أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فتحي الحبوبي - في علاقة المفكر الحر بالسلطة والفقيه















المزيد.....


في علاقة المفكر الحر بالسلطة والفقيه


فتحي الحبوبي

الحوار المتمدن-العدد: 3609 - 2012 / 1 / 16 - 01:52
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في علاقة المفكر الحر بالسلطة والفقيه
يقول هربرت سبنسر: "أن التحول الحضاري لا يتم على يد بطل، أو حاكم، ولكنه يتم على يد الحكمة الجماعية وهي من المصلحين وقادة الفكر
ولكن، رغم نبل هذا الدور، فإن محنة قادة الفكر الحر، وعلى امتداد التاريخ، تحاكي و لا تختلف في قساوتها عن الأسطورة الإغريقية التي تحدثت عن بروميثوس الذي، نظرا لسرقته لقبس من النار- رمز الفكر- من عند الآلهة، فقد حكم عليه زبوس كبيرهم بأن يربط إلى إحدى صخور القوقاز فتآكل النسور كبده في محنة يومية متجددة، و ذلك بعد أن تتشكل له كبد أخرى في الليلة الموالية.
كثيرا ما تساءلت عن سر العلاقة العدائية التي طبعت التواصل ما بين المفكرين والعلماء والأدباء المسلمين، العرب منهم وغير العرب، وبين الحكام و الشيوخ الفقهاء والأصوليين على مدى تاريخ الحضارة الإسلامية. وهي العلاقة التي تكاد تكون رهابا. ثم هي تتماهى في حدة عدائيتها بعلاقة الحداثيين بالإسلاميين التي نعايشها اليوم ونلمس تجلياتها في التجاذبات السياسية والخطابات المتشنجة والنارية لهذا الطرف أو ذاك في تونس وفي كافة أرجاء الوطن العربي، لا سيما بعد وصول الإسلاميين، إن عن طريق الإقتراع او عن طريق السلاح، إلى سدة الحكم، في كل من تونس، المغرب، الأردن، ليبيا ومصر.
وما يمكن استقراؤه تاريخيا، كإجابة جزئية على هذا التساؤل الحارق وربما المأزقي، القديم المتجدد في حضارتنا العربية الإسلامية، خلافا للحضارة المسيحية التي حسمت هذه العلاقة-منذ قرون- لفائدة العلماء، هو أن اختلاط الديني بالدنيوي إبان الخلافات، الراشدة وغير الراشدة، جعل رجل الدين، بما له، في الماضي البعيد، من سلطة سياسية أو نفوذ في دوائرها العليا، يحاول محاصرة المفكر والعالم، في غيرالعلوم الدينية، والتضييق عليهما فيما يشبه الإحتكار لسلطة إقرار المعرفة ومصادرتها إن هي خرجت عن دائرة اليقينيات التي يسلم بها الفقيه ولا يقبل حتى مجرد التشكيك فيها. وهي التي لا تزعزعها المجادلات الفكرية الخالصة المتعددة الأبعاد والمتمردة أبدا على الشكل المسطح ذو البعد اليقيني الواحد الذي يرومه الفقيه ولا يقبل ضمنه غير اليقين وامتلاك الحقيقة القطعية والنهائية. وهو البعد الذي يغيب و ينعدم فيه الحضور المتعدد للمسالة الواحدة صوابا وخطأ.
غير أن المفكرين العرب و المسلمين عموما، وفي سياق وعيهم بالحرية وتوقهم إلى تنسم عبقها و ممارسة الفكر الحر بوصفه تبديا لها، كانوا بقدر ما تمتدّ حريتهم على مساحة واسعة بقدر ما يكتسب فكرهم دفقا ووهجا علميا بل ورؤية موضوعية فلسفيه للموضوع الذي يشتغلون عليه. مما قد يجعل أفكارهم متقدمة على أزمنتها، أو يكون منجزهم، إبداعا مغايرا وجديدا أو لعله فتحا علميا مدويا، يكاد أحيانا أن يغير وجه العالم ويعصف بالمسلمات لتنقلب رأسا على عقب. وهو ما كاد يبلغه ابن الشاطر في علم الفلك،في خصوص دوران الأرض حول الشمس، قبل كوبرنيك بأكثر من قرن.
ولا تعني الجدة هنا أن يكون الإنتاج الفكري- علما أو أدبا- لم يتطرق إليه أحد فحسب، بل يعني كذلك -وهو الأهم – أن الموضوع أو الفكرة قد صيغت بشكل مغاير عن السائد. وفي هذا المضمار يقول الشاعر الألماني JohannWolfgangvon Goethe (غوته): "ليس الشعراء الكبار شعراء كبارا لأنهم ،أتوا بأشياء جديدة، وإنما هم شعراء كبار، لأنهم أبرزوا الأشياء كما لو أنها تظهر لأول مرة". وهو ما يختلف مع المفهوم السائد للتجديد ، من حيث هو تطور وليس إعادة قديم كان، وإنما هوعملية خلق جديد لم يكن من قبل.
هذا النزوع الطبيعي إلى الحرية عند الممارسة الفكرية، لدى المفكرين العرب والمسلمين المستنيرين، أدى بهم في كثير من الأحيان إلى اجترائهم على اقتحام المناطق المحرمة لدى الفقهاء الذين يتسيدون الجمود -وهي ليست بالضرورة كذلك من الناحية الشرعية ولكنها الأصولية والظلامية المتشددة ذات التوجهات التقليدية المتكلسة في تخلفها ونظرتها للحياة.– بما هي تجاوز لخط التماس. وهنا يحدث التصادم العنيف بين من يحمل فكرا مستنيرا يسنده فعل النقد ومن ينقله عن غيره بالحفظ الببغائي والإجترار، دون فهم ولا تدقيق وتمحيص ودون تحر علمي صارم، فيحدث التناحر والقطيعة والعداء ثم العقاب الشديد، الذي يكون دوما على حساب المفكر أو العالم أو الشاعر والأديب. غير انه وإحقاقا للحق، فأن هذا المفكر الحر في مجاله كثيرا ما يكون هو ذاته فقيها أو قاضيا شرعيا أو إماما عقلانيا معتدلا غير متشدد.
وتاريخنا -مع الأسف- حافل بالأمثلة العديدة من الفصول السوداء ضد العلماء والمفكرين. نعرض لبعضها فقط لضيق المجال أولا، وتجنبا للجهاد من غير خصم، بتعبير الفقهاء،ثانيا، ودون إعتماد الترتيب التاريخي لحدوثها، ثالثا.
وأستهل بمحنة ابن رشد لأني أعتبره -عن جدارة- أفضل فيلسوف أنتجته الحضارة العربية الإسلامية على مدى تاريخها المديد. فهذا المفكر الفذ، الذي حفظ موطأ مالك ودرس الفقه والعقيدة كما يدرسها فقهاء عصره، ودرس الفلسفة بعمق مما جعله يشرح كل التراث الأرسطي العظيم بما جعل فكره مهيمنا على برامج الجامعات في أوروبا القرون الوسطى وحتى نهاية القرن السادس عشر. حتى أن الفيلسوف الإيطالي بيترو بمبوناتسيPietro Pomponazzi أسس مدرسة عرفت باسم "المدرسة الأرسطية الرشدية ، إضافة إلى ورود اسمه في الكوميدبا الإلهية لدانتي مع زمرة من الفلاسفة العظماء الذين لم تدركهم المسيحية. ورغم أن ابن رشد الذي يقول إن الحق لا يضاد الحق بل يوافقه ويشهد له ويرى أن الشرع قد أوجب النظر بالعقل في الموجودات واعتبارها ، و لا يرى تعارضا بين الدين و الفلسفة ، فإنه اتهم من قبل شيوخ الفقه بالاندلس في عهد ملوك الطوائف ، بالكفروالإلحاد، وحرقت كتبه وجميع مؤلفاته الفلسفية كما منع من الاشتغال بالفلسفة والعلوم ما عدى الطب. ثم أبعد من الأندلس إلى مراكش وتوفي بها غريبا. وهذا دليل صارخ على غربة المفكر بين أهله وذويه في الدول المتخلفة التي تعادي العلم والفكر الحر، في الوقت الذي يسعى فيه الغرب إلى تنميته. يقول برتراند راسل في هذا السياق: لو كان الأمر بيدي لعرضت على عقول الأطفال أكثر الآراء تباينا حتى أنمي عندهم ملكة النقد . و بديهي أن أهمية العقل النقدي اليوم وحاجتنا إليه لا تحتاج إلى دليل، بعد أن منحنا عقولنا إجازة مفتوحة منذ عصر الممالك الشراكسة، فما زادتنا إلا خمولاً وسباتاً وانتكاساً وانكفاءً بما جعلنا نسير، منذ قرون، بعكس اتجاه الحضارة، وشد مجتمعنا إلى هاوية من الظلام والتخلف لا قرار لها.
أما المثال الثاني فيتعلق بعبد الله إبن المقفع، الذي جمع بين الثقافة العربية والفارسية واليونانية والهندية واظهر عيوب النُّظُم الإدارية في عصره وفضّل النظم الإدارية الفارسية عليها، وخلف آثارا كثيرة، منها كليلة ودمنة منقولا عن الهندية، تشهد له على سعة عقله وعبقريته، وانه صاحب المدرسة الرائدة في النثر.
إلا انه، عند كتابته ميثاق الأمان بين الخليفة أبو جعفر المنصور وعمه المتخاصم معه، أفرط في الاحتياط حتى لا يجد المنصور منفذاً للإخلال بعهده. ومما جاء في هذا االميثاق: إذا أخلّ المنصور بشرط من شروط الأمان كانت "نساؤه طوالق، وكان الناس في حلّ من بيعته"، مما أغاظ المنصور فامر بقتله. يقول إبن خلكان متحدثا عن ذلك، إنه لما ألقى عليه القبضَ سفيان بن معاوية والي البصرة، قال له: "أنشدك الله أيها الأمير في نفسي. فقال أمي مغتلمة إن لم أقتلك قتلة لم يقتل بها أحد، وأمر بتنور فسجر، ثم أمر بابن المقفع فقطعت أطرافه عضواً عضواً، وهو يلقيها في التنور وينظر حتى أتى على جميع جسده، ثم أطبق عليه التنور وقال: ليس علي في المثلة بك حرج لأنك زنديق وقد أفسدت الناس". وفي رواية أخرى قيل إنه أكره على أكل جسده مشويًا حتى مات وهو في مقتبل العمر، ولم يتجاوز السادسة والثلاثين.
و أما المثال الثالث فيتعلق بالطبيب الفيلسوف الرازي الذي يعتبر الطبيب الأول في التاريخ الذي أوجد (التدوين السريري) في تاريخ الطب في العالم. وقد اعترف الغربيون بفضله على الطب وأشادوا به في غير كتاب على أنه فصل رائع من فصول الطب العربي الإسلامي والعالمي. إلا انه أتهم بالكفر من قبل الغزالي في كتاب تهافت التهافت ، و ضربه منصور بن نوح احد ملوك السامانية على رأسه بكتاب في الكيمياء وضعه الرازي بطلب منه، إلى أن تقطع، وهو ما سبب له نزول الماء في عينيه. وسبب ذلك أن الرازي، لم يكن باستطاعته وضع النظريات الواردة في الكتاب موضع التجربة كما أراد ذلك منصور بن نوح الذي أعتبر الكتاب، عندئذ، مجرد كذب يستوجب العقاب الشديد.
نكتفي بهذه الأمثلة، التي هي ليست إلا غيض من فيض، وإن ننسى فلا ننسى محنة كل من سفيان الثوري الذي عاش مطاردا زهاء السنة و حسن البصري الذي كاد يعدمه الجاج بن يوسف والإمام مالك الذي جرد من ثيابه وضرب بالسياط حتى انخلعت كتفه و الإمام أحمد بن حنبل الذي قيد بالأغلال وكان يُضرَب ضرباً مبرحاً حتى يغشى عليه ثم يتجدد ضربه في اليوم الموالي. وحمال الدين الأفغاني الذي أتهم بالكفر و هاجمه الوعاظ وأئمة المساجد حتى اضطر لمغادرة الأستانة . والكواكبي الذي قال إن الاستبداد محنة للعقل والأخلاق فعانى مضايقات عديدة من السلطة العثمانية وعلي عبدالرازق صاحب الكتاب الشهير "نظام الحكم في الإسلام" الذي أنتزعت منه شهادته العلمية واوقفوا عنه راتبه وناصر حامد أبو زيد الذي اعتبر مرتدا عن الإسلام وطلقوا زوجته منه فاضطرإلى اللجوء معها إلى هولندا... ومازالت القائمة طويلة وطويلة جدا من المفكرين الاجلاء الذين لا حقهم سيف ديموكلاس ، في حينان ه كان من المفترض إيلاؤهم التبجيل والتقدير الذي يستحقون وليس التحقير و المطاردة والإهانة والتعذيب من قبل الجهلة الذين يناصبونهم العداء. ولكن هذه المحن لا تعيب هؤلاء بل تزيدهم إجلالا في عيون الشعوب وتحقيرا لمن بطش بهم، وهو ما عبر عنه الشاعر بقوله :
لا تأسفن على غدر الزمان لطالما... رقصت على جثث الأسود كلاب
لا تحسبن برقصها تعلو على أسيادها...تبقى الأسود أسودا والكلاب كلاب
تبقى الأسود مخيفة في أسرها... حتى وإن نبحت عليها كلاب
فتحي الحبوبي/مهندس



#فتحي_الحبوبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المثقف بين السياسة والفكر
- بين هروب محمود درويش وهروب القادة العرب المهزومين
- فضل إنتعاش المقاومة على الثورات العربية
- إستأصالية مقال نصيحة تونسية إلى الإسلاميين الحداثيين
- في ذكرى محرقة غزة بالرصاص المسكوب
- عن سرية دفن فولتير والقذافي
- البداوة الفكرية لمحترفي الإفتاء وفق الأهواء
- ممارسات سياسية بين فلسفة القوة والنظرية الداروينية للخلق
- لا لحوارالأديان في ظل إنحباز بابا الفتيكان
- الشيوعية والإسلام والفشل في ممارسة الحكم


المزيد.....




- وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور ...
- بابا الفاتيكان: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق
- ” فرح واغاني طول اليوم ” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 اس ...
- قائد الثورة الإسلامية: توهم العدو بانتهاء المقاومة خطأ كامل ...
- نائب امين عام حركة الجهاد الاسلامي محمد الهندي: هناك تفاؤل ب ...
- اتصالات أوروبية مع -حكام سوريا الإسلاميين- وقسد تحذر من -هجو ...
- الرئيس التركي ينعى صاحب -روح الروح- (فيديوهات)
- صدمة بمواقع التواصل بعد استشهاد صاحب مقولة -روح الروح-
- بابا الفاتيكان يكشف: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق عام 2021 ...
- كاتدرائية نوتردام في باريس: هل تستعيد زخم السياح بعد انتهاء ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فتحي الحبوبي - في علاقة المفكر الحر بالسلطة والفقيه