|
الأكل باليد
دانة مسعود
الحوار المتمدن-العدد: 3607 - 2012 / 1 / 14 - 10:13
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
اليوم .. كنت غاضبة على كل شيء، لم يكن هناك أي ذرة أمل أن أكون أليفة كعادتي، ظللت جالسة في غرفتي، منتظرة أن تصلني وجبة الغداء لغرفتي، كنت خالية من الرغبة في النزول والأكل على الطاولة، فطلبت من الخادمة أن تأتي بوجبتي إلى غرفتي، والغداء كان عبارة عن أكلة شعبية، دجاج وأرز وبطاطس، برفقة سلطة إزمة التركية (مش أزمة) .. كل شيء بي متوحش اليوم، واتتني الرغبة للأكل بيدي، لم لا؟ لست بمزاج لمسك الشوكة والأكل بدلع وبطء، اتخذت قراري وبدأت بالهجوم آكل بيدي، بأناملي الرفيعة وأظافري الطويلة، وشعري الطويل، بدوت وكأنني امرأة من الكهف، لم أهتم لأي شيء في تلك اللحظة، كنت مستمتعة بإطلاق الوحش الذي بداخلي، ينهش قِطع الدجاج والبطاطس والأرز والسلطة مع بعضها، لا أذكر بأية سرعة أكملت كل شيء، كل ما أذكره أن الطعام كان شهيًا، أرضيت الوحوش والمرأة البدائية التي بداخلي، فوزني لا يزيد، أظل رشيقة مهما أكلت، لم القلق؟
اليوم فقط سمحت لنفسي بذلك، لا أدري ما السبب، سوى أنني كنت غاضبة، وكل ما أمامي كان مشجّعًا، إننا بحاجة بين فترة وأخرى، أن ننسى المدنية والتحضّر المبالغ به، في حين هناك متعة رهيبة للعودة لغرائز أجدادنا البدائيين.
متى دخلت الملعقة والشوكة والسكين في حياة المسلمين؟ لا يوجد تاريخ محدّد، ولكن يبدو أن عادة الأكل بالملعقة كانت منتشرة لدى (الإفرنج) أيام الرسول، ويبدو أن البعض استساغ الفكرة، رغم تفضيل الدين للأكل باليد.
في الإسلام، الأكل بالشوكة والسكين أمر غير مستحب ومكروه، لتشبّه المسلمين بالكفار، وأنه من فعل الجبابرة، بمعنى إن كان اليهود والنصارى يفعلون أمرًا فعلى المسلمين مخالفته، ومن تشبّه بقومٍ فهو منهم، وهناك حديث يقول: صلوا في نعالكم، فإن اليهود لا تصلي في نعالها. ألهذه الدرجة يصل كُره اليهود؟ لدرجة الإعاقة؟ إذًا لم يركب المسلم الطائرة والسيارة؟ فليبق في خيامه إن لم يكن يريد التشبه بالنصارى واليهود.
إن الأكل بالشوكة والسكين لم يكن معروفًا عند النبي محمد، ففي ذلك العهد كان يُقطع اللحم بالسكين ولكن الجمع بين السكين والشوكة لم يُعرف عند أحد من سلف الأمة وأئمتها، ومن هنا يأتي اختلاف المسلم بأن ينبغي عليه أن يكون متميزًا بشخصيته معتزًا بدينه ولا يكون (إمّعة) متتبعا هدي من هب ودب.
والكل يعلم، بأن الرسول كان يأكل بثلاثة أصابع (يعني بدلع) حتى أنا لم أتمكّن من ذلك اليوم، فكيف ذلك البدوي؟ هل يُعقل؟ لا أدري لم لم يبالغوا وقالوا بإصبعين كما نأكل المكسّرات، وفي الوقت نفسه، وصّى الرسول في حديث آخر بلعق الأصابع (إخ) حين قال: إذا أكل أحدكم طعامًا فلا يمسح يده حتى يَلعقها أو يُلعقها. لم أصل إلى هذا الحد، بل إنني بعد الأكل بيدي، لم أكتفي بغسل يدي بالماء والصابون، بل أخذت (شاورًا) كاملاً، لأضمن خلو يدي من رائحة الطعام.
والحكمة من الأكل باليد والامتناع عن الأكل بالملعقة وفق الأحاديث هو: مشروعية الأكل باليد بخلاف ما عليه المتشبهون بالإفرنج وإضرابهم من الأكل بالملاعق واستقذار الأكل بالأيدي، وفعل أعداء الله وأشباههم أولى بالاستقذار من فعل المسلمين، وذلك أن أحدهم يدخل الملعقة أو بعضها في فيه ثم يخرجها وقد علق اللعاب بها، فيغمسها في الطعام بما علق بها ثم يدخلها في فيه مرة أخرى، وهكذا يفعل إلى أن يفرغ من أكله وأما الأصابع فإن الآكل بها لا يدخلها في فيه وإنما يدخل اللقمة فقط وتكون الأصابع من خارج فيه فلا يعلق بها اللعاب كما يعلق بالمعلقة.
إنني شخصيًا لا أستخدم الملعقة، فهي كبيرة على فمي، بل أفضّل الأكل بالشوكة، وفي المطعم بالشوكة والسكين، ولا أستخدم الملعقة إلا للشوربة، ثم إن الأكل بالوقت الحالي لا يكون في صحنٍ جماعي، بل كل منا له طبق خاص غير ممتلئ بالأكل، بل قدر حاجته، واليوم كسرت القاعدة والروتين واتبعت السنّة النبوية، التي هي قريبة من البدائية، ولا أنكر بأن طعم الأكل كان أشهى من كل يوم.
مما لا أفهمه ولا أستسيغه هو الأكل بالأعواد الصينية، لا أدري أية أعصاب يمتلكها ذلك الإنسان الذي يأكل بأطراف العصي، جرّبت مرة، ورميت العصي جانبًا بعد تلف أعصابي.
لا أدري أية طريقة تفضلون أنتم الأكل بها ..
#دانة_مسعود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فانتاسي
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|