|
النقب والمجتمع المدني(2): حمّام الدّم والصابون
كايد أبوالطيف
الحوار المتمدن-العدد: 3609 - 2012 / 1 / 16 - 19:11
المحور:
المجتمع المدني
الحالة الجزائرية: تعيش منطقة القبائل الجزائرية خلال السنين الأخيرة عدة أحداث إجرامية رهيبة، تزهق من خلالها، وبشبه يومي العشرات من الأرواح، وفي الكثير من الأحيان، في أماكن لا تبعد عن المراكز الأمنية إلا بأمتار معدودة، تقول مصادر إعلامية جزائرية مضيفة: أن هذا الوضع يذكرنا بأحداث سنوات العشرية السوداء في مناطق أخرى من الجزائر، وخاصة في شرق البلاد، حيث كان يطرح السؤال وطنيا ودوليا حول الجهة التي تقف وراء تلك المجازر، والتي فاقت بكثير، من حيث وحشيتها، المجازر التي عرفتها البلاد أثناء حقبة الاستعمار. وتابَعت أن أَزْيد من ربع مليون جزائري قتلوا ذبحا في غالبيتهم، ومن كل الأعمار والفئات الاجتماعية والثقافية، بطريقة لم يشهد لها التاريخ المعاصر مثيلا إلا في الإبادة الجماعية التي مارسها الصرب ضد المسلمين في يوغوسلافيا السابقة، والتي مارسها ولا زال يمارسها الصهاينة ضد الشعب الفلسطيني. وإذا كانت منطقة القبائل، خلال العشرية السوداء، من المناطق القليلة جدا في الجزائر، التي لم تطالها يد الإجرام المتوحش، الذي أغرق البلاد في حمّام من الدم، خاصة في المناطق الشرقية، وبنسبة أخف في المناطق الغربية فإنها اليوم، وبشكل صارخ صارت المسرح الذي يكاد أن يكون الوحيد، الذي يتحول إلى هدف رئيسي للعمليات الإرهابية. مما يدفع إلى طرح العديد من علامات الاستفهام، حول مصدر هذا القتل، مما يتنافى مع مفهوم الدولة التي تبسط سلطتها على كل جغرافيا بلد المليون ونصف شهيد. وفي محاولتها لمواجهة سؤال القتل بمنطقة القبائل.ر(النظام الجزائري و سياسة فرّق تسد الاستعمارية | إبراهيم مغراوي)
ما الذي نريده؟ ولادة جيل لا يعي أهمية دوره!. العلم والدراية ما هي إلا نقطة الانطلاقة للخدمة المجتمعية، ودور مؤسسات المجتمع المدني الذي يركن في الوقوف جانبا من معترك الأحداث في حيز الضباب وتجمد حراكه الذي ينأى بذاته جانبا عن قضايا المجتمع الأكثر أهمية، في صالح من؟ الشعب يشرع في كتابته الساخرة عندما يريد فعلا، وضع اليد على الألم أولا، وثانياً كي يخلق جو حقيقي في التعامل مع معضلات المجتمع الذي يكتبه لأجله، ولم الكتابة إذا ما كانت لهذه الغاية؟ فلمَ التعب!؟ الكلمات المتراصة الذي يزج بها في عرين الأسطر إذا لم تكن لهذه المهمة، فلأي غاية نزج بالكلمات؟ سياسة "اللهم نفسي"، هي سياسة الرجال والنساء الضعفاء، والضعفاء حقاً. حيث نرى تجلي تداعيات هذه السياسة في كل مناحي الحياة اليومية من النهار حتى الليل. عند قيامنا بتغليف الحديث النبوي الشريف "ليس منا من بات ولا يهمه أمر المسلمين"، وتفريغه من كافة معاني التكافل المجتمعي، والمراد هنا ليس المأكل والمشرب والملبس فقط لأهميتهما، بل لقيمة التكاتف والتعاضد والالتحام فيما بيننا. سياسة "الكراهية". وهنا نتحدث عن كراهية وتنكر للذات بشكل غير مفهوم، نمقت بعضنا البعض إلى أبعد الحدود، لا لشيء، إنما لمجرد الحقد المغروس داخلنا والكراهية العمياء التي لا ترتكن في الكثير من الأحيان لقاعدة مفهومة أو معلوم سببها. كي لا يحسب علينا لا قدر الله أننا نحب ونود بعضنا البعض. مشهدية الكراهية ليست مأخوذة من العالم الخارجي بل مستوحاة في غالبها من حوار درامي من هذا المسلسل أو تلك المسرحية، لنطبعها على منهجيات تعاملنا مع أنفسنا والمحيطون بنا منذ ساعة الاستيقاظ وحتى الخلود إلى النوم. وكل شريط الأحداث الذي يمر علينا خلال اليوم في البيت والعمل والشارع والمدرسة وحتى أماكن العبادة وفي طابور مكتب البريد والمستشفى. وكمية الكراهية، وسحق الغير نلتمسه في أصغر الأشياء وأتفهها أولا. وما الأحداث الراهنة على صعيد النقب إلا تأكيد صارخ ومحزن لما نحن عليه اليوم.
رجال الإصلاح، أصبحوا اليوم في خندق وحالة لا يحسدون عليها، ورفعوا شعار التنوير منا وأفرغوا منهم قيمتهم الإنسانية التي يشهد لها بالبنان على مدار كل قطرة دم غالية سكبت على هذه الأرض الطيبة أهلها. لكن جدليات الحداثة والتنوير الذي لم نلتمسه إلا حبراً على ورق في هذه الأثناء، هو ما يؤخر عملية التجديد الذين يطالبون بها منذ عقود، الأمر الذي لم يأتِ أكله حتى اللحظة، وما يسألونه دعاة التجديد والتحديث في الخطاب التقليدي، لن يتأتى إلا إذا طبق التنظير على أرض الواقع، وعكس ذلك سيظل فقط في مرتعه الجدل النظري. من يريد التنظير فقط لأجل التنظير فالشهادات الأكاديمية كفيلة إعطاءه مبتغاه، لكنه سيظل حديث لا يستند إلى الواقع المتعايش في ترجمة النظرية إلى حراك شعبي على أرض الواقع. والخطاب النقدي الجاد يبدأ بالتنظير في مرحلته الأولى فعلاً لكنه يستمر ولا يتقوقع على ذاته في الحراك قدماً للجلوس والتحاور والتشاور مع مختلف أطياف المجتمع التي أخذت على عاتقها الحراك المجتمعي، لتحصيل قاعدة متجددة مستمدة من الإرث الثقافي وليس في التعالي عليه. في فض النزاعات الداخلية وتطوير سبل الحلول مع العقلية الشبابية الجديدة التي تأتي بفكر ورؤية حداثية عما هو الخطاب التقليدي اليوم. هذا كله مجتمعاً مع الإرث الحضاري والديني الذي يقول كلمة الحق والسواء. وفي حالتنا الإسلامية لم يترك لنا، لا القرآن الكريم، ولا السيرة النبوية الشريفة، ولا في الأثر والخبر مجالات للتيه الذي نعيشه اليوم، بل توجد لدينا أمثلة عدة مستمدة من الواقع المتعايش في تلك الحقبات وسبل العمل في التوصل للحل المرضي لما يطلق عليه اليوم وكأنه اكتشاف واختراع جديد في "الوين وين سيتيويشن".
هذا فضلا عن القاعدة التي غدت تحظى بشبه إجماع والتي بينها الدكتور يونس عمرو في تصديره "قضاء العشائر"، لكاتبه محمد غيث. في قضية الحلول التقليدية وسبب عزوف الناس عنها في وقتنا الحاضر التي تنص في ما تنصه على الآتي: " في أواخر العهد العثماني، انحسرت سلطة الدولة على الأقاليم، وقصرت يد القضاء الشرعي عن طول البت في خصومات الناس. وقد اعتمدت الحكومة العثمانية ضمان استمرار سلطتها اللامركزية الصورية في المناطق التابعة لها، على بعض العائلات والعشائر القوية من حيث العدد والثروة، مما أسهم إلى حد بعيد في إحياء البنية العشائرية في البلاد العربية، تلك التي جاهد الإسلام في القضاء عليها، حتى نجح أو كاد، فأمسيت تلاحظ سعي الناس إلى التجمع والانضواء تحت مظلة عشيرة أو مجمع عائلي، كان في بعض الأحيان لا توجد فيه رابطة دم حقيقية كالمفهوم أصلا من التجمع العشائري أو العائلي، وكان الهدف الأكبر من وراء هذا التجمع، إنما يكمن في رغبة الناس في أن يظهروا بمظهر من القوة يحمون به أنفسهم، بمعنى أن من لا عزوة له، يبدو ضعيفا مما يجعله عرضة لارهاق القوي على الدوام، فتضيع حقوقه في غياب السلطة الرسمية أيا كان مصدر قضائها.
الضغط اليومي الشديد الذي تمارسه الدولة في شرعنة قوانين العنصرية كل مرة تحت مسمى جديد. وحالة الفزع الذي نقابله كشعب أعزل لا يملك من مقومات الحيلة والقوة شيء، أمام كل ما يشرعن بحقنا، نجده يخرج بأبشع الصور التي تقترب إلى اللا إرادية منها الإرادية في تفريغ هذا الضغط. والديباجة التي تتكرر كالأسطوانة المتلفة والمفسخة أوصالها الوقوف الجانبي لمؤسسات المجتمع المدني في طابور الصناديق الموزعة عالميا في تحصيلها حبة الصابون في تنظيفنا من براثن العنصرية المؤسساتية لهذه الدولة التي لا تعرف وبحق صورة أنجع فعالية مما تقومه اليوم. الضغط على المواطنين الذين تعتبرهم منذ تأسيسها وحتى هذه الثانية تحديدا كرعايا وليس كمواطنين لهم الحقوق والواجبات كما الأثيوبي والروسي الذي لا يمت لليهودية والصهيونية أي شيء وفي داخلة تتردد عبارة التقوى والشهادتين لكنه يريد إبعاد ديانته الحقيقية التي تجمعه أكثر من أي إنسان آخر بأخوته في الدين وكي يبعد عن نفسه ذلك يقوم بارتكاب أبشع الجرائم الإنسانية بحقه في كل مكان يسمح له بذلك على مرآى ومسمع الجنود الاصباريين لكي يعلن الولاء الصوري فقط لا غير لهم. وما مظاهر الغضب العارم للأفارقة القادمين من أثيويبا مواطنو اسرائيل الميعاد والأرض والشعب إلا بداية الانسلاخ عن المجتمع الذي لا يرون فيه أي مقومات أو بداية لمساواة تجمعه والمواطن الصبار الذي يحمل على يديه ألذ وأطيب دم فلسطيني ممكن من أجمل تضاريس فلسطين من النقب وحتى الجليل بكل ألوان السياسة الزرقاء والخضراء والحمراء.
يكتب النقب ووقائعه كل أسبوع بنفس الحماسة والروح التي لا تريد لنفسها الضغف والهوان من الأحد إلى الأحد في وسائل إعلامه المطبوعة والمنتشرة على مواقع الانترنت وكل ووجهته وقبلته وبوصلته التي تأتي بالأساس على حب النقب وكل على شاكلته، " زيح القرص والخطر في سياسة التملق عن أعتاب البوابة الإعلامية"، يأخذ بالتدحرج شيئا فشيئا والإعلام المحلي يأخذ من المهنية في عمله مركزا متينا وقوياً في فضاء هذا النقب الذي لا يخشى على نفسه خشية أحد في إماطة وشاحة كل أسبوع وبنفس الوتيرة ليعلمنا أبجديات الصبر وتحمل الشدائد، لنشهد عما قريب ولادة مؤسسة إعلامية يومية اليوم هي على الانترنت وغدا صرحا مطبوعا بشكل يروي يوميات النقب يوما تلو الآخر دون وجل أو خوف من أحد. والدور الريادي الذي يلعبه النقب على ساحة فلسطين الداخل يحتم على مؤسسات المجتمع المدني في شد الجحارة عميقا على بطونها ليقف متنصبا القامة ويبني النقب الواعد الذي فيه كلمة الحق والسواء. ويبني نفسه بنفسه ولا يعتمد فيما يعتمده حبة الصابون. ليصل اليوم المرجو في تصنيعه حبة الصابون هنا، من هنا حيث النقب.
حوار الأجيال القديم والجديد. لكل ميزاته القوية. ركون كل صف وتجمده في موقعه لا ياتي أكله على الساحة المحلية تداخل الحوار والمشاركة في خلق واقع، الصوت فيه واعٍ، وهذا الصوت هو الذي يقودنا للصلح والإصلاح في مواجهة تحديات نقبنا ونقبكم فيه نحدد مسارانا واقفين أمام سيناريوين في ربيع هذا الجو المتشبع حرقة النار والبارود الأول يؤدي إلى حرب أهلية لا محالة، وهنا لا بد لنا من تقديم الشكر والعرفان للدور الريادي لقوى الجيش التي تمدنا بأحدث الأسلحة المحرمة دوليا في فتك بعضنا البعض عند رجوع جنودنا الأبطال في العطل الأسبوعية. والسيناريو الثاني عزة النقب، ومحو الغبن السياسي والعنصري منذ إعلان اللورد بلفور وحتى قيامتنا التي لن تهدأ عاصفتها الشعواء إلا بتحصيل كامل الحقوق، حقوقنا الشرعية وفتح كل ملفات الأرض منذ ذلك الحين وحتى الساعة، النقب كان ولا يزال وسيبقى بحكم التاريخ أولا والتاريخ تاليا وتاليا عامرا بأهله على النحو التالي من الجبارات والحناجرة شمال النقب والتياها والترابين والقديرات والظلام والعزازمة والسعيدين والأحيوات. فيه المؤسسة مجبرة للجلوس مع كافة العشائر.
كما يعلم الكل أن درب الحرية لم يكن في يوم من الأيام سهلا ومكللا بالزنابق والرياحين، بل سيكون صك دفع الثمن وسيعز علينا فراق من نحب لكنها عِزة النقب التي لن نساوم على تحصليها كاملة.
خلق حالة المجتمع النامي والمنتمي والذي ينمي حاله، المجتمع المدني هو العجلة المحركة للشعوب إذا أخذناها فعلا على محمل الجد، الحالة الآنية لمجتمعنا التقليدي بالسمات الخارجية فقط في النمو والتطور ليست مرادنا ولا ما نطمح إليه بالقدر الذي نريد لمجتمعنا التجدد ومعاصرة الوقت مشبعا بالقيم السامية مستمدة من الإرث الحضاري والثقافي والإنساني في رباط هذه الأرض ونحن مع مقربة الذكرى السنوية الأولى لشهيد المجتمع التقليدي الذي لا يريد لنفسه الارتقاء وما لنا إلا الترحم على روح قيس الصابر والحالم بواقع أفضل لهذا المجتمع الذي نريده أفضل لنا ولأبنائنا.
#كايد_أبوالطيف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دراسة حالة: خيمة التطوع الجماهيري (1)
-
النقب مبتسماً
-
مستودع الذكريات
-
من النقب إلى قلب الجحيم
-
في حضرة الآنسة أرض
-
1112
-
إبني ولا تهتم، هذه أرضك يا عم!
-
صفيرمياهو لذيذ
-
النقب: جمعة مباركة
-
أريد إخفاء (إن أمكن) أي نزاع!!
-
لدي حلم وسأحققه، جونيور!!
-
غزة بين قنبلتين وقبلة
-
6 أكتوبر
-
مخطط برافر: مؤسسات المجتمع المدني العربية ودورها في التصدي!
-
أكتب باللحمة
-
القهوة، خميس وهي
-
فتحة
-
رهط على صفيح ساخن!!
المزيد.....
-
بين فرح وصدمة.. شاهد ما قاله فلسطينيون وإسرائيليون عن مذكرات
...
-
عشرات آلاف اليمنيين يتظاهرون تنديدا بحرب الإبادة في غزة ولبن
...
-
2024 يشهد أكبر خسارة في تاريخ الإغاثة الإنسانية: 281 قتيلا و
...
-
خبراء: الجنائية الدولية لديها مذكرة اعتقال سرية لشخصيات إسرا
...
-
القيادي في حماس خليل الحية: لماذا يجب علينا إعادة الأسرى في
...
-
شاهد.. حصيلة قتلى موظفي الإغاثة بعام 2024 وأغلبهم بغزة
-
السفير عمرو حلمي يكتب: المحكمة الجنائية الدولية وتحديات اعتق
...
-
-بحوادث متفرقة-.. الداخلية السعودية تعلن اعتقال 7 أشخاص من 4
...
-
فنلندا تعيد استقبال اللاجئين لعام 2025 بعد اتهامات بالتمييز
...
-
عشرات آلاف اليمنيين يتظاهرون تنديدا بالعدوان على غزة ولبنان
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|