|
حزب العدالة والتنمية من معارضة الحكومة إلى رئاستها .
سعيد الكحل
الحوار المتمدن-العدد: 3605 - 2012 / 1 / 12 - 16:32
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يشكل حزب العدالة والتنمية استثناء في المشهد السياسي المغربي على أكثر من مستوى : 1 ـ مستوى التأسيس ، حيث سلك الحزب مسلكا لم تألفه الساحة السياسية المغربية ، ويتمثل في التحاق أعضاء جمعية دعوية بإطار حزبي مهيكل بعد أن رفضت الدولة الترخيص لهم بتأسيس حزب سياسي اعتبارا للخلفية الدينية التي تحكم توجهاتهم وتضع الحزب المراد تأسيسه في حالة خرق لنص الدستور الذي يمنع قيام الأحزاب على أسس دينية أو عرقية . فكان حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية الذي أسسه الدكتور الخطيب منتصف ستينيات القرن العشرين بعد انشقاقه عن الحركة الشعبية ، حاضنا للطموح السياسي الذي راود أعضاء حركة التوحيد والإصلاح الدعوية الذين التحقوا بالحزب سنة 1996 وشاركوا في مؤتمره الاستثنائي الذي انعق لهذا الغرض وانتخبوا في هياكله المقررة . وفي سنة 1997 خاض الإسلاميون الانتخابات التشريعية وفازوا بتسعة مقاعد فتحت لهم باب المؤسسة التشريعية لممارسة العمل السياسي من داخل مؤسسات النظام . وفي سنة 1998 سيقرر المجلس الوطني (برلمان الحزب) تغيير اسم الحزب ليصبح "حزب العدالة والتنمية" . إنه مسار استثنائي لم يسلك الانشقاق الذي يسم الحياة الحزبية ولا التأسيس بترخيص من الإدارة ولا حتى برعاية منها ودعم مادي وإداري كما كان الحال بالنسبة للأحزاب الإدارية التي نشأت في حضن الدولة وبقرار منها . 2 ـ مستوى التدبير البرغماتي للصراع مع الدولة . معلوم أن القيادات الإسلامية التي هندست للالتحاق بحزب الدكتور الخطيب ، تنحدر في غالبيتها من حركة الشبيبة الإسلامية التي تأسست على عقائد تناهض النظام الملكي وتسعى لإقامة نظام بديل . فلم تكن الدولة على ثقة بأن هذه القيادات الإسلامية المتشددة ستنضبط لعمل المؤسسات الدستورية إن هي رخصت لها بتأسيس حزب حتى وإن حمل اسما لا يوحي بخلفيته الدينية . لهذا تكلف الدكتور الخطيب بترويض القيادة الإسلامية على قواعد اللعبة السياسية بما يسهل إدماجها التدريجي في مؤسسات الدولة وتخليصها من رواسب الفكر المتشدد . على هذا الأساس لعب الدكتور الخطيب بتنسيق مع الراحل إدريس البصري وزير الداخلية حينها دورا محوريا في إدخال إسلاميي حركة التوحيد والإصلاح إلى العمل السياسي الشرعي/القانوني . ومنذ سنة 1999 سيرفع حزب العدالة والتنمية من جاهزيته ليكون حزبا وازنا في الساحة السياسية ورقما صعبا في المعادلة السياسية لا يمكن تهميشه أو تجاهله . واستطاع الحزب ، بنزعته البراغماتية ، أن يؤثر في كثير من القضايا بدءا بمدونة الأسرة وانتهاء بالدستور الجديد . كما أظهر ــ الحزب ــ مرونة كبيرة إثر الضغوطات التي مورست ضده عقب الأحداث الإرهابية ل 16 ماي 2003 بالدار البيضاء ، واستطاع تجاوز العاصفة بقدر من الحكمة وضبط النفس ولم ينجر إلى المواجهة والصدام بفعل الاستفزازات التي تعرض لها وتحميله المسئولية المعنوية للأحداث الإرهابية بسبب دعمه للتنظيمات المتطرفة وترويجه لفقه الغلو والتشدد . وكان مما فعله أنه صوت لصالح قانون الإرهاب ثم موافقته على مشروع مدونة الأسرة بعد عرضه على المصادقة داخل البرلمان ، فضلا عن قرارات أخرى أكثر أهمية وجرأة دون أن يكون لها تأثير سلبي على الحزب ، أهمها تقليص الترشيحات لتشمل عددا محددا من الدوائر الانتخابية حتى لا يحصل الحزب على نسبة أكبر من المقاعد البرلمانية ؛ خصوصا وأن الظرف الدولي لم يكن يسمح بفوز الإسلاميين بالانتخابات في ظل الحرب على الإرهاب التي تقودها الولايات المتحدة عقب هجمات 11/9/2001 . كان الحزب يتقن الانحناء أمام العاصفة دون أن يفقد قواعده التنظيمية أو مصداقيته لدى المتعاطفين معه . كما لم يتردد الحزب في التدخل بما يرفع عنه الحرج بسبب انتخاب مصطفى الرميد رئيسا للفريق البرلماني لمواقفه المتشنجة والمتصادمة أحيانا مع جهات داخل الدولة .واستمر الحزب على نهجه البراغماتي ، يهاجم حينا ويتنازل أحيان دون أن ينتقل إلى خندق المواجهة المكشوفة حتى وإن طالت هجمات الدولة بعض قياداته كما كان الحال مع جامع المعتصم ــ عضو الأمانة العام للحزب ــ الذي اعتقلته النيابة العامة بتهمة الفساد الإداري والشطط في استعمال السلطة . ويحسب للحزب أن أفلح في تحويل الضربات التي تستهدفه إلى عناصر قوة تدعمه . 3 ـ استثمار الفرص وإثارة الزوابع : ذلك أن الحزب ، بقدر ما يجيد البراغماتية يجيد استثمار الفرص أيا كان حجمها . فالحزب يحرص على تصيد الفرص ولو لتسجيل المواقف وإثارة الانتباه ، كأضعف الإيمان ، إلى أن هناك هيئة سياسية تتصدى لما قد يمس الدين أو الأخلاق أو يتهدد الهوية العربية الإسلامية للشعب المغربي . وكان مشروع خطة إدماج المرأة في التنمية الذي أعدته الحكومة ونشرته في 15 مارس 1999 ، أولى المناسبات التي استغلها الحزب بشراسة واستثمرها لصالحه حيث بوأته الرتبة الأولى من حيث الأصوات المحصل عليها في انتخابات 2007 رغم التزوير الذي مورس ضد تسعة من مرشحيه . إلا أن أبرز الفرص التي أجاد الحزب استغلالها ، هي الحراك الاجتماعي والسياسي الذي أطلق ديناميكيته الربيع العربي .فلا شك أن الحراك الاجتماعي الذي فجرته الثورة التونسية في الوطن العربي ، وأعطته حركة 20 فبراير زخما شعبيا وازنا ، هو الذي حمل حزب العدالة والتنمية إلى السلطة وقلده رئاسة الحكومة التي حُرم من المشاركة فيها سنة 1997 فانتقل إلى معارضتها . ذلك أن الحزب استفاد من الحراك الاجتماعي والسياسي على مستويات عديدة أبرزها : أ ــ ممارسة الضغط على اللجنة المكلفة بتعديل الدستور لإقرار التعديلات التي تشبث بها الحزب ، إذ أدخلت تعديلات على مسودة الدستور حتى بعد انتهاء اللجنة من صياغتها . فالحزب ظل يتهدد بالنزول إلى الشارع مع حركة 20 فبراير إذا لم تؤخذ مطالبه في الاعتبار . ولم تمارس هيئة سياسية الضغط نفسه أو نصفه مثلما فعل حزب العدالة والتنمية . ب ـ فرض مستوى معقول من الشفافية في الانتخابات مكنت الحزب من تصدر نتائجها والانفراد بالمرتبة الأولى بفارق كبير من الأصوات والمقاعد البرلمانية .فالحزب لم يكف عن التهديد بالالتحاق بحركة 20 فبراير إذا زورت النتائج ولم يحتل المرتبة الأولى . وكان لهذا التهديد أثره على مجريات العملية الانتخابية بدءا من التحضير والإعداد وانتهاء بفرز الأصوات والإعلان عن النتائج . ج ـ تعيين أمينه العام رئيسا للحكومة رغم ما تداولته الصحافة من تحفظات لدى السلطات العليا عن السيد بنكيران . فالحزب لم يكُف عن توجيه رسائل مباشرة إلى الملك مفادها أن مناضلي الحزب وهيئاته المقررة اختارت الأمين العام وتوافقت عليه بالإجماع ليكون رئيسا للحكومة ، وأي تعيين يستثنيه ، فإن مؤسسات الحزب ستقرر الشكل المناسب للتعامل مع الموقف . ومضمون هذه الرسالة أن الحزب مصر على تعيين أمينه العام رئيسا للحكومة كما تقتضي القواعد الديمقراطية حتى وإن لم ينص الدستور المغربي صراحة على تعيين الأمين العام للحزب الفائز بالانتخابات رئيسا للحكومة . د ـ حصوله على ما يقرب من نصف الحقائب الوزارية إذا استثنينا وزراء السيادة الخمسة . ولم يحدث أن حصل حزب على مثل هذه النسبة في تاريخ المغرب الحديث . هـ ـ إعادة الاعتبار للحزب وتقديمه كعامل أساسي لضمان الاستقرار وتجنيب المغرب هزات سياسية بفعل الحراك الاجتماعي . فالحزب لم ينخرط بفعالية في حركة 20 فبراير ، بل وظفها لصالحه لما أقنع الدولة بأن التحاقه بالحراك سيقلب الموازين . فالحزب أدرك جيدا الفرص الهامة والتاريخية التي فتحها أمامه حركة 20 فبراير ، لهذا سعى إلى استغلالها بالخلفية البراغماتية التي درج عليها . إذ منذ الإعلان عن تأسيس الحركة ، سارع أمين عام الحزب إلى الاستخفاف بالحركة والاستهزاء منها ؛ وهي رسالة واضحة للنظام تطمئنه إلى تعاون حزب العدالة والتنمية واصطفافه إلى خيار الاستقرار والتغيير الديمقراطي المتدرج . وما أكسب موقف الحزب وزنا اختلافُه مع جماعة العدل والإحسان . الأمر الذي ضمن توازنا سياسيا حافظ على هدوء الشارع واستقرار الوضع الأمني . لكن في نفس الوقت لم يمنع الحزب أعضاءه من الانخراط في حركة 20 فبراير والمشاركة في الاحتجاجات التي تنظمها ضد الفساد والاستبداد ، في إشارة واضحة إلى كون الحزب على استعداد للاصطفاف في الخندق الرافض لكل الإصلاحات التي قدمها النظام .ومن شأن تغيير الخندق أن يعزز صفوف التيارات المناهضة للنظام ، مما قد يفتح المغرب على المجهول . وهذا التكتيك الذي اتبعه حزب العدالة والتنمية لم تنهجه باقي الأحزاب وخاصة الاتحاد الاشتراكي الذي خرج من الانتخابات الخاسر الأكبر ؛ فيما الأحزاب اليسارية الأخرى ، باستثناء حزب التقدم والاشتراكية ، لم توازن بين المعارضة من داخل المؤسسات والمعارضة من خلال الشارع العام ، فقررت مقاطعة الانتخابات والالتحاق بحركة 20 فبراير كرهان وحيد للتغيير . و ــ طمأنة الدولة والنظام بأن وصول الإسلاميين إلى السلطة لا يشكل خطرا على الاستقرار .ذلك أن الحزب ظل يرسل الإشارات تباعا إلى الجهات العليا ويؤكد لها ألا خوف من فوز الحزب وترؤسه للحكومة ، بل اعتبر الفوز عاملا رئيسيا للاستقرار ومؤشرا ذا دلالة سياسية على جدية الإصلاح والتغيير اللذين انخرط فيهما المغرب . في ظرف قياسي إذن ، تمكن الحزب من تحقيق نقلة نوعية أهلته لقيادة أول حكومة في ظل الدستور الجديد . الأمر الذي يضع على كاهله مسئوليات جسيمة تجاه المواطنين الذين يتطلعون إلى التغيير الحقيقي في معيشهم اليومي .فضلا عن مسئولية إنجاح تجربة الإسلاميين في الحكم لتكون نموذجا على المستوى العربي . لهذا أعتقد أن الظروف السياسية المرتبطة بالحراك الاجتماعي واستمرار حركة 20 فبراير في التظاهر ولو بأعداد محدودة بعد انسحاب جماعة العدل والإحسان ، والإرادة الملكية من أجل تحقيق الإصلاح والاستجابة لانتظارات المواطنين خاصة المتعلقة بالشغل ومحاربة الفساد والرشوة وخلق التنمية ، فضلا عن الدعم المالي الكبير ( 2،5 مليار دولار) الذي التزمت به دول مجلس التعاون الخليجي من أجل دعم الاستقرار في المغرب وخلق فرص الاستثمار ، كلها عوامل تضمن نجاح حزب العدالة والتنمية في تدبير الشأن العام ، خصوصا وأن الحزب سيستفيد من المؤسسات التي أحدثها الدستور مثل المجلس الاقتصادي والاجتماعي المغربي . يضاف إلى هذا الدعم المالي الذي وعدت به الدول الغربية لدعم الإصلاح في البلدان المغاربية وضمنها المغرب . هناك عوامل أخرى ستلعب دورا أساسيا لصالح حكومة بنكيران ، وأهمها العامل الدستوري الذي يمنح للحكومة صلاحيات واسعة . فالأمر إذن ، متوقف على الإرادة الذاتية للحكومة والأحزاب المكونة لها وخاصة حزب العدالة والتنمية الذي يرأسها ويملك عناصر تفعيلها والرفع من أدائها .
#سعيد_الكحل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ثورة تأكل الثورة والتاريخ والمستقبل
-
حوار لفائدة جريدة الصباح المغربية
-
حوار مع شيخ متطرف (9)
-
حوار مع شيخ متطرف (8)
-
سعي الأقليات إلى إقامة كيان سياسي خاص طلب للكرامة و الحرية و
...
-
منذ متى كان الإسلاميون يناصرون حقوق النساء ؟ !!
-
مطالب الفبرايريين وعقائد العدليين .
-
مستويات الصراع السياسي في المغرب .
-
حوار مع شيخ متطرف(7)
-
حوار مع شيخ تكفيري (6)
-
حوار مع شيخ متطرف(5)
-
حوار مع شيخ تكفيري متعطش إلى الدماء(4)
-
حوار مع شيخ متطرف (3)
-
متى يمنع المغرب مكبرات الصوت لإذاعة الصلاة خارج المساجد ؟؟
-
حوار مع شيخ تكفيري متطرف (2)
-
حوار مع شيخ متطرف (1)
-
خطاب العرش والتغيير في إطار الاستمرارية .
-
إستراتيجية جماعة العدل والإحسان واحدة بتكتيكات متعددة
-
دستور مغربي يحافظ على التوازنات السياسية .
-
ثماني سنوات على أحداث 16 مايو ، أين المغرب من خطر الإرهاب ؟
المزيد.....
-
لوباريزيان: سجن 3 طلاب أرادوا إنشاء دولة إسلامية بفرنسا
-
“هالصيصان شو حلوين”.. اضبط تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024
...
-
“شاور شاور”.. استقبل تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ال
...
-
قصة الاختراق الكبير.. 30 جاسوسا معظمهم يهود لخدمة إيران
-
بالفيديو: خطاب قائد الثورة الإسلامية وضع النقاط على الحروف
-
السفير الديلمي: كل بلدان العالم الاسلامي مستهدفة
-
مقتل وزير اللاجئين في حركة طالبان الأفغانية بانفجار في كابول
...
-
المرشد الأعلى الإيراني: الولايات المتحدة والنظام الإسرائيلي
...
-
المرشد الأعلى في إيران يعلق على ما حدث في سوريا
-
بابا الفاتيكان يوجه رسالة للقيادة الجديدة في سوريا
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|