أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - زهير الخويلدي - إرادة الحياة والفرح المؤجل















المزيد.....

إرادة الحياة والفرح المؤجل


زهير الخويلدي

الحوار المتمدن-العدد: 3605 - 2012 / 1 / 12 - 03:04
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
    


"الإرادة هي إرادة الحياة التي تعبر عن نفسها كاندفاع أعمي لا عاقل نحو الحياة" – أرثور شوبنهاور-
إن الرغبة في الثورة هي التي جعلت الشعب الموحد يذيب العصر الجليدي ويقضي على المشاعر السلبية والقوى الارتكاسية ويشعر بالحاجة الماسة إلى حسم الأمور لصالحه والتسلح بالنضج وإرادة الحياة والإحساس بنشوة الانتصار على الظلم وإطلاق مملكة الخيال للحلم وتحرير القوى الفاعلة من سجن القمع.
والحق أن الشعب لم يرغب في الثورة لأنه أوجد لها العلل الكافية بطريقة جنينية وحاذقة وصبورة وإنما هو أوجد لها الأسباب الموضوعية لأنه رغب فيها وحلم بها وحولها من عالم الممكن إلى عالم الوجوب. إن اندفاع الشعب نحو الثورة هو اندفاع لاواعي وحماسي نحو الحياة غير مبالي بالموت وما يتعرض له من أذى وان وهجومه على سجانيه وظالميه هو هجوم تصاعدي غير مكترث بالأهوال والعواقب والمحن.
تمر الحقائق حسب فيلسوف الإرادة والحياة بثلاث مراحل: الأولى أن تتعرض للسخرية، والثانية أن تقاوم بعنف، أما الثالثة فأن يتم اعتبارها من المسلمات. وحقيقة الثورة التونسية هي من هذا القبيل فقد سخر منها البعض في البداية واعتبروها مجرد تمرد أو انتفاضة وأن النظام القديم سيتمكن من تنظيم صفوفه والالتفاف عليها، وحاول البعض الآخر بعد ذلك مقاومتها بكل ما أوتي من حيلة ومكر وعنف رمزي ومادي ومحو آثارها والسطو على ثمارها والركوب على مسارها وتحويل وجهتها لحساباته الخاصة. لكن في نهاية المطاف الفريق الثالث وهو الشعب قد اعتبرها من المسلمات وصارت في عداد البديهيات ولا يمكن التشكيك في ملابساتها وظروفها ودواعيها ورهاناتها ومطالبها وقد استبطنها في مخياله الاجتماعي وذاكرته الجماعية وهاهو يحتفل بمناسبة مرور عام على تفجرها بذكراها في 14 جانفي ويستعيد أحداثها لحظة بلحظة ويوم بيوم ويمر على كل مدينة انتفضت وكل شارع اهتز وكل معركة حصلت بالثناء والإعجاب وينظر إلى كل شهيد ارتفعت روحه إلى السماء وكل ثائر جرح بالدعاء والتمجيد والشفاء.
إن سر انفجار الثورة في تونس ونجاحها في إزاحة الدكتاتور هو من وجهة نظر الناشط خير الدين حسيب ناتج عن توفر أربعة شروط وهي: 1ـ كسر حاجز الخوف، 2ـ وحدة الإرادة الشعبية، 3ـ السلمية والابتعاد عن العنف الذي يوفر للنظام الأقدر على العنف تبريراً لاستعماله، 4ـ تأييد الجيش أو وقوفه على الحياد.
في الواقع يمكن إضافة معطى خامس إلى هذه الشروط الأربعة وهو تشكل حس مشترك كون حجما اجتماعيا هائلا مارس نوعا من الضغط السياسي على النظام رافعا سقف المطالب المستحقة إلى أقصى نقطة وهي المجاهرة بتمسكه برحيل الجهاز الحاكم برمته ومناداته بنظام برلماني بديلا عن الرئاسوية.
لقد شخص الشعب عن طريق الحس المشترك الذي هو إحساس بالوحدة بين الناس والمصير المشترك مجموعة من الأعراض في النظام الشمولي استنتج منها شيخوخته وقابليته للسقوط ولقد استقبل إشارات غذت لديه الأمل في تحقيق الهدف من الأمثل لكل مدنية لا اجتماعية تحكم العلاقات السياسية غير المتنورة وهو الثورة ولقد قام بسد الطريق أمام إمكانية العودة إلى السلسلة المقيدة والانتظارات من الوعود الزائفة.
لقد كان الشعب على وعد بأن تحدث تجربة اجتماعية تاريخية في الوطن تكون علامة فارقة وحدثا استثنائيا يتحول على أثرها إلى علة التقدم نحو الأفضل وسبب الاستفاقة التي ستحصل للشعوب الأخرى.
إن بيت الشعر الشهير الذي كتبه أبو القاسم الشابي " إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر" لا يعني إرادة الشعب فقط ولا إرادة الحياة في المطلق وإنما يربط بين الشعب والإرادة والحياة بحيث يقهر العجز والعدم والضياع في العالم ويصمم على العودة إلى التاريخ والفعل في الواقع ويستجيب له القدر، انه يعني أن الشعب يريد الحياة الكريمة في مجتمع عادل تديره مؤسسات مدنية ودولةعصرية دون فساد.
اللافت للنظر أن الثوار لم يعبروا عن فرحهم بمنجزاتهم وأن الاحتفال بمرور عام كامل على حدوث الواقعة ونزول البطشة الكبرى التي انتزع فيها الجمهور الحكم من خيوط العناكب الإبليسية لم يتم بشكل مرموق وأن التعبير عن السرور والافتخار بتنظيم انتخابات ديمقراطية وشفافة وقيام نظام سياسي تعددي توافقي ولو بشكل انتقالي عادل وهادئ لم يحدث وأن تحرير الفضاء العام من التضييق والاحتكار والسماح للأحزاب والمنظمات والهيئات والجمعيات والمنظمات بالنشاط العلني والحر لم يغير الواقع شيئا كثيرا.
إن العراقيل والتحديات التي تواجهها ثورة الكرامة والاستحقاق هي أكبر من استعداد النخب السياسية والحقوقية والثقافية على التفاوض والتفاهم والتوافق وهي أيضا أكثر من الإمكانيات الموضوعة على ذمتها من أجل إيقاف البلد على قدميها والشروع العاجل في إيجاد سبل للخروج من البشرية اللااجتماعية التي تتميز بالنزاع والعنف إلى حالة من التنظيم والمدنية وفق ما يأمر به العقل وتعيره القيم والحكمة.
إن عودة الاستقطاب الثنائي بين معسكرين متعاديين وتزايد الخطاب المتشنج والاعتصام بالايدولوجيا المغلقة دون القيام بنقد ذاتي للممارسات الخاطئة ودون إحداث مراجعات في النظريات يؤخر عملية الانتقال من حالة الفوضى والتوتر إلى حالة الاستعادة والارتقاء التدريجي ويدخل المجتمع في طريق مسدود ويزيد من تدهور الأوضاع واحتقان الأجواء ويفوت فرص كثيرة على الجميع من اجل استكمال مسار الثورة وتحقيق أهدافها ومحاسبة المسؤولين عن الفساد والمشاركين في الإفساد والاستغلال.
إن المطلوب هو خلاف ذلك التعاون على البر والتقوى والكف عن الإثم والعدوان وان أحسن المعاول النظرية والعملية الممكنة هو الصعود بالثورة من الشارع إلى الإدارة والذهاب بها من الأعيان إلى الأذهان وذلك بالتناصح بالحق والتواصي بالصبر واجتثاث الفساد من جذوره ومقاومة كل أشكال الارتداد. أليس الفرح الحقيقي للشعب هو أن يريد الحياة بشكل دائم وأن ينتصر على الروح الثقيل ونزعات العدمية؟ فمتى تصبح الشرعية الثورية هي الفيصل في النزعات بين الأصدقاء الألداء؟ وما الذي يسمح بأن يكون الرصيد النضالي والجدارة المهنية والكفاءة العلمية هي أساس تحمل المسؤولية وليس علاقات القرابة والمصاهرة؟ وكيف يتم ترجمة الإرادة الشعبية في مستوى القرارات المصيرية على أرض الواقع السياسي وتكون خير ضامن للديمقراطية الاندماجية الوليدة وتعمل على منع قيام دكتاتوريات ما بعد ثورية جديدة؟

المرجع

Arthur Schopenhauer, Le monde comme volonté et représentation, traduction par. Auguste Burdeau, éditions PUF, Paris,1966.



#زهير_الخويلدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عام ثوري يمضي ومستقبل واعد يُطل!
- الديمقراطية الاندماجية ورهانات الثورة
- مصير الثورة العربية بعد عام من تفجرها
- الاسلام الشعبي في مواجهة الامبريالية
- المثقف التونسي والسياسة
- الفلسفة بين الأدلجة والتسييس
- الأنظمة العربية بين الصعود والهبوط
- متابعة كتاب -الثورة العربية وارادة الحياة، قراءة فلسفية-
- السيادة بين المطلق والنسبي
- مفارقة السلطة والعنف
- الثورة الرقمية والفعل الافتراضي
- تعاقب النظام والفوضى على المشهد العربي
- طبيعة التحولات المعاصرة
- الحذر الفلسفي من سطوة الخطاب القانوني
- الاسلام المستنير وأهمية العمل السياسي
- فهم الظاهرة الشمولية
- فصل المقال بين السياسة والدين
- المد الثوري العربي واستحقاقات المرحلة
- الارادة الشعبية سر انتصار الثورات العربية
- سيكولوجيا الشعوب والعقل الجمهوري


المزيد.....




- الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
- هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال ...
- الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف ...
- السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا ...
- بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو ...
- حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء ...
- الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا ...
- جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر ...
- بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
- «الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد ...


المزيد.....

- مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة / عبد الرحمان النوضة
- الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية ... / وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
- عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ ... / محمد الحنفي
- الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية / مصطفى الدروبي
- جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني ... / محمد الخويلدي
- اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956 / خميس بن محمد عرفاوي
- من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963.......... / كريم الزكي
- مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة- / حسان خالد شاتيلا
- التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية / فلاح علي
- الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى ... / حسان عاكف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - زهير الخويلدي - إرادة الحياة والفرح المؤجل