|
البيان رقم واحد!
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 3603 - 2012 / 1 / 10 - 15:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أصبحت لدينا طبعة مصرية من هيئة «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، حيث أعلن بعض الشباب السلفيين عن البدء في إجراءات إنشاء الهيئة المشار إليها، اعتمادًا علي «اختيار الأغلبية العظمي من الشعب المصري للإسلام ولحكم شريعة المولي عز وجل بعيدًا عن الليبرالية العفنة». مع ملاحظة أن صفة «العفنة» المنسوبة لليبرالية هي ما ورد في نص «البيان رقم واحد» للهيئة المعنية. وملاحظة ثانية هي أن البيان أكد أن أصحاب هذه «المبادرة» يستلهمون تجربة المملكة العربية السعودية بهذا الصدد. وملاحظة ثالثة هي أن البيان ذاته أكد أن أصحابه «غير تابعين» لحزب النور تبعية مباشرة، إلا أننا نسير علي منهج الحزب لأنه الأقرب إلي «شريعة الله»، كما رحبوا بتسليم الهيئة إلي حزب النور «لإدارتها بعد تكوين كوادر الهيئة». مع العلم بأن حزب النور نفي أي علاقة له بهذه الهيئة أو هؤلاء الشباب، مؤكدا أنها «محاولة لإثارة البلبلة حول الحزب قبل المرحلة الثالثة من الانتخابات البرلمانية. وللتذكرة يلزم التنويه إلي أن هيئة بهذا الاسم قد ظهرت في المملكة العربية السعودية عام 1940، وقالت عند إنشائها إن مهامها هي «تطبيق الشريعة الإسلامية في الأسواق العامة وغير ذلك من الأماكن العامة والحيلولة دون وقوع المنكرات الشرعية والتي منها منع الممارسات التي تظهر عدم الاحترام للدين الإسلامي، ومنع أعمال السحر والشعوذة والدجل لأكل أموال الناس بالباطل». وذكر تقرير آخر بتحديد أكثر، أن المهام «الميدانية» لهذه الهيئة هي حث الناس علي المسارعة إلي تلبية النداء والصلاة جماعة بالمسجد، والتأكد من غلق المحلات، ومغادرة الناس لها، وتوقف البيع والشراء أثناء إقامة الصلاة، وأمر الناس بالحكمة والحسني ودعوتهم إلي الخير والمساهمة في المحافظة علي الأخلاق والقيم الإسلامية والآداب العامة. وفي 16/9/1400 هجرية (أي منذ ثلاثة وثلاثين عامًا تقريبًا)، صدر مرسوم ملكي من الملك خالد بن عبدالعزيز باعتماد نظام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وعموما فإن الباحثين يطلقون علي هذه الهيئة اسم «الشرطة الدينية»، أو«رجال الحسبة».
*** هذه النبذة السريعة عن الخلفية السعودية لهذه الهيئة ربما تفيدنا في تفهم مغزي ظهور مثل هذه الدعوة في المرحلة الانتقالية التي تمر بها مصر من دولة الاستبداد إلي دولة مدنية حديثة.
ومفهوم ـ صراحة وضمنًا ـ أن الدولة المدنية الحديثة هي دولة القانون علي قاعدة المواطنة والمساواة بين المواطنين أمام القانون دون تمييز علي أساس الدين أو الجنس أو العرق أو اللون أو المكانة الاجتماعية أو الموقع الجغرافي وخلافه. ومفهوم ـ صراحة وضمنًا ـ أن القانون يقوم علي رعايته وتطبيقه تطبيقًا نزيها «مؤسسات» مدنية حداثية مؤهلة مبنية علي أساس التخصص والكفاءة بصرف النظر عن الدين أو العرق أو الجنس وغير ذلك من الهويات الفرعية. وبوضع هاتين الحقيقتين في الاعتبار يمكن فهم الاعتراضات، والتخوفات، من ظهور كيانات مثل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المصرية. أول هذه التحفظات هو أن قيامها يعني الالتفاف حول أسس الدولة المدنية الحديثة، واستبدال القانون ـ بـ «الفتوي»، واستبدال «المدني» و«الدنيوي» بـ «الديني». وليس «الديني» بشكل مطلق وإنما «الديني» من وجهة نظر الأفراد الذين يتبنون هذا التفسير، وهو تفسير يتضمن في الأغلب الأعم «وصاية» علي البلاد والعباد، خدمة لمصالح «دنيوية» معينة تحاول أن تسبغ عليه شرعية دينية. أضف إلي ذلك التعبيرات المطاطة، وحمّالة الأوجه، للأدبيات التي تستند إليها مثل هذه الكيانات، علي النحو الذي يمكن أن نلحظه في مهام الهيئة السعودية المذكورة في الأسطر السابقة، مثل «الحيلولة دون وقوع المنكرات»، أو الممارسات التي تظهر عدم الاحترام للدين الإسلامي. فمن الذي يحدد ذلك؟.. وبأي مرجعية؟! هل هو الفرد المنضم إلي هذه الهيئة والذي يعتبر نفسه وصيًا علي الشعر بأسره، بما في ذلك المثقفون والأكاديميون والخبراء والعلماء؟!. وإذا كان هذا النظام قائما في دولة مثل السعودية، لا يوجد فيها حاليا سوي مسلمين، باستثناء العاملين الأجانب فكيف يمكن أن يقوم ويطبق في بلد يوجد فيه ملايين المصريين الذين يعتنقون ديانات أخري غير الإسلام؟!. وألا يعد ذلك مثالاً صارخًا للاهتمام المبالغ فيه بالقشور والمظاهر والفروع لصرف الانتباه عن الأمور الجدية في مجالات السياسة والاقتصاد. في بلد يرث تركة مثقلة من التبعية والتخلف والفقر والاستبداد. ثم هل قام المصريون بثورة،ضحوا فيها بآلاف الشهداء والمصابين، من أجل استبدال الاستبداد السياسي بشكل آخر من الاستبداد الديني؟!. ***
.. وحسنا فعل حزب النور السلفي عندما تبرأ من هذه الدعوة التي تطعن الدولة المدنية الحديثة في الصميم.. وهو ما يجعلنا نأمل في أن يتوصل المصريون علي اختلاف مشاربهم الفكرية ومدارسهم السياسية إلي «توافق وطني» علي القواسم المشتركة لعقد اجتماعي جديد يكفل السلم الأهلي ويضمن العيش المشترك.. لكي تعود مصر ـ كما يقول أستاذنا رفاعة رافع الطهطاوي ـ محلاً للسعادة المشتركة مبنيًا علي المدرسة والمصنع.
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إنها سياسة -المكايدة-.. يا ذكى!
-
الثورة .. مستمرة
-
تطبيع العلاقات مع المجلس العسكرى!
-
مفيش فايده !
-
إمسحى دموعك يا حكومة!
-
مرحلة -سيريالية-.. فى تاريخ الوطن
-
الجماعة السرية التى تحكم مصر
-
تحرير .. العباسية !
-
مجلس الشعب .. وبرلمان -التحرير-
-
مخاطر كثيرة .. وبوليصة تأمين واحدة
-
شروع فى قتل أقدم دولة فى التاريخ
-
الانتخابات .. وثقافة الاستهانة
-
استفزاز مزدوج !
-
تبرعوا لبناء.. -تليفزيون مستقل-
-
لا أحد ينام فى مصر!
-
إشعاع ميدان التحرير يصل إلي «وول ستريت» (1)
-
ابحث مع الشعب: جهاز أمن خرج ..ولم يعد!
-
سجن أبوغريب علي أرض مطار القاهرة!
-
إشعاع ميدان التحرير يصل إلي «وول ستريت»(2)
-
ليالي -الثورة- في فيينا
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|