|
الحج أشهر معلومات
أحمد حمدي سبح
كاتب ومستشار في العلاقات الدولية واستراتيجيات التنمية المجتمعية .
(Ahmad Hamdy Sabbah)
الحوار المتمدن-العدد: 3601 - 2012 / 1 / 8 - 16:20
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يعاني جموع المسلمين وعلى مدار قرون وخاصة في العقود الأخيرة بعد التزاحم الشديد والرهيب على حج بيت الله الحرام وسقوط الكثير من الضحايا الذين نحسبهم عند الله شهداء نتيجة هذا التزاحم الرهيب وسقوط الكثيرين تحت أقدام الحجيج الذين لا يستطيعون مساعدة بعضهم البعض مخافة الدهس والموت نتيجة هذا التزاحم والتدافع الكبيرين ، وكم من المآسي يستطيع أن يحكيها بل ويرويها الحجيج القادمون من الحج وكم من اليتامى والأرامل تيتموا وترملوا نتيجة وفاة آبائهم وأزواجهم وأمهاتهم في الحج دهسآ تحت الأقدام أو سقوطآ من جسر الجمرات .
اضافة أنه في ظل هذا الازدحام الرهيب والتدافع الكبير ومحاولة النجاة في ظل كل ذلك لا نستطيع ساعتها أن نتحدث عن خشوع وتواصل روحي وتدبر عقلي في ملكوت الله ونعمه علينا ، فاذا كان الخشوع واجب في الصلاة التي تؤدى في اليوم خمس مرات فانه لابد أن يكون أساسي في الحج الذي يؤدي مرة واحدة في العمر .
هذا ناهينا عن التكاليف المادية الرهيبة التي يتحملها الحجيج لاطفاء شوقهم لأداء فريضة الحج فيقعوا فرائس لما يعرف ببيزنس الحج وما تقوم به الشركات المنظمة من فرض رسوم وتكاليف كبيرة جدآ على الراغبين في الحج مما يحرم الأغلبية من المسلمين من أداء هذه الفريضة خاصة وأننا نتحدث عن الملايين من البشر يريدون الذهاب الى مكان محدد في وقت محدد ومحدود وهو العشر الأولى من ذي الحجة ، فتكون النتيجة ما تقدم من حقائق تملؤها المعاناة وصرخات الضحايا وبكاء المكلومين حتى وان تجنبتهم كاميرات الاعلام وصحافة الانصاف .
كل هذا نتيجة عدم اهتمام ما يعرف برجال الدين بحقيقة الآية القرآنية الالهية والتي يتضح منها بكل وضوح وجلاء (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولافسوق ولاجدال ) سورة البقرة 197 ، فبكل وضوح وجلاء بعيدآ عن الهوايات والتفسيرات التأويلية المتشددة التي يبرع فيها مشايخ التطرف والتي تعلي فقه الرواية على حساب فقه الآية حتى ولو خالفت منطوق وملفوظ ودلالة الآية القرآنية ، يتضح من هذه الآية الكريمة أن زمن الحج ممتد على مدار شهور عدة ومعلومة وليس أيامآ محددة ومعدودة يتدافع فيها الناس لدرجة ايذائهم لبعضهم البعض الى حد الموت والاصابة بالعاهات المستديمة خاصة عند رمي الجمرات ، فكيف تكون أشهر معلومات معادلة لأيام معدودات ؟! وهذه آية واضحة جلية وضوح الشمس ليست بحاجة ا لى من يفسرها الا في نطاق تحديد هوية هذه الأشهر المعلومات .
وهو ما يقودنا الى الآية القرآنية الأخرى ألا وهي (فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْر معجزي الله و وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّه وَرَسُولُه إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّه بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِين وَرَسُولِه فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) سورة التوبة الآية 2-3 ، ثم يقول الله بعدها في نفس السورة (فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُم وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ ْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) سورة التوبة الآية 5 .
فكان من الواضح مع قدوم شهر جمادي الآخرة وأوائل رجب من السنة الثامنة من الهجرة ودخول أعداد كبيرة من الناس في الاسلام وتحول المسلمين الى قوة كبيرة في نفس الوقت التي تقوم فيه قريش بنكث صلح الحديبية الذي كان في السنة السادسة من الهجرة حين عاونت قبيلة بني بكر في عدوانها على قبيلة خزاعة وهم حلفاء المسلمين على الرغم من كونها قبيلة مشركة (وهذا يوضح التزام المسلمين بعهودهم بصرف النظر عن دين معاهديهم ) ، واستنجاد خزاعة بالرسول الكريم الذي هب الى نصرتهم وفاض به ما تقوم به قريش على الرغم من أن مدة الصلح كانت عشر سنوات الا أن الله جل في علاه أذن له بالمضي الى محاربة قريش وفتح مكة .
و بعد أن أعد الرسول عدته وحشد الفاتحين من كل حدب وصوب واتجه الى مكة فاتحآ لا غازيآ و مؤمنآ للناس لا منتقمآ الا ممن استحقوا العقاب جراء أفاعيلهم في الاسلام والمسلمين ففتحها رسول الله في رمضان من السنة الثامنة من الهجرة ، وفي السنة التاسعة للهجرة أراد الرسول الكريم تطهير البيت الحرام من الأصنام والاوثان ومنع المشركون والعرايا من الطواف حول الكعبة، فبعث كلآ من أبي بكر وعلي (وهناك أقوال أن أبا بكر لم يكن في تلك الحجة ولكن ذلك لا يغير من الحقيقة والمراد شئ ) في شهر ذي الحجة من ذاك العام ليروا المسلمين مناسكهم وليطوفوا في الناس بمكة يعلموهم بآية البراءة وأنه لن يحج للكعبة بعد عامهم هذا مشرك ولن يطوف بها عريان .
فما أن يبدأ موسم الحج في ذي الحجة (ولهذا سمي بذي الحجة لأنه بداية موسم الحج) من ذاك العام ووصف الله تعالى الحج في العام التاسع من الهجرة بيوم الحج الأكبر تمييزآ له لأنه أول حج يحج فيه المسلمون وهم قوة كبيرة وحقيقية ومنذرين للمشركين وانهم سيبدؤون بتطهير المسجد الحرام من كل دنس ورجس وأثر للأصنام ليكون البداية المنذرة بتغير الحج الى الكعبة من حج المشركين الى حج المسلمين ، فما أن تنسلخ الأشهر الحرم ( وكلمة انسلاخ دون كلمة انتهاء انما تشير الى التتابعية المتصلة للأشهر الحرم كما في قوله تعالى -وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فاذا هم مظلمون- سورة يس الآية 37 ) وهي المهلة التي منحها الله للمشركين أن يسيحوا في الأرض منطلقين آمنين لمدة أربعة أشهر حتى للذين لم يعاهدهم الرسول صلى الله عليه وسلم من المشركين .
فيقتلهم المسلمون بعد انقضاء هذه المهلة أيان ثقفوهم ، وبالتالي ووفق ما سبق فبالحساب البسيط نجد هذه الأشهر الحرم وهي أشهر الحج تبدأ من ذي الحجة مرورآ بمحرم وصفر وانتهاءً بربيع الأول ، فليس من المعقول أن الله سبحانه وتعالى سيمهل المشركين أربعة أشهر بأثر رجعي بل بدءً من أول شهر وهو ذي الحجة وهو ماتكفل به علي بن أبي طالب بشكل خاص ، فمن عادة العرب في ذاك الوقت أن من يريد التحلل أو انهاء تعاهداته فانه اما يقوم بذلك بنفسه أو يرسل عنه أحدآ من أهل بيته وهو ما قام به علي بن أبي طالب فأخذ يطوف ببيوت الناس وأسواقهم ليعلمهم بذلك ويقرأ عليهم آية البراء .
وبصفة عامة بالنسبة للقول بأن شهر شوال من الأشهر الحرم فاننا نعيد القول كيف يكون الانذار بأثر رجعي ومن الواضح من الآية أن المشركين يجب أن يؤقتوا أربعة أشهر من ساعة سماعهم لهذه الآية في الحج الأكبر ، وأيضآ اذا كان شهر شوال من الأشهر الحرم فكيف لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي يخاف أوامر الله ويعظم الأشهر الحرم فكيف يخرج من المدينة في رمضان في عشرة آلاف مقاتل وصحابي قاصدآ فتح مكة وهي أعظم الفتوحات التي من بها الله على رسوله والمسلمين وما قد يستلزمه هذا الفتح الأعظم من جهد ووقت قد يهل معه هلال شهر شوال فيتوقف القتال وتوقف الحرب ويقفل المسلمين راجعين الى المدينة فيما قريش تستغل هذه الفترة في حشد قبائل العرب ضد المسلمين للدفاع عن مكة وما تمثله الكعبة من عظيم مكانة في نفوس العرب ، خاصة وأن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم سبق وقد حذر بانه لن يحج الى الكعبة مشرك ولن يطوف بها عريان .
وفي نفس السياق بالنسبة للقول بأن شهر ذي القعدة من الأشهر الحرم والتي يمكن الحج فيها فان نفس الحجة السابقة الخاصة بالأثر الرجعي نسوقها هنا ، اضافة الى أنه من المعلوم أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم قد اعتمر أربع عمرات كلهن في ذي القعدة الا العمرة التي وافقت حجته عن قتادة أن أنسا رضي الله عنه أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر كلهن في ذي القعدة إلا التي مع حجته : عمرة من الحديبية أو زمن الحديبية في ذي القعدة ، وعمرة من العام المقبل في ذي القعدة ، وعمرة من جعرانة حيث قسم غنائم حنين في ذي القعدة . رواه البخاري ( الحج/1654 ) ومسلم ( الحج / 1253 ) . فلو أن ذي القعدة من الأشهر الحرم أي أنه من أشهر الحج ، فألم يكن من باب أولى أن يحج فيه رسول الله طالما أنه لم يكن حج من قبل ؟! .
ولنتبين قوله تعالى ( ان عدة الشهور عند الله اثنى عشر شهرآ يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكن وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين ، انما النسئ زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عامآ ويحرمونه عامآ ليواطؤوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله زين لهم سوء أعمالهم والله لا يهدي القوم الكافرين ) من سورة التوبة الآية 36-37 .
وهنا يتضح من هذه الآية والتي تأتي في نفس السورة التي تتناول بشكل غير مباشر مواقيت الحج مدى عظم الأشهر الحرم عند الله وكيف أن الله سبحانه وتعالى يلعن من يقومون بالنسئ وهو التلاعب في مواقيت الأشهر الحرم حتى يحللوا لأنفسهم الحروب والغارات فأحيانآ ما كانت الأشهر الحرم تأتي والقبائل تكون في عز الحرب أو مقبلة على حرب تريد منها الغنائم والمكاسب فيتلاعبون بمواقيت الأشهر الحرم حتى يفسحوا لأنفسهم الوقت اللازم لاتمام الحروب والمعارك ، أو حتى يعلنوا استحلال الحرب فيها في أسواقهم المعروف كسوق عكاظ .
وبالطبع فان هذا التعظيم الالهي للأشهر الحرم والتي حددها الله منذ أن خلق السماوات والارض لهو فيه من الدلالة انها أشهر لابد وأن تكون مخصصة للسلام مع النفس بغية التقرب الى الله والحج الى سبيله ورحابه في بيته الحرام ليشهد الناس منافع لهم منها الأضاحي والتعارف واشاعة المحبة والسلام ونبذ العنف والفرقة والضغينة .
ويوم الحج الأكبر والذي هو كما أسلفنا اشارة الى الحج الذي أصبح معه المسلمون لأول مرة قوة كبيرة وحقيقية ومعترف بها وقد قاربت الرسالة على الاكتمال ، فالله ورسوله بريئين من بعد هذا الحج من المشركين الذين لابد من مقاتلتهم طالما يعيثون في الأرض فسادآ ومحاربة للدين القويم دونما اعتداء واجبار على اعتناق الدين فالله تعالى هو القائل في القرآن (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) سورة الممتحنة الآية 8 ، (وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّه ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُون) سورة التوبة الآية 6 .
وقوله تعالى (فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال) ، وهنا الله سبحانه وتعالى يترك لعباده حرية تحديد الموعد المناسب للسفر والذهاب الى الحج في خلال هذه الأشهر ولكن بمجرد عقد العزم والنية فلا جماع للمرء مع زوجه ولا ارتكاب للمعاصي ولا جدال في أمور تتسبب في احداث فوضى ومشاكل وضغينة بين الناس فالحاج حين سفره لا يجب أن يترك خلفه ضغينة ولا بغضاء لأحد أو من أحد .
وقال تعالى ( واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا اثم عليه ومن تأخر فلا اثم عليه لمن اتقى واتقوا الله واعلموا أنكم اليه تحشرون ) دلالة على أنه يمكن التقدم بيومين في ابتداء الحج أو التأخر في يومين في انهاء الحج فلا جناح على من يفعل ذلك لسبب أو لآخر خارج عن ارادته وبالنسبة ل اذكروا الله في أيام معدودات فهي اشارة الى المدة اللازمة لكي يقضي فيه الحاج مناسك الحج .
ومن ناحية أخرى يجب أن نعلم أن قصر مواعيد الحج على أيام معدودات من شهر محدد لم يكن فقط نتيجة تجاهل المسلمين لكلام القرآن الحقيقي والبين وكان أيضآ نتيجة كثرة تعرض قوافل الحجيج لغارات من البدو ونهب اللصوص فانه لأغراض تأمين قوافل الحجيج وان كان ذلك أيضآ لا يخلوا من محاولات رموز السلطة والخلفاء من محاولة حشد للناس من كل أصقاع الأرض لكي يخطبوا فيهم ويوجهونهم هم وأتباعهم ومعاونيهم لأغراض دعم الحكم والانبطاح للحاكم ومنع الخروج عليه ونشر المذاهب والأفكار السياسية والدينية التي يتبعها الحكام وأعوان السلطة .
ومن ناحية أخرى فانه ووفقآ للأوامر والتفصيلات التي أوضحها الله تعالى في متن كتابه الكريم الذي ما فرط فيه من شئ خاصة اذا كان الأمر متعلقآ بأمر سيحاسب الله عليه ، فالصلاة لم يرد تفاصيل مناسكها وأدائها في القرآن فتركها الله لرسوله بشكل كلي ، ولكن لو أن الله في شعائره الروحية (ولا ينطبق ذلك على المعاملات الدنيوية بين الناس لأن الله يخاطب الناس على قدر عقولهم في زمان نزول القرآن ويترك للخلف مهمة استكمال بناء العدالة وفقآ لتطور الزمان وتغير المكان طالما كنا نسير في طريق الله محققين للعدل ورافعين راية الحق وممكنين حرية الناس وعتقهم من الظلم والفجور وموحدين بالله تعالى ) بدأ في ايضاح مناسك شعيرة من الشعائر فانه يستكمل ايضاحها حتى لا يزيد أحد أو ينتقص منها كما فعل مع شعيرة الصيام فلا نستطيع اليوم أن نتعجل أو نتأخر بالصيام أو الافطار أو أن نمارس طقسآ أو سلوكآ تعبديآ في رمضان باعتباره فريضة الهية غير الصيام عن الطعام والمعاصي وما عدا ذلك من سلوكيات تعبدية روحانية كصلاة التراويح فانما هي سنة واستزادة من فضل الرحمن وابتغاء مزيد من مرضاته ، وكما يعلم الجميع فان الوقوف بعرفة ورمي الجمرات لم يرد بهما ذكر في القرآن الكريم .
وبما أن الحج من شعائر الله وقام بايضاح مناسكه على عكس الصلاة التي ترك طريقة أدائها للرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، فان الله سبحانه وتعالى لن يترك أمرآ سيحاسب عليه يوم القيامة ولايقوم بايضاحه كاملآ طالما شرع في بيان طريقته ومواقيته وهو هنا الحج وبالتالي فان رمي الجمرات اللذي يعتبره الناس من أساسيات الحج لا ورود لذكره في القرآن الذي تعهد الله بحفظه (انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون) ولايوجد في القرآن أية اشارة لهما .
خاصة ان أحاديث رمي الجمرات من أحاديث الآحاد وهذه الأحاديث انما هي ظنية الثبوت وظنية الدلالة ، وكما هو معروف فانه لا يعمل في العقائد والشعائر الا بالنصوص المحكمة والثابتة واليقينية وهي بالطبع الواردة في القرآن الكريم فقط ، كما أنه كيف لا يتم الحج الا برمي الجمرات ولا يذكر الله سبحانه وتعالى ذلك في متن كتابه الكريم ولا حتى جمع غفير من الصحابة يتحقق معهم التواتر الحقيقي للحديث لا أن ينفرد واحد أو بضع من الناس برواية هذا الحديث أو ذاك فيما يتفق معه في معناه ، وان كان ذلك في النهاية لا يعادل حجية النص في القرآن الكريم .
فنجد الازدحام الشديد جدآ لملايين المسلمين الذين يتزاحمون على المكان ولايستطيعون اللحاق بالموعد المحدد ومن لحق فانه يواجه خطر الموت سقوطآ من أعلى الجسر أو دهسآ تحت الأقدام أو مصابين باصابات بالغة وكم من كثيرين جدآ كانت هذه أحوالهم من موت أو اصابة ، وبالتالي فانه ان لم يقوموا بالرمي وفي المواعيد المحددة فانه وفقآ لما أفهمهم اياه كثير من الناس وما تواتروا عليه بأن حجتهم ساعتها لا تحتسب وتصبح عمرة فقط وأن كل ما بذلوه من مجهود وتحملوه من مشقات ودفعوه من أموال طائلة لابد من اعادة الكرة مرة أخرى لتحسب لهم حجة ان كانوا مستطيعون لذلك سبيلا .
اضافة الى غياب المنطق الحقيقي والسليم في هذا التصرف فكيف يكون للشيطان رمز ومكان في أطهر بقاع الأرض ألا وهي مكة المكرمة كما أن الشيطان لا مكان له الا في قلوب وعقول الفاسدين والعصاة والطغاة ، واذا سلمنا بأن الرسول كان يقوم برمي الجمرات فانما كان يحاول أن يوصل رسالة رمزية الى قوم حديثي عهد بكفر وشرك بأن يرجموا حجرآ كانوا الى عهد قريب جدآ يتخذون من أمثاله أصنامآ وأوثانآ ، اضافة الى أنه اذا كان الشيطان في هذه اللحظة مقيدآ الى قطعة صخر ويتلقى الضربات الواحدة تلو الأخرى من ملايين البشر في وقت واحد فمن هو الذي في هذه اللحظة يوسوس في عقول وضمائر الناس في أقاصي الأرض ومن سيوسوس في عقول وقلوب راجميه بعد انتهائهم من الرجم ؟!! .
وفي النهاية فان رمي الجمرات ثبت أنه ليس من أركان الحج ويمكن أن يستعيض تاركها بذبح شاه في مكة وتوزع على المساكين والفقراء كما يقول كثير من رجال الدين .
كتب محمد بن اسحاق واضع أول موسوعة عن أخبار وتاريخ الرسول محمد صلى الله عليه وسلم باسم (سيرة رسول الله) والتي استند اليها كثير من العلماء والمفكرين وأصحاب المذاهب وكتاب التاريخ والسير كابن هشام والطبري ، كتب في مقدمة موسوعته تلك (الله وحده عليم أي الروايات صحيحة) .
كذلك قال الطبري في مقدمة كتابه (تاريخ الطبري) فما كان في كتابي هذا مما يستنكره قارئه أو يشنعه ، من أجل أنه لم يعرف له وجهاً في الصحة ، ولا معنى في الحقيقة ، فليعلم أنه لم يؤت ذلك من قبلنا ، وإنما أتى من قبل بعض ناقليه إلينا ، وإنما أدينا ذلك على نحو ما أدّي إلينا .
قال العالم الموسوعي الجليل علاء الدين ابن النفيس في كتابه (المختصر في علم أصول الحديث النبوي) أن ما بين أيدينا من أخبار فانما نتبع فيها غالب الظن لا العلم المحقق ، كما قال ربما أوجب استقصاؤنا النظر عدولآ عن المشهور والمتعارف ، فمن قرع سمعه خلاف ما عهده فلايبادرنا بالانكار ، فهذا طيش فرب غريب حق ومألوف محمود كاذب ، والحق حق في نفسه لا لقول الناس له .
ان الحج شعيرة من شعائر الله سبحانه وتعالى شأنها شأن كل الشعائر الربانية الغرض منها اعزاز الانسان وتحقيق حريته وكرامته بعبوديته لاله واحد لا يريد قرابين ولا ضحايا ولا احتكار من أحد يدعي الحكم بالحق الالهي ويصعب على الناس معيشتهم ويعقد طريقهم الى الله تعالى وينفر الكثيرين من أن يكونوا قومآ صالحين ويسمح لأعداء الدين أن ينظروا الى الدين على أنه عذاب وظلام ودماء .
ومن ناحية أخرى فانه يجب سن قانون يحدد ويقنن مرات الحج فلا تترك هكذا متاعآ للأغنياء والمقتدرين فيما يحرم منها الفقراء والمعوزين نتيجة تهافت قلة من الناس الأغنياء والمقتدرين على أداء الحج مرات ومرات مما يفقده روحانيته ويضعف من التزام الحجاج بحجتهم هذه أو تلك لأنهم قادرون على تأدينها مرات ومرات كما يشاؤون ان كلن لهم في العمر بقية ، فلو أن امرؤ علم أن هذه حجته الاخيرة أو أنه لن يستطيع اعادة الحج الا بعد خمس أو سبع أو عشر سنوات وفقآ للقانون فانه سيعمل جهده الجهيد للحفاظ على حجته وهذه النعمة التي آتاها الله له .
وبما يسمح ساعتها للفقراء والغير مقتدرين بالحج نتيجة تخفيف الضغط وانخفاض الأسعار فيما يقوم هؤلاء المقتدرون بانفاق أموالهم هذه التي ينفقونها بشكل كبير ومتكرر على الحج المتوالي لهم يقومون بانفاقها في أعمال الخير وغوث الفقراء وكفالة الأيتام وبناء المدارس والجامعات والمستشفيات وتمويل مراكز البحوث العلمية ، لكي يكونوا جزءً من مجتمع متقدم ومتطور ويخففوا الفوارق بين الطبيقات فلا تنتشر الموبقات والمفاسد فلا يعود الحاج الى مجتمعه بعد الحج وهو مجتمع ملئ بالموبققات ومظاهر الفشل والضياع .
فلنعد قراءة الدين وكل دين لنصل الى حقيقة واحدة بشكل حقيقي واقعي لا لفظي وشعاري بأن الأديان كلها من الله الرب الواحد وكلها تدعوا الى المحبة والعدل والسلام ، ونعلم الحقائق الغائبة من ديننا وكل دين ، فلا بد أن نقرأ ونفهم ولا نعتمد على غيرنا من مدعي احتكار الحقائق ومعيدي انتاج الأفكار السلفية دونما تجديد واجتهاد حقيقي سليم يثابوا عليه لا لمجرد أنهم حفظة لما آتاه الأولون ، نحن الذين سنحاسب على أعمالنا ولن ينفعنا الأولون ولا حتى المتأخرون فمن المؤكد أن كل نفس بما كسبت رهينة .
#أحمد_حمدي_سبح (هاشتاغ)
Ahmad_Hamdy_Sabbah#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ماهية الليبرالية والعلمانية
-
الى مرحلة انتقالية جديدة في مصر
-
الخلوة والتعذير
-
من قصص الظلام
-
دلالات الفيتو الروسي و الصيني
-
مصر ... لعبور المرحلة الانتقالية
-
ستة أيام في خلق الأرض
-
ما بعد اقتحام السفارة الاسرائيلية
-
حكومات فاشلة
-
التدخل العسكري في سوريا
-
خطر الاسلاميون
-
ثورات الحرية العربية وخريطة القوى الكبرى
-
في الحجاب
-
بين اسلام عصري وماضوي
-
خفايا تاريخ السلفيون والاخوان
-
التربية الأسرية بين القسوة والتدليل
-
بين الاتهامات ضد ايران ومبادرات الحل
-
دفاعآ عن الاسلام من اضطهاد الاسلامويون
-
المجتمع والزواج
-
انهم يهينون الثورة المصرية
المزيد.....
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|