أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - -حكي قرايا-: تدخل عسكري دولي!















المزيد.....

-حكي قرايا-: تدخل عسكري دولي!


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3609 - 2012 / 1 / 16 - 16:20
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


لم يعرف العراك الإيديولوجي المواكب للثورة السورية جدالا محتدما، لكنه غير ذي موضوع، أكثر من ذلك الكلام المثير العنيف، الغامض مع ذلك، حول التدخل العسكري الدولي، ومثابرة متكلمين وسياسيين متنوعين ومختلفين فيما بينهم على جر النقاش إلى هذه الوجهة. ولهذا الحكم أسباب عديدة، لا تقف عند التعقيدات السياسية والجيوسياسية، والقانونية، والقيمية، لمسألة التدخل العسكري الدولي.
أولها وأبسطها أن التدخل العسكري ليس في وارد المتدخلين المفترضين من قريب أو بعيد. فإن لم يقنع بذلك الكلام الصريح لمسؤولين في الدول والكتلة الدولية الأقدر على التدخل، فإن الاستدلال العقلي يؤكده. ثمة القليل مما يغري بالتدخل في سورية، والكثير مما يخشى من التدخل في سورية (أوضاع غير مستقرة، واضطرابات اجتماعية وكيانية طويلة الأمد). فإذا كانت الدول المعنية دولا قومية عقلانية، وهي كذلك، فإنها لن تتورط في ما لا مصلحة لها فيه. وإن كانت دولا امبريالية عدوانية، ولا يخلو الأمر، فيفترض أن مصلحتها تتحقق بأن يمضي النظام في قتل محكوميه، وأن تطول الأزمة السورية بما يضعف البلد أمام تلك الدول وأمام حليفها الإسرائيلي. أما الاعتبارات الإنسانية فلا تؤثر في سلوك الدول إلا بالارتباط مع أشياء أخرى، المصالح المباشرة أو توقّي مخاطر متصورة، أو القرابة الثقافية.
ويعطي احتدام المواقف في شأن التدخل العسكري الدولي انطباعا مضللا بأن أمره متوقف على رأي معارضين سوريين فيه، فإن كان لا يحدث فلأن هؤلاء مترددون في شانه أو معترضون عليه. لا شيء أبعد عن الصواب من ذلك. لن يقع التدخل العسكري في أي مدى منظور لاعتبارات تحصل الدول المركزية القادرة عليه.
وهذا يكفي لوصف الكلام الكثير على التدخل الدولي بأنه "حكي قرايا ما يصل للسرايا"، على ما يقول مثل شعبي معروف في منطقة الجزيرة السورية. ويكفي لجعل التحذير منه كلاما لا موضوع له.
لماذا، مع ذلك، يستمر الكلامُ على تدخل عسكري دولي غير وارد؟ لأنه تحول من نصاب السياسة والعمل إلى نصاب الهوية وتعريف الذات، أي لأنه يقول أشياء عن المتكلمين يحبون أن تقال عنهم. تريد حساسية منتشرة أن تعبر عن قطيعتها الجذرية مع النظام واعتناقها لقضية الثورة المتمثلة في إسقاطه بتقبل صيغ من التدخل الدولي، غير واضحة في الغالب، وغير واردة في كل حال. وتريد حساسية أخرى أن تعرف نفسها بدلالة رفض التدخل الخارجي في التنافس مع الحساسية الأخرى. في الحالين، للأمر علاقة بالصورة والدور المرغوبين، وليس بسير الثورة ومصلحتها والمصلحة العامة للبلد. ولذلك بالذات لا يقترن الاعتراض عالي النبرة على التدخل الخارجي بتوجه أقوى نحو العمل الداخلي أو اعتبار الثورة هي الداخل الوطني الذي يتعين الانكباب عليه والانخراط في أنشطته. وبالمثل، لا يقود اعتناق قضية الثورة إلى العمل في مستوى فاعلياتها المتنوعة، بل إلى مداعبة فكرة التدخل الخارجي. وما يضيعه السعي وراء شرعية شعبية مرة وشرعية وطنية مرة هو الثورة ككثرة لا متناهية من الأفعال المبتكرة والمبادرات الشجاعة والتفاعلات الإنسانية في مئات المواقع في البلد، وكنشاط يومي وتجربة حية لمئات ألوف السوريين. استغنت حساسية عامة (قرّت في المجلس الوطني السوري) باعتناق قضية الثورة عن العمل مع الثورة نفسها، ولم تشعر حساسية تعترض على التدخل الخارجي أن المعنى الوحيد لهذا الموقف هو الانخراط المباشر في العمل الداخلي. الثورة هي الداخل السوري.
والقصد المجمل أن مركزة النقاش حول التدخل الخارجي والموقف منه، فوق كونها "كلام قرايا"، تهمل شرط إمكان هذه النقاش كله وشرط وجود هذه القوى التي تتنازع على لا موضوع، أي الثورة نفسها.
هذا النقاش الزائف يشبه كثيرا جدا للأسف المعارضة التقليدية، من حيث أن حياة المشكلات مستقلة عما هو واقع وعما يصير، وأوثق صلة بحاجات الهوية والتخاصم المستمر لتياراتها، وكذلك من حيث تبخير الأوضاع الواقعية في مجردات ومسائل غير واقعية ولا معنى موضوعيا لها. الكلام الذي لا معنى له ولا موضوع ليس بلا وظيفة، بل يتحول رمزا مناسبا لتلبية مطلب الهوية. لكن من وراء ذلك كله، العين على السلطة، الكثير منها أو القليل، وليس على المجتمع والثورة. ليس التدخل العسكري الدولي اليوم غير هي محور جديد لانقسام قديم. وليست الثورة ذاتها غير مناسبة جديدة لتجدد الانقسام نفسه.
والمشكلة الثالثة في جر النقاش إلى مسألة التدخل الخارجي هو أنها تحجب عنا الواقع المعاين: إن الثورة تتوسع بؤرا وتتجذر موقفا ويزداد تكوينها تعقيدا. وإنه حتى إن التمس بعض الثائرين أو بعض بؤر الثورة التي تعرضت لعدوان متوحش من قبل النظام، حتى إن التمسوا الحماية أو العون ممن يستطيعه (وقد التمسوه من أنفسهم بالتسلح حيث تيسر، ومن الله بالتضرع إليه، ومن الأقوى بالكلام على حماية دولية)، فإن النظرة العامة تفيد أن الثورة تنتشر وتتعمق وتزداد تركيبا من حيث التكوين، لكنها أيضا تتصلب وتقل تركيبا من حيث التفكير. وكان من شأن العمل على مستواها والانخراط فيها أن يعزز أكثر من توسعها وتجذّرها، وأن يسهم في حماية نسبية لمجتمعها وبيئاتها الحية، فيغني أكثر عن طلب حماية من جهات عربية أو دولية، تحول بالفعل إلى ضرب من "النق"ّ المزعج والعقيم.
لقد انقضت شهور طويلة من التلهي بجدال منفصل عن العمليات الواقعية، ومتصل بتطلعات المتجادلين الذاتية، وآن أن يتوقف. إن كان إسقاط النظام هو القضية التي تجمع الجميع على ما يقول الجميع، فميدان هذه المعركة معروف وعنوانها واضح، وهو هنا، في ميادين سورية وبين أهلها.
ولا يلزم عن هذا كله إغفال بعد إقليمي ودولي للأزمة الوطنية السورية، أو رفض التباحث مع قوى عربية ودولية. لا ينبغي أن تكون لدى المعارضين السوريين عقدة نقص في هذا الشأن، ولا أن يقبلوا الإيديولوجية الوطنية الخاصة بالنظام (فوظيفة هذه الإيديولوجية هي بالضبط الحيلولة دون أي انشقاق سياسي عنه). لكن لابد أن تبقى الجبهة الدولية ملحقة وتابعة للجبهة الأساسية التي هي توسع الثورة اجتماعيا وفكريا. إن من شأن الثورة التي حررتنا من عقدة النقص حيال النظام، أن تحررنا أيضا من عقدة النقص حيال أية قوى إقليمية ودولية.
اليوم وإلى حين، الثورة أولا.




#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مكونات الثورة السورية وسياستها
- عام ثوري وأزمنة صعبة قادمة
- الفاشية السورية وحربها ضد العامة!
- محاولة لشرح القضية السورية للمنصفين
- حوار في شان الطغيان والأخلاق
- عن حال مؤسسات الحكم البعثي بين عهدين أسديين
- العصيان المدني أو الإضراب الوطني العام
- وطنيّتان: من الوطنية الممانعة إلى الوطنية الاجتماعية
- الطغيان والأخلاق في -سورية الأسد-
- اليسار موقع وعمل ودور، وليس نسبا أو هوية!
- نظرة من خارج إلى الأزمة السورية
- في شأن سورية وإسلامييها والمستقبل
- الثورة السورية تنظر في نفسها
- من الشخصي إلى العالم الواسع: حوار في شأن الثورة السورية
- ملامح طور جديد للثورة السورية...
- في أصول انقسامات المعارضة السورية وخصوماتها
- المبادرة العربية والمعارضة السورية
- -قنطرة-...
- جوانب من سيرة المجتمع المفخخ
- حوار في شؤون الثورة السورية


المزيد.....




- الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي ...
- -من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة ...
- اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
- تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد ...
- صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية ...
- الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد ...
- هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
- الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
- إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما ...
- كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - -حكي قرايا-: تدخل عسكري دولي!