|
“أوبشن” العمال
هيثم جبر
الحوار المتمدن-العدد: 3602 - 2012 / 1 / 9 - 23:18
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
يارب العمال يعملوا إضرابات”، “الحل أن ندعو لإضراب عام”، “أين العمال؟”، “لماذا لا تنتفض الطبقة العاملة؟”.. أمنيات وتساؤلات، سمعناها من بعض النشطاء والثوار خلال الأشهر الماضية، وارتفعت قليلا مع أحداث نوفمبر، في ميدان التحرير ومحمد محمود ومجلس الوزراء، في محاولة للبحث عن مخرج لأزمة ثوار الميادين المحاصرين بآلة القمع الوحشية من الجيش والشرطة، والمعزولين عن الأغلبية في الشارع. البعض كان يطرح هذه الأمنيات إيمانا بأن حركة العمال قادرة على الضغط بقوة لتحقيق مطلب بحجم إسقاط المجلس العسكري، والبعض الآخر كان يتساءل بنفاد صبر، وكأن لسان حاله موجه إلى الاشتراكيين الذين لا يملوا ولا يكلوا عن ترديد فكرة محورية دور الطبقة العاملة في تجذير الثورة. كلا الفريقان يفكر في حركة الطبقة العاملة ونضالها في إطار الثورة بمنطق لعبة “فيديو جيم”؛ “الثوار والأشرار”، فثوار التحرير يواجهون أشرار السلطة، وعليهم هزيمتهم. ولديهم عدة خيارات (أوبشنز)، منها الاعتصام ومعارك بالطوب، وأخيرا “أوبشن” حركة الطبقة العاملة، والدعوة إلى إضراب، يلجأون إليه بضغطة زر إذا تأزم الموقف واقترب العدو من الإجهاز عليهم. لكن كلما ضغط الثوار على الزر، يجدوا هذا “الأوبشن” غير مفعل، فلا يحدث إضراب عام، ولا حتى موجة كبيرة من الإضرابات التي تمزج بين المطالب الاقتصادية والسياسية، فيزداد كفر الثوار بالعمال، ويقررون الاستمرار في استخدام الاختيارات الأخرى المتاحة. المشكلة الحقيقية تكمن في هذه النظرة إلى العمال وحركتهم. بمعنى آخر التفكير في حركة الطبقة العاملة باعتبارها “عامل مساعد”، وليس وضعها في بؤرة الاهتمام لكونها “إستراتيجية ثورية” متكاملة، في إطار الصراع الطبقي في المجتمع، وكونها القيادة الاجتماعية الوحيدة القادرة على هدم مجتمع الاستبداد والاستغلال، ووضع لبنات مجتمع جديد خال من القهر والعبودية. إذا قررت التعامل مع الطبقة العاملة وحركتها كـ”عامل مساعد” في حركة التغيير، ستكون النتيجة واحد من اثنين، إما الإحباط في لحظة تراجع النضالات العمالية، كما يحدث الآن، وبالتالي الكفر بالطبقة برمتها، أو الانتشاء في لحظة صعود هذه النضالات، كما حدث مثلا في الأيام الأخيرة قبيل رحيل مبارك، وتصور أن لهذا الصعود مفعول السحر، القادر على توجيه الضربة القاضية للنظام، فقط إذا دعا أحدهم العمال إلى فعل ذلك! المحصلة النهائية لهذه النظرة في نقيضيها (المحبط والمنتشي) هي الخسارة للجانبين، حركة العمال والمتطلعين إليها، لأن النتيجة تكون في الحالتين، من ناحية ابتعاد الطليعة الثورية النشطة عن الحركة، وبالتالي فقدان مصدر القوة، ومن ناحية أخرى حرمان الطبقة العاملة من “الخميرة” الثورية القادرة على المساهمة في إنضاجها وبلورتها سياسيا. هذا الوضع يمكن رؤيته بوضوح في المسارين الأساسيين للصراع الذي تخوضه الثورة المصرية، فالطليعة الثورية مصممة على خوض نضالها وصراعها من أجل الحرية والديمقراطية ضد العسكر ورثة نظام مبارك، متخذة من اعتصامات الميادين أداتها الرئيسية. في المقابل يخوض العمال نضالات شبه يومية من أجل الوجه الآخر من الديمقراطية، أي العدالة الاجتماعية، عبر المطالبة بالحق في أجر عادل وعمل آمن ونقابة حرة، وغيرها من المطالب العمالية. ورغم تدفق النضالات العمالية، التي ينخرط فيها مئات الآلاف من العمال، إلا أنها تواجه عقبات جمة، يمكن إرجاع جذورها إلى فقدان التنظيم والتسييس. وهو ما يجعل حركتها الكثيفة محدودة الفعل، وتبدو في عيون الطليعة الثورية أنها غير مؤثرة بالمقارنة بحركتهم. في المقابل، رغم القتالية والبسالة منقطعة النظير لطليعة الميادين في مواجهة وحشية وديكتاتورية العسكر، إلا أنهم يبدون في النهاية قلة معزولة في هذا الميدان أو ذاك، بل ويواجهون بعداء من قطاع كبير من الأغلبية الساحقة من الجماهير خارج الميادين ومن بينهم بالطبع عمال. الوضع إذن كالتالي: طليعة ثورية مشبعة بالسياسة ولديها قدرة عالية على التنظيم. حركة عمالية ضخمة تضم الملايين يمسكون في أيديهم أحشاء البلد، لكنها مفتتة وغير مسيسة ومفتقدة للتنظيم. السياسة والتنظيم هما الـ”سوفت وير” الناقص لدى الطبقة العاملة، والمسئول عن فشل الاستدعاء كلما ضغطت الطليعة الثورية الزر في معركتها للقضاء على النظام. وللتغلب على هذا النقص علينا أن نمتلك منظورا جديدا للتعامل مع حركة العمال باعتبارها “إستراتيجية ثورية”، يتم نسجها بالتفاعل الحي مع نضالاتها صعودا وهبوطا، والتعاطي مع قضاياها ومشكلاتها الراهنة من أجل محاولة التغلب عليها، لا سيما وأن حركة العمال في السنوات الأخيرة تحمل الكثير من الفرص والإمكانيات تنبئ –إذا أحسنا تطويرها- عن آفاق واسعة لقوة ضاربة في معسكر الحالمين بسحق مجتمع الاستبداد والاستغلال.
#هيثم_جبر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وزارة المالية العراقية.. تأخير صرف رواتب الموظفين شهر نوفمبر
...
-
الهيئة العليا للتعداد العام للسكان تقرر تمديد ساعات العمل لل
...
-
واشنطن توسع عقوباتها ضد البنوك الروسية و العاملين في القطاع
...
-
وزارة المالية العراقية تُعلن.. جدول رواتب المتقاعدين الجديد
...
-
The WFTU statement on the recent development in the Ukraine
...
-
بيان اتحاد النقابات العالمي حول التطور الأخير في الحرب الأوك
...
-
مزارعون يغلقون ميناء في فرنسا احتجاجا على محادثات مع ميركوسو
...
-
“وزارة المالية العراقية”.. استعلام رواتب المتقاعدين شهر ديسم
...
-
السيد الحوثي: الامريكي منذ اليوم الاول بنى كيانه على الاجرام
...
-
السيد الحوثي: السجل الاجرامي الامريكي واسع جدا وليس لغيره مث
...
المزيد.....
-
الفصل السادس: من عالم لآخر - من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الفصل الرابع: الفانوس السحري - من كتاب “الذاكرة المصادرة، مح
...
/ ماري سيغارا
-
التجربة السياسية للجان العمالية في المناطق الصناعية ببيروت (
...
/ روسانا توفارو
-
تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات
/ جيلاني الهمامي
-
دليل العمل النقابي
/ مارية شرف
-
الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا
...
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها
/ جهاد عقل
-
نظرية الطبقة في عصرنا
/ دلير زنكنة
-
ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|