|
سوريا..متى ستلتحق الأقليات بقطار الثورة؟
حسين ديبان
الحوار المتمدن-العدد: 3609 - 2012 / 1 / 16 - 08:41
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
مع دخول ثورة الحرية والكرامة في سوريا شهرها الحادي عشر، أصبح هذا السؤال ملحا وضروريا أكثر من أي وقت مضى، وربما أن أحد الأسباب التي حالت دون وصول الثورة السورية الى مرحلة الحسم المبكر في مواجهة عصابة دمشق هو تحمل طائفة واحدة هي الطائفة السنية لكل أعباء الثورة، ومشاركة أعداد محدودة جدا من بقية الطوائف وبشكل فردي بالمشاركة مع مظاهرات اخوتهم السنة لا يغني عن طرح السؤال عنوان المقال.
لو شهدت الثورة السورية مظاهرات تنطلق من الكنائس والخلوات ودور العبادة الاخرى غير مساجد الطائفة السنية لانهارت منذ اللحظة الأولى رواية نظام العصابة اليتيمة والغير حقيقية من أنه يواجه عصابات سلفية مسلحة تنطلق بمظاهراتها فقط من المساجد، ولو شهدت الثورة السورية مظاهرات تنطلق من مدن وبلدات وقرى ومناطق معروفة بأن سكانها، أو أغلبهم على الأقل هم من غير طائفة الأكثرية السنية لربما حققت الثورة نصرا مبكرا ووفرت على الشعب السوري دماء كثيرة ماكان لها أن تسيل.
لو كان هناك نسبة قليلة من شهداء هذه الثورة من أبناء الطوائف الأخرى لكان عندها الحديث عن المواطنة والثورة الوطنية ذو معنى، ولأصبح الحديث بهذا الشكل هو حديثا طائفيا بامتياز، ولكن بعد عشرة أشهر لم تسجل سجلات الثورة إلا عددا من الشهداء لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة ممن ينتمون الى طوائف الأقليات، والأسماء تلك مختلف عليها، ففي حين يصر القائمون على الثورة اضافتهم الى سجلاتها كشهداء ايمانا منهم بأن ذلك يعطي لثورتهم طابعا وطنيا عاما، نجد أن اعلام عصابة دمشق يحاول التأكيد على ان تلك الأسماء على قلتها هي ضحايا عنف طائفي من قبل الثوار، والعصابة لا أحد يلومها في هذا الطرح لأنه يأتي تدليلا لما تحاول ترويجه بأنها تواجه عصابات مسلحة، لكن من نعتب عليه هنا هو شخصيات عُرف عنها ادعاءها العلمانية والتحرر من أفق الطائفية الضيق، والمصادفة غير البريئة أن كل تلك الشخصيات التي وافقت رواية النظام في ما يتعلق بالشهيد الطفل ساري الساعود على سبيل المثال هي شخصيات من طوائف الأقليات.
ماهي المواطنة وكيف تترجم على الأرض ان لم تكن من خلال المشاركة الفاعلة بالثورة من قبل كل مكونات الشعب السوري؟ وماهي المواطنة ان لم تكن عبارة عن شراكة حقيقة في الجهد والدم وبذل الغالي والرخيص قبل الشراكة في في السلطة.
الحديث الان عن ان عصابة دمشق ليست طائفية هو حديث كان يجدي قبل الثورة وقبل قتل آلاف الشهداء، وفي أحسن الأحوال في الأشهر الأولى للثورة، أما الأن بعد دخول الثورة شهرها الحادي عشر ومع هذا الكم الكبير والاجرام اللامتناهي في القتل، فان استمرار الحديث عن لا طائفية العصابة وانها مجرد نظام حكم عصاباتي يضم بين صفوفه أناس من مختلف الطوائف تلاقت مصالحهم في الفساد والنهب، هذا الحديث لم يعد له نصيب من الصحة على الأرض، والصحيح الوحيد فيه ان الوجوه الموجودة في السلطة من غير الطائفة الحاكمة وهي وجوه مغيبة ومفروض عليها نوع من الاقامة الجبرية والمراقبة الدائمة هي وجوه لا علاقة لها بسلطة اتخاذ القرار ولا تملك من ذلك شيئا، وقد تم استعمالها تاريخيا فقط كديكورات لتلميع العصابة واضهارها على انها نظام حكم يضم في صفوفه كافة مكونات الشعب وطوائفه، وهذه الحالة شهدناها بشكل معاكس في تركيبة نظام صدام حسين البائد من حيث سيطرة العائلة الصدامية وأبناء عمومتها من طائفة السنة على مركز اتخاذ القرار في حين لم تتجاوز مشاركة الطوائف الأخرى دور اضفاء التنوع الشكلي على قيادة العراق أنذاك.
الأن بدأت الأمور تتجه على الأرض باتجاه عملية فرز طائفية واضحة لكل ذي بصر وبصيرة للأسف الشديد، تقف فيه طائفة الأغلبية السنية - بعربها وكردها - في الجانب الثائر والمقاوم والمنتفض المطالب بالحرية والكرامة والخلاص من العصابة الأسدية، وهو ما يمكن استنتاجه ببساطة من خلال ما لا يقل عن سبعة آلاف شهيد هو العدد المعروف والموثق في سجلات الثورة، وعشرات آلاف المعتقلين ومثلهم من الجرحى، واستباحة تامة لأملاكهم وأعراضهم في اغلب مناطقهم من جنوب سوريا الى شمالها ومن شرقها الى غربها، اضافة الى تعرضهم لعقوبات جماعية من خلال حرمان مناطقهم من الكهرباء والماء والوقود والطحين وغيره من المواد الغذائية الضرورية، يقابله في الجهة الأخرى طوائف الاقليات التي نجحت العصابة في تجييشها الى جانبها فنجد أن أغلب الشبيحة والقتلة من تلك الطوائف بعد أن انحسر وبشكل يكاد يكون شبه كامل أعداد القتلة والمجرمين من الطائفة السنية نتيجة ضغوط اجتماعية تعرضوا لها من طائفتهم وغالبا ما كانت تأتي نتيجة أفعال العصابة تجاه أقاربهم وعائلاتهم وعشائرهم وأبناء مناطقهم، فتحولوا إما الى منشقين أو هاربين أو ثائرين، كما أن مناطق تلك الطوائف ما تزال تنعم بكل الخدمات وتعيش حياتها بشكل طبيعي حتى في تلك المناطق المتاخمة لمناطق اخوتهم من طائفة السنة وحيث يستطيعون سماع اطلاق الرصاص والقذائف وربما سماع هتافاتهم وأنات جرحاهم واستغاثات منكوبيهم دون أن يحرك ذلك شيئا فيهم حتى الأن على الأقل، وحتى ان ما قيل للمراقبين العرب من سكان تلك المناطق لا علاقة له بما يحصل في سوريا في محاولة منهم للدفاع عن العصابة وبقاءها.
لم يجد ممثلو تلك الطوائف أو من يتبع لها من حجج واهية لعدم تحركهم الى جانب اخوتهم السنة حتى الأن، إلا التذرع بأنهم سيتعرضون للقمع الشديد من العصابة فيما لو تحركوا وكأن القتل والمذابح اليومية التي يتعرض لها اخوتهم من طائفة السنة هي أخف ألما من القمع المتوقع بحقهم، أو اعادة طرح سؤال باهت وسخيف في محاولة لخلط الأمور، وهو لماذا لا تلومون أهل حلب أو أهل دمشق لعدم خروجهم بينما توجهون اللوم لنا، وفي هذا السؤال خدمة للنظام أولا من حيث ترسيخ ادعاءه الاعلامي الكاذب بأن لا شيئ يحدث في دمشق وحلب، في حين رأينا خمسة وأربعون نقطة تظاهر في حلب وريفها في جمعة دعم الجيش السوري الحر ولم تتوقف التظاهرات في دمشق حتى في المنطقة الملاصقة لقصر الطاغية في قلب العاصمة السورية، ومن جهة أخرى فان هذا التساؤل يشترط شيئا مستحيل التحقق، وهو بالتالي مجرد ذريعة لعدم مشاركة اخوتهم في الحراك الثوري، فلا يوجد ثورة عبر التاريخ شارك بها كل الشعب على الاطلاق.
سوريا تمر الان بمنعطف مصيري وهام وخطير بذات الوقت، لن يخرجها منه إلا قرار فوري من تلكم الأقليات وفي مقدمتها الطائفة العلوية بمشاركة اخوتهم في الحراك الثوري للخلاص من العصابة التي استباحت وعلى مدار اربعين عاما جميع مكونات الشعب وطوائفه، وبغير ذلك فان الثورة في سوريا في طريقها الى النصر عاجلا أم آجلا، سواء بامكاناتها الذاتية بعد أن اتجهت باتجاه تسليح نفسها ودعم جيشها الحر أم بتدخل دولي لن يكون منه مفر في حال استمر حمام الدم السوري، فاذا قررت الأقليات واليوم قبل الغد النزول الى الشارع للمشاركة في الثورة ودفع ضريبة الحرية والمواطنة فان كل الأفاق الجميلة والسعيدة والرحبة ستكون أمام الشعب السوري يبني فيها دولة المواطنة والتعددية والعدالة والمساواة وتكافؤ الفرص واحترام الخصوصيات الدينية والقومية، وبعكس ذلك فان انتصار الثورة لن يكون إلا خطوة أولى باتجاه حرب طائفية لا تذر ولا تبقي إلا ربما أطلال وطن كان هنا يوما يدعى سوريا..سوريا كما عرفناها وعرفها العالم بلد متعدد الاعراق والاديان والمذاهب والقوميات.
#حسين_ديبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تحويل أوراق عصابة دمشق الى مفتينا الناتو
-
جريمة قتل القذافي
-
زوجات بن لادن..أمهات المؤمنين الجدد
-
سوريا..لا حل إلا باسقاط النظام
-
وحشية النظام السوري..لاتظلموا اسرائيل رجاءا
-
سلام على ليل سوريا وصبحها
-
وداعا عدلي أبادير...وداعا أيها الفرعوني الأصيل
-
فلسطيني سوري..لكنه مسلم وهابي! شكرا محمد المنجد
-
بيوت للبيع في الجنة!..
-
دفاعا عن فيصل القاسم...
-
دعم الارهاب في مملكة بني وهَاب
-
فضائح اسلامية...من تايلند مع أطيب التحيات!!..
-
مُحمَد مرتداً !!..
-
الإجرام باق مادام الإظلام باق!!..
-
نعم للاحتلال...ألف لا للإستقلال!!
-
سوريا...قصة موت غير معلن
-
غزوة بمها!!
-
سماحة الإسلام المجهرية !!
-
ماذا عن شارونات العرب؟
-
الإرهاب والديكتاتورية وضرورة القضاء عليهما
المزيد.....
-
آخر ضحايا فيضانات فالنسيا.. عاملٌ يلقى حتفه في انهيار سقف مد
...
-
الإمارات تعلن توقيف 3 مشتبه بهم بقتل حاخام إسرائيلي مولدافي
...
-
فضيحة التسريبات.. هل تطيح بنتنياهو؟
-
آثار الدمار في بتاح تكفا إثر هجمات صاروخية لـ-حزب الله-
-
حكومة مولدوفا تؤكد أنها ستناقش مع -غازبروم- مسألة إمداد بردن
...
-
مصر.. انهيار جبل صخري والبحث جار عن مفقودين
-
رئيس الوزراء الأردني يزور رجال الأمن المصابين في إطلاق النار
...
-
وسيلة جديدة لمكافحة الدرونات.. روسيا تقوم بتحديث منظومة مدفع
...
-
-أونروا-: إمدادات الغذاء التي تدخل غزة لا تلبي 6% من حاجة ال
...
-
رومانيا: رئيس الوزراء المؤيد لأوروبا يتصدر الدورة الأولى من
...
المزيد.....
-
الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية
/ نجم الدين فارس
-
ايزيدية شنكال-سنجار
/ ممتاز حسين سليمان خلو
-
في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية
/ عبد الحسين شعبان
-
موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية
/ سعيد العليمى
-
كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق
/ كاظم حبيب
-
التطبيع يسري في دمك
/ د. عادل سمارة
-
كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟
/ تاج السر عثمان
-
كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان
/ تاج السر عثمان
-
تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و
...
/ المنصور جعفر
-
محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي
...
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|