|
لا إعلام محايد
فوزي بن يونس بن حديد
الحوار المتمدن-العدد: 3601 - 2012 / 1 / 8 - 22:02
المحور:
الصحافة والاعلام
الإعلام بأنواعه المسموع والمقروء والمرئي وحتى الالكتروني صناعة فكرية يستطيع من خلاله الكاتب أو الملقي أو المحاوَر أن يقول رأيه بكل صدق وصراحة عالية لا تكبله قيود، ويعبر عن مكنونات نفسه بكل تلقائية وعفوية ودون أجندات مسبقة. وفي الحقيقة ليس هناك إعلام محايد في العالم بأجمعه، ويكذب على نفسه وعلى الجمهور من يدّعي أنه ينقل الخبر كما هو أو يتحدث بكل حرية لأن ذلك لم يحصل ولن يحصل ما دام الإعلام مسيّسا، وما دام الإعلام يعمل تحت عباءة الرجل السياسي الذي يحدد للإعلاميين ما يقولون وما يصرحون، فالذي يقول الصراحة دائما هو مكبل بقيود تعرفها الجهة التي تصدر تصاريح لموظفيها وتوقعهم على بنود وخطوط حمراء كالإشارات الحمراء لا يتجاوزونها بأي حال من الأحوال، ومن تعنت وأصر على تجاوزها فإن عقابا أليما ينتظره. وحتى في بلاد الحرية كأوروبا وأمريكا فإن الإعلام هناك مقيد وموجه نحو تأصيل مبادئ الاستعمار والاحتلال ومنهجية الفوقية ولغة القوة واحتقار الشرق الإسلامي باعتباره يمثل الجهة المقابلة وهي التخلف والغلو والتطرف والانغلاق، وكأن الإعلام تحتكره فئة معينة توجهه بإرادتها ووفق مخططها ولا يجوز لأي أحد أن يخترق هذا النظام، وإذا أراد أحد الانضمام فإنها تشترط عليه شروطا قاسية لا بد أن يقبل بها ولو كانت تمس شخصه وربما وطنه، فإن قبل فهو لا يبالي وإن رفض فغدا وطنيا وحرم من الشهرة والثروة. وحتى لا نبحر في إعلام الغرب ومساوئه، تعال لنر ما يخبئه الإعلام الشرقي، فهو بين أمرين إما تمجيد لرجل السياسة إلى حد الإغراق وإما نقد لاذع لبعض الأنظمة التي لا تتوافق معها تلك الدولة بمعنى لو نظرنا إلى قنواتنا الفضائية أو صحفنا نجدها تعمل وفق أجندات خاصة ربما اقتنع بها الصحفي وربما لا، المهم عنده لقمة العيش التي يجنيها وراء ما يقول أو يكتب، فنجد هذه القناة تتحدث عن مشاكل الدول الأخرى وتبرز مساوئها للعالم وعبر الهواء مباشرة وتخفي ما هي عليه من هوان ودرن كما هو الحال لقناة الجزيرة التي تبث من قطر، فهذه القناة عندما نشأت انبهر بها الجميع باعتبارها القناة العربية الأولى التي تبث مشاكل العالم بكل موضوعية وحيادية، إلا أنها وخلال الربيع العربي أثبتت إفلاسها في بث المعلومة فأصبحت تستقي معلوماتها من منبع واحد وكونت عداوات كبيرة مع شعوب العالم وإلا بم نفسر بحثها عن ما يثير الفتنة ويوقظها والرسول صلى الله عليه وسلم لعن من يوقظ الفتنة إذا كانت خامدة. فهي تذر الرياح على الرماد وتزيد الحطب فتشتعل النار من جديد وربما كانت أقوى مما عليه، وهي بعد أن كانت الصديقة الأولى للشعوب العربية أصبحت عدوة لهم وصديقة أولى للغرب وإسرائيل لأنها ساهمت وبشكل كبير في تفتيت العالم الإسلامي بدءا - لا أقول من تونس - بل من ليبيا حيث الدور اللافت في تعزيز روح القتل والتدمير والانشقاق، واليوم بعد مرور أكثر من شهرين من مقتل القذافي ما زالت ليبيا تترنح بين قتال المليشيات وتكالب الغرب على تقسيم ثروات البلاد، انتقلت الجزيرة بعدها إلى سوريا وجندت كل قواها من أجل بث روح الفتنة والشقاق هناك وها هي سوريا اليوم تترنح وأخاف أن يحصل لها مثل ما حصل لليبيا أو العراق الذي هو الآخر لم يكن يوما ديمقراطيا ولن يكون ما دامت العصابات الطائفية هي التي تحكم البلاد. وفي المقابل تستحي قناة الجزيرة من ذكر ما يقوم رجالات الدولة التي تعيش في أحضانها ماذا يفكرون؟ وفيم يفكرون؟ ومع من يخططون؟ ومتى سينتهي المسلسل المفجع وتنتهي حلقاته وتحقن الدماء؟ آخر ما صدر من الشيخ حمد بن جاسم أنه غير راض على وضع المراقبين وأن سوريا لم تلتزم بالشروط والقوانين وأن طلب المعونة من الأمم المتحدة أصبح ملحا وضروريا، فهو يسعى إلى تدويل الأزمة وإن صرح قبل ذلك بعدم اللجوء إلى مجلس الأمن كل هذه العبقرية ستؤدي به إلى نهاية غير سعيدة. وفي الجانب الآخر من الإعلام العربي المقاوم نجد المباهاة الكاملة بالمقاومة في وجه العدو ووسم هؤلاء الذين ينتقدونهم بالعملاء والخونة ويبرزون الوجه القبيح لدول تعارضهم ولا تتماشى سياستهم مع ما يعتقدون كقناة العالم مثلا التي تمتدح السياسة الشيعية وتدافع عنهم في البحرين والسعودية وفي أمكنة أخرى إلى غير ذلك. لسنا إذا أمام إعلام محايد ينظر إلى العالم بعين واحدة، إنه ينظر بعيون متعددة وما دامت السياسة هي التي تسيّر الإعلام فلن ينجح في بث الصورة الحقيقية للحدث، ولن يكون واقعيا ولن يكون محايدا إلا إذا استقل في جميع الدول بحيث لا يكون الإعلام البوق الذي ينفخ ولا السم الذي ينقع وإنما يكون رديف الحدث أينما حلّ، والكلمة الصادقة هي التي لها أثر وتؤتي أكلها كل حين وأما الكلمة المبطنة بأكاذيب وأباطيل وألاعيب فلا تعدو أن تكون كشجرة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار.
#فوزي_بن_يونس_بن_حديد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا سوريا الآن
-
احذروا السلفية
-
الحداثة زندقة فكرية
المزيد.....
-
برلمان كوريا الجنوبية يصوت على منع الرئيس من فرض الأحكام الع
...
-
إعلان الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. شاهد ما الذي يعنيه
...
-
ماسك يحذر من أكبر تهديد للبشرية
-
مسلحو المعارضة يتجولون داخل قصر رئاسي في حلب
-
العراق يحظر التحويلات المالية الخاصة بمشاهير تيك توك.. ما ال
...
-
اجتماع طارئ للجامعة العربية بطلب من سوريا
-
هاليفي يتحدث عما سيكتشفه حزب الله حال انسحاب انسحاب الجيش ال
...
-
ماسك يتوقع إفلاس الولايات المتحدة
-
مجلس سوريا الديمقراطية يحذر من مخاطر استغلال -داعش- للتصعيد
...
-
موتورولا تعلن عن هاتفها الجديد لشبكات 5G
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|