|
أي موقع لمطلب ترسيم الأمازيغية في أجندة الحكم المغربي؟
مصطفى عنترة
الحوار المتمدن-العدد: 1065 - 2005 / 1 / 1 - 07:39
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
تحظى الوثيقة الدستورية بأهمية بالغة ضمن مسار أي انتقال ديمقراطي محتمل باعتبارها تشكل الضمانة الأساسية للحقوق المتفاوض حولها بين أطراف التعاقد السياسي لضمان تدبير عقلاني ومشروع للمصالح واحترام التعدد.. وتراهن الحركة الأمازيغية على إقرار الحكم في أي إصلاح دستوري مرتقب لمطلب التعددية الثقافية واللغوية على اعتبار أن الشروط السياسية الراهنة تفيد أن المغرب بعيد كل البعد عن توفر وثيقة دستورية متعاقد في شأنها بين جمع الفاعين. الورقة الحالية تحاول مناقشة رهانات الحكم من مسألة ترسيم الأمازيغية.
التـــغييب: عرف المغرب أربعة دساتير بعد أول دستور 1962، اختلفت في مضامينها وسياق التعديلات وكذا الأهداف المتوخاة من ذلك، فقد كان أول دستور للمملكة متقدما في بنوده لأن الصراع آنذاك بين الملكية والمعارضة لم يحسم بعد، خاصة وأن الاثنين خرجا منتصرين في صراعهما المشترك ضد المستعمر. هذا الدستور وضع مضامينه تقنيون أجانب أمثال فدال وغيرهم من الدستوريين الفرنسيين بتزكية أطرف سياسية مغربية كحزب الاستقلال الذي رأى أن وجود دستور أعرج خير من لا شيء.. فيما رأت المعارضة (الاتحاد الوطني للقوات الشعبية..) أن دستور 1962 ممنوحا ولا يمثل الإرادة الشعبية، مطالبة بضرورة وضعه من طرف هيأة تأسيسية منتخبة تقدمه في إطار استفتاء شعبي إلى الشعب قصد التصويت عليه، لكن سرعان ما سيعرف المغرب تعديلا دستوريا عام 1970، هذا الدستور الذي وصف بكونه ذي طبيعة تيوقراطية، وأنه سجل مجموعة من التراجعات علما بأنه جاء بعد حالة الاستثناء التي امتدت من 1965 إلى 1970. في هذه المحطة ستدخل البلاد سياسيا محطة سميت بـ"التقليدانية" (حسب الأستاذ محمد المعتصم)، وأيضا ستتميز باكتشاف الفصل 19 من خلال التأويل الذي أعطاه إياه المرحوم محمد باحنيني (رئيس المجلس الأعلى للقضاء) في قضية "مزرعة عبد العزيز"، حيث اعتبر القضاء الإداري في بداية السبعينات أن الملك فوق الدستور وباقي المؤسسات وأن الدستور يستمد شرعيته ومشروعيته من الملك. نفس التوجه سار عليه دستور 1962، مع تسجيل بعض الإيجابيات لكون الملك كان قد فتح حينها حوارا مع المعارضة (الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وحزب الاستقلال) قصد إشراكها في الحكومة.. وقد ظل الوضع على ما هو عليه قرابة عشرين سنة، ذلك أنه في سياق الانفتاح السياسي الذي شهده العالم من خلال تفكك الكتلة الشرقية وأنظمة الحزب الوحيد وانهيار جدار برلين، فضلا عن سيادة ثقافة حقوق الإنسان، في هذا السياق المتميز جاء دستور 1992، مع الإشارة في هذا الباب أن حزبي الاتحاد الاشتراكي والاستقلال (أي المعارضة البرلمانية الناصحة) قدما مذكرة مشتركة إلى القصر الملكي تضمنت اقتراحاتهما في الموضوع.. ولم تمر سوى أربع سنوات حتى أعلن الراحل الحسن الثاني عام 1996 رغبته في إجراء تعديل دستوري، وهو الإجراء الذي جاء في سياق عدة عوامل أساسية: أولها، الاستجابة الفعلية لتوصيات المؤسسات الدولية والشركاء الأجانب للبلاد الذين كانوا يلحون على ضرورة وجود محاور حكومي سياسي مسؤول.. ثانيها، إشراك المعارضة الكتلوية في تدبير الشأن الحكومي.. وثالثها، توفير شروط إيجابية للاستخلاف.. عموما يمكن تسجيل ملاحظات أساسية نسوق منها اثنان: أولا، أن الأحزاب تراجعت عن فكرة السلطة التأسيسية المنتخبة لصالح السلطة الأصلية، حيث اقتضت ـ كما يقول الأستاذ عبد اللطيف أكنوش ـ أن الدستور في المغرب بعيد كل البعد عن ذلك القانون الأسمى للأمة الذي يعد مصرا من مصادر الشرعية.. ثانيا، الاقتناع بالتطبيق التقريري للدستور (دائما حسب نفس المصدر)، إذ كثيرا ما يتم اللجوء إلى ممارسات خارج الدستور، تتمثل بالنسبة إلى الأحزاب في توجيه المذكرات، طلب التحكيم، العمل وفق لجن خارج البرلمان.. في حين يلجأ الحكم بدوره إلى ممارسات تضعف المضمون القانوني للدستور كالمناظرات الوطنية، الخطب الملكية...لكن ماذا عن راهنية مطلب الإصلاح الدستوري؟ وما موقع المطالب الأمازيغية في هذا الإصلاح؟
المزايــدة: من المؤكد أن الأحزاب التقليدية تتجاهل اليوم مطلب الإصلاح الدستوري، إذ نجد بعضها لا يطرح هذا المطلب في إطار المزايدات السياسية كما حصل بالنسبة إلى الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية حين طالب الملك محمد السادس الأحزاب من منبر البرلمان بتنظيم بيوتها ودمقرطتها..إذ بعد يومين رد الحزب الاتحادي طالبا بضرورة إصلاح الدستور!؟ وأيضا يطرحه داخل تنظيمات بعض الأحزاب من أجل طمأنة قواعدها الحاملة لمطالب ديمقراطية جذرية، خلافا لذلك نجد هذا المطلب حاضرا بقوة لدى الأحزاب اليسارية الصغيرة كالطليعة، النهج الديمقراطي واليسار الاشتراكي الموحد.. وأيضا نجده (أي المطلب الدستوري) حاضرا لدى المنظمات الحقوقية التي ما فتئت تطالب بإصلاح دستوري، نفس الأمر بالنسبة إلى الصحافة المستقلة التي تنبش في هذا الموضوع بين الفينة والأخرى سعيا منها إلى مواكبة النقاش السياسي الراهن حول القضايا الكبرى.. كذلك نجده حاضرا وبقوة لدى الحركة الأمازيغية، حيث شهدنا مؤخرا مبادرات متقدمة في هذا الشأن، كما هو الحال بالنسبة إلى ميثاق المطالب الأمازيغية بشأن المراجعة الدستورية، ميثاق الجمعيات النشيطة بشمال المملكة، وبيان جمعية تاماينوت.. وجدير بالإشارة في هذا السياق أن الأحزاب السياسية ومعها المنظمات الحقوقية لم تتجاوز في مطالبها بشأن الأمازيغية سقف خطاب أجدير، كما أن المبادرات المشار إليها لم تجد إي اهتمام يذكر من قبل هذه الهيئات السياسية والاعلامية.. لكن ماذا عن الحكم، بمعنى هل يوجد مطلب الإصلاح الدستوري في أجندته؟
ـ التجاهــل: مما لا شك فيه أن الانشغالات الكبرى للحكم تظل مرحليا، منحصرة في قضايا أساسية تتمثل في الوحدة الترابية بعد المنعطف الحساس والدقيق الذي تجتازه قضية الصحراء المغربية، التخفيف من حدة الأزمة الهيكلية الاقتصادي الحادة، إنجاح المصالحة المؤسساتية وتحسين صورة المغرب في المحافل الدولية... فالحديث عن التعديل الدستوري لا يطرح بالنسبة إلى الحكم إلا في إطار قضية الصحراء، ذلك أن مصادر متتبعة سبق أن تحدثت في هذا السياق عن وجود خلية بالديوان الملكي يشرف عليها الفقيه الدستوري المعتصم وتنكب على إعداد مقترحات حول مسألة الجهوية الدستورية.. ومن هذا المنطلق يتضح أن الحكم يستبعد أي إصلاح دستوري من شأن المطالب الأمازيغية أن تجد مكانتها فيه، لماذا؟ لأسباب متعددة في طليعتها، أن الملك محمد السادس يوجد في موقع مريح، يحكم بدون معارضة قوية، فقد شاهدنا ذلك بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة، حين قبلت هذه الأحزاب بوزير أول تقنوقراطي لا ماضي ولا شرعية له مع العلم بأن غالبيتها نوهت رسميا بنزاهة الانتخابات التي احترمت فيها إرادة الشعب، بل هناك من دق أبواب القنوات الفضائية الدولية للتنويه بها واعتبارها أول انتخابات حقيقية كان عنوانها الشفافية والمصداقية. فالأحزاب لم تعد تمثل قوة سياسية واجتماعية ذات مطالب واضحة، نفس الأمر بالنسبة إلى المجتمع المدني الذي نجد غالبية مكوناته قد شهدت اختراقا ملحوظا من قبل أجهزة الدولة، يوظف في مناسبات معينة لخدمة مخططات النظام.. وهانحن اليوم نتابع كيف أن ضحايا ما سمي بسنوات الرصاص وعلى رأسهم إدريس بنزكري يجتهدون لتنفيذ مقاربة دولية تروم خلق "مصالحة مؤسساتية" شكلية. أيضا لا تشكل الحركة الأمازيغية أية قوة جماهيرية في الظرف الراهن، خاصة بعد دخول المخزن على الخط وإعلان الملك محمد السادس بوصفه "الأمازيغي الأول" واستقطابه نخبة هامة داخل الحركة سجلت تراجعا هاما في مطالبها( توادا..). إن خاصية الحكم الجديد هو أنه لا يستعمل الورقة الدستورية قصد المزايدة السياسية ضد معارضيه، كما كان عليه الحال إبان الملك الراحل الحسن الثاني، حيث كان يحرك هذه الورقة قبيل كل تسوية سياسية، وكل التعديلات التي عرفها دستور المملكة لم تخرج عن هذا السياق. وجدير بالتذكير في هذا الباب أن الفضاء الدستوري لم يعد يؤطر الفضاء السياسي نظرا للتطورات الهامة التي عرفها هذا الأخير مقارنة بالفضاء الأول الذي ظل جامدا.
ـ الجبــهة: لكن هذا الوضع لا يجب أن يجعل الحركة الأمازيغية وخاصة الشق الديمقراطي منها مكثوف الأيدي، إذ أن شروط المرحلة الراهنة ـ خاصة بعد فتح باب "المصالحة المؤسساتية" ـ تدفع هذه الحركة قصد تتحرك اعتمادا على آليات جديدة للعمل.. ونعتقد أن أول خطوة يجب العمل وفقها هي تشكيل "جبهة ديمقراطية للدفاع عن مطلب ترسيم الأمازيغية" على اعتبار أن الدسترة هي المدخل الطبيعي لكل اعتراف بالأمازيغية وإدماجها مؤسساتيا. وألا يجب أن تقتصر هذه الجبهة في مكوناتها على النشطاء الأمازيغيين، بل على عموم الديمقراطيين الذين يؤمنون بأهمية الأمازيغية كقضية مجتمعية كبرى في مسلسل الدمقرطة. كما نعتقد أن أرضية هذه الجبهة متوفر اعتبارا للتراكمات النوعية الموجودة في هذا المجال آخرها وثيقة المطالب الأمازيغية بشأن التعديلات الدستورية التي قدمت لنا أطروحة متكاملة، قاربت المسألة الأمازيغية في بعدها الديمقراطي الشمولي( اللغة الأمازيغية، الهوية، العلمانية، الجهوية، المعاهدات الدولية والأعراف الأمازيغية). لكن يبقى السؤال الذي يطرح نفسه هو متى يتم الدخول عمليا في تشكيل هذه الجبهة لقوة ضغط حقيقية بغية إيجاد مكان متقدم للمطالب الأمازيغية ضمن التوازنات السياسية الراهنة؟ إنه السؤال التنظيمي الذي يفرض نفسه بإلحاح على عموم الديمقراطيين داخل الحركة الأمازيغية وخارجها بهدف التفكير فيه وإيجاد الأجوبة العملية لترجمته على أرض الواقع.
#مصطفى_عنترة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة في حرب إدريس البصري وزير داخلية الحسن الثاني ومحمد الي
...
-
الحركة الثقافية الأمازيغية بالمغرب في مفترق الطرق
-
خطاب أجدير وسؤال التعدد الثقافي واللغوي بالمغرب
-
لمـاذا يطـالب الأمازيغيـون المغاربة بالعلمـانية؟
-
الدين والسياسة في استراتيجية الملك محمد السادس
-
متى تستحضر المؤسسة الملكية بالمغرب الوعي بالعمق الأمازيغي؟
-
محاولة رصد بعض -الصفقات السياسية- الأساسية المبرمة بين نظام
...
-
هل المغرب في حاجة إلى حكومة سياسية؟
-
مصطفى البراهمة قيادي في النهج الديمقراطي ذي التوجه الماركسي
...
-
المغرب الحقوقي في قفص اتهام منظمة العفو الدولية!؟
-
تأملات في خلفيات تنظيم مهرجانات ثقافية وفنية من طرف رجالات ا
...
-
سؤال المخزن في مغرب الملك محمد السادس
-
أبعاد وخلفيات تحاور السلطات المغربية مع شيوخ السلفية الجهادي
...
-
أمازيغيو المغرب يطالبون الملك محمد السادس بدسترة الامازيغية
...
-
حركية تغيير المواقع والمراكز داخل البلاط بالمغرب
-
الشارع العربي يحاكم رمزيا الأمريكان في انتظار محاكمة الأنظمة
...
-
حركة التوحيد والاصلاح المغربية بين الدعوة والممارسة السياسية
-
الحـركة الإسلامية في عيون إسلاميين مغـاربة
-
تأملات حول الزحف المتواصل للحركة التنصيرية بالمغرب
-
عمر وجاج آيت موسى، الأمين العام للشبيبة الإسلامية المغربية ي
...
المزيد.....
-
رقمٌ قياسيّ لعملة فضية نادرة سُكَّت قبل الثورة الأمريكية بمز
...
-
أهمية صاروخ -MIRV- الروسي ورسالة بوتين من استخدامه.. عقيد أم
...
-
البرازيل.. اتهام الرئيس السابق جايير بولسونارو بالضلوع في مح
...
-
اكتشاف عمل موسيقي مفقود لشوبان في مكتبة بنيويورك
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة: اليوم ردت روسيا على استفزازات -
...
-
الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان الحدث وحارة حريك في ال
...
-
أين اختفى دماغ الرئيس وكيف ذابت الرصاصة القاتلة في جسده كقطع
...
-
شركة -رايان- للطيران الإيرلندية تمدد تعليق الرحلات الجوية إل
...
-
-التايمز-: الغرب يقدم لأوكرانيا حقنة مهدئة قبل السقوط في اله
...
-
من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد
...
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|