اسماعيل الحامض
الحوار المتمدن-العدد: 1066 - 2005 / 1 / 2 - 06:09
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
معالجة أعراض المرض لاتشفي المريض
نشرت جريدة تشرين في عددها رقم 9131 تاريخ 28-12-2004 الصفحة الاقتصادية مقالاً للأستاذ الدكتور محمد مرعي مرعي بعنوان التحول نحو الإدارة العامة الجديدة new public management والأستاذ مرعي هو عميد معهد التنمية الإدارية في سوريا .
المقال يستحق القراءة والتأمل والمناقشة لسببين أساسيين :
أولاً :لأن كاتب المقال عميد معهد التنمية الإدارية ( مسؤول رسمي ) ويتطرق بجرأة مميزة لقضية الإصلاح الإداري ويضع النقاط على الحروف بشكل واضح وبدون مواربة كما عودنا الرسميون السوريون .
ثانياً : لأن جريدة تشرين الرسمية هي التي نشرت المقال , خارجة بذالك عن روتينها المزمن والممل الذي لا يتجاوز الحديث عن الاستقبالات والوداع وبرقيات التأييد والحديث عن حفرة هنا ومكب زبالة هناك , نتمنى أن تستمر هذه الصحوة التي بدأت منذ عدة أسابيع وأن تكون بداية تغير حقيقي في وسائل الإعلام السورية .
المقال يبدأ بالعبارة التالية (بعد أن اضطرت البلدان المتخلفة ومؤسساتها شبه الحية على اعادة النظر في أوضاعها الإدارية والاقتصادية وغير ذلك حين وصلت الى أبواب مسدودة تعوق استمرارها بل وبقاءها )
وهنا نتوقف عند التعميم (البلدان المتخلفة ) رغم أن الحديث عن الإصلاح الإداري في سورية هو شعار المرحلة
التي يتحدث عنها الدكتور مرعي , لكن يبدو أن هذه الظاهرة هي سمة عامة عند معظم المثقفين السوريين , فعند التطرق بالنقد لمشاكل حساسة في سورية نجد أن حديثهم يتجاوز الحدود ليشمل الوطن العربي أو البلدان النامية وكأنها محاولة للتملص من حساب لاحق سيلقونه بعد أن تصل طروحاتهم إلى أجهزة الرقابة المختصة .
أما عندما يقول ( إعادة النظر في أوضاعها الإدارية والاقتصادية وغير ذلك ) نسأل ما هي الغير ذلك ؟ يبدو أن المقصود بها ( السياسية ) فكلمة السياسة استعصت على الدخول ضمن نيسج مقال الدكتور محمد مرعي .طبعاً ما قلته لا ينتقص من قيمة المقالة التي تخلص إلى نتائج صحيحة مفادها أن الإصلاح الإداري هو وسيلة وليس غاية
(وسيلة لتمكين المسؤولين الكبار من البقاء في مناصبهم ونفوذهم ومكاسبهم ..... وزيادة حجوم جيوبهم التي تمتد من داخل الوطن لتصل أقصى أركان الكرة الأرضية بشكل استثمارات متنوعة أو بودائع مصرفية سرية .... )
يتطرق المقال لقضية التحول إلى القطاع الخاص وإلى قضية الإصلاحات الاقتصادية والمالية والتشريعية ويعتبر أنها فصلت على مقاس ومصالح مجموعة معينة وليست لصالح المجتمع حيث يقول في هذا المجال :
( بذلك تم تسهيل توظيف الأموال المسروقة من مؤسسات الدولة واقتصادها على امتداد سنوات طويلة في ميادين استثمارية مربحة جداً تعود بفائدة على من دفع باتجاهها أكبر من الفائدة من القطاع العام ....... )
ويستمر الدكتور في محاولته تشخيص المرض السوري المزمن من خلال توصيفه لأعراض هذا المرض محملاً المسؤولية كاملة لهؤلاء القادة حيث يقول عنهم :
( .... إحدى قدميهم في القطاع العام بنفوذه وسلطاته وعلاقاته وحصالته لنهب ما تبقى من أموال وتوجيه مساراته وفق مصالحهم ...)
(.... والقدم الأخرى في القطاع الخاص عبر أبنائهم وأقاربهم وزبانيتهم باستثماراته وتشريعاته المشجعة لهم وأرباحه الباهظة وخلوه من الضرائب ....... )
(.... نعرف جميعاً أنهم أعاقوا عبر وجودهم في الإدارات تأهيل الأطر في الصفين الثاني والثالث .... وأرغموها على قبول أدوار الأزلام من ذوي النفوس الرخيصة ....وهمشوا أصحاب الطاقات الكامنة وأحبطوهم وهجروهم خارج البلد ...... هم الذين أعاقوا التشريعات الملائمة منذ عقود ........هم الذين منعوا دخول التقانة الحديثة سابقاً وأدخلوها لاحقاً لغاية في نفس يعقوب ...... عمولات وسمسرة وفساد ......)
(.....هم الذين أهانوا المواطن وجعلوه في خدمتهم ... خاضعاً لهم ولكتبتهم وحراسهم.................... )
(....... هم الذين جعلوا مفهوم الخدمة عطية يمنحها المسؤولون وزبانيتهم للمواطنين ....................)
(......هم الذين حولوا الموظف إلى أداة بسيط لتنفيذ التعليمات والأوامر ... وشكلوا عنده القناعات بعبثية العمل والإنتاج وقتلوا روح الإبداع والتفكير والمبادرة ........)
(.... هم الذين خرجوا من أوساط اجتماعية عادية تغيروا كلياً يعد استلام مواقعهم ليصبحوا مستعلين ..يتباهون بالفيلات والمزارع والعقارات التي يمتلكونها ............... هم.... هم .............هم ............................)
ويخلص الدكتور إلى نتيجة منطقية تستبعد امكانية تحقيق الإصلاح الإداري حيث يقول ( الآن لم يعد مقبولاً التحدث عن الإصلاح الإداري في المؤسسات والإدارات, ولم يعد ممكناً تنفيذه , وهذا ما شاهده ولمسه واقتنع به غالبية إن لم نقل كافة المواطنين ) ويشترط تطبيق بعض التوصيات من أجل إنجاح الإصلاح الإداري ( أداء دور القدوة من قبل المسؤولين الإداريين عملاً .... ونزاهة - تحقيق الكفاية المادية للمواطن ...... –بناء مؤسسات تفرض منطق العمل والقانون ........ – وجود موارد بشرية كفوءة ....... – تشريعات واضحة ومنصفة ....... – توطين التقانة واستثمارها .......... ) لكنه يخلص إلى نتيجة مفادها أن ذلك يصعب تطبيقه في ظل الوضع الإداري الراهن ؟ وينصح بالتوجه نحو( الإدارة العامة الجديدة ) التي سيطلعنا عليها في مقال لاحق .
لا أعتقد أن أحداً يمكن أن يجادل في وصف أعراض المرض السوري والتي أجاد الأستاذ مرعي في إضاءة بعض جوانبها لكننا يحق لنا أن نبحث عن أسباب هذا المرض وكيف استمر كل هذه العقود حتى تفاقمت أعراضه لتصل إلى كل مكان , كيف استطاع هؤلاء القادة أن يقوموا بفعل كل هذه الموبقات المنافية لتطلعات الشعب السوري ويبقوا في مراكزهم لعدة عقود ؟
إنها الحلقة المفقودة التي غابت عن المقال الذي نحن بصدده إنها السياسة ؟ إن احتكار العمل السياسي من قبل الحزب الواحد ومن ثم من قبل الفرد الواحد هو الذي مكن هؤلاء الذين استولوا على السلطة بالقوة وحولوا الدولة من مؤسسة للخدمة العامة إلى مؤسسة لخدمة السلطة .مكنهم من تحويل المواطنين إلى رعايا وتحويل سورية إلى مزرعة خاصة لهم ولزبانيتهم ؟ إن الاعتماد على المؤسسة العسكرية والأمنية واستخدامها كأداة بيد السلطة لتحقيق استقرارها واستمرارها هو الذي أعاق دور المؤسسات وأسس لهذا الخراب المزمن . إنها الدكتاتورية التي تتنافى مع كل قيم الحداثة فهي التي ألغت العقد الاجتماعي وأحلت محله عقد إذعان فرضته على الشعب السوري ، هي التي خربت البرلمان وحولته إلى مؤسسة في خدمتها ، هي التي ألغت دور القضاء وأتبعته بها ليصبح رديفاً لأجهزتها الأمنية ، هي التي خربت النقابات ووجهتها للعمل ضد مصالح من تمثلهم , هي التي قتلت روح التضامن والتكافل والانتماء عند الشعب السوري ,هي التي ألغت الأحزاب وحولتها إلى هياكل كرتونية بما فيها حزب البعث الحاكم ، هي التي احتكرت الإعلام والمعلومة وحجبتها عن رعاياها ؟ هي .......... هي .....
وإذا كان هناك قناعة لدى السلطة السورية بأنها وصلت إلى أبواب مسدودة تعوق استمرارها بل وبقاءها( كما يقول الدكتور مرعي في بداية مقاله )عليها أن تتحرر من أوهامها وتنظر بعقلانية للمستقبل وتتعامل بواقعية مع المتغيرات الدولية وأن تلجأ إلى الطريق الأسلم والذي يتلخص بالنقاط التالية : إطلاق الحريات العامة وأولها حرية تشكيل الأحزاب السياسية والحريات الإعلامية , إعادة الهيبة والاستقلال للقضاء , الاحتكام إلى صناديق الاقتراع في انتخاب المجالس المحلية والبرلمان , اعتماد مبدأ تداول السلطة والذي يشمل كل المستويات بدون استثناء ، إعادة المؤسسة العسكرية إلى وظيفتها في حماية الوطن ، إعادة المؤسسة الأمنية إلى وظيفتها في حماية المواطن ، وضع دستور جديد للبلاد يلتزم قواعد العدالة والمساواة والحرية وحقوق الإنسان ،
د.اسماعيل الحامض
31-12-2004
* الكلام المكتوب بين مزدوجين هو للدكتور محمد مرعي مرعي كما ورد في مقالته بجريدة تشرين السورية
#اسماعيل_الحامض (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟