلى حدٍ بعيدٍ عن مفهوم "الاندماج" في الواقع السياسي السوري الذي ارتبط بمدرسة الدكتور مصطفي السباعي في العمل الإسلامي، لصالح مفهوم "المفاصلة" الاستعلائي على "المجتمع الجاهلي" الذي بلور سيد قطب صياغته النظرية المنظومية بدءاً من النصف الثاني في الستينات عبر كتابه التأسيسي "معالم في الطريق". ولقد ترتب على ذلك ابتعاد الجماعة في هذه الفترة عن روح ومنهج الفقه الوسطي السني الإسلامي الذي وصفه البعض في ضوء مرونته وتكيفه التشريعي يالفقه التسويغي، إلى نوعٍ "محدث" من أنواع الفقه "الخوارجي".

في مثل هذا السياق أهمل كتاب المرشد العام الثاني حسن الهضيبي "دعاة لا قضاة" الذي كتبه في عام 1969 في معتقله بمصر، والذي يمثل في مضمونه الأساسي رداً محكماً على مفاهيم المفاصلة والتكفير والتجهيل والحاكمية في مدرسة قطب. ولقد كان ذلك جزءاً لايتجزأ لكن بصيغةٍ إسلامويةٍ من هيمنة العقلية الثورية الانقلابية على الثقافة السياسية للنخب السورية الصاعدة والمهيمنة على حركة الشارع والأفكار، في مرحلة تاريخية عامة يمكن تسميتها بمرحلة "الثورة" أو الانقلابية. ومن هنا كان السقف الأعلى للديمقراطية التحالفية التقدمية هو الجبهة الوطنية التقدمية في حين كان السقف الأعلى للديمقراطية الإسلامية هو الجبهة الإسلامية. وفي الجبهتين هناك بالضرورة مفهوم الحزب القائد. ليس هذا المفهوم "إبداعاً" خاصاً بالبعث بقدر ما هو "إبداع" مرحلةٍ كاملة تمكن البعث في مأسستها، وساهم الجميع بتنميتها.

حين تورطت الجماعة في المجابهة الدموية مع السلطة في الثمانينات، كان التيار الراديكالي الذي يعتنق إيديولوجية المفاصلة يهيمن على وعي وسلوك كوادرها الشابة، ويشكل شيئاً فشيئاً ما سماه بعض راديكالييها "ثورة داخل الثورة"، وهو في الأصل عنوان كتاب لريجيس دوبريه وجد فيه الراديكاليون الذين تصدروا عمليات العنف تحت اسم "الطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين"، والتي بدأت عمليتها الأولى بعملية اغتيال في شباط 1976، تعبيراً عن مشروعهم "التثويري" للجماعة. ولقد كان اسم المجموعة داخلياً فيما بينها في الأصل هو "الطليعة المقاتلة لحزب الله" كتنظيمٍ منشقٍ عن الجماعة داخل الجماعة، لكنه يرتبط معها بأكثر من وشيجة ووشيجة، وتشابك وتشابك، رغم عزلها عن الجماعة وفصل قادتها.

ولقد كانت هذه المجموعة "الطليعية" التي تبنت خطاب التوتير الطائفي في عملياتها هي التي ورّطت الجماعة بعد مجزرة مدرسة المدفعية في حزيران 1979 في العمليات. وربما يكون أمر دال على تغير العقلية الإخوانية هو قيام الطليعة باغتيال رجل القانون والسياسة البارز الدكتور محمد الفاضل رئيس جامعة دمشق يومئذ، وأحد أبرز الشخصيات الليبيرالية السورية في الخمسينات، لكونه ينتمي إلى الطائفة العلوية، في حين كانت إحدى المرثيات الأجمل والأكثر تأثيراً في ذكرى وفاة السباعي المراقب العام الأول والمؤسس للجماعة هي كلمة الدكتور الفاضل نفسه بالفقيد.

لقد كان التفاوض دوماً مرافقا للتصعيد، لكن الاتجاه التفاوضي في الجماعة ظل يتمسك في مفاوضات واتصالات عام 1980 بإعلان أن الإسلام هو دين الدولة بعد أن كانت الجماعة في مرحلة المراقب العام الأول السباعي ومرحلة المراقب العام الثاني الأستاذ عصام العطار قد حلّت ذلك بشرعنة إسلامية الدستور السوري لعام 1950 ثم عودته في عام 1954 وشرعنة دستور 1962 بأن الإسلام دين رئيس الدولة. لكن في عام 1973 استخدم ما تم اعتباره على أنه قد حلّ في الأساس الدستوري السوري كمبررٍ لحوادث الدستور التي انخرطت فيه أكثر من قوة لكل منها أسبابها، لكن هنا برز من جديد دور ماسيسمى لاحقاً بالطليعة المقاتلة.

ما يهمنا من ذلك أن الاتجاه التصالحي في الجماعة قد وجد نفسه منذ عام 1980 بشكلٍ خاصٍ محاصراً أمام قواعده بفيتو "مطلق" على مسألتين هما مسألة المفاوضات مع السلطة "الكافرة" ومسألة الإسلام دين الدولة في تفاوضه مع "العلمانيين" مع سيادة منهج تكفيرهم، ومن هنا لم يكن منهاج الثورة الإسلامية الذي أعلن في عام 1980 سوى منهاجٍ ليبراليٍ في الشكل لا يعبر من قريب أو من بعيد عن روح التنظيم التي غدت راديكالية، وزاد الطين بلة أن التنظيم العام قد أبرز الشيخ سعيد حوى (الملتزم بالجماعة ضمن مفهومه للجماعة لكنه الأقرب إلى المنشقين خارجها).

لقد كان مشروع حوى هو "تثوير" الجماعة على أساس منهج قطب وليس جعلها "وسطية" على أساس منهج الهضيبي. والواقع أنه لم يبرز خلال هذه الفترة ردة فعل تجاه الفكرة الخطرة التي طرحها "إخوانياً" والتي تعتبر الجماعة فعلياً بمثابة "جماعة المسلمين" وليس "جماعة من المسلمين"، ما يعني الوقوف على حافة "تكفير" كل من لا يؤيدها ولا يلتحق بصفوفها ضمن جهده وسعته من المسلمين. لكن برزت ردة الفعل على ذلك لاحقاً من خلال المرشد العام مصطفى مشهور الذي نزع الشرعية الإخوانية عن فكرة حوّى المدمّرة، وتمّ ذلك بعد ما يعبر عنه المثل "من ضرب ضرب ومن هرب هرب"، أي بشكلٍ متأخر.

ولقد كانت هذه الفكرة تستهدف وظيفياً وضع جميع الفصائل والجمعيات الإسلامية في إطار إعادة البناء "الراديكالي" القتالي أو الجهادي للجماعة. وحين اضطرت الجماعة إلى إعلان ميثاق التحالف الوطني لتحرير سورية في شباط 1982 مع البعث (العراقي) وناصريين وشخصيات أخرى "علمانية"، انطلاقاً من بغداد، فإنها باغتت تنظيمها بذلك من حيث أنها كانت تنفي وتنفي أي محادثاتٍ في هذا الإطار التحالفي. ورتب هذا انشقاقاتٍ حادة، وإعلان جماعة الطليعة "المفاصلة" مع الإخوان، والتحاق من تبقى منهم بأفغانستان ثم بتنظيم القاعدة، وكان تفكير جماعة المفاصلة في الطليعة هنا قد أصبح تكفيرياً. ولقد اضطر "الاتجاه" التحالفي إلى الاستنجاد بالفتاوى التي سوّغت ذلك بما ملخصه جواز التحالف مع "كافر مساعد"، وهو هنا فصائل التحالف على "كافر محارب" وهو هنا السلطة.

لقد بقي مفهوم الكافر هنا واحداً، لكن الأولويات البراغماتية هي التي تتحكم بمهادنة هذا وقتال ذاك. في سلسلة المفاوضات التالية مع السلطة والتي انشق التنظيم على أساسها إلى تنظيمين في منتصف الثمانينات لم تعد مسألة دين الدولة في مقدمة الأجندة التفاوضية، بل تقبل الطرفان المتفاوضان طيلة جولات المفاوضات الشاقة فكرة ترخيص إطار للعمل الإسلامي، بما في ذلك تقبل الطرف الإخواني فكرة مشاركته في الجبهة الحاكمة.

ولكن فكرة التحالف مع أطراف علمانية مهما كانت براغماتية وتكتيكية ومؤقتة ومحاربة من القواعد أدت إلى تغذية راجعة تمثلت في استيقاظ النواة القائدة (وهي نخبة ضيقة تمثل الغرفة الخضراء في كل الأحزاب العقائدية) لمحاولة إعادة بناء الجماعة على أساس ينابيعها الوسطية الاعتدالية المنفتحة على الليبرالية في مرحلة السباعي، وكانت تلك الينابيع تعتبر الطائفية ما بين السنة والعلويين والشيعة من عمل "الاستعمار" في حين جعلها الطور الراديكالي للجماعة من "ثوابت" فقه التنظيم والحركة.

ميثاق الشرف فيه إشكالية مخاطبة الجماعة ومخاطبة العلمانيين المعارضين بلغتين مختلفتين تبعاً لاختلاف المجال التداولي. في الداخل اتجاه البيانوني الاعتدالي يقول إنه "يحقق للجماعة مكتسبات"، لكن في الخارج يتوجه بخطاب ليست بينه وبين الخطاب العلماني فروقات جوهرية عميقة أو غير قابلة للتفاهم. مهما كانت حدود هذه الإشكالية، وردة فعلها الحادة في الوسط القاعدي الإخواني الذي لا يستطيع أن يهضم التحالف مع "الشيوعيين" و"العلمانيين"، والذي ينحدر في معظمه من وسطٍ انخرط في الجماعة في مرحلة سيطرة عقلية المفاصلة، فإن هناك شيئاً جديداً في التفكير الإخواني السوري في مرحلة تغير فيها العالم، وهو التطور نحو الاعتراف بالآخر، وتقديم أكثر من مؤشر على التحول من عقلية المفاصلة إلى عقلية الاندماج، وهي مرحلة ليست مكتملة. غير أن اتجاه البيانوني، والذي هو هنا اتجاه التنظيم العالمي الإخواني في طور مأسسة قطيعته عن التيار الجهادي التكفيري وشبه التكفيري؛ يبدو اليوم من يمسك الدفة، ويسير بالجماعة باتجاهها في شروطٍ داخليةٍ إخوانيةٍ صعبة ومعقدة.

من يؤمن ببناء العمل الوطني على أسس توافقية جديدة في مجتمع متنوعٍ ثقافياً مثل المجتمع السوري سيكون جاحداً إذا ما تفّه هذا التطور، الذي تعيش مجمل الحركات الراديكالية كل حسب مجاله التداولي ما يعادله بهذا القدر أو ذاك. وما يصدق على الإخوان في هذا المجال يصدق في المخطط العام للصورة على غيرهم في الأخويات العقائدية الأخرى.

المرحلة السورية الراهنة مرحلة بناء توافق على أساس مكونات النسيج الوطني السوري وليس على أساس توازنات القوة التي تمسك السلطة بها بشكلٍ محكم، وذلك بغض النظر عن تباطؤ الخطوات الإصلاحية أو حتى جمودها أو التراجع عنها. إنها مرحلة تنظر إلى المستقبل وليس إلى الماضي الذي من نافل القول صعوبة استسهال الخروج منه ببلاغة الكلمات والبيانات وحدها.

__________ 

* كاتب وباحث سوري خبير في شئون الحركات الإسلامية - حلب



#محمد_جمال_باروت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حول -أزمة المعارضة السياسية في الوطن العربي-


المزيد.....




- قرار الجنائية الدولية.. كيف يمكن لواشنطن مساعدة إسرائيل
- زيلينسكي يقرّر سحب الأوسمة الوطنية من داعمي روسيا ويكشف تفاص ...
- إسبانيا: السيارات المكدسة في شوارع فالنسيا تهدد التعافي بعد ...
- تقارير: طالبان تسحب سفيرها وقنصلها العام من ألمانيا
- لبنانيون يفضلون العودة من سوريا رغم المخاطر - ما السبب؟
- الدوري الألماني: ثلاثية كين تهدي بايرن الفوز على أوغسبورغ
- لحظة سقوط صاروخ إسرائيلي على مبنى سكني وتدميره في الضاحية ال ...
- سلسلة غارات جديدة على الضاحية الجنوبية في بيروت (فيديو)
- مصدر مقرب من نبيه بري لـRT: هوكشتاين نقل أجواء إيجابية حول م ...
- فريق ترامب الانتقالي: تعليق القضية المرفوعة ضد الرئيس المنتخ ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - محمد جمال باروت - محنة الاتجاه "الليبرالي" في جماعة الإخوان السورية