|
تلاشى الرؤية التنويرية وغياب المضامين جعلوا الصحافة المصرية فى نفق مظلم
حمدى السعيد سالم
الحوار المتمدن-العدد: 3606 - 2012 / 1 / 13 - 04:00
المحور:
الصحافة والاعلام
لولا هذا الغضب , هذا السخط , هذا التمرد , هذه الثورة على الاوضاع القائمة فى مصر ما كان التطور ... فالتطور هو محاولة الانسان بكامل حريته وعبقريته , ان يصنع ما هو افضل واجمل وارخص واكثر تحقيقا لمتاعبه ...والشعوب التى لاتعرف الغضب ستظل جامدة ... ستظل ظلا لكل الظروف ... بينما المطلوب ان تسبق الظروف ... وان تمهد وتضىء الطريق لخطوات جديدة للامام !!!... مما لاشك فيه ان اى شاب لايعرف الغضب ليس بشاب ... وانما هو شيخ وان كانت شهادة ميلاده تؤكد عكس ذلك ... فالشيخ هو الذى ادرك انه عند نهاية الطريق ... وانه معلق فى مظلة تقترب من الارض ويريد ان يكون هبوطه هادئا ... غير ان بعض الشيوخ لديهم عقول وقلوب شابة ... طوروا بها مجتمعاتهم ... والتاريخ يحفظ لنا عددا هائلا من اصحاب القلوب الشابة الغاضبة الساخطة التى ابدعت وطورت رغم انها عند نهاية الطريق !!!.. والشاعر يقول : (نعيب زماننا والعيب فينا ... وما لزماننا عيب سوانا )... فالزمان هو نحن ... وان كان هناك عيب ففينا وعلينا اصلاحه ..وهذا ما نفعله جيلا بعد جيل ...وهذا هو التطور العلمى والاخلاقى والاجتماعى !!! ومن هنا التقط طرف الخيط كصحافى لكى اتحدث مع القراء واهل الصحافة عن ازمة من اكبر ازمات الصحافة الحديثة فى مصر الا وهى ازمة المقال الصحافى بجميع انواعه سواء كان مقالا سياسيا او اجتماعيا او ثقافيا او تنويريا !!! ...
فالمقال الصحافى على اختلاف انواعه فى الصحافة المصرية يكاد يكون ترديد ممل ومبتذل لشعارات وصياغات مقولبة لم تتغير منذ اكثر من نصف قرن او يزيد ... حيث نجد معظم المقالات لاتقدم اى فكرة جديدة ... ولكن تقدم ترديدا مملا ... لوجود قناعة ظنية لدى البعض فحواها : ان استعمال واستخدام الكلمات الرنانة والطنانة تنتج ادبا يعبر عن مكنونات الصدور..... الى جانب ان بعض كتاب المقال الصحافى يظنون كل الظن ان الكتابة عن القضايا الصغيرة الشعبية التى تحدث فى بيوتنا وشوارعنا ومدارسنا ومزارعنا التى تفضح وتكشف عورات النخب امام الفقر الرهيب الذى يعانى منه جموع الشعب المصرى تقلل من قيمة المقال ومستوى كاتب المقال !!! على الرغم من ان العكس هوالصحيح ...
المقال الصحافى بحد ذاته ابداع فكرى ....وقدرة على رؤية الحقيقة وطرحها بكل ما بها من بشاعة وقبح اذا لزم الامر ... وفن صياغى وليس طرح رؤية بطولية تتحدى طواحين هواء (سرفنتس ) ... المقال الصحافى ليس عرض حال وليس هوية فكرية شخصية تكرر فى كل مقال او نص !!! وليس مجرد ردح ومقولات تعبر عن الالم الشخصى ... فالمقال عبارة عن نص للتعبير عن مواقف ثابتة ومحاورة للواقع فى نفس الوقت !!! لكى نفهم العوامل المؤثرة على تطورات الاحداث حتى نضع التقييم الدقيق لما نواجهه !! .. ولكننا للاسف فى صحافة مصر نتقدم للخلف وليس للامام !! حيث نرى تراجعا كبيرا فى مستوى النص او المقال لغويا وفكريا الى جانب التراجع الاكبر فى الجرأة على ان نطرح الحقيقة بكل بشاعتها وسوداويتها حتى لو كانت صعبة على البعض منا !!! الى جانب ان الرعيل الاول ترك شرخا فى صروح صاحبة الجلالة وتطور الصحافة بصفة عامة ... وبخاصة فى نشوء كتاب قادرين على صياغة النص بشكل بعيد عن حصص الانشاء والتعبير المدرسى فى السياسة والثقافة بوجه عام !!!...
معظم المقالات والكتابات الصحافية التى نراها على صفحات الصحف المصرية والعربية مليئة بالضجيج الذى لايروى عطشنا للمعرفة ولا يوصل رسالة ... الى جانب اننا نصطدم بالاسفاف اللغوى والفكرى وفقر الدم الثقافى والمعرفى لدى الكثير من الكتاب والصحافيين ... حيث نجد المقالات الصحافية تعج بالسجع الفكرى والسياسى والثقافى دون ان يراعى الكاتب الموقف العينى الذى اختطه لنفسه الى جانب الفكرة الضيقة التى يحركها غضبه المشروع من واقع ملىء بالقهر ... والى هؤلاء الذين يصدعون ادمغتنا ليل نهار من خلال الصحافة والفضائيات حيث يتم تقديمهم لنا على انهم كتاب سياسة ومحللين كبار للسياسة اقول : الكتابة السياسية تحتاج الى رؤية فكرية والمام واسع فى فهم ما وراء الخبر ومتابعة تفاصيل كثيرة جدا لدرجة الارهاق والانهاك الفكرى من اجل صياغة مقال سياسى نجد فيه خصوصية الرؤية وليس مجرد مع او ضد فلان ... او يعيش او يسقط فلان !!! فمعظم المقالات السياسية تعبر عن شخصنة المواقف السياسية ونرجسية الذات الوطنية او البطولية فى اختيار الصياغات المشخصنة والمغموسة بالنرجسية لذلك فى التلخيص الاخير فى المقال الصحافى السياسى لانجد شيئا ... الى جانب التفكير السياسى المبتذل الذى يضلل الجماهير اكثر مما يساهم فى توعيتها ... وهذا النموذج نراه عندما يكون الكاتب من تيار سياسى معين حيث نجد كتاباته واطروحاته تعبر عن هذا التيار السياسى وليس توعية الجماهير حتى وان كانت التوعية عكس ما يعتقده تياره السياسى !!!
لذلك نجد ان ضحالة المستوى الصحافى لدى كثير من العاملين بالصحافة المصرية ... ولهذا لم تتطور صحافتنا وظلت محلك سر !! ... حيث نجد تراجع كبير فى المضمون والمحتوى الصحافى يقابله زيادة رهيبة فى الكم الصحافى من صحف وصحافيين ... وبالتالى فقدنا التأثير السياسى والفكرى والتنويرى والاجتماعى والثقافى بشكل يبعث على القلق والدجر فى نفس ذات الوقت ... فالتطوير الصحافى فى مصر لم يكن فى المحتويات والمضامين والقدرات الصحفية ... فحلم اى صحافى ان ينضم لنقابة الصحافيين ويحصل على كارنيه يؤكد عضويته فيها يبرزه كلما دخل فى مكان ما ... مع العلم ان وضع نقابة الصحافيين غير دستورى بناء على نص حكم المحكمة الدستورية : بعدم احقية النقابة فى اصدار التراخيص بمزاولة المهنة , والغاء وجود نقابة واحدة للمهنة الواحدة .. ولكنه نسى او تناسى عن قصد منه ان يطور فى ثقافته و محتوياته ومضامينه وقدراته الصحافية ....
من العجيب ان نعرف وياليتنا ما عرفنا ان التفكير الاساسى وراء اصدار اى صحيفة جديدة فى مصر لم يكن من اجل قناعات او ضرورات سياسية او فكرية او ثقافية بل شكلت ارباح الدعاية التجارية المضمون والهدف الرئيس والاساسى وراء اصدار اى جريدة !!! لذلك نجد معظم هذه الصحف على هامش الصحافة حتى وان كانت حكومية وتمتلكها الدولة مثل صحف الاهرام وغيرها من الصحف التى تفتقد الى نهج يوجه نشاطها الصحافى والاعلامى ... حيث تظن صحيفة كالاهرام ان الاعلان هو معيار قوة الصحيفة ... وهذا خطأ جسيم يجب ان يحاسب عليه رئيس مجلس ادارة الجريدة او المؤسسة ورئيس تحريرها حيث نرى تطورا كميا يقابله تلاشى فى المضمون الصحافى فى ابسط اشكاله وهذا اوضح من الشمس فى رابعه النهار !!! حيث نجد الاعلان يحتل مايزيد عن 70% من مساحة صفحات الجريدة وما تبقى من مساحة هو مجرد تعبئة فراغات الى جانب الغياب الواضح والفج للرؤية الاعلامية وهشاشة المضامين الصحفية المنشورة داخل الجريدة التى تفتقد للمعايير الاولية فى الثقافة ... وغياب الرؤية التنويرية جعل الجريدة فى مزيد من التأزيم الثقافى والفكرى الى جانب انها اصبحت مجرد نشرة اعلانات لا اكثر ولا اقل !!!
من المضحكات المبكيات ان ترى جرائد حكومية وبعض الجرائد الخاصة تكتب فى الترويسة ( الاشتراكات السنوية مقدارها كذا ) وهذا خطأ كبير تقع فيه معظم الجرائد الا من رحم ربى !!! هم يجهلون تاريخ التطوير الصحافى فى مصر وقطار التغيير فى بلاط صاحبة الجلالة الى اى محطة وصل !!! لان الاشتراكات فى الماضى كانت من الموارد الثابتة المنتظمة لاى صحيفة فى مصر !!! ولكن الصحف فى العصر الحالى تعتمد على البيع فى القاهرة والاسكندرية والاقاليم والمحافظات ذات الكثافة السكانية المرتفعة ولا تعول على الاشتراكات ... حيث لم تكن وسائل البيع فى الاقاليم والمحافظات ميسورة فى الماضى فضلا عن الصحف الاسبوعية او الشهرية الى زمن قريب !! ومن المضحكات المبكيات ايضا السرعة الرهيبة لبعض الصحف المصرية والعربية الى اطلاق مواقع الكترونية تستنسخ الصحيفة الورقية لها دون تحديث او تغيير ... مما يدل على البدائية والسطحية فى التعاطى مع الاعلام الالكترونى المقتحم بخطى سريعة وثابتة لعالمنا ... فعقليتنا لاتزال فى مرحلة ما قبل الانترنت او عقلية ما قبل التغيير والتطوير !!! الخلاصة ان الانترنت جاءت لصحافتنا المملوءة بالمشاكل الذاتية لتعالج على نطاق محدود انترنتيا مشاكل صحافتنا الفارغة من المضمون ولكن باسلوب عاطفى لايخلو من السطحية وتفاهة العرض لما تعانية صحافتنا .... حمدى السعيد سالم
#حمدى_السعيد_سالم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النت لا يرحم عزيز قوم فل
-
اهرش الانسان يظهر لك الحيوان
-
انت سر وجودى
-
طهروا الاعلام من اللئام تنتصر الثورة
-
الرضا الطلابى كمؤشر لجودة الاداء التعليمى بجامعة كفرالشيخ
-
مات الحب
-
كيف يحق للمجلس العسكرى استخدام صمت حزب الكنبة كرأى له!!!
-
المجلس العسكرى واخطاء ( جالن )
-
التمزق النفسى والتصدع الاجتماعى دعوة للانسحاب من الحياة
-
احرار مصر يبكون الشهداء ... وعبيد العباسية يبكون جلاديهم
-
غادة كمال شاهدة على وحشية وبربرية الجيش
-
الرد على اكاذيب وافتراءات المجلس العسكرى
-
الثورة والمجلس العسكرى طرفى نقيض
-
انت اخويا ولا ....
-
الجنزورى سيدخل مجلس الوزراء على اشلاء القتلى!!!!
-
لن ابكى ....
-
ما اشبه الليلة بالبارحة
-
خصخصة الحروب تحت غطاء دولة فرسان مالطا
-
احتاجك كى اعيش
-
رؤية التيار المدني و رؤية التيار الديني لحل مشكل مصر
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|